غادة السمان على قوس قزح

كتابها السادس في أدب الرحلات

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

غادة السمان على قوس قزح

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدر مؤخرًا للكاتبة السورية المقيمة في باريس غادة السمان كتابها الجديد الذي حمل عنوان: (امرأة على قوس قزح)، الذي يأتي بعد كتابها الروائي الأخير (وداعًا يا دمشق)، والكتاب الجديد الصادر عن دار «غادة السمان للنشر والتوزيع» في بيروت ينتمي لأدب الرحلات ويأتي ترتيبه السادس في هذا المجال بعد كتبها الخمسة: «الجسد حقيبة سفر»، «غربة تحت الصفر»، «وشهوة الأجنحة»، «القلب نورس وحيد»، و«رعشة الحريّة».
وكعادتها في بعض كتبها السابقة تطلب غادة من القارئ في مقدمته أن يختار عنوانًا آخر إذا لم يعجبه عنوان الكتاب وتقترح عليه الكثير من العناوين (عشرة عناوين) كانت اختارتهم كمسودات ومنها مثلا: «امرأة فوق غيمة»، و«أمشي فوق الرياح»، و«نافذة في قوس قزح»، إلخ....
تُهْدِي غادة السمان الكتاب الذي جاء بنحو 250 صفحة إلى محبوبها البعيد المنال وهو: (الاستقرار) تقول: لعلّي وُلدتُ وفي فمي بطاقة سفر.. مضرجّة بالرحيل، تتقاذفني «مدن المطر» ككرة قدم، وأنزف قلبي في «صالات ترانزيت» العمر، ولذا، أهدي هذا الكتاب... إلى المحبوب الذي أبعدني دومًا عنه، رافضًا حبي، ممعنًا في تشريدي بين القارات.. واسمه: «الاستقرار». ترى هل على أبجديتي أن تشكره على ذلك؟!
تبدأ الكاتبة أولى رحلاتها في الكتاب من سويسرا، وتأخذنا معها في رحلاتها بجنيف وفي شارع الألب.. هناك «تسير على ضفاف البحيرة حيث البجع يتهادى، إنها سويسرا التي تشبهّها بالجميلات اللواتي يملي عليهن جمالهن مسار حياتهن». ونتابع معها (عيد جنيف) حيث الحضور العربي الاستهلاكي والرحلات السياحية لمتعة (التلصص) والسياحة الفضائية وغير ذلك، ولكنها تلاحظ أن رغد التعاسة يُلاحق البعض حتى في جنة أرضية اسمها سويسرا.. تقول: كم يأكلني الحسد في رحلاتي السويسرية وأنا التقي بأشخاص لا يعرفون قيمة أن يعيشوا ويموتوا من دون سماع رصاصة، أو انفجارات!
لكنها وهي هناك تبقى مسكونة بحب الشام حتى الهوس وبتقاليد الشوام، حيث تصطحبها صديقة لها ثرية في زيوريخ إلى الغداء بطقوس (السيران الشامي) تقول لصديقتها: «لماذا لا نتناول الطعام هنا، أمام هذا المنظر البديع (متنزه مجاني على ضفاف البحيرة) ككل أهل الشام أعشق تناول الطعام على ضفة نهر أو بحيرة أو شاطئ بحر!... كأن ذلك يعيدنا إلى أصولنا: إلى السيران الشامي العتيق!».
في صفحات أخرى على قوس قزحها ترحل بنا إلى باريس والبحر الذي سماه الباريسيون (باري بلاج) تحدثنا عنه بكثير من المتعة البصرية وتجعلنا نحلق بخيالنا نحو عاصمة النور والأناقة وعاصمة الأثرياء. وهذا المشروع متاح لعامة الشعب إذ زاره ثلاثة ملايين ونصف مليون خلال شهر واستمتع به ملايين والفقراء. وتقارن صاحبة قصص (لا بحر في بيروت) ورِوَايَتَيْ (بيروت 75) و(كوابيس بيروت)، بحر باريس ببحر بيروت بحر بيروت الذي تلاحظ فيه الفرز الطبقي، فما تُرِكَ للفقراء منه هو الرملة البيضاء أو السان بلاش.. وهو شاطئ يفتقر لأبسط مقومات النظافة والتسلية والراحة بعكس «بيروت بلاج» حيث كانت السمان تمارس رياضة المشي كلما حلّت في بيروت.
ثم تأخذنا عبر رحلاتها الكثيرة التي بلغت 59 رحلة إلى نيويورك، عاصمة المفارقات، ولاس فيغاس لتشاهد فنادق الحيل السينمائية، ثم إلى أمستردام حيث «السمعة السيئة» لمدينة وديعة وأصيلة، ومن ثمّ إلى برشلونة حيث الميناء الذي رست فيه مراكب الحضارات، وإلى كولونيا المدينة التي طلعت من رماد الحرب أبهى وأحلى وإلى توسكانا الإيطالية، ومن ثم إلى فلورنسا حيث يلتقي السائح بأشباح عظماء النهضة، ومدينة سالزبورغ مسقط رأس موزار، التي زارتها عام 2006. وكانت سنة موزار، حين احتفلت المدينة بعيد ميلاده الخمسين بعد المائتين، وهو «الرجل الذي نجهل موضع قبره ولذا ندفنه في قلوبنا». بعد هلسنكي حيث غنج المرفهّين ولاهاي وفلوريدا واستوكهولم وجزر الكناري وماستريخت وروما تنهي السمان رحلاتها على قوس قزحها في موسكو التي زارتها أيام الحكم الشيوعي كعضو في الوفد الأدبي لاتحاد الكتاب اللبناني، حيث اقتادوا الوفد إلى الساحة الحمراء كموقع سياحي استثنائي ولزيارة ضريح لينين لتكتشف أن «الرجل المسكين ليس مدفونًا بل محنطًا».
ولا بد أخيرًا من التوقف عند نصيحتها الأخيرة: «حذار لا تسافر! فلم يعد الرحيل بالطائرة قفزة إلى الدهشة.. صار مزروعًا بتفتيش حذائك وذاكرتك وحنجرتك.. وقد تجد نفسك مثلها خارج الزمان والمكان في محطة رمادية معلّقة بين الوحشة والخوف والأحزان، وبعدها قد تضيع بقية حقائبك... وذاكرتك!».



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».