عندما يظهر فيلم «مقتحمو الأشباح» Ghostbusters للعروض في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، سيجد المشاهدون أن من تولّـى بطولة النسخة الجديدة من الفيلم الذي سبق لهوليوود أن أنتجته سنة 1984، هم من النساء ما يصلح تغيير العنوان إلى «مقتحمات الأشباح».
الحاصل أن الفيلم السابق، الذي أخرجه بميزانية بلغت حينها 30 مليون دولار إيفان رايتمان، كان من بطولة رجالية غالبة: بل موراي ودان أكرويد وهارولد راميس وأنثى واحدة هي سيغورني ويڤر. في حين أن الفيلم الجديد (بميزانية 154 مليون دولار) يقلب الصورة: بطل واحد بعضلات ممشوقة (كريس همسوورث) والباقي من مقتحمي الأشباح ومقاتليها هم من النساء: كرستن ويغ، مليسا مكارثي وكايت مكينون.
* شريك لا يقهر
المسألة ليست صدفة. منذ سنوات وهوليوود تخلط أوراق اللعب التقليدية. أنجلينا جولي لعبت دور عميلة السي آي أيه القويّـة التي قد تفوز على جيمس بوند في أي لقاء محتمل في «سولت» (2010). سكارلت يوهانسون تحوّلت إلى مقاتلة شرسة نتيجة حقنة غريبة في «لوسي» (2014). أوما ثورمان محاربة ساموراي في فيلمي كوينتين تارنتينو «اقتل بل» (2003) و«أقتل بل 2» (2004). وسيغورني ويفر كانت اضطلعت ببطولة الأجزاء الثلاثة الأولى من سلسلة Aliens الفضائية.
والتقليد يمضي بعيداً في الواقع. في السبعينات غزت ممثلات أفرو-أميركيات أدوار البطولة في أفلام قتال عدة من بينهن تامارا دوبسون في «كليوباترا جونز» وبام غير في «كوفي» وماركي باي في «شوغر هِـل».
هذا كله كان وارداً ومتداولاً حتى من قبل ذلك في بضعة أفلام وسترن قديمة كما في «جوني غيتار» مع باربرا ستانويك (1954) ومارلين ديتريش في «رانشو نوتوريوس» (1952) وجين راسل في «الخارجة عن القانون» (1943) كما راكيل ولش في «100 بندقية» (1969).
لكن المختلف منذ سنوات ثلاث، أن الأفلام التي قدّمت المرأة القوية سابقاً كانت تشكل رادفاً محدداً يمكن تأليف لائحة متواضعة العدد منه، كما كانت مبعثرة تنتمي إلى الرغبة في توظيف سيناريو نال الإعجاب أكثر من حفر قناة جديدة أو تشكيل تيار جديد.
الأمثلة هنا تتعدد والناتج هو تيار واضح يغزو الشاشات مفاده وضع نساء (شابات وجميلات ومقاتلات) وراء كافة أشكال القتال وفي كل أوضاع الخطر في أفلام تتضلع ببطولتها النساء على نحو منفرد أو على نحو رئيس في مشاركة مع الرجل يكاد الأخير يظهر فيه خجولاً.
«ستار وورز: القوّة تستيقظ» مثال واضح، وليس يتيماً في نهجه. في حكاية تقع في الفضاء البعيد وفي زمن غير الزمن الذي نعيشه، وتتوالى فيها أحداث تتصل على نحو أو آخر بالأجزاء الستة السابقة، تنطلق راي (الممثلة ديزي ريدلي) لتواجه أشرار الإمبراطورية التي تبحث عمن بقي حياً من أعدائها لإبادتهم. هي ليست وحيدة، إذ هناك شاب أسود البشرة (جون بوييغا) وفرسان الأجزاء الثلاثة الأولى (هاريسون فورد ومارك هاميل وكاري فيشر)، لكن من هو الممثل من بين كل هؤلاء الذي ينبري كمقاتل شرس ويقود الأحداث وما تتولى توفيره من مشاهد الخطر؟ الفتاة راي ولو أن الفيلم لا يفسر كيف ومتى تعلمت اللعب بالسيف لكي تستخدمه بمثل هذه المهارة.
