نزل زلاتان إبراهيموفيتش أرض الملعب قبل ضربة البداية ليومئ للجميع بنظرة خاطفة وكأنه يقول لهم إنه تواضع بالمجيء لهذا الملعب الذي حظي بشرف وجوده. فالرجل صاحب العبارة الشهيرة أن «بطولة كأس العالم من دونه لا تستحق المشاهدة» أصبح الآن جاهزا للعب. بالتأكيد لم يتوقع زلاتان أن يمشي متثاقلا بهذا الشكل بين شوطي المباراة بعدما أرهقه الدفاع العنيد للخصم الآيرلندي وجعله يندفع للعمق ويكثر من الأخطاء. لكن مع صافرة النهاية أظهر زلاتان أنه حتى وإن كان الجو من حوله مضطربًا وليس في صالحة، فإنه لا يزال قادرا على سحب السويد لنقطة تجعلها تشعر أنها هي الرابحة، رغم حالة الفوران التي انتابت الفريق الآيرلندي بقيادة مارتن أونيل في الدقائق الخمسين الأولى.
إذا كانت الرياح التي هبت فوق الرؤوس قبل صافرة البداية كانت ذات لون رمادي غامق، فها قد انقشعت، ومع صياح الفريقين الذي يصم الآذان والذي دوى عبر جنبات ملعب «ستاد دي فرانس» من حناجر جماهير الفريقين التي يملؤها الأمل ويحدو جمهور كل فريق أمل في أن تصيب توقعاته، بدت الجماهير وكأنها في مهمة جماعية لاختراق غيوم المخاوف الأمنية والتوقعات الكئيبة في مرسيليا التي تزايدت في الأيام الأولي للبطولة. على يسار المدرجات، تشاهد اللحى بنية اللون المعتادة، وأزياء تحاكي عفاريت الأساطير، ونظارات كوميدية وقبعات جديدة، في مشاهد تجعل الجماهير الآيرلندية المسافرة تبدو وكأنك أمام زحام في متجر لبيع مستلزمات البيت، وعلي اليسار تشاهد بحرا من اللونين الأصفر والأزرق. ولم يكن تشجيع جماهير آيرلندا وكثافة أعدادها أقل من جهد لاعبيهم، غير أن شبح لمسة يد تيرى هينري عام 2009 والتي أدت إلى هدف حرم آيرلندا من المشاركة في كأس العالم 2010 ما زال جاثمًا على الملعب.
ومع كل فرصة تلوح هنا أو هناك في نصف المباراة الأول لا بد أن تكون الجماهير شعرت بأن «الكلاشية» القديم قد انقلب في الملعب الوطني الفرنسي. وإذا كان الآيرلنديون يضعون كل ثقتهم في فريقهم بالكامل، فبالنسبة للسويديين، فكل آمالهم استثمرت في رجل واحد فقط هو إبراهيموفيتش. فمع دخول اللاعب السويدي الذي يبلغ من العمر 34 عاما سادس مشاركة كبرى مع فريق بلاده، الذي يعرف باسم فريق اللاعب الواحد، فقد بدا جليا أن الضغط لا يخيفه، حيث قال زلاتان عشية المباراة بينما يغمز بعينه: «أهيمن على أي مكان أذهب إليه، ليس لدي أدنى شك في ذلك».
بيد أن تلك الثقة لم تظهر في الشوط الأول الذي استحوذت فيه السويد، في حين تفوقت آيرلندا في عدد الفرص التي لاحت لها وأسفرت عن هدف عن طريق تصويبة جيف هندريك التي أصابت المرمى. واستمرت التعويذة السويدية في البحث عن الكرة دون جدوى وحاولوا إضفاء جو من النشاط على أدائهم. بعد المباراة، علق مدرب الفريق الآيرلندي قائلاً: «أعتقد أن اللاعبين أدوا أمامه (زلاتان) بشكل استثنائي اليوم، أعتقد أن السيطرة دانت لنا، وأجبرناه على الابتعاد عن مرمانا قدر الإمكان ونجحنا، يستحق اللاعبون الثناء الجزيل على ذلك». ومن جانبه، لم يوجه مدرب منتخب السويد إيريك هامرين، اللوم لنجم فريقه، واكتفى بالقول: «لكي تكون نجمًا فإنك تحتاج للدعم، فقوتنا الهجومية لم تكن على ما يرام، ولم يفعل هجومنا الكثير في الدقائق الخمسين الأولى».
غير أن زلاتان الخطير لا يزال خطيرًا، حتى وإن تفوق عليه ويس هولاهان لاعب فريق نوريتش سيتي، الذي سجل الهدف الافتتاحي بأداء مفعم بالحيوية. شأن غاريث بيل لاعب منتخب ويلز، من المستحيل أن ترفع عينك عن زلاتان، وحتى في مناخ يشوبه الاستهتار كهذا تراه أكبر وأعظم تأثيرا من زملائه. قد يمتلك هذا الفريق الثقة أن لديهم أفضل موهبة في الملعب، مما يسبب رجفة في الفريق المنافس مع كل مرة يتلقون فيها الكرة. لحظات الإحباط التي عاشتها تعويذة المنتخب السويدي يمكن تلخيصها في الشوط الأول عندما انتزعت تسديدة باللف على قدم واحدة «الآهات» من حناجر الجماهير، كانت رائعة بحق رغم أنها لم تكن مؤثرة لكونها جرت في دائرة المنتصف بعيدا عن منطقة الخصم.
وعلى الرغم من سنه، لا يزال إبراهيموفيتش مصرًا على أن مستواه في تطور ولا تزال عيناه مسلطتين على يوم دفع الرواتب بملعب مانشستر يونايتد أولد ترافورد، وفي جعبته 50 هدفا في 52 مباراة الموسم الماضي. لكنه هنا استمر كمتفرج لفترات طويلة مكشرا ومتململا من شارة الكابتن التي يحملها ومن عدم تعاون زملائه، وكانت المباريات تحسم لكن ليس عن طريقه. وفي سعي الفريق السويدي لإدراك هدف التعادل، وقع زلاتان في مصيدة التسلل ثلاث مرات متقاربة بسب اللامبالاة واليأس، مما تسبب في المزيد من التكشير والعبوس في وجهة.
وبعدما قليل من وضع ويس هولاهان لآيرلندا في المقدمة، لاحت كرة عرضية داخل الصندوق تخطت إبراهيموفيتش لكنها وجدت المدافع الأيسر مارتن أولسون الذي أودعها مرماه بالخطأ، لتجعل إبراهيموفيتش يضع رأسه بين يديه غير مصدق. لم يختفِ زلاتان بعدها، فهو لا يفعل هذا مطلقا. فمع شعور الفريق الآيرلندي بالتعب، انطلق إبراهيموفيتش على جانب خط المرمي عن طريق كرة ذكية بالكعب من الاحتياطي جون جويديتي ليشعل الملعب، جعلت سيء الحظ كاريات كلارك يودع الكرة في شباكه. ورغم أن أداء السويدي زلاتان كان دون المستوى، فإن تأثيره كان كبيرا على نتيجة المباراة حتى وإن أظهرت الإحصائيات أن فريقه لم يصوب كرة واحدة على مرمى المنافس طوال المباراة.
مدرب السويد أعرب عن خيبة أمله، وقال: «حتى مع إننا أدركنا التعادل، فأنا أشعر بالخيبة. في ربع الساعة الأول، كانت جمهورية آيرلندا متفوقة جدا وكانوا أقوياء خصوصا على الصعيد البدني وفي الألعاب الهوائية، في وقت كان هجومنا لا يعمل أبدا واعتمدنا على المرتدات السريعة لقلب الموازين». وأضاف: «في الشوط الثاني، كنا أفضل بالتأكيد لأنهم تراجعوا، وعملت الجهة اليسرى التي شغلها (مارتن) أولسون بشكل جيد والأمر الإيجابي أننا لم نخسر». وختم: «في البداية، كنا غير فعالين ولا يوجد تبرير لهذا الوضع. في بعض الأحيان لا نستطيع وضع الماكينة فورا على السكة فقلت الحركة في صفوفنا ولم نجد الحلول. أعرف أن إبراهيموفيتش لعب دورا كبيرا وأساسيا في تسجيل الهدف (سجله مدافع آيرلندا سياران كلارك، 71 خطأ في مرماه)، لكنهم أحكموا الرقابة عليه وتوجب علينا أن نركض كثيرا في المباراة».
الاتحاد السويدي لكرة القدم أعلن أن إبراهيموفيتش استدعي ضمن قائمة الفريق السويدي المشارك في منافسات كرة القدم بدورة الألعاب الأولمبية المقبلة «ريو دي جانيرو 2016». وجاء إبراهيموفيتش ضمن 35 لاعبا في القائمة الأولية التي أعلنها المدير الفني هاكان إريكسون للمشاركة في ريو 2016 وذلك تمهيدا لإعلان قائمة نهائية من 22 لاعبا. ويتنافس المنتخب الأولمبي السويدي (تحت 23 عاما) في الأولمبياد ضمن المجموعة الثانية مع منتخبات نيجيريا وكولومبيا واليابان. وتجدر الإشارة إلى أنه يحق لكل منتخب مشارك في منافسات كرة القدم بالأولمبياد، إشراك ثلاثة لاعبين فوق السن.
لمسات إبراهيموفيتش الساحرة تتواصل مع السويد
«تعويذة» المنتخب أنقذت الفريق أمام جمهورية آيرلندا بالتعادل
لمسات إبراهيموفيتش الساحرة تتواصل مع السويد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة