في إنجلترا.. لماذا يتباكى المدربون دائمًا على قرارات الحكام؟

النقاشات في دول أخرى تدور غالبًا حول تكتيكات اللعب وأساليب اختيار اللاعبين

فاردي مهاجم ليستر يحتج بشدة على إشهار الحكم البطاقة الحمراء في وجهه (أ.ف.ب)
فاردي مهاجم ليستر يحتج بشدة على إشهار الحكم البطاقة الحمراء في وجهه (أ.ف.ب)
TT

في إنجلترا.. لماذا يتباكى المدربون دائمًا على قرارات الحكام؟

فاردي مهاجم ليستر يحتج بشدة على إشهار الحكم البطاقة الحمراء في وجهه (أ.ف.ب)
فاردي مهاجم ليستر يحتج بشدة على إشهار الحكم البطاقة الحمراء في وجهه (أ.ف.ب)

في طفولتي، كان لدى أسرتي كلب صيد يدعى سام. وكان من السهل دومًا معرفة متى ارتكب سام خطأ ما، لأنه كان حينها يقترب من والدتي ووالدي بزاوية مائلة، بينما يصبح جسده شديد الاعوجاج، في الوقت الذي تتركز عينيه على الأرض. وكان حينها يصيح والدي: «حسنًا، ها هو قد جاء. أراهن أنه ارتكب خطأ ما».
ودائمًا ما ترد صورة سام على ذهني لدى مشاهدتي المقابلات التي تجرى مع مدربين ببرنامج «مباراة اليوم». وعادة ما يطرح مراسل «بي بي سي» أسئلته على نحو يشبه كلبًا يقترب من صاحبه ليتحدث إليه بنبرة ذليلة. مثلاً، يقول المراسل: «حسنًا، أرسين»، بنبرة تبدو وكأنه يتوقع أن يضرب مدرب آرسنال أذنيه بصحيفة في يده، قبل أن يقذفه بزجاجة مياه غازية مليئة بسائل «ديتول»، ويقول: «آسف.. أنا مضطر لأن أسألك.. بخصوص ركلة الجزاء. هل كانت صحيحة؟» ولأن الصيحة السائدة هذه الأيام، على ما يبدو، الشكوى من قرارات الحكام، تأتي نبرة المراسلين خافتة وكأنها اعتذار عن التطرق إلى سر عائلي لا يجوز كشفه.
في الواقع، لا أدري لماذا يشعر الصحافي الذي يجري المقابلة بالحاجة إلى الحديث بهذه النبرة وبهذا الأسلوب. في الحقيقة، يبدو الأمر وكأن سؤال سام ألاردايس (مدرب سندرلاند) عن مدى صحة قرار حامل الراية هو المكافئ العصري لطرق باب دوق ويلينغتون للاستفهام عما إذا كان قد أنجب ابنًا غير شرعي! ومع توافر الفرصة أمامه لتقديم شرح تفصيلي للظلم الذي يرى أن فريقه تعرض له، يسارع المدرب المتباكي لاستغلالها من دون تأخير.
وبالطبع لا يكون الأمر على هذا النحو دائمًا. على الصعيد الدولي، يجري التعامل مع المدربين من جانب وسائل الإعلام على نحو رغم كونه مهذبًا، فإنه يخلو من هذه النبرة الذليلة. على سبيل المثال، انظروا إلى غراهام تايلور (مدرب إنجلترا السابق)، الذي أثارت تعليقاته الشاكية من الحكم كارل جوزيف أسينامشر موجة عارمة من السخرية والاستهزاء. وينبغي التنبيه هنا إلى أن أي شخص يعتقد أن المدرب الفني للمنتخب الوطني الإنجليزي يضطلع بـ«المهمة المستحيلة»، عليه متابعة الصحافة البرازيلية ومعاينة المعاملة القاسية التي توليها لمدرب فريقها الوطني. ولن تجد بين الصحف البرازيلية من يسوق تبريرات لهزيمة مباراة ما باعتبار أن طرد أحد اللاعبين كلف الفريق المباراة بأكملها.
عام 1998، خلال رحلة بالحافلة في نانتيس مع حشد من الصحافيين المعنيين بكرة القدم في ساو باولو، وسألت عن سبب عدم ضم جونينيو. وهنا، أجاب أحدهم: «إنها مسرحية هزلية»، وأجاب آخر: «كارلوس باريرا ليس سوى كلب مهرج»، وقال ثالث: «الوضع برمته أشبه بمهزلة يعمها الفساد». ورغم أن البرازيل حينها كانت قد فازت للتو على المغرب بثلاثة أهداف من دون مقابل، فإن النتيجة لم تفلح في تهدئة الغضب العارم في نفوس من حولي.
من ناحية أخرى، مر مدرب الفريق الوطني الهولندي بأوقات أصعب، حيث لا يبدي الصحافيون الهولنديون أدنى اهتمام بعيوب أو أخطاء حكام المباريات، وإنما ينصب تركيزهم كاملاً على تكتيكات اللعب، على نحو قد يصبح مبالغًا فيه بعض الأحيان.
خلال بطولة «يورو 2000»، ذهبت إلى المعسكر التدريبي للفريق الوطني الهولندي في هويندرلو. وكان الصحافيون المحليون على درجة هائلة من الغضب جعلت الوجود بجانبهم أشبه بالسير داخل حقل من الصبار. في ذلك الوقت، كانت هولندا قد فازت على الدنمارك بثلاثة أهداف من دون مقابل الليلة السابقة مباشرة، لكن النتيجة لم تفلح في تهدئة غضب أي من الصحافيين الهولنديين. وقال أحد المراسلين بنبرة غاضبة: «بالأمس، لعب فريقنا فعليًا لمدة 20 دقيقة فقط..»، بينما أشار بأصابعه باتجاه مدرب المنتخب الهولندي فرانك ريكارد.
بعد هذا، انطلق سيل من الأسئلة حول تشكيل الفريق وتكتيكاته على نحو يرمي لإظهار - على نحو لا يقبل الشك - أن المكان الوحيد المناسب لريكارد مستقبلاً هو منزله. وكان يمكن أن يستمر هذا الطوفان إلى الأبد لولا تدخل مذيعة «بي بي سي» الشقراء الجميلة كيتي هيل، ومقاطعتها للحديث لسؤال ريكارد عن نوع الجبن المفضل لديه.
أما سبب هوس جميع المهتمين بكرة القدم الإنجليزية للمحترفين بالحكام وقراراتهم هذه الأيام، فأمر آخر ربما بحاجة لمزيد من التفحص والدراسة. ومساء أحد أيام السبت القريبة، وبينما كنت أتابع مباراة ألحق خلالها ساوث شيلدز الهزيمة بتيم نورثمبريا، طرأت على ذهني فجأة فكرة أنه رغم متابعتي 25 مباراة عن قرب هذا الموسم، لم أعاين مباراة واحدة «تسبب الحكم في نهاية مأساوية لها». وكنت أعلم على وجه اليقين أنني عندما أعود لمنزلي في المساء وأجلس لمشاهدة برنامج «5 لايف» التلفزيوني، سأرى مشجعًا بعد آخر يخبر الناقد روبي سافيدج أن «الحكم اليوم كان أشبه بأضحوكة» وأن «هذا الحكم ربما أضاع من أيدينا البطولة». وبطبيعة الحال، سيرد سافيدج بقوله إن «الحكم حاول أن يصنع لنفسه شهرة». ودائمًا ما أشعر بالدهشة حيال مثل هذا التفسير.



مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».