من بين الفرق الـ24 في «يورو 2016»، بدأ منتخبان اثنان البطولة بتشكيل أساسي يضم الاعتماد على 3 مدافعين. أحد هذين المنتخبين، وهو منتخب ويلز تأهل إلى نصف النهائي قبل أن يودع أول من أمس على يد المنتخب البرتغالي، أما الفريق الآخر وهو منتخب إيطاليا فودع البطولة من دور الثمانية أمام المنتخب الألماني الذي لجأ هو الآخر للعب بـ3 مدافعين في الخط الخلفي لهزيمته. كانت هذه البطولة التي شهدت عودة الاعتماد على ثلاثي دفاعي.
هل يعني هذا أي شيء؟ هل لا تزال كرة القدم الدولية تملك القوة لإلهام المقلدين؟ هل يشهد الموسم المقبل موجة من الفرق التي تقلد ويلز وإيطاليا وألمانيا؟ في حقيقة الأمر، ربما لا. إن الهوة بين كرة القدم على مستوى الأندية وكرة القدم الدولية شاسعة الآن، ومستويات التطور في كرة القدم على مستوى الأندية متقدمة بشوط طويل جدا على الكرة الدولية لدرجة أن تدفق الأفكار يمكن يذهب فعلا في اتجاه واحد. إن الأداء القوي الواضح للثلاثي الدفاعي، إذا كان يشير لأي شيء خلاف حقيقة أن ويلز وإيطاليا لعبا بشكل جيد، إنما هو دليل على ما هو أكبر قليلا من الرجعية في كرة القدم في هذه البطولة.
ربما لا ينبغي أن يكون هذا بمثابة مفاجأة ضخمة. فقد وصل منتخب هولندي متوسط المستوى للغاية، رغم كل شيء، إلى نصف نهائي كأس العالم قبل عامين، وكان يلعب بطريقة 5 - 3 - 2 المعتمدة على الهجمات المرتدة، وهي طريقة معاكسة لفكر لويس فان غال السابق. ورغم الهزيمة في مباراة ودية 2 - 0 أمام فرنسا في مارس (آذار) 2014، إلا أن هذه الفكرة أذهلت فان غال وهو يشاهد فريق بي إس في أيندهوفن تحت قيادة رونالد كويمان مدرب إيفرتون حاليا.
أصبحت الطريقة التي تعتمد على 3 مدافعين، والتي اشتهرت في منتصف الثمانينات، طريقة عفا عليها الزمن في أواخر التسعينات، حيث أصبحت طريقة الاعتماد على مهاجم وحيد سائدة بشكل أكبر. وكانت المنطق يقول إنه مع اختفاء الأجنحة التقليدية، ليس هناك أي حاجة لأن يلعب الظهيران بشكل دفاعي. وتم نقل الظهيرين للأمام للانضمام إلى وسط الملعب، تاركين المدافعين الثلاثة للتعامل مع اثنين من المهاجمين: اثنين للرقابة وواحد كليبرو للتغطية. في مواجهة المهاجم الوحيد كان هناك رجلان إضافيان، وهو ما يعني أن الفريق الذي يلعب بـ3 مدافعين في الخلف يمكن أن يخسر التفوق العددي بشكل خطير في وسط الملعب، خصوصًا إذا ما اضطر الظهيران إلى التراجع للتعامل مع المهاجمين المتأخرين في طريقة 4 - 3 - 3 أو 4 - 2 - 3 - 1.
وأخيرًا، كان هناك تغيير في الفكر الكروي، جلبه برشلونة بقيادة جوسيب غوارديولا. وبينما أصبح من المعتاد أكثر وأكثر أن يحقق فريق نسبة استحواذ تصل إلى 65 أو 70 في المائة، فقد أصبحت الفرق أكثر ارتياحًا بشكل متزايد عندما تكون نسبة الاستحواذ بالنسبة لها أقل من 30 في المائة. إذن أصبح التراجع للعمق، والحرمان من المساحات، والسماح للمنافس بالتمرير حول وسط الملعب، وهو الأمر الذي جعل الفرق الأكثر استحواذا تشعر بعدم ارتياح شديد، أصبح هذا التراجع طريقة لعب ممكنة.
وفي هذا السياق، لا يهم إذا ما كان الفريق يخسر التفوق العددي في وسط الملعب. يصبح الرجل الإضافي (الليبرو) ميزة، فهو يوفر تغطية إضافية، ولاعبًا آخر للسيطرة على الكرات الضالة، والاعتراض. إن هذا الاستخدام الدفاعي لـ3 مدافعين ليس بجديد - فقد لجأت إليه في كثير من الأحيان الفرق التي تلعب بالأساس على عدم استقبال عدد كبير من الأهداف. وعندما فاز فريق استوديانتس بلقب الدوري الأرجنتيني على حساب فريق فيليز سارسفيلد في موسم 2010 - 2011، على سبيل المثال، فإن الفريق نجح في تأمين تعادل سلبي خارج أرضه في مواجهة فيليز، حسم له اللقب فعليًا، وكان يعتمد على ثلاثي دفاعي في مواجهة فريق يلعب بطريقة 4 - 3 – 3.
وفي الوقت نفسه، شاع على نحو متزايد أخيرا بالنسبة إلى الفرق (ربما ليستر سيتي الأبرز) أن تلعب بمهاجمين اثنين من جديد، وهو أمر كان مزلزلاً للفرق التي تعتمد بالأساس على لاعبي قلب الدفاع اللذين أصبحا غير معتادين على مواقف يضطر فيها كلا قلبي الدفاع إلى فرض الرقابة، بدلا من أن يتراجع أحدهما للقيام بالتغطية. يتعامل الدفاع المعتمد على 3 مدافعين مع هذا بشكل فعال كما اعتاد دائما أن يفعل.
لكن بعيدًا عن هذه النظرية، فإن هناك إحساس بأن ويلز وإيطاليا استعانتا بثلاثي دفاعي لأنه كان أفضل طريقة بالنسبة إلى اللاعبين المتوفرين. يحب مدرب المنتخب الإيطالي أنطونيو كونتي أن يضغط فريقه في أماكن متقدمة من الملعب. في أندية باري، وأتالانتا، وسيينا، فعل هذا برباعي دفاعي، لكن في يوفنتوس وجد أندريا بارزالي، وليوناردو بونوتشي وجورجيو كيلليني. تأقلم كونتي على الاعتماد على الثلاثة في فريقه. ومن ثم فقد شكل هذا حجر الأساس لمنتخب إيطاليا تحت قيادته.
استعان كريس كولمان مدرب منتخب ويلز بثلاثي دفاعي مرة واحدة فقط في مسيرته التدريبية الكاملة على مستوى الأندية، في اليوم الأخير لموسم 2005 - 2006، عندما فاز فريقه فولهام على ميدلزبره 1 صفر. تأقلم على هذه الطريقة مبكرا في مسيرة التصفيات في يورو 2016، وكان ذلك على ما يبدو في محاولة للاحتفاظ بجو ليدلي وجو ألين وأرون رامزي معًا في وسط الملعب، بينما لا يزال يمنح غاريث بيل حرية الحركة.
في كلتا الحالتين كان اختيار شكل اللعب ردا عمليا على الخيارات المتاحة. لم يكن أبدًا مسألة تتعلق بالفكر الكروي. لكن تلك القرارات كانت مناسبة لنمط هذه البطولة، حيث تبدو الفرق متمتعة بسرعة كبيرة على الارتداد الهجومي أو الدفاعي. لم يكن هناك كثير من المباريات التي شهدت لعبًا مفتوحًا وتبادلاً للهجمات. ولقد انتهت معظم المباريات على صورة هجوم في مواجهة دفاع. قدمت كل من إيطاليا وويلز أفضل عروضهما ضد فرق تهاجمهما، لكنهما عانتا بشكل أكبر في اختراق فرق تلعب بتحفظ أكبر. وكان قرار يواخيم لوف مدرب المنتخب الألماني بمجاراة إيطاليا على مستوى بناء الفريق، كما فعل خلال المباراة التي قاد فيها ألمانيا للفوز 4 - 1 على إيطاليا، وإن كانت ودية، في مارس، خطوة تفاعلية، وانضباطا ذاتيا. وبالنظر إلى أن ألمانيا كانت مهيمنة على مباراة دور الثمانية في «يورو 2016» من حيث الفرص، فيمكن القول إن الطريقة نجحت، لكن ما كان أحد ليصبح بهذا الكرم مع ألمانيا لو لم تؤدِّ إيطاليا ركلات الجزاء بهذه الطريقة المروعة.
إذن في حين أن الثلاثي الدفاعي كان وفقًا لأحد التفسيرات من السمات المميزة للبطولة، فمن غير المرجح أن يمتد تأثيره كثيرا إلى البطولات المحلية. قد يكون هناك مقلدون، لكن كما يوحي اعتماد فان غال على الثلاثي الدفاعي في أول مواسمه مع مانشستر يونايتد، فإن ما نجح على المستوى الدولي لا يكون له تأثير يذكر، إن كان له تأثير على الإطلاق، على كرة القدم على مستوى الأندية الكبرى.
طريقة «3 ـ 5 ـ 2».. نجاح بالصدفة أم حنين إلى الماضي؟!
اشتهرت في الثمانينات وعفا عليها الزمن في التسعينات ثم عادت من جديد في «يورو 2016»
طريقة «3 ـ 5 ـ 2».. نجاح بالصدفة أم حنين إلى الماضي؟!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة