* بمناسبة مرور 100 سنة على قيام المخرج الأميركي ديفيد وورك غريفيث (أو د. و. غريفيث، كما شهرته) بتحقيق «مولد أمّة» أحد أكثر الأفلام إثارة للجدال في التاريخ، أطلقت مؤسسة «بريتيش فيلم إنستتيوت»، في مطلع هذا العام، الفيلم على أسطوانتين. واحدة للفيلم نفسه والأخرى لملحقاته من وثائق ونقاشات.
* في الوقت نفسه، كان مهرجان صندانس يحتفل بفيلم آخر بالعنوان ذاته قام نك باركر بتحقيقه ولا يزال مدرجًا على جداول العروض قبل نهاية العام.
* ليس من شغل الصدف أن «مولد أمّة» الجديد يحمل هذا العنوان، وليس صدفة أيضًا أن يتم إطلاقه بعد مائة سنة على ظهور الفيلم السابق، ذلك أن الفيلمين يتناولان الحقبة التاريخية ذاتها: الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال المتحد والجنوب المنفصل التي كانت تجارة العبيد والعنصرية أحد أهم أسباب نشوبها. الحكومة الفيدرالية أصدرت قانونًا يجرم التجارة بالعبيد في أي مكان من الولايات المتحدة وولايات الجنوب مثل، ألاباما وساوث كارولاينا وميسيسيبي وجورجيا ولويزيانا، عارضته ولجأت إلى السلاح لمقاومته.
* المختلف بين الفيلمين في هذا النطاق، أن «مولد الأمة» لغريفيث كان أحد أكثر الأفلام عنصرية في تاريخ السينما الأميركية آنذاك وحتى اليوم. أما «مولد الأمة» لباركر هو الجانب الآخر من العملة. فيلم يدعو إلى مناهضة ما ذهب إليه فيلم غريفيث. بينهما فيلم آخر مناهض للعنصرية تم طرحه قبل أيام وهو «ولاية جونز الحرّة».
* فيلم غريفيث مأخوذ عن مسرحية وعن رواية. كلاهما من كتابة توماس ديكسون، وكلاهما لا يخفي عنصريته تجاه السود، والرواية تصوّر قيام المتمردين السود، وقد أصبح الجيش الفيدرالي على أبواب ساوث كارولاينا، باغتصاب النساء ذوات البشرة البيضاء اللواتي لجأن إلى الانتحار بعد ذلك بسبب العار اللاحق بذلك الفعل. في الواقع بعض الحوادث سبقت كتابات ديكسون وبالتالي الفيلم، لكن ما حشده ديكسون وغريفيث هو الإدانة العنصرية الواضحة للفعل متوّجة بمباركة ظهور منظّمة «كوكلس كلان» العنصرية وإنقاذها الشرف الأبيض من «التلوث» الأسود.
* فيلم غريفيث لم يكن ساذجًا. هذا أول فيلم أميركي طويل (ساعتان و45 دقيقة بما فيها استراحة بين جزئية) من مخرج كان أنجز نحو مئات الأفلام القصيرة منذ أن تحوّل من ممثل إلى مخرج سنة 1908 وحمل للسينما أسلوب عمل مغايرًا، فنيًا وتقنيًا، عما كان سائدًا. مشاهدته اليوم ما زالت تعكس سينما ناضجة ورائعة التصميم والسرد قام بها المخرج في الوقت الذي تجسد موقع القلب في الموضوع.
* غريفيث كان أنجز أفلامًا تدين الرجل الأبيض وتظهره شريرًا حيال الأميركيين الأصليين، وفي فيلم له، بعنوان «وردة كنتاكي» أظهر «كوكلس كلان» أشرارًا وتعامل مع الحرب الأهلية في أفلام قصيرة أخرى، لكن لم يسبق له أن تبنّى الجماعة العنصرية ومجد البغضاء كما فعل في «مولد أمّة».
* من حينها والنقاش الدائم هو: هل «مولد أمّة» فيلم عنصري أولاً، أو فيلم بقفزة نوعية كبيرة قبل أي شيء آخر. الحقيقة إنه فيلم عنصري وقفزة نوعية ملتصقان في نتيجة واحدة غير منفصلة.
المشهد: من أمّة إلى أمّة
المشهد: من أمّة إلى أمّة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة