«السهم الذهبي» بداية العمليات البرية للتحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن

حصيلة العمليات العسكرية للميليشيات في عدن بلغت أكثر من 1900 قتيل وجريح

عناصر من المقاومة الشعبية يلاحقون المتمردين في عدن
عناصر من المقاومة الشعبية يلاحقون المتمردين في عدن
TT

«السهم الذهبي» بداية العمليات البرية للتحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن

عناصر من المقاومة الشعبية يلاحقون المتمردين في عدن
عناصر من المقاومة الشعبية يلاحقون المتمردين في عدن

من ثغر اليمن انطلقت «السهم الذهبي» التي تعد أكبر عملية تقودها قوات التحالف العربي لمساندة القوات المؤيدة للشرعية في سبيل استعادة الجمهورية التي انتزعها تحالف الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح في سبتمبر (أيلول) 2014، بقوة السلاح وتواطؤ القيادات العسكرية والقبلية، بحسب شهادات متواترة لقيادات عسكرية، وجاءت عملية «السهم الذهبي» بعد أيام قليلة من اقتراب المتمردين من مصافي عدن والمنصورة التي كانت تقاومهم بإمكانات بسيطة بعدما انهارت المنظومة العسكرية والأمنية التابعة للدولة واختفاء اللجان الشعبية التابعة لزعماء القبائل القادمة من أبين وشبوة ولحج.
في 20 مارس (آذار) 2015، تمكن وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي من إخماد التمرد، في معسكر قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي بعدن) بعد إقالة هادي لقائده العميد عبد الحافظ السقاف الموالي لصالح، ليعلن المتمردون بعدها معركة اجتياح مدن الجنوب، ونشر العنف والفوضى، باستخدام المعسكرات الموالية لصالح، التي كانت تنتشر في المحافظات الجنوبية، ما دفع هادي إلى الاستنجاد بالأمم المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي للتدخل عسكريا للحفاظ على الشرعية، وأرسل بذلك طلبا رسميا في 9 مارس نفس العام.
وفي 16 مارس، رفع الانقلابيون الإقامة الجبرية عن رئيس الحكومة خالد بحاح، الذي غادر صنعاء إلى مسقط رأسه في حضرموت، وبعدها ذهب إلى واشنطن، ليعود إلى الرياض ويتراجع عن استقالته ويبدأ إدارة حكومته من هناك.
وفي ذلك الشهر، بدأت معارك الجنوب مع المتمردين، في الضالع، ليتمكنوا بعدها من اجتياح محافظة لحج وقاعدة العند، ثم أبين مسقط رأس هادي، ومن ثم الدخول إلى عدن، واختطفوا خلال هذه المعارك كلا من اللواء الصبيحي الذي كان يقود المعارك ضدهم، واللواء فيصل رجب قائد اللواء 119. لتنهار بعدها جميع المعسكرات والوحدات الأمنية واللجان الشعبية التي شكلها الرئيس هادي للدفاع عن عدن والمحافظات الجنوبية.
وجمعت «الشرق الأوسط» شهادات متوافقة من قيادات في الدولة عن اللحظات الأولى