البطولة الرجالية هنا تخلت عن القيادة الفعلية وكذلك الحال في «ماد ماكس: طريق الغضب». الأجزاء الثلاثة الأولى في السبعينات والثمانينات بُـنيت وسُـردت على كتفي شاب أسمه ماد ماكس ومهنته البقاء حياً في عالم ما بعد الدمار الكوني الكبير. كيفية ذلك تعني الدخول في عراك دائم مع عصابات طرق وأخرى تسكن الصحارى القاحلة وتبحث عن وليمة. الآلات مختلفة من الفؤوس إلى السيوف ومن السهام إلى المنجنيق.
* ملامح متشابهة
الجزء الرابع في العام الماضي زرع في البطولة شريك لا يقهر: إمرأة كانت خسرت ذراعها الأيسر في قتال عنيف لكنها لم تخسر تصميمها على القتال ولا مهارتها في ذلك. تشارليز ثيرون عرفت بانتقاء أدوار غير أنثوية، لكن القليلين توقعوا أن تشارك ماد ماكس (كما أداه توم هاردي) في قتاله وعلى نحو لافت وفعال.
قبله شاركت إميلي بْـلْـنت بطولة «حافة الغد»: خيالي علمي مستقبلي قام توم كروز ببطولته، لكن الإنتاج وسّـع قبل بدء التصوير بأسابيع من الدور النسائي ومنحها حضوراً على الشاشة أكبر من النسخة الأولى من السيناريو. كذلك وفي حين أن سلسلة «شر مستوطن» (Resident Evil) حفل دائماً بدور محوري لبطلته إلا أنه تحرر من طابع سينما الرعب منتقلاً إلى سينما الحركة والأكشن ما أتاح لبطلته ميلا جوفوفيتش إظهار قدراتها القتالية.
وفي العرين نفسه تقدّمت سكارلت يوهانسن لتلعب دور «لوسي» في الفيلم الفرنسي الذي أنتجه لوك بيسون قبل عامين وهذا لم يكن فيلمها الوحيد في هذا الإطار شاركت بفاعلية ملحوظة في أفلام الكوميكس من العام 2010 عندما لعبت دوراً مسانداً لروبرت داوني جونيور في «آيرون مان 2». بعده ظهرت في مسلسلي «المنتقمون» (The Avengers) و«كابتن أميركا»… دائماً مستعدة لقهر من هم أشد منها قوّة ولو كاريكاتورياً.
أحد أهم الفروقات بين أفلام الأمس الشبيهة وأفلام اليوم (لجانب كثرتها وتحوّلها إلى موجة ملحوظة) هو أن البطولة النسائية تمنح لممثلات يشتركن في ملامح متشابهة. اليوم كل الممثلات اللواتي يقمن بهذه الأدوار من البشرة البيضاء. كلهن جميلات. كلهن من النوع الذي قد يقع الرجل في حبه من النظرة الأولى. من سكارلت إلى دايزي ومن ميلا إلى تشارليز وما بعدهن، هناك تلك القوّة المتسربة من داخل إمرأة تستطيع أن تكون عارضة أزياء أو ممثلة إعلانات لمجلة «سبورت إللاستراتد». ولا دليل على ذلك أقوى من تصدي الممثلة جنيفر لورنس لبطولة سلسلة «ألعاب الجوع» بأجزائها الخمسة.
جنيفر لورنس بدأت التمثيل لاعبة أدوار فتاة طبيعية بلا خصال قوّة في «سهل محترق» و«عظام شتوية» (كلاهما في مطلع العقد الحالي) ثم انتقلت مباشرة إلى أدوار القوّة في «رجال إكس- فيرست كلاس» (2011) وإلى بطولة سلسلة «ألعاب الجوع» بدءاً من العام التالي. وحتى الآن هي أكثر نجاحاً في شخصية الفتاة التي تجيد إطلاق السهام وإصابة الأهداف مهما كانت بعيدة من أي دور درامي أو كوميدي لعبته خارج هذين المسلسلين. لكن بطولتها لـ «ألعاب الجوع» هي الأهم في هذا النطاق. شريكاها (جوش هتشرسون وليام همسوورث) أضعف منها. في الواقع هما، في بعض حلقات المسلسل، أشبه بديكور متحرك يوفر بعض الإستمرارية بين الحلقات.
ما يفيد به كل ذلك أن المرأة، التي كثيراً ما شكت أنها تلعب دوما أدوار الزوجة والحبية تقوم الآن بأداء أدوار البطولة، بينما يحل الرجال مساعدين لها أو يعدون لها ما ستتناوله على العشاء حين تعود إلى البيت.
تيار جديد يضع النساء في أدوار قتالية
الرجل يطبخ والمرأة تتولى البطولة
تيار جديد يضع النساء في أدوار قتالية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة