بلدة القاع اللبنانية.. صامدة في وجه التهجير

بلدة القاع اللبنانية.. صامدة في وجه التهجير
TT
20

بلدة القاع اللبنانية.. صامدة في وجه التهجير

بلدة القاع اللبنانية.. صامدة في وجه التهجير

القاع هي قرية لبنانية من قرى قضاء بعلبك في محافظة بعلبك الهرمل، تبعد نحو 136 كلم عن العاصمة اللبنانية بيروت، وترتفع حوالى 657 مترًا عن سطح البحر وتمتد على مساحة تُقدَّر بـ1291 هكتارًا نحو 174 مليون متر مربّع، وتحدها من الشمال سوريا، ومن الجنوب بلدة رأس بعلبك، ومن الشرق الجبل الشرقي، ومن الغرب بلدة الهرمل.
للبلدة مكانة خاصة في تاريخ لبنان السياسي، خصوصًا وأنّ مسيحيي هذه البلدة صمدوا في وجه جميع محاولات التهجير المسلحة التي تعرّضوا لها، منذ بدء الحرب الاهلية اللبنانية.
بالأمس، تداولت وسائل الإعلام اللبنانية والعربية اسم البلدة، التي يعرفها اللبنانيون خير معرفة، إنّما قد يكون اسمها مجهولًا عربيًّا، فهي ليست كجارتها الهرمل وجرود الهرمل التي ورد ذكرها مرارًا في جميع وسائل الإعلام اللبنانية والعربية، لأسباب عدة، أوّلها أنّها معقل ما يسمّى بـ"حزب الله"، وثانيًا لقربها من الحدود السورية، حيث استخدمت معابرها الخفية لتمرير السلاح والمقاتلين من وإلى سوريا، كما أنّها تعرّضت لعمليات انتحارية منذ بدء النزاع السوري.
كما يعرف اللبنانيون جيّدًا، تاريخ بلدة القاع خلال الحرب الاهلية؛ لكن المجازر التي أطاحت بالعديد من أهلها والتهجير الذي فرض عليهم وصمود أهلها، ليس معلومًا للكثيرين من غير اللبنانيين.
يحتفظ أهالي القاع بذكريات أليمة؛ فبعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب اللبنانية، 13 أبريل (نيسان) 1975، عندما اشتعلت شرارتها مع حادثة بوسطة عين الرمانة لبنانية_فلسطينية، وتحوّلت إلى حرب أهلية بامتياز، انقضّت مجموعات مسلحة على البلدة، وارتكبت مجزرة ذهب ضحيتها 7 قتلى، أعقبتها مرحلة تهجير واسعة للمسيحيين من معظم بلدات البقاع الشمالي وقراه.
وبعد عامين من الحرب، أي قبل 38 سنة وفي الشهر ذاته، منتصف ليل الثلاثاء/الأربعاء 27/28 يونيو (حزيران) 1978، نفّذت المخابرات السورية ووحداتها الخاصة، مجزرة دموية في القاع، راح ضحيتها 26 شابًا، وذلك بعد أسبوعين على مجزرة إهدن في 13 يونيو، التي أودت بحياة النائب طوني فرنجية وعائلته، واعتّبرت مجزرة "القاع" آنذاك، بحسب ادعاءات النظام السوري، انتقاما لاغتيال فرنجية، إلا أن شهادات أهل البلدة وذوي الضحايا، بيّنت عكس ذلك؛ فقد دبّرت المخابرات السورية والوحدات الخاصة السورية، المجزرة التي شاركت في ارتكابها مجموعات مسلحة، نفّذت عمليات خطف واسعة في بلدات القاع ورأس بعلبك وجديدة الفاكهة المسيحية الكاثوليكية، بقيادة الضابط علي ديب.
وتحدّث شهود عيان عن أن 40 عنصرًا من القوات السورية دخلوا البلدة مدججين بأسلحة فردية من نوع كلاشنيكوف، يرافقهم ثلاثة ملثمين، واقتادوا مجموعة من 6 شبان من أحياء بلدة رأس بعلبك، لا تزيد أعمارهم على 25 سنة، وفي الوقت نفسه، دخلت مجموعة أخرى تقدر بـ30 عنصرًا بلدة الفاكهة واقتادت 5 شبان، كما داهمت مجموعة يقدر عددها بـ60 عنصرًا، بلدة القاع وكانت تحمل لائحة ببعض اسماء أبناء البلدة، فاعتقلت 15 شابًا من منازلهم. واقتادتهم جميعهم بسيارات عسكرية سورية شرق البلدة وأعدمتهم رميًا بالرصاص. فيما نفى ضباط الوحدات الخاصة السورية المكلّفين الأمن في منطقة بعلبك أي معلومات عن المجزرة.
وأثارت مجزرة البقاع الشمالي، حملة واسعة من السخط والاستنكار، شملت معظم القيادات اللبنانية التي طالبت بمعاقبة المسؤولين عنها، ودعت الجبهة اللبنانية إلى إضراب عام وشامل استنكارًا لها نهار السبت 1 يوليو(تموز).
وكما اعتادت الحكومة السورية، في محاولة منها لإبعاد الشبهات عن منفذي المجزرة الحقيقيين، استخدمت عملاءها وأبواقها في لبنان الذين كانوا حلفاء النظام السوري في تلك الفترة، وبدأت تشيع أخبارا أن منفذي المجزرة هم من أرادوا الرد والانتقام من مجزرة إهدن؛ لكن أحدًا لم يقتنع بهذه الروايات.
وبعد انتهاء اجتماع الجبهة اللبنانية الاستثنائي في 29 يونيو، أعلن الرئيس كميل شمعون، أن اتهام المردة الزغرتاويين بمجزرة البقاع الشمالي "كاذب"، كما أفاد أنّه على يقين بمن نفّذوا هذا العمل البربري وسيكشفهم قريبًا. وسارعت حكومة دمشق، في أول تعليق رسمي لها، تستنكر بأشد العبارات المجزرة نافية أي صلة لعناصرها بالمشاركة فيها، معتبرة أنّ أي ادعاءات تتهم النظام، ليست سوى محض أكاذيب لإشعال نار الفتنة في لبنان، ومحاولة لتضييع التحقيق ونشر البلبلة وجو من الذعر بين الأهالي.
قد يكون لشهر يونيو وقع حزين على أهالي بلدة القاع، فقبل أن يفجّر الانتحاريون أنفسهم أمس، كانت البلدة تستعدّ لإحياء ذكرى مجزرة 1978 الأليمة التي لا تزال محفورة في ذاكرة أهالي البلدة. فماذا سيحيون بعد عام من اليوم، ذكرى مجزرتين ارهابيتين بفارق زمني يفصلهما 38 عاما؟



مصر ترفض «حكومة موازية» في السودان... وتستعد لـ«إعادة الإعمار»

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره السوداني علي يوسف في القاهرة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره السوداني علي يوسف في القاهرة (الخارجية المصرية)
TT
20

مصر ترفض «حكومة موازية» في السودان... وتستعد لـ«إعادة الإعمار»

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره السوداني علي يوسف في القاهرة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره السوداني علي يوسف في القاهرة (الخارجية المصرية)

في أول موقف مصري رسمي من تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، أكد وزير الخارجية بدر عبد العاطي، الأحد، رفض بلاده لأي دعوات تشكيل أطر موازية، للإطار القائم حالياً في السودان، فيما أعلن الاتفاق مع نظيره السوداني علي يوسف، على تشكيل فريق عمل مشترك للتركيز على إعادة الإعمار في السودان بمساهمة من الشركات المصرية.

وجاءت تأكيدات عبد العاطي، عقب جولة مشاورات سياسية جمعته مع نظيره السوداني، علي يوسف الشريف، في القاهرة، شدد خلالها على أن السلامة الإقليمية للسودان «خط أحمر» بالنسبة لبلاده، لا يمكن التهاون فيه.

ووفق تقارير إعلامية، وقعت «قوات الدعم السريع»، وتحالف مؤلف من جماعات سياسية ومسلحة، في العاصمة الكينية نيروبي، «وثيقة إعلان سياسي ودستور مؤقت، لتشكيل حكومة موازية، في مناطق سيطرة (قوات الدعم السريع)»، في مواجهة الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها حالياً.

مشاورات سياسية برئاسة وزيري خارجية مصر والسودان في القاهرة (الخارجية المصرية)
مشاورات سياسية برئاسة وزيري خارجية مصر والسودان في القاهرة (الخارجية المصرية)

واستضافت القاهرة آلية التشاور السياسي بين مصر والسودان، برئاسة وزيري خارجية البلدين، الأحد، وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكدت المشاورات «أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة السودان، واستقلاله، واحترام سيادته وكل مؤسساته الوطنية، بما في ذلك الجيش السوداني»، على وقع الحرب الداخلية في السودان.

ويشهد السودان حرباً داخلية اندلعت منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، وتسببت في نزوح آلاف السودانيين داخل البلاد وخارجها، بينهم نحو مليون و200 ألف إلى مصر، حسب إحصاءات رسمية.

وشدد البيان المشترك لآلية المشاورات السياسية، على «رفض التدخل في الشأن الداخلي السوداني تحت أي ذريعة»، إلى جانب «رفض أي خطوات من شأنها المساس بسيادة السودان»، وأشار البيان إلى أن «حل أزمة الحرب الداخلية حق أصيل للشعب السوداني، دون إملاءات خارجية».

وفي مؤتمر صحافي مشترك، أعقب المشاورات، أكد وزير الخارجية المصري على أن «بلاده ترفض أي دعاوى لتشكيل أطر موازية للإطار القائم حالياً في السودان»، وأن «السلامة الإقليمية للسودان خط أحمر لمصر».

بدوره، شدد وزير الخارجية السوداني على أن «بلاده لا تقبل قيام أي دولة أخرى بإقامة حكومة موازية للسودان»، وقال إن «الحرب ستنتهي في بلاده بانتصار الجيش والمقاومة الشعبية على ميليشيا (الدعم السريع)»، ودعا إلى «ضرورة تقديم كل الدعم للجيش للحفاظ على وحدة ووضع السودان».

واستعاد الجيش السوداني، أخيراً، عدداً من المناطق الرئيسية كانت تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، خصوصاً في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، غير أن هذا التقدم تزامن مع تحركات تشكيل «حكومة موازية» جديدة.

ويأتي الموقف المصري الرافض لأي تحركات لتشكيل حكومة موازية بالسودان، دعماً لوحدة واستقرار السودان الداخلي، وفق رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد العرابي، مشيراً إلى أن «موقف القاهرة ثابت ويستهدف الحفاظ على السيادة السودانية».

وباعتقاد العرابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، تحركات بعض الأطراف لتشكيل حكومة موازية، «ستزيد من حالة الانقسام السياسي الداخلي، وتعمق الخلاف بين الأطراف المختلفة»، مشيراً إلى أن «الحل السياسي يجب أن يصدر من الشعب السوداني نفسه، وأن يكون موقفاً سودانياً خالصاً دون إملاءات من أطراف خارجية».

وزير الخارجية المصري ونظيره السوداني (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري ونظيره السوداني (الخارجية المصرية)

وفي تقدير مدير وحدة العلاقات الدولية بالمركز السوداني للفكر والدراسات الاستراتيجية، مكي المغربي، فإن تحركات تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، «لم تنجح، بفضل الرفض الإقليمي والدولي لها»، مشيراً إلى أن «مساعي القوى والأطراف السودانية الساعية لتشكيل هذه السلطة لن تتعدى مرحلة توقيع ميثاق سياسي مشترك».

ولم تحظ تحركات تشكيل حكومة موازية في السودان بأي تفاعل إقليمي أو دولي. وأوضح المغربي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشاورات المصرية السودانية متواصلة ولا تنقطع طوال فترة الحرب، بحكم ارتباط الأمن القومي للبلدين»، منوهاً إلى أن «خطوة تشكيل فريق مشترك لبحث ملف إعادة الإعمار، تأتي ضمن مسار التكامل بين البلدين»، عادا الشركات المصرية «الأقرب للعمل داخل السودان».

وأشار وزير الخارجية المصري إلى أن «بلاده على ثقة كاملة في أن السودان سيتعافى، وسيكون لمصر دور رئيسي ومباشر للمساهمة في بناء السودان الجديد»، وقال إنه «تم الاتفاق على تشكيل فريق مشترك من البلدين لدراسة عملية إعادة الإعمار، مع وضع التصور للبدء في عملية إعادة الإعمار والجدول الزمني».

وعلى صعيد الأمن المائي، أكدت مصر والسودان «العمل المشترك لحماية حقوقهما المائية كاملة»، وحسب البيان المشترك لآلية التشاور السياسي، شدد البلدان على «رفض التحركات الأحادية بدول حوض النيل»، كما أكدا «ضرورة استعادة التوافق وإعادة مبادرة حوض النيل، والحفاظ عليها باعتبارها آلية التعاون الشاملة الوحيدة التي تضم جميع دول الحوض، وتمثل ركيزة التعاون المائي لجميع الدول».وأكد المغربي «أهمية التنسيق المشترك بين البلدين فيما يتعلق بملف الأمن المائي»، وقال إن «القاهرة والخرطوم، لن تقبلا بأي إجراءات تضر بمصالحهما المائية».

وكشف وزير الخارجية المصري عن انعقاد اجتماع «2+2» لوزراء الخارجية والري في البلدين بالقاهرة، الاثنين، بهدف «تعميق التنسيق بين البلدين».