الفلسطينيون ينقلون حلم العودة لأحفادهم

فعاليات الذكرى الـ68 للنكبة شملت عروضًا مسرحية وتراثية ومسيرات لتأكيد حق العودة

فلسطينيون يستقلون «قطار العودة» في رحلة رمزية للأراضي التي هجّروا منها عام 1948 في بيت لحم أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يستقلون «قطار العودة» في رحلة رمزية للأراضي التي هجّروا منها عام 1948 في بيت لحم أمس (أ.ف.ب)
TT

الفلسطينيون ينقلون حلم العودة لأحفادهم

فلسطينيون يستقلون «قطار العودة» في رحلة رمزية للأراضي التي هجّروا منها عام 1948 في بيت لحم أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يستقلون «قطار العودة» في رحلة رمزية للأراضي التي هجّروا منها عام 1948 في بيت لحم أمس (أ.ف.ب)

وقف الشاب محمد لطفي (35 عاما) على بوابة القطار المتوقف مؤقتا أمام مخيم الدهيشة للاجئين في بيت لحم، ينادي على الركاب «حيفا، يافا، عكا، ديربان، زكريا، بيت نتيف»، فيما يهرع كبار سن وشبان وفتيات إلى القطار الذي يفترض أنه سيعود بهم إلى قراهم المهجرة، في مشهد يحاكي حلم ملايين من الفلسطينيين بالعودة إلى مدنهم وقراهم التي هجّروا منها عام 1948 على يد القوات الإسرائيلية.
ولم يكد القطار الذي صنع خصيصا لذكرى النكبة 68 أن يمتلأ، حتى انطلق شمالا نحو القدس. وقال منذر عميرة، عضو الشبكة العالمية للاجئين والمهجرين، التي أشرفت مع آخرين على صنع القطار «الفكرة هي محاولة ترجمة الحلم إلى واقع». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن يقتصر الأمر على الأحلام، نريد أن نبعث الأمل لدى الحالمين بالعودة».
والقطار الصغير الذي أطلق عليه اسم «قطار العودة»، هو مجسم جميل لقطار مكون من 4 عربات، تم تشغيله للمرة الأولى أمس ضمن فعاليات النكبة للتأكيد على أن حق العودة مقدس وفردي ولا يسقط بالتقادم. وكتبت أسماء المدن والقرى الفلسطينية التي هجر منها أهلها على جميع عربات القطار مع أسماء المخيمات التي يسكنها المهجرون اليوم.
وقال أبو صبري العلاري الذي ناهز 89 عاما، وهو يركب قطار العودة ويحمل معه مفتاح بيته القديم في قرية علار التي هجر منها أهله: «سأسلم هذا المفتاح لأحفادي لأنهم سيعودون». وأضاف: «أتمنى لو يذهب بنا هذا القطار فعلا إلى علار.. أريد أن أشم هواء البلاد.. أريد أن أغتسل في ترابها».
لكن حلم أبو صبري توقف بعد نحو كيلومتر واحد، إذ وضع الجنود الإسرائيليون على مداخل مدينة بيت لحم قبل العبور إلى القدس حواجز عسكرية معززة، وجنودا إضافيين منعوا القطار من التقدم قيد أنملة، قبل أن تنفجر مواجهات اعتيادية في المكان. ولم يتفاجأ الركاب بذلك، وقال أبو صبري إنه توقف عن الحلم بأنه سيعود في مثل هذه الظروف الصعبة، لكنه متمسك بعودة أحفاده إلى أرضهم.
وكتب على القطار عبارات مثل «نعود مشيا على الأقدام، أو زحفا على الأيادي»، في إشارة إلى إصرار اللاجئين على العودة إلى ديارهم. ويحفظ اللاجئون عن ظهر قلب ما يقوله القانون الدولي في قضيتهم، بل يرفعون ذلك شعارا ثابتا في كل فعالياتهم «حق العودة فردي، ولا يسقط بالتقادم».
وفي هذا الشعار إشارة كما يبدو إلى أن أي حل سياسي غير مرض لن يكون مقبولا لدى اللاجئين. وفشل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي في الوصول إلى حل بشأن قضية اللاجئين التي تضعها السلطة الفلسطينية كواحدة من الملفات الـ5 الرئيسية من أجل التوصل إلى اتفاق سلام.
وحتى مع عرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس إعادة عدد محدد من اللاجئين إلى قراهم وإيجاد حل عادل للبقية، رفضت إسرائيل المقترح وقالت إنهم يمكن أن يعودوا إلى دولتهم بعد قيامها في إشارة إلى الدولة الفلسطينية التي يفترض أنها ستقوم على أراضي 1967، لكن اللاجئين يقولون إن أرضهم وبيوتهم تقع في أراضي 1948 التي أقيمت عليها إسرائيل، وإنهم يريدون العودة إليها.
ولم يكن محمد لطفي وأبو صبري العلاري الوحيدين اللذين شاركا في فعاليات ذكرى النكبة أمس، إذ أحيا الفلسطينيون في مختلف أماكن تشردهم ووجودهم الذكرى السنوية الثامنة والستين للنكبة، بشتى الطرق والوسائل المعبرة عن تمسكهم بحقوقهم في الوطن القومي والدولة المستقلة وإنصاف اللاجئين وإعادة حقوقهم لهم. فكان من أقام المسيرات والمهرجانات ومن أقام المعارض وأعاد الرواية بالصور أو الأفلام والبرامج التعليمية.
وبدأت فعاليات النكبة أمس في منتصف اليوم مع دقات الساعة 12 بعد الظهر، حيث توقف الفلسطينيون عن الحركة مع إطلاق صفارات الإنذار لمدة 68 ثانية إيذانا ببدء فعاليات إحياء الذكرى الـ68 للنكبة. وأعاد شبان لاجئون في رام الله تمثيل التهجير الصعب والدامي لأجدادهم قبل 68 عاما، وظهروا في شوارع رام الله وهم مصابون وقتلى ويرحلون حاملين أحزانهم وحاجياتهم إلى حيث لا يدرون. وأقيمت في مدن أخرى معارض لأدوات النكبة، وأخرى تراثية، ومهرجانات وطنية، للتأكيد على حق العودة الثابت.
وفي قطاع غزة، انطلق الآلاف في مسيرة حاشدة دعت لها القوى الوطنية والإسلامية إحياء للذكرى الـ68 للنكبة، وهم يحملون مفاتيح بيوتهم وإعلاما فلسطينية وأخرى سوداء في إشارة إلى الحداد. وعادة ما تتشح المخيمات والمدن الفلسطينية بالرايات السوداء في مثل هذا اليوم.
وقال زكريا الأغا، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في مسيرة غزة: «68 عاما على النكبة وشعبنا لم ينس وطنه فلسطين وسيعود له بكل الطرق.. وليعلم كل العالم أن شعبنا لن يرضى بديلا عن هذا الوطن، ولا يحق لأي كان التفريط بشبر واحد منه مهما طالت المسافات واعتلت جدران المحتل».
والفعاليات التي أقامها الفلسطينيون أمس لم تقتصر على الأراضي الفلسطينية، بل تعدّتها حيث يوجد مخيمات أو وجود فلسطيني في العالم.
وأصبح عدد اللاجئين الفلسطينيين نحو 5.59 مليون لاجئ فلسطيني، على الأقل، وهو رقم يشير إلى مضاعفتهم بنحو 9 مرات عما كانوا عليه إبان النكبة عام 1948. واستعرض الجهاز المركزي للإحصاء من خلال الأرقام والحقائق والمعطيات التاريخية والحالية من النواحي الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية أوضاع الفلسطينيين، لمناسبة الذكرى 68 للنكبة، والذي يصادف الخامس عشر من مايو (أيار) من كل عام.
وجاء في الإحصاءات الحديثة، أن أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير حتى احتلال ما تبقى من أراضي فلسطين في عام 1967، عبّر عن مأساة كبرى للشعب الفلسطيني، وتشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية، وقطاع غزة، والدول العربية المجاورة، فضلا عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم رغم بقائهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة إسرائيل. وذلك من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948. في 1.300 قرية ومدينة فلسطينية.
وأشارت البيانات الموثقة إلى أن الإسرائيليين سيطروا خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة، حيث قاموا بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما اقترفت قوات الاحتلال أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين، وأدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.
وبحسب البيانات، تستغل إسرائيل أكثر من 85 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة نحو 27.000 كيلومتر مربع، ولم يتبقَ للفلسطينيين سوى نحو 15 في المائة فقط من مساحة الأراضي (..) ويسيطر الاحتلال الإسرائيلي على 85 في المائة من المياه المتدفقة من الأحواض الجوفية.
وتظهر المعطيات الإحصائية أن نسبة اللاجئين في فلسطين تشكل ما نسبته 42.8 في المائة من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في فلسطين نهاية عام 2015، كما بلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة غوث «الأونروا» في الأول نوفمبر (تشرين الثاني) للعام 2015، نحو 5.59 مليون لاجئ فلسطيني. ويعيش نحو 28.7 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين في 58 مخيما، تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة. وتمثل هذه التقديرات الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين، باعتبار وجود لاجئين غير مسجلين، إذ لا يشمل هذا العدد من تم تشريدهم من الفلسطينيين بعد عام 1949 حتى عشية حرب يونيو (حزيران) 1967 «حسب تعريف الأونروا»، ولا يشمل أيضا الفلسطينيين الذين رحلوا، أو تم ترحيلهم عام 1967 على خلفية الحرب، والذين لم يكونوا لاجئين أصلا.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.