بعد نحو عام من سيطرة «داعش».. سرت لا تزال تعيش على إيقاع الرعب والإعدامات

تقرير «هيومن رايتس ووتش» تحدث عن حوادث قطع الرؤوس في الشوارع وجلد المواطنين بسبب التدخين والاستماع للموسيقى

جانب من مدينة سرت في صورة تعود الى 2011 وتبدو آثار الدمار واضحة نتيجة المعارك التي شهدتها المدينة (أ.ب)
جانب من مدينة سرت في صورة تعود الى 2011 وتبدو آثار الدمار واضحة نتيجة المعارك التي شهدتها المدينة (أ.ب)
TT

بعد نحو عام من سيطرة «داعش».. سرت لا تزال تعيش على إيقاع الرعب والإعدامات

جانب من مدينة سرت في صورة تعود الى 2011 وتبدو آثار الدمار واضحة نتيجة المعارك التي شهدتها المدينة (أ.ب)
جانب من مدينة سرت في صورة تعود الى 2011 وتبدو آثار الدمار واضحة نتيجة المعارك التي شهدتها المدينة (أ.ب)

بعد نحو عام على سقوطها في أيدي تنظيم داعش، لا تزال مدينة سرت الليبية تعيش أجواء من «الرعب» في ظل فرض التنظيم المتطرف قوانين صارمة فيها، وإعدامه عشرات الأشخاص بتهم مختلفة، بحسب ما يروي سكانها.
ففي تقرير نشرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية، أمس، تحدث نازحون من هذه المدينة المتوسطية عن التهديدات التي يتعرضون لها بشكل يومي منذ سيطرة التنظيم المتطرف على سرت، مسقط رأس معمر القذافي في يونيو (حزيران) 2015. وبهذا الخصوص قالت أحلام (30 عاما) التي جاءت إلى مدينة مصراتة للعلاج من طارئ صحي قبل أن تعود إلى مدينتها: «الحياة في سرت أصبحت لا تطاق. والجميع يعيشون في رعب. إنهم يقتلون الأبرياء ولا توجد متاجر ولا مستشفيات ولا أطباء ولا ممرضون ولا دواء.. بل يوجد جواسيس في كل الشوارع. وأغلب الناس غادروا المدينة، ولكننا عالقون لأنه ليس لدينا ما يكفي من المال لنغادر».
وفي غضون أشهر قليلة، تحولت سرت إلى ملاذ لتنظيم داعش، الواقعة على بعد 300 كيلومتر (كلم) فقط من أوروبا، التي تخشى من وصول تهديد المتشددين إليها، وأصبحت منذ أن سيطر عليها التنظيم المتشدد بالكامل بعد ستة أشهر من إعلانه وجود خلايا له فيها، قاعدة خلفية له، يدرب فيها المقاتلين الليبيين والأجانب. ومع الضربات المستمرة التي يتلقاها في سوريا والعراق، باتت سرت التي تضم مطارا وميناء، محطة رئيسية لاستقطاب المتشددين وإرسالهم لتنفيذ عمليات في الخارج.
وهكذا أصبحت المدينة، الواقعة على بعد 450 كيلومترا (كلم) شرق العاصمة طرابلس، تشهد تقطيع الأيادي، ويعدم الناس بشكل علني ويسود الرعب، وفي شوارعها الرئيسية أصبحت تنتشر أعلام التنظيم المتشدد، بحسب ما يؤكد شهود عيان لوكالة الصحافة الفرنسية، وأضحت سيارات التنظيم تجوب شوارع سرت من الصباح حتى المساء، فيما يراقب عناصره حركة المارة وأصحاب المحلات، ويفرضون على السكان أداء الصلاة في مواعيدها، ويتأكدون من عدم خروج النساء من منازلهن إلا برفقة رجل.
وفي تقرير «هيومن رايتس ووتش» تحدث سكان سرت عن «مشاهد» مرعبة، مثل قطع الرؤوس في الشارع، ومشاهدة جثث في ملابس برتقالية صلبت على مرأى من الناس، وخطف الرجال من منازلهم ليلا على أيدي مسلحين ملثمين. كما قال السكان إن «شرطة الآداب» التي يطلق عليها التنظيم اسم «الحسبة» تقوم بتهديد الرجال: «وتفرض عليهم الغرامات وتجلدهم بسبب التدخين والاستماع للموسيقى، أو لأنهم لم يفرضوا على زوجاتهم وأخواتهم لبس عباءات فضفاضة».
كما تقود الشرطة الرجال والأطفال في سرت إلى المساجد للصلاة والتعليم الديني الإجباري، بحسب ما أفاد بعض السكان.
وفي هذا السياق وثقت المنظمة الحقوقية عمليات إعدام بحق 49 شخصا في سرت منذ دخول التنظيم إليها في فبراير (شباط) 2015. وقالت إن عمليات الإعدام هذه شملت «قطع الأعناق والرمي بالرصاص»، مضيفة أن بين من أعدموا مقاتلين أسرى ومعارضين سياسيين «وأناسا اتهمهم (داعش) بالتجسس والسحر والشعوذة وإهانة الذات الإلهية».
ورأت «هيومن رايتس ووتش» أن الإعدامات التي نفذها التنظيم في سرت تشكل «جريمة حرب... قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية»، مضيفة أنه «في الوقت الذي يتركز فيه انتباه العالم على الفظائع في سوريا والعراق، تنجو (داعش) بجرائمها في ليبيا».
وسيطر تنظيم داعش على هذه المدينة مستغلا الفوضى الأمنية في بلاد تشهد صراعا على الحكم منذ نحو عامين. وأصبح هذا التنظيم المتشدد، الذي تضم صفوفه نحو خمسة آلاف مقاتل في ليبيا، يسعى إلى التوسع شرق وغرب سرت. ولذلك تخوض قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس معارك مع التنظيم غرب سرت، تمهيدا للتقدم نحو معاقله في المدينة، بحسب ما أعلنت الحكومة التي طلبت شراء طائرات وتدريب طيارين، بعدما عبرت الدول الكبرى الداعمة لها عن استعدادها لتسليحها في مؤتمر دولي في فيينا الاثنين.
وأول من أمس أعلنت قوات حكومة الوفاق أنها استعادت السيطرة على منطقة أبو قرين الاستراتيجية شرق طرابلس، وذلك بعد معارك مع تنظيم داعش، علما بأن أبو قرين تبعد بنحو 130 كيلومترا (كلم) غرب مدينة سرت، وعلى بعد نحو مائة كيلومتر (كلم) جنوب مدينة مصراتة، مركز القوات الموالية لحكومة الوفاق. لكن التنظيم نجح الأسبوع الماضي في السيطرة على منطقة أبو قرين، بعد معارك مع القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني.
وتخضع القوات العسكرية في الغرب الليبي إلى سلطة حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، بينما يقود الفريق أول ركن خليفة حفتر مدعوما من البرلمان، القوات في الشرق والموالية لحكومة لم يعد يعترف بها المجتمع الدولي. فيما تتسابق السلطتان الليبيتان في الشرق والغرب على خوض معركة تحرير مدينة سرت بشكل منفرد، حيث أعلنت كل منهما قرب حلول «ساعة الصفر».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.