ثلاثون عامًا من الصراع الداخلي بين رفسنجاني وخامنئي

استباقًا للانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2017

خامنئي .... رفسنجاني
خامنئي .... رفسنجاني
TT

ثلاثون عامًا من الصراع الداخلي بين رفسنجاني وخامنئي

خامنئي .... رفسنجاني
خامنئي .... رفسنجاني

تأثر المشهد الإيراني على مدى السنوات الثلاثين الماضية بالسباق المستمر وتصارع الآيديولوجيات بين المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يشغل حاليا منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهما ينتميان إلى جيل عاصر القمع والسجن في أيام الشاه، والتفا حول الخميني حينما واجه نظام الدولة الجديد اضطرابا بعد إنشائه، وتمكنوا من اعتلاء السلطة بعد عام 1989، واتفقت توجهاتهم الشخصية في عدة نواح مع توجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية عامة.
تناولت دراسة لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية صدرت مؤخرا ضمن سلسلة مسارات التي يصدرها المركز باللغتين العربية والإنجليزية، وحملت الرقم (24)، وعنوانها: (خلاف في القمة: أربعة عقود من الوئام والصراع والمصالحة بين هاشمي رفسنجاني وعلي خامنئي)، جذور هذا التنافس، والآثار المحتملة للتطور المستقبلي للنخبة في إيران، مع ترقب تغيير جزئي يطرأ على الأجيال المستقبلية بسبب ذلك، ولا سيما مع الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2017.
أكدت الدراسة تصاعد وتيرة التنافس بين خامنئي ورفسنجاني في المشهد السياسي الإيراني في السنوات الأخيرة على الرغم من عدم ظهور أي مؤشرات خارجية لوجود صراع، أو انعدام للثقة، أو الجفاء بينهما. وبدأت بعض إشارات هذه المنافسة بالبروز في الأسابيع الأخيرة، مع تحقيق الشخصيات التي يدعمها رفسنجاني النجاح في الانتخابات البرلمانية ومجلس خبراء القيادة، على حساب الشخصيات التي يدعمها خامنئي. وترجع الدراسة بروز رفسنجاني وخامنئي في الساحة السياسية إلى المراحل الأولى بعد سقوط نظام الشاه في فبراير (شباط) عام 1979، عندما شارك الاثنان بشكل واضح في إدارة الدولة بعد الثورة، وكانا حينها من رجال الدين المتوسطي الرتبة تحت سن الأربعين، وكانا ينتميان إلى تلك الشريحة من أتباع الخميني الذين لم يكن لديهم نشاط في المنفى، والذين شكلوا العمود الفقري لداعميه المستقرين في إيران.
أتاح نفي الخميني 15 عاما وانقطاعه عن عصبته الشابة أكثر من عقد من الزمن، الفرصة للمبتدئين أمثال خامنئي ورفسنجاني للظهور بوصفهم شخصيات مهمة في الترتيب السياسي، فتقلد رفسنجاني في ربيع عام 1979 منصب نائب وزير الدفاع، وتقلد خامنئي منصب نائب وزير الداخلية، في الحكومة الثورية المؤقتة التي قادها مهدي بازركان، وكان للاثنين دور مهم في إنشاء الحزب الجمهوري الإسلامي. كانت العلاقة بين خامنئي ورفسنجاني ودية في تلك الأشهر الأولى المحمومة، ففي اليوم الذي احتل فيه الطلاب الإيرانيون السفارة الأميركية في طهران كان رفسنجاني وخامنئي يؤديان مناسك الحج، فسارعا بالعودة ليجدا بازركان قد قدم استقالته. بقي رفسنجاني في منصبه، وجمع معه مؤقتا منصب وزير الداخلية، ونظم أول انتخابات رئاسية وبرلمانية في أوائل عام 1980م، لكن فشل رفسنجاني وخامنئي في إقناع الخميني بقبول ترشيح رجل دين اضطرهما إلى دعم أبو الحسن بني صدر. ومهدت نتائج الحزب الجمهوري الإسلامي الكاسحة الطريق أمام رفسنجاني ليصبح رئيسا للبرلمان، فشغل هذا المنصب من عام 1980 إلى عام 1989، ونجح رفسنجاني وخامنئي في مساعيهما للإطاحة ببني صدر في صيف عام 1981م، وضغطا على الخميني للحصول على موافقته على مرشح من رجال الدين، وكان أول رئيس للدولة من رجال الدين هو خامنئي نفسه.

