فلننسَ ذلك الظلم البيِّن، وحاول إن استطعت أن تقتلع ذكرى إحدى أصعب زلات الحكام التي شاهدناها في البطولات الكبرى. ارتكب الحكم الأوروغواياني أندريس كونشا خطأ فادحا بأن احتسب هدفا لفريق البيرو من لمسة يد واضحة للاعب راؤول رويدياز في المباراة التي أدت إلى خروج البرازيل المبكر من بطولة كأس أمم أميركا الجنوبية (كوبا أميركا 2016).
ورغم خروج الفريق من بطولة كوبا أميركا 2016 بسبب هدف غير صحيح، يدرك الجميع في المنتخب البرازيلي لكرة القدم أن مشكلات وأزمة الفريق الحالية تتجاوز هذا ولا تقتصر على واقعة بعينها. وقبل مشاركة الفريق في النسخة المئوية لكوبا أميركا 2016 التي تستضيفها الولايات المتحدة حاليا، كان أمل الفريق ومديره الفني كارلوس دونغا أن تسهم البطولة في تخفيف حدة التوتر بالفريق والانتقادات الموجهة إليه بسبب المسيرة المهتزة في المباريات الست الأولى بتصفيات كأس العالم 2018.
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث وجد الفريق نفسه في مواجهة عاصفة أكبر من الانتقادات انتهت بإصدار اتحاد الكرة البرازيلي قرارا بإقالة دونغا. وكان دونغا ناشد الجماهير الصبر على الفريق قبل بداية المشاركة في يورو 2016 ولكن البرازيل لا تعرف هذه السمة عندما يتعلق الأمر بكرة القدم، وخصوصًا بالمنتخب البرازيلي (راقصي السامبا).
وشاهد الجميع الإعادة التلفزيونية التي أظهرت عدم شرعية الهدف الذي أطاح بالسامبا خارج كوبا أميركا 2016 حيث أحرزه لاعب بيرو البديل راؤول رويدياز بيده، ولكن هذا لم يغير من الأمر شيئًا حيث يدرك الجميع داخل بلاد السامبا أن أزمة الفريق تتجاوز هذا الهدف بل وهذه البطولة بأكملها، كما أن عدم صحة الهدف لا تكفي لحفظ ماء الوجه أو لتخفيف المعاناة التي يعيشها الفريق. هي قصة ملوك الكرة، قصة أبطال العالم لخمس مرات، ومروجي اللعب الجميل الذين خرجوا في رحلة لقاع المدينة. هي قصة دولة ساحرة نابضة بالحياة وغنية ثقافيا تمزقت وسط أزمة سياسة واقتصادية منهكة. هي قصة مشجعين أعياهم عجز اتحاد كرة القدم البرازيلي الذي جلب العار لشعب فخور بنفسه ويستحق أفضل مما هو عليه.
وقال داني ألفيش ظهير أيمن برشلونة الإسباني والمنتخب البرازيلي: «كلنا ممن يمثلون المنتخب البرازيلي حاليا نتحمل المسؤولية. لم نكن في أفضل حالاتنا». واعترف ألفيش: «إنها خيبة أمل كبيرة لنا. ما فعلناه ليس مقبولا». واستفاد المنتخب البرازيلي نفسه من خطأ تحكيمي ليفلت بنتيجة التعادل السلبي مع نظيره الإكوادوري في بداية مسيرته بالبطولة الحالية. كما أن الفوز الساحق 7/ 1 على منتخب بنما لم يُخْفِ الحقيقة الصعبة، وهي أن الفريق قدم أداء متواضعا للغاية في البطولة الحالية، وأن اهتزاز مستواه في كوبا أميركا 2016 ليس إلا امتدادًا طبيعيًا للأزمة التي يمر بها منذ سنوات. وما زال المنتخب البرازيلي العريق، الفائز بلقب كاس العالم خمس مرات سابقة (رقم قياسي)، يعاني من حالة الصدمة القوية التي أصابته بالهزيمة القاسية 1/ 7 أمام نظيره الألماني في المربع الذهبي لبطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل.
وخرج الفريق صفر اليدين من بطولة كوبا أميركا 2015 في تشيلي بالسقوط أمام منتخب باراغواي في دور الثمانية كما يحتل الفريق المركز السادس حاليًا في تصفيات مونديال 2018.وما زال أمام الفريق 12 مباراة في تصفيات المونديال لكنه يحتاج إلى التخلص من أزمته إذا أراد احتلال أحد المراكز الأربعة الأولى التي يتأهل أصحابها للنهائيات مباشرة، فيما يخوض صاحب المركز الخامس دورًا فاصلاً مع منتخب من اتحاد قاري آخر، فيما سيكون الخروج هو مصير صاحب المركز السادس الذي يحتله المنتخب البرازيلي حاليا، وكذلك أصحاب المركز من السابع إلى العاشر في هذه التصفيات التي تستأنف فعالياتها في سبتمبر (أيلول) المقبل. وخاض المنتخب البرازيلي فعاليات كوبا أميركا 2016 دون نجمه الوحيد نيمار الذي اختار المشاركة في مسابقة كرة القدم بدورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية في أغسطس (آب) المقبل.
وكان برشلونة الإسباني رفض مشاركة لاعبه نيمار في البطولتين معًا هذا الصيف، ووافق له على اختيار المشاركة في إحداهما. واختار نيمار المشاركة في الأولمبياد لمساعدة المنتخب الأولمبي البرازيلي في محاولته لحصد ذهبية كرة القدم للمرة الأولى في تاريخه. ولكن الأزمة الحالية للمنتخب البرازيلي لا توحي بالتفاؤل.
وعاد دونغا لتدريب المنتخب البرازيلي خلفا لمواطنه لويز فيليبي سكولاري بعد السقوط المدوي للفريق في المونديال البرازيلي. ولكن دونغا ظل على صفيح ساخن خاصة بعد خروج الفريق من دور الثمانية في كوبا أميركا والعروض الهزيلة له في تصفيات المونديال. وقال مسؤولو الاتحاد البرازيلي إن كوبا أميركا 2016 ستكون اختبارا لدونغا، ولكنه سقط في الاختبار ولم يكن الأمر على ما يرام بالنسبة له وللفريق.
وطالب دونغا بالصبر ولكن هذه السمة نفدت بالفعل في عالم كرة القدم البرازيلية. وقال دونغا، عقب الهزيمة أمام بيرو: «البرازيل اعتادت الانتصارات في السبعينات من القرن الماضي وأيضًا بعد 1994. والآن، نمر بمرحلة انتقالية». وأوضح: «المنتخب الألماني لم يفز بأي شيء على مدار 14 عامًا، ولكنه تحلى بالصبر. المشكلة أننا في البرازيل نريد كل شيء في مساء اليوم نفسه». ويملك دونغا بعض الحق في هذا كما أن المنتخب البرازيلي الذي شارك في كوبا أميركا 2016 افتقد كثيرًا من النجوم الذين دعموا الفريق في بطولات أخرى.
وبعدما كان هجوم الفريق في الماضي بقيادة نجوم عمالقة مثل رونالدو وروماريو، أصبحت الدفة الهجومية للفريق حاليا، في غياب نيمار، في يد مهاجمين لا يحظون بنفس القدر من الإمكانيات والشهرة مثل جوناس أو مهاجمين شبان مثل جابرييل باربوسا. ورغم أن فيليب كوتينيو نجم ليفربول الإنجليزي كان من أفضل لاعبي الفريق في كوبا أميركا 2016، لكنه لا يرقى أيضًا لمستوى لاعبين سطعوا مع الفريق في الماضي مثل كاكا ورونالدينيو وبيبيتو.
وأشارت وسائل الإعلام البرازيلية إلى وجود خلاف وشقاق بين دونغا ولاعبيه ومن بينهم نيمار. وذكر الناقد الرياضي جواو كارلوس أسومبكاو، في صحيفة «لانس» البرازيلية الرياضية: «يشعرون بالضياع والاضمحلال لمشاركتهم مع المنتخب البرازيلي. يشكون من السخرية منهم ويرون أن اللعب للمنتخب البرازيلي بعد الهزيمة 1/ 7 في المونديال البرازيلي أصبح عبئا عليهم». ويبدو أن ألفيش يؤيد هذا الرأي حيث اعترف بأن المنتخب البرازيلي يحتاج لما هو أكثر من الصبر.
واعتبر أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه أن إقالة دونغا من تدريب منتخب بلادهما كان قرارا ظالما لكنه أكد أيضًا أن ليوناردو باتشي «تيتي» المدير الفني الجديد للفريق «مدرب متميز». وقال بيليه، على هامش تكريمه من قبل اللجنة الأولمبية الدولية: «تيتي مدرب متميز. الفريق في أيدٍ أمينة. يبدو رحيل دونغا قرارا ظالما. لم يرتكب دونغا أي خطأ». وأرجع بيليه، في تصريحات صحافية، النتائج السيئة للفريق في البطولة الحالية إلى افتقاد دونغا الفرصة الكافية لإقامة معسكر تدريبي للفريق. وقال بيليه: «دونغا ليس لديه ما يفعله، لأنه لم يحصل على الوقت الكافي لتدريب الفريق. لا أتفق مع الانتقادات الموجهة لدونغا. لم يرتكب خطأ. في كل بطولة، خاض المنتخب البرازيلي الفعاليات بفريق مختلف».
ولم يعلن الاتحاد البرازيلي حتى الآن تعيين تيتي خلفا لدونغا، ولكنه استقال من تدريب فريق كورينثيانز البرازيلي الذي حقق معه مسيرة رائعة بإحراز لقب كأس ليبرتادوريس ولقب كأس العالم للأندية. وفيما لا تزال المفاوضات جارية بين مديري أعمال تيتي والاتحاد البرازيلي للعبة، أكد روبرتو أندرادي رئيس نادي كورينثيانز الأربعاء أن تيتي ترك النادي لقبوله تدريب المنتخب.
إن أحسنوا اللعب، وهو ما لا نراه حتى الآن، فقد يعود الأمل. وقد يستمر الوضع على ما هو عليه، وتستمر المشكلات على حالها، وسوف نستشعر النقمة في الشارع، وسوف تنمو الفجوات، ويتعاظم الغضب ونرى الأسوأ قادم عندما تخرج البرازيل من تصفيات كأس العالم 2018. يجب أن تطال التغييرات قمة الهرم لأن الوقت يداهمنا، ولأن الشعب البرازيلي وميراثه من كرة القدم المجيدة يستحق أفضل من هذا.
أزمة «السامبا».. أعمق من الخروج المبكر من كوبا أميركا
اهتزاز مستوى المنتخب البرازيلي في الولايات المتحدة ليس إلا امتدادًا طبيعيًا للمشكلات التي يمر بها منذ سنوات
أزمة «السامبا».. أعمق من الخروج المبكر من كوبا أميركا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة