ما حدث في بريطانيا وصعود ترامب في الولايات المتحدة.. أوجه شبه

نتائج الاستفتاء في المملكة المتحدة تبعث برسالة إلى السياسيين في كل مكان: يمكن أن يحدث هنا

دونالد ترامب  لدى وصوله إلى اسكوتلندا أمس (أ.ف.ب)
دونالد ترامب لدى وصوله إلى اسكوتلندا أمس (أ.ف.ب)
TT

ما حدث في بريطانيا وصعود ترامب في الولايات المتحدة.. أوجه شبه

دونالد ترامب  لدى وصوله إلى اسكوتلندا أمس (أ.ف.ب)
دونالد ترامب لدى وصوله إلى اسكوتلندا أمس (أ.ف.ب)

إن كان هناك أحد يريد تذكيرنا بأن عبارة «لا يمكن أن يحدث هنا» ينبغي حذفها من معجم عام 2016، فإن التصويت التاريخي بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يقدم دليلا جديدا ومثيرا.
والسؤال الآن هو كيف يمكن لهيلاري كلينتون ودونالد ترامب وحلفائهما تفسير نتائج ما حدث هنا؟ وكان قرار الناخبين البريطانيين بالقفز نحو المجهول عن طريق قطع العلاقات الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي ليس إلا مؤشرا قويا على النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية الأميركية. لكنه لم يكن في ذات الوقت حدث من دون معنى أكبر على أي حال. لا يعرف الإحباط بين مختلف النخب السياسية حدودا اليوم. وهناك إشارات عليه في جميع أنحاء أوروبا، كما أن هناك مؤشرات أخرى عليه في الولايات المتحدة شوهدت عبر دورات الحملة الرئاسية الجارية. فما يظهر هنا هذا الأسبوع يدور ويغلي هناك في مكان آخر. وهو يتحدى قدرات التفكير التقليدي، ويشوش التحليل التقليدي في كل منحى، فمن ذا الذي يقول: إنه لا توجد صدمات أكثر أهمية ننتظرها في المستقبل؟
إليكم مثال واحد على العلاقة بين ما حدث في بريطانيا وصعود ترامب في الولايات المتحدة: في بريطانيا، كانت المؤسسة السياسية برمتها منحازة لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. وكانت حملة «البقاء» وإلى حد ما عبارة عن محاولة من جانب النخب السياسية لترويع الناخبين العاديين بطرح توقعات مفزعة حول اقتصاد ما بعد الخروج البريطاني التي اشتملت على تهديدات بتخفيضات كبيرة في الإنفاق ومعدلات أعلى للضرائب.
ولكن عندما انطلق الناخبون إلى صناديق الاقتراع، وفي حضور جماهيري كبير، إما أنهم لم يكونوا خائفين من تلك التوقعات، وإما أنهم لم يصدقوا ما سمعوه، بسبب أنهم فقدوا الثقة تماما في الزعماء السياسيين لبلادهم. وفي كلتا الحالتين، كان الأمر بمثابة رفض صريح لكل ما قيل لهم وتبني حدسهم الشخصي وخبراتهم السابقة.
ولكن، ما صلة ذلك بالحملة الرئاسية الأميركية؟ كما يسأل بيتر هارت، وهو خبير استطلاعات الرأي الديمقراطي الذي كان يقود مجموعات الضغط للجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين في هذه الحملة والحملات السابقة تحت إشراف مركز «آنينبيرغ» للسياسات العامة التابع لجامعة بنسلفانيا.
خارج بيتسبرغ الأسبوع الماضي، قال إنه حشد مجموعة من الناخبين الذين يتناسبون مع المؤيدين المحتملين لدونالد ترامب. وجاءت الجلسة بعدما عانى ترامب من سلسلة من الإصابات الذاتية، التي كانت سيئة بدرجة كافية، كما يعتقد السيد هارت، لأن تسبب لدى الناس وقفة معتبرة حول تأييد الملياردير النيويوركي.
وما خلص إليه بدلا من ذلك كان أن الناس بدوا أكثر تسامحا مما توقع. وكانوا مستعدين لتجاهل أو إغفال زلات الرجل، ومحاولة تبرير أخطائه، والتركيز بدلا منها على شيء فعله وكانوا معجبين به للغاية. «لقد صدمني الأمر بشدة»، كما قال السيد هارت. من الأحداث التي تستدعي التوقف عندها لدى كل من السيدة كلينتون والسيد ترامب ويدعوهما إلى الانتباه والتفكر؛ التصويت بالخروج البريطاني. ومع بدء ظهور ردود الفعل يوم الجمعة (أول من أمس)، كان من الواضح أن كلا المرشحين الرئاسيين على علم بجوانب نتائج التصويت البريطاني التي عززت بعضا من حدسهم الأساسي حيال القضية.
صدر عن السيدة كلينتون بيان شديد الحذر يوحي باحترام قرار الناخبين البريطانيين بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، في حين تعيد التأكيد على أهمية العلاقة طويلة الأمد بين الحليفين الكبيرين. كما أنها قالت ذلك كوسيلة من وسائل تشويه سمعة خصمها اللدود: «تؤكد حالة عدم اليقين السائدة على الحاجة إلى الهدوء والثبات في القيادة الحكيمة داخل البيت الأبيض، لحماية أسباب الرزق والمعيشة لدى المواطنين الأميركيين، ولدعم أصدقائنا وحلفائنا، وللوقوف في وجه خصومنا، وللدفاع عن مصالحنا».
تحدث ترامب أيضا عن العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا، ولكن ذلك البيان ألقى الضوء على تيمات تختلف تماما عما ذكر في بيان السيدة كلينتون، وكانت تيمات مستقاة مباشرة من رسالته الخاصة. «لقد مارس شعب المملكة المتحدة الحق المقدس لدى جميع الشعوب. فلقد أعلنوا استقلالهم عن الاتحاد الأوروبي، وصوتوا من أجل إعادة السيطرة على سياساتهم الخاصة، وعلى حدودهم، واقتصادهم».
وقال ترامب بمزيد من الصراحة، حال وصوله لافتتاح ملعب الغولف الجديد في اسكوتلندا: «لقد استعادوا بلادهم. إنه لشيء عظيم». وقال ديفيد إكسيلرود، كبير خبراء الاستراتيجية في حملتي أوباما الانتخابيتين، إن هناك حاجة إلى مزيد من الحذر أثناء تفسير فحوى التصويت بالخروج البريطاني قبل أن نعرف ما الذي يعنيه ذلك التصويت للسياسات الأميركية، إن كان يعني لها شيئا. لكنه أشار إلى أمرين جديرين بالذكر بالنسبة للسيدة كلينتون.. «الأول، إن كان للتصويت البريطاني آثار سيئة على الاقتصاد الأميركي ما بين الوقت الحاضر وشهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإنه نذير سيئ بالنسبة للسيدة كلينتون. والأمر الثاني، إذا ما أوجد التصويت البريطاني شعورا بعدم الاستقرار، فسوف يكون شيئا جيدا بالنسبة لها في الانتخابات التي تحمل قدرا كبيرا من القلق حول ما إذا كان ترامب هو الذي سوف يتعامل مع هذه الأزمة».
وصف نيوت غينغريتش، حليف ترامب الوثيق والرئيس الأسبق لمجلس النواب في الكونغرس، التصويت بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي بأنه نتيجة إيجابية تماما بالنسبة للمرشح الجمهوري، وقال عن ذلك: «يدور هذا التصويت حول الهوية الوطنية. وهو معني بمناهضة البيروقراطية في بروكسل. كما أنه معني بقضية الهجرة، والحق في تعزيز مستقبلكم».
وأضاف غينغريتش يقول: «يستيقظ ترامب هذا الصباح ليقول، مناهضة البيروقراطية ومناهضة الهجرة، حددوا مصيركم، قاتلوا من أجل مستقبلكم الاقتصادي، ولا تتركوا الأجانب يخبرونكم بما يجب عليكم فعله». تلك هي الطريقة التي يستفيد بها الرجل من الخروج البريطاني.
وقال غينغريتش إن السيدة كلينتون لا يمكنها التخطيط للتراجع عن خبراتها، أو الزعم بأن تكون أكثر ثباتا في الأزمة لمواجهة الجاذبية الشعبية التي يتمتع بها ترامب. ولقد أشار إلى دعوتها للتدخل في ليبيا، ودعوتها لعودة العلاقات إلى طبيعتها مع روسيا، وغير ذلك من الجوانب المشاهدة خلال شغلها منصب وزيرة خارجية الولايات المتحدة. وتابع يقول عنها: «لديها سجلها الخاص. فهي ليست بالمرشح المعاد اختراعه من جديد».
وأقر إكسيلرود أنه في خضم البيئة المناهضة للمؤسساتية السياسية، فسوف تواجه السيدة كلينتون بعض الصعاب في تقديم نفسها مرشحة رئاسية تؤيد التغيير: ففي نهاية اليوم، فإنه ما تبيعه كلينتون هو الثقة، والاستقرار، والالتزام.. ولقد عرج ترامب من دون تأكيد على ذكر هذه القوى السياسية البدائية. والسؤال المطروح هو ما إذا كانت قوية بما فيه الكفاية لمواجهة التساؤلات الجادة حول المزاج العام والاستعداد العام».
يشير التفكير التقليدي إلى أن ترامب لن يكون مؤهلا بدرجة كافية في نظر كثيرين من الناخبين، فهو سياسي مبتدئ لا يأخذ على محمل الجدية الدور السياسي والمسؤولية لأن يكون مرشحا رئاسيا للولايات المتحدة. ولكن السيد هارت يقول: «من الواضح، إذا كان لديه ما يقوله، فهناك من دون شك جمهور مستعد لأن يستمع إليه».
إن أوجه التشابه ما بين الخروج البريطاني والانتخابات الرئاسية الأميركية يبدو واضحا حتى الآن. فالأول هو تصويت بـ«نعم» أو بـ«لا» حول مقترح، أو فكرة، أو إجراء. والثاني يتضمن بعض التقديرات المعقدة حول المرشحين الأفراد. ولقد جرى التصويت البريطاني على أساس رصيد من الأصوات الشعبية. وتتقرر السباقات الرئاسية من واقع الجغرافيا السياسية وأصوات الناخبين.
لكن الرسالة الأوسع التي يبعث بها التصويت البريطاني تذهب لما هو أبعد من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية التي تلقي بظلالها هنا. ذلك الوقت هو وقت عدم الاستقرار السياسي الذي شهدت فيه المراسي القديمة وعلامات الإرشاد العتيقة ضعفا واهتزازا كبيرا. والسياسيون الذين يتجاهلون ذلك، والذين يفكرون بطريقة تقليدية عقيمة، والذين لا يجدون سبلا للفهم والإدراك والتعامل، فإنهم يخوضون في مخاطر حمقاء وغير ضرورية.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.