الحفاظ على التفاهم
تضيف الدراسة: بحلول عام 1983 أصبح رجلا الدين خامنئي ورفسنجاني أكبر شخصيتين مهمتين بشكل واضح خلف كواليس الحكم، وتأرجح رفسنجاني بين اليمين واليسار بشكل متزايد، مع تحركه في بعض الأحيان إلى الاتجاه المعاكس لخامنئي، لكنه استمر مع ذلك في الإبقاء على التفاهم مع خامنئي. وكان أكثر التفاعلات أهمية وحسما بين خامنئي ورفسنجاني ما حصل في يونيو (حزيران) عام 1989 عندما اضطرت النخبة السياسية في إيران للتصرف سريعا بعد وفاة الخميني؛ إذ تمكن رفسنجاني من هندسة صعود خامنئي إلى القيادة، ولم يعارض خامنئي (الحديث المنصب) تولي رفسنجاني منصب الرئاسة، وهو ما جعلهما أهم شخصيتين قياديتين في إيران ما بعد الخميني، فسيطر كل منهما بنهاية عام 1989 على معظم السلطات التنفيذية، وسيطرا على الرتب العليا في الجيش والحرس الثوري، وأديا دورا مهيمنا في السياسة الخارجية والاقتصادية.
كان ارتقاء خامنئي إلى منصب القيادة نتيجة لحسابات رفسنجاني في ذلك الوقت، فقد تمثلت رؤيته في أن وجود خامنئي على سدة الحكم سينتج منه قيادة تعاونية لا تتعارض مع ظهوره بوصفه شخصية بارزة في إيران ما بعد الخميني، وبالفعل كان خامنئي فاعلا في حماية رفسنجاني من النقد المتنامي من الفصائل اليسارية والشخصيات البارزة، كما وفر له دعما أساسيا في بعض المناسبات، كقرار اتخاذ موقف الحياد في الصراع بين العراق والكويت عام 1991، واستطاع الثنائي في ظل احتكارهما السلطة إقصاء اليسار من خلال التدابير المؤسسية، لكن بدأت التصدعات بينهما تظهر شيئا فشيئا بعد أن عمد خامنئي إلى حشد الدعم لنفسه من خلال إنشاء شبكة شخصية من الموالين له في قيادة القوات المسلحة والوزارات الحساسة، فضيق الخناق على محاولات رفسنجاني الناعمة الوصول إلى وفاق مع الغرب، وتخفيف الأعراف الإسلامية المتشددة، وخفض الإنفاق العسكري. ثم شارك رفسنجاني في محاولة غير سديدة للعودة إلى الوسط مع إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2005، ومع حصوله على موافقة خامنئي التقليدية والضرورية بدأ رفسنجاني المرشح المفضل لدى القائد الأعلى منذ البداية، لكن آمال رفسنجاني في العودة إلى الرئاسة طرحت أرضا مع تحدي أحمدي نجاد، الذي تمكن في نهاية المطاف من حصد ثمار النفور الشعبي تجاه رفسنجاني بعد أن وصمه عدد من الصحف الإصلاحية والكتب الأكثر مبيعا للصحافيين الاستقصائيين الجريئين بأنه محرض على القتل السياسي والعنف. وبنهاية عام 2005 كانت موازين القوى بين رفسنجاني وخامنئي تميل بقوة إلى مصلحة خامنئي، الذي منع عودة رفسنجاني إلى الصدارة، وتحكم في بقايا السلطة المؤسسية التي تحتفظ بها الفصائل الإصلاحية.

اشتعال العداوة
أكدت الدراسة أن رفسنجاني ظل على هامش النظام السياسي بعد إضعاف كثير من الفصائل المعتدلة بعد عام 2009، لكنه حافظ على موطئ قدم له في الأوساط الداخلية للنظام، وترأس مجلس الخبراء إلى عام 2011، وكانت مواقفه تتطور باستمرار منذ عام 1989، بينما ظل خامنئي ثابتا في إيران ما بعد الخميني على نظرته إلى العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي، وعلى موقف متصلب محافظ لا يتزعزع. وعاد رفسنجاني إلى الساحة السياسية في انتخابات عام 2013، على الرغم من عدم نجاحه في الحصول على موافقة مباشرة من خامنئي؛ بسبب طبيعة العلاقة بين الرجلين، لكن قرر مجلس صيانة الدستور المحافظ عدم التصديق على (كفاءة) رفسنجاني، فقرر رفسنجاني دعم ترشيح حسن روحاني، الذي عمل نائبا للشؤون العسكرية لديه في تسعينيات القرن الماضي، ورئيسا لمركز الدراسات الاستراتيجية (الهيئة التي كانت تحت رعاية مجلس تشخيص مصلحة النظام بقيادة رفسنجاني منذ عام 1997).
كانت للانتخابات الأخيرة للبرلمان ومجلس الخبراء أثر في إشعال العداوة بين خامنئي ورفسنجاني؛ فقد استطاع رفسنجاني بنجاح تحويل استطلاع المجلس في طهران، الذي حل فيه على رأس القائمة التي ضمت شخصيات كثيرة من داعمي الحكومة الحاليين من المعتدلين والمحافظين، إلى استفتاء على نفسه، وهو ما وفر له أول فرصة لقياس شعبيته على مدى عقد من الزمان. أما خامنئي، فقد اعتمد بشكل ضمني على أداء أصدقائه المتشددين، الذين كانوا عرضة لحملة إعلامية واجتماعية نشطة تدعو إلى إقصائهم من المجلس المقبل. وانتهت انتخابات المجلس في طهران بفوز ساحق للجناح المعتدل، الذي فاز بجميع المقاعد الستة عشر المتوافرة ما عدا مقعد واحد، وعبر خامنئي بعد الانتخابات عن سخطه علنا في عدة مناسبات. اضطر خامنئي إلى الرضوخ لاعتلاء رفسنجاني الصدارة، لكنه شارك في عدة خطب وتصريحات أظهرت مدى الفجوة بين الطرفين بشأن القضايا السياسية الرئيسية، حتى حدثت بينهما واحدة من كبرى المواجهات اللفظية المباشرة في السنوات الأخيرة. فبعد تصريح خامنئي عن دعمه الثابت لتجارب البطاريات الصاروخية التي قام بها الحرس الثوري أصدر حساب لرفسنجاني على موقع «تويتر»، يديره فريق العلاقات العامة التابع له، في أواخر شهر مارس (آذار) عام 2016 رسالة تمثل تحديا مباشرا وغير مسبوق لإعلان القائد الأعلى، وهي: «عالم الغد هو عالم الحوار، وليس الصواريخ»، وأثارت التغريدة سخط خامنئي، فأعلن أن الذين يعارضون إطلاق الصواريخ «مضللون أو خونة».

صراع الانتخابات الرئاسية
خلصت الدراسة إلى أن العلاقة بين رفسنجاني وخامنئي تمثل التحركات السارية بين نوعين من الفصائل الرئيسة في إيران، فقد تزاحم الاثنان على السلطة بمساعدة أحدهما الآخر أحيانا، أو بالتواطؤ معا في كثير من الأحيان لإخراج الخصوم المشتركين من المعادلة السياسية، لكن غالبا ما كانا يجدان نفسيهما في خلاف معا نتيجة للاختلافات الواضحة والمتسعة في الرؤى الآيديولوجية والسياسية؛ فعلاقتهما أشبه ما تكون بعلاقة الشركاء المتجافين، الذين يعيشون تحت سقف واحد، ويتقاسمون رعاية أسرهم، بدلا من الابتعاد والانفصال تماما. ومن غير المحتمل لهذا الوضع أن يتغير ما دام كلاهما يمثل عضوا نشطا وقويا في النخبة السياسية في إيران، وما دامت علاقاتهما الشخصية والسياسية تشهد حالة من الجمود المستمر.
وأكدت الدراسة أنه على الرغم من المزايا المؤسسية التي يمتلكها خامنئي، فإنه غير قادر على إقصاء رفسنجاني من المشهد السياسي؛ بسبب جذور رفسنجاني العميقة المتغلغلة داخله، أو حتى على التقليل من النفوذ الكبير الذي يمارسه رفسنجاني على المسرح السياسي أو القضاء عليه. ومع اقتراب بلوغ نظام الدولة الخمينية 40 عاما، والسعي إلى إحداث تغيير انتقالي للجيل المقبل، الذي تُرك معلقا بعد أول محاولة مفاجئة خلال رئاسة أحمدي نجاد، ستشهد تلك المرحلة الانتقالية تسارعا أشد. ويتفوق خامنئي في هذا الصدد بمزيتين، هما: الفارق في العمر (76 عاما لخامنئي، مقابل 82 عاما لرفسنجاني)، والآليات الضخمة والنفوذ المالي الموجودان تحت تصرف خامنئي.
وتخضع النتيجة النهائية لهذا الصراع لمدى قدرة كل من خامنئي ورفسنجاني على حشد جيل حديث من المساعدين. وكالعادة، فإن المواجهة بين رفسنجاني وخامنئي ستستمر، وسيكون المؤشر المبكر على ذلك هو الانتخابات الرئاسية عام 2017، فلن يقف خامنئي في طريق المرشح المحافظ القوي، ربما الرئيس السابق أحمدي نجاد، الذي سيعمل على منصة مناهضة للحكومة، وسيُلقي اللوم على إدارة روحاني لعدم التزامها باقتصاد المقاومة، وتقاربها المفرط مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب. وكما حدث في العقود الأربعة الماضية سيتواجه الشريكان القديمان مرة أخرى في إحدى معاركهما الضارية، التي ستترك علامة لا تُمحى في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ نشأتها تقريبا.



وزارة الدفاع التركية تعلن إسقاط طائرة مسيّرة فوق البحر الأسود

طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)
طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)
TT

وزارة الدفاع التركية تعلن إسقاط طائرة مسيّرة فوق البحر الأسود

طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)
طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)

أعلنت وزارة الدفاع التركية إسقاط مسيّرة «خارج السيطرة»، الاثنين، بعدما اقتربت من المجال الجوي التركي من جهة البحر الأسود.

وجاء في بيان للوزارة: «تجنّباً لأي عواقب ضارة، أُسقطت الطائرة المسيّرة في منطقة آمنة وبعيدة من أي مناطق مأهولة»، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت أنقرة: «تم رصد وتعقب أثر جوي... في إطار الآليات الروتينية» فوق البحر الأسود، و«تبيّن أن الأثر الجوي المعني هو مسيّرة خارج السيطرة». وأضافت: «بهدف ضمان أمن المجال الجوي، تم نشر مقاتلاتنا من طراز (إف-16) تحت قيادة حلف شمال الاطلسي (ناتو) والقيادة الوطنية، في مهمة اعتراض».

ويأتي هذا الحادث بعدما حذّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، السبت، من تحوّل البحر الأسود إلى «منطقة مواجهة» بين روسيا وأوكرانيا، وذلك إثر ضربات عدة طالت سفناً في الأسابيع الأخيرة.


مستشار خامنئي: نعارض بشدة «مشروع ترمب» في القوقاز

ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)
ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)
TT

مستشار خامنئي: نعارض بشدة «مشروع ترمب» في القوقاز

ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)
ولايتي يلتقي السفير الأرميني غريغور هاكوبيان (إرنا)

قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، إن طهران تعارض بشدة ما وصفه بـ«مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترمب» في القوقاز، وذلك عقب اتفاق رعته واشنطن بين أرمينيا وأذربيجان لإنشاء ممر عبور جديد.

وجاءت تصريحات ولايتي لدى استقباله السفير أرمينيا لدى طهران، غريغور هاكوبيان، حيث ناقشا آخر المستجدات بما في ذلك أوضاع جنوب القوقاز.

ووقعت أرمينيا وأذربيجان، في وقت سابق من أغسطس (آب) الحالي، اتفاقاً في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، يرمي إلى وضع حد لعقود من النزاع بين الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين.

ونصّ الاتفاق على إنشاء «منطقة عبور» عبر أرمينيا تربط أذربيجان بجيب نخجوان التابع لها غرباً، على أن يُسمى «طريق ترمب للسلام والازدهار الدوليين»، الذي عرف بـ«ممر تريب». وبموجب الاتفاق، تحظى الولايات المتحدة بحقوق تطوير الممر المعروف كذلك بـ«ممر زنغزور».

مصافحة ثلاثية بين دونالد ترمب وإلهام علييف ونيكول باشينيان في البيت الأبيض يوم 8 أغسطس 2025 بعد توقيع الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان (رويترز)

ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن ولايتي قوله إن ما يُعرف بـ«مشروع ترمب» في القوقاز، لا يختلف عن «ممر زنغزور»، وأن إيران تعارضه بشكل قاطع. وأضاف أن طهران عارضت منذ البداية مشروع ممر زنغزور، بسبب رفضها أي تغيير في الحدود أو أي تطورات من شأنها تهديد أمنها الإقليمي.

ورأى ولايتي أن «مشروع ترمب» هو عملياً المشروع نفسه مع تغيير في التسمية فقط، ويجري حالياً الترويج له عبر دخول شركات أميركية إلى أرمينيا.

وأوضح ولايتي أن إيران أعلنت معارضتها الحازمة لهذا المشروع، سواء بمشاركة روسيا أو من دونها، حتى في الفترة التي كانت فيها موسكو منشغلة بالحرب في أوكرانيا، مضيفاً أن طهران نجحت في منع تنفيذه؛ لأن هذا الممر كان يمكن أن يفتح الطريق أمام وجود حلف شمال الأطلسي (ناتو) شمال إيران، ويشكّل تهديداً خطيراً لأمن شمال إيران وجنوب روسيا.

وحذر ولايتي من أن «التجربة أثبتت أن الولايات المتحدة تدخل المناطق الحساسة بدايةً عبر مشاريع ذات طابع اقتصادي، قبل أن يتوسع وجودها تدريجياً ليأخذ أبعاداً عسكرية وأمنية»، مشدداً على أن «أي مشروع يفتح الباب أمام الوجود الأميركي على حدود إيران ستكون له تداعيات أمنية واضحة».

وفي أغسطس، توالت المواقف الإيرانية المنددة بمشروع «ممر تريب (طريق ترمب للسلام والازدهار الدوليين)»، منذ الإعلان عن الاتفاق بين باكو ويريفان.

وقال مسؤولون ونواب إيرانيون إن مشروع «ممر زنغزور» لا يمكن عده قضية عابرة، «بل يمثل خطاً أحمر يتعلق بأمن الحدود والسيادة الإقليمية». وكان ولايتي قد عدّ أن «مؤامرة» من شأنها أن تعرّض «أمن جنوب القوقاز للخطر»، محذراً من أنه «لن يتحول إلى ممر يملكه ترمب، بل سيكون مقبرة لمرتزقته».

وبعد أسبوع من توقيع الاتفاق، توجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى بريفان، عاصمة أرمينيا، وأجرى مباحثات مع رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، في محاولة للاطلاع على تفاصيل الاتفاق.

وقلل وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، حينها من الردود الداخلية، قائلاً إن الاتفاق «يحترم مواقفنا المبدئية، لكن الوجود المحتمل لشركة أميركية يثير القلق، وسنواصل التشاور ومتابعة التطورات من كثب».


برّاك يحاول إقناع نتنياهو بقبول تركيا في غزة

جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)
جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)
TT

برّاك يحاول إقناع نتنياهو بقبول تركيا في غزة

جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)
جانب من اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)

تطابقت التقارير العبرية، حول لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمبعوث الأميركي الخاص لسوريا سفير الولايات المتحدة لدى تركيا، توم برّاك، الاثنين، في القدس، على تلقّي الأول «رسائل حادة وخاصة» من إدارة الرئيس دونالد ترمب، قبل قمة أميركية - إسرائيلية مرتقبة، نهاية الشهر، في فلوريدا. وتركز الاجتماع بين برّاك ونتنياهو على 3 محاور هي: غزة، وسوريا، واللقاء مع ترمب.

تصريحات غير مقبولة في غزة

وفي ملف غزة، والانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي بدأ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن صحيفة «يديعوت أحرونوت» أفادت بأن «برّاك حاول تبديد مخاوف نتنياهو من الدور التركي وإقناعه بمشاركتها في القوات الدولية في قطاع غزة، موضحاً أن تركيا هي الدولة الأكثر تأثيراً على (حماس)، والأكثر قدرة على إقناعها بنزع سلاحها».

وأفادت الصحيفة بأن براك ذكّر نتنياهو بأن تركيا «وقّعت على خطة ترمب (بشأن وقف إطلاق النار في غزة)، وتعهدت باسم (حماس) ببند تسليم الأسلحة، وستؤدي مشاركتها إلى تحفيز العديد من الدول المترددة حالياً بالمشاركة في القوة الدولية».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال توقيعه على إعلان شرم الشيخ حول السلام بالشرق الأوسط (الرئاسة التركية)

وحسبما نقلت الصحيفة، فإن برّاك قال «إن عدم مشاركة تركيا يجعل تلك الدول تتراجع عن المشاركة، والرئيس ترمب لن يسمح بفشل هذه الفكرة، موضحاً أن تصريحات نتنياهو التي قال فيها إنه لا يثق بأن (حماس) ستتخلى عن أسلحتها، وتهديده بأن إسرائيل هي التي ستستطيع ذلك، هي تصريحات غير مقبولة، وتشكل تهديداً للخطة».

وتوافقت الإفادات السابقة، مع ما نقلته «القناة 12 للتلفزيون الإسرائيلي»، الاثنين، أن «البيت الأبيض نقل رسالة (خاصة وحادة) إلى نتنياهو، شددت على أن اغتيال القيادي العسكري البارز في حركة (حماس)، رائد سعد، يشكّل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة ترمب».

كما أكدت القناة وجود «توتر متصاعد بين إدارة ترمب وحكومة نتنياهو، على خلفية الخلاف حول الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق لإنهاء الحرب على غزة، إضافة إلى السياسات الإسرائيلية الأوسع في المنطقة».

وقال مسؤولان أميركيان للقناة إن وزير الخارجية ماركو روبيو، والمبعوث الخاص للبيت الأبيض ستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي، باتوا «محبطين للغاية» من سلوك نتنياهو.

ونقل التقرير عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن فحوى الرسالة التي وُجّهت إلى نتنياهو كان واضحاً: «إذا كنت تريد تدمير سمعتك وإظهار أنك لا تلتزم بالاتفاقات فهذا شأنك، لكننا لن نسمح لك بتدمير سمعة الرئيس ترمب بعد أن توسط في اتفاق غزة».

وفي الضفة الغربية، قال مسؤول أميركي كبير ومصدر مطّلع إن البيت الأبيض يشعر بقلق متزايد إزاء عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وما يراه «استفزازات إسرائيلية» تضر بالجهود الأميركية لتوسيع (الاتفاقيات الإبراهيمية)، وأضاف المسؤول الأميركي: «الولايات المتحدة لا تطلب من نتنياهو المساس بأمن إسرائيل، بل تطلب منه عدم اتخاذ خطوات تُفسَّر في العالم العربي على أنها استفزازية».

وقال مسؤول أميركي: «نتنياهو تحوّل خلال العامين الماضيين إلى شخصية منبوذة دولياً. عليه أن يسأل نفسه لماذا يرفض (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي لقاءه، ولماذا، بعد خمس سنوات على اتفاقيات أبراهام، لم تتم دعوته لزيارة الإمارات».

وأضاف: «إدارة ترمب تبذل جهداً كبيراً لإصلاح الوضع، لكن إذا لم يكن نتنياهو مستعداً لاتخاذ خطوات لخفض التصعيد، فلن نضيّع وقتنا في محاولة توسيع (الاتفاقيات الإبراهيمية)»

شتائم لنتنياهو في البيت الأبيض

وبدا لافتاً أن ترمب أوفد براك إلى نتنياهو، رغم الهجوم الذي شنه رئيس الوزراء الإسرائيلي ضد الدبلوماسي الأميركي خلال الآونة الأخيرة، إلى حد تصريحه بأنه يرى فيه «سفيراً تركياً لدى أمريكا، وليس سفيراً أميركياً لدى تركيا».

كما ازدادات حمى غضب نتنياهو من براك، عندما شكك بالديمقراطية الإسرائيلية قبل أسبوعين، ما دعا برّاك للاعتذار، قبل زيارته، عن التصريح مع مطالبة نتنياهو بعدم تضخيم الأزمة على حساب القضايا الكبرى التي جاء لبحثها.

ونقل الصحافي ناحوم بارنياع في «يديعوت أحرونوت»، الاثنين، عن مصدر مطلع، أن «الأمريكيين بدؤوا يكتشفوا أن نتنياهو ليس جاداً في التقدم نحو تطبيق خطة ترمب للسلام، وأنه يعمل كل ما بوسعه كي تبقى إسرائيل في حرب الى الأبد».

وقال بارنياع: «روى لي مصدر مطلع، بأن وابلاً من الشتائم في البيت الأبيض نزلت على رأس رئيس وزراء إسرائيل؛ قيلت كلمات تمتنع صحيفة شريفة عن كتابتها. ولا ينبغي استبعاد إمكانية أن شيئاً من هذا قيل لنتنياهو مباشرة في أثناء نهاية الأسبوع»، وفق ما أفاد الكاتب الإسرائيلي.

خطوط حمراء في سوريا

وتذهب التقديرات الإسرائيلية إلى أن برّاك حدد في اجتماعه مع نتنياهو «خطوطاً حمراء» بشأن النشاط الإسرائيلي في سوريا، عبر التأكيد على رغبة ترمب التي عبّر عنها سابقاً، في أن الرئيس السوري أحمد الشرع يمثل حليفاً لواشنطن، يجب دعمه في مساعيه لاستقرار الدولة ودفعها إلى الأمام، ولذلك يرغب الأميركيون في تجنب أي إجراءات يرونها تقوض حكمه.

ونقلت التقارير العبرية أن برّاك نقل أن الأمريكيين يخشون من أن تؤدي كثرة العمليات الإسرائيلية إلى انهيار النظام في سوريا، بالإضافة إلى رغبتهم في التوصل إلى اتفاق أمني.

وفي شأن لبنان، فإن ترمب يريد من إسرائيل استمرار ممارسة الضغوط على «حزب الله» من خلال عمليات محدودة، لكنه لا يوافق حالياً على عمليات حربية موسعة.

ووذهب محللون إسرائيليون إلى أن نتنياهو لن يرفض كل طلبات برّاك، بل يحاول الانسجام معها ولكن من دون التزام قاطع، وهدفه في ذلك هو أن يمهد الطريق لإنجاح لقائه مع ترمب في فلوريدا، يوم 29 ديسمبر (كانون الاول) الحالي.

ولكن نتنياهو في الوقت نفسه، لم يفوت فرصة الظهور كمن يتخذ قرارات مستقلة، فأرسل قواته لقصف جوي في سوريا، قبل لحظات من وصول براك إلى مكتبه.

المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقاء يوم الاثنين (الحكومة الإسرائيلية)

وفي إطار الاستفزاز لتركيا ورئيسها رجب طيب اردوغان، قرر استضافة قمة ثلاثية تجمعه مع رئيس وزراء اليونان ورئيس قبرص، في لقاء مشترك وُصف في إسرائيل بأنه يحمل رسالة سياسية مباشرة ضد تركيا. بيد أن براك قال في ختام لقائه مع نتنياهو إن الاجتماع كان «حواراً بناءً يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين».