أوروبا للندن: مفاوضات الخروج لن تكون على أساس الانتقاء

نداءات غاضبة من قيادات أوروبية تطالب بتسريع «إجراءات الطلاق»

ديفيد كاميرون مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند (رويترز)
ديفيد كاميرون مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند (رويترز)
TT

أوروبا للندن: مفاوضات الخروج لن تكون على أساس الانتقاء

ديفيد كاميرون مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند (رويترز)
ديفيد كاميرون مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند (رويترز)

واجهت بريطانيا نداءات غاضبة من قيادات أوروبية تطالب بسرعة تحركها لتسوية حالة الفوضى السياسية والاقتصادية التي أعقبت نتيجة قرار الناخبين البريطانيين الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، والذي قال صندوق النقد الدولي إنه من الممكن أن يفرض ضغوطًا على النمو العالمي.
وشهدت أسواق المال انتعاشًا بسيطًا أمس بعد أن محت نتيجة الاستفتاء رقمًا قياسيًا من قيمة الأسهم العالمية بلغ ثلاثة تريليونات دولار، وبعد أن انخفض الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته منذ 31 عامًا، لكن التقلب كان سمة التعاملات وتعهد المسؤولون رسم السياسات بأخذ كل التدابير الضرورية لحماية الاقتصاد.
وأعلن وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن الذي قوبلت محاولاته لتهدئة الأسواق بآذان صماء، أنه سيضطر لخفض الإنفاق وزيادة الضرائب لضمان تحقيق الاستقرار المالي بعد أن خفضت وكالة ثالثة للتصنيفات الائتمانية تصنيف ديون بلاده. وقد أعلنت الشركات تجميد التعيينات الجديدة واحتمال الاستغناء عن موظفين، ما حطم آمال الناخبين أن يزدهر الاقتصاد البريطاني خارج الاتحاد الأوروبي.
وتشعر دول أوروبية بالقلق على وجه الخصوص من أثر حالة الغموض التي خلقها استفتاء الانفصال على بقية الاتحاد الأوروبي دون أن يكون لديها أدنى فكرة عن الموعد الذي ستتقدم فيه بريطانيا رسميا بطلب الانسحاب.
وطالب جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية للبرلمان الأوروبي، رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأن يوضح في أقرب وقت ممكن الموقف البريطاني، لكنه لا يتوقع أن تبدأ عملية الانفصال التي تستغرق عامين «اليوم أو صباح غد».
وقال كاميرون الذي استقال بعد أن اتضح فشل جهوده في إقناع البلاد بالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء إنه سيترك مسألة بدء ترتيبات الانفصال رسميا لمن يتولى رئاسة الوزراء بعده. ويقول حزب المحافظين إنه يهدف لاختيار زعيم جديد بحلول أوائل سبتمبر (أيلول)، فيما قال المروجون لانفصال بريطانيا إنهم يأملون التفاوض على اتفاق جديد لبلادهم مع أوروبا قبل بدء عملية الانفصال. وردت قيادات أوروبية بأن هذا الأمر ليس خيارًا واردًا. وقال يونكر: «لا تفاوض دون إخطار».
ووصل كاميرون إلى بروكسل أمس، وبدأ اجتماعا مع يونكر دون أن يتبادل الاثنان كلمة أمام الإعلام. والتقى كاميرون أيضا برؤساء حكومات أوروبيين في لقاءات منفردة. وقد أوضح نواب بالبرلمان الأوروبي أنهم يأملون أن يبدأ كاميرون العملية على عشاء يوم أمس، لكن مسؤولا بالاتحاد الأوروبي قال الاثنين الماضي أن ذلك غير واقعي في ضوء الفوضى السياسية التي تشهدها لندن، والانقسامات العميقة في حزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض.
من جهته، أوضح جي فيرهوفشتانت، رئيس وزراء بلجيكا السابق وزعيم المجموعة الليبرالية في البرلمان الأوروبي، أمس أن «الأعضاء السبعة والعشرين الآخرين في الاتحاد الأوروبي يجب عليهم ألا ينتظروا حتى يتدبر المحافظون المشتتون أمرهم»، وندد بما وصفه بأنه «أكاذيب» أطلقتها حملة المنادين بالانفصال.
وفي قمة الدول الأعضاء الـ27 اليوم الأربعاء، يتوقع أن يناقش القادة خطوات خروج بريطانيا وكيفية إعطاء دفعة جديدة لأوروبا. ويرتقب أن تدعو بروكسل إلى اجتماع غير رسمي لقادة دول الاتحاد في سبتمبر المقبل، وقد ينعقد في براتيسلافا حيث ستبدأ الرئاسة الدورية الجديدة للاتحاد الأوروبي التي تتولاها سلوفاكيا مطلع يوليو (تموز).
ويسعى قادة أوروبا إلى توجيه رسالة طمأنة للرأي العام الأوروبي، تؤكد على أن ما حدث لن يؤثر في المشروع الأوروبي الوحدوي، والمضي قدما على طريق تقوية التكتل الأوروبي الموحد ليحقق مصالح المواطنين. في الوقت ذاته، هناك قناعة أوروبية بأن عملية خروج بريطانيا لا بد أن تجري في ظل المعاهدات التي تنظم هذا الأمر، وبعيدًا عن أي تصفية حسابات أو معاقبة أي طرف، وبعدها يجري تحديد إطار شراكة بين الجانبين بما يحقق مصالحهما.
وقبل ساعات من انطلاق القمة، قال رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال إن ساسة أوروبا ارتكبوا أخطاء عند توجههم لشعوبهم، فقد أعطوا انطباعًا بأن كل ما هو سيئ يأتي من الاتحاد الأوروبي، وكل ما هو جيد تحقّقه الحكومات، مما أدّى إلى تنامي قوة التيارات الشعبوية ومكانة اليمين المتطرّف.
أما رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، فقد أكد على أن خروج بريطانيا هو «صدمة.. ولكن الوقت حان لأمل جديد بالنسبة لأوروبا». وأضاف أنه «لا يجب إضاعة الوقت، لأنه لا يمكن أن يظل الاتحاد الأوروبي في فترة عدم يقين لفترة طويلة». وبدأت القمة أعمالها بنقاش تقليدي مع رئيس البرلمان، ثم جلسة نقاش مع رئيس الوزراء البريطاني على عشاء عمل حول عملية الاستفتاء وتفاصيل المرحلة المقبلة، ثم يجتمع القادة اليوم الأربعاء دون ديفيد كاميرون وتستمر أعمال القمة يومين.
وتميزت قمّة أمس الأوروبية - البريطانية بكمية رسائل تطمينات هائلة، حيث استهلها المسؤولون الأوروبيون بإطلاق الكثير من الرسائل تجاه بريطانيا وتجاه الشعوب الأوروبية والعالم، مطالبين لندن بتسريع «إجراءات الطلاق». وبهذا الصدد، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنه لن تكون هناك أي مفاوضات مع بريطانيا «حسب الطلب»، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي مصمم على عدم بدء أي عملية تفاوض دون إعلان لندن نيتها الخروج رسميًا، مما سيؤدي إلى تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة المنظمة لمثل هذا الوضع غير المسبوق.
وحرص الجميع على التأكيد على أن أوروبا ستبقى موحدة ومتماسكة رغم خروج بريطانيا، وذلك في محاولة لتطويق النتائج السياسة والاقتصادية لـ«بركسيت».
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الإيطالي ماتّيو رينزي، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، قد أكدوا خلال لقائهم الاثنين على نيتهم التقدم بمشروعات محددة لإعطاء «دفعة جديدة للمشروع الأوروبي». وفي الإطار نفسه، أكد رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال، أنه سيبذل كل جهده من أجل أن يمنع أي انعكاسات سلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد على بلاده.
وفي تصريحات قبل انطلاق القمة، أكد المسؤول البلجيكي موقف بلاده «الحازم» من مسألة خروج بريطانيا من تحت مظلة بروكسل، قائلا: «نحن لا نريد بالطبع معاقبة هذا البلد اقتصاديًا، لكنني أرفض دفع فاتورة ما حدث». ومع أن شارل ميشال جدد رفضه لأي محاولة بريطانية لاتخاذ دول الاتحاد رهينة لها، أكد، في الوقت نفسه: «لن نقوم بالطبع بوضع السكين على حنجرة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون».
هذا ويريد زعماء الدول الأوروبية حث بريطانيا على تقديم طلب رسمي للانفصال عن أوروبا، واستخلاص العبر مما حدث، لتفادي انتقال «العدوى» لدول أخرى.
بدورها، قالت ميركل أمس إنه «لا يسعني سوى أن أتوجه بالنصح لأصدقائنا البريطانيين ألا يخدعوا أنفسهم.. في ما يتعلق بالقرارات الضرورية التي يتعين اتخاذها في بريطانيا». وعبرت المستشارة في بيانها، عن أسفها لقرار البريطانيين الخروج من عضوية الاتحاد، لكنها أشارت إلى أنه خيار ديمقراطي ينبغي أن يحترم، وأن على أوروبا أن تتفهم ذلك، وأن تتطلع إلى الأمام. كما أن الاتحاد الأوروبي لن يطالب بريطانيا بتقديم قرار انسحابها رسميًا في الحال.
ومن المؤكد أن ألمانيا ستبذل جهدها، بحسب رأي ميركل، من أجل أن لا يؤثر قرار الخروج في الاتحاد الأوروبي، وعلى بريطانيا أيضًا. وتتصور ميركل أن تلعب شخصيًا دورًا مهمًا في المفاوضات التي ستجري مع الحكومة البريطانية حول قرار الخروج. وعبرت عن حرصها على ألا تكون المفاوضات على أساس الانتقاء، لأن من يخرج لا يمكنه توقع زوال واجباته والاحتفاظ بالامتيازات. وأن أي اقتراح من بلدان أخرى لمغادرة الاتحاد الأوروبي سيكون مدمرًا، وذلك بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ودعت المستشارة الألمانية إلى اتخاذ خطوة كبيرة للأمام لتحقيق التكامل الأوروبي رغم المشكلات الكثيرة التي تواجه ذلك، مثل البطالة. وتحدثت عن ضرورة البدء مجددًا وتطبيق أكثر التقنيات تطورًا ومواجهة مشكلات الشباب في أوروبا كسبيل وحيد لتطوير البنية الاقتصادية الأوروبية.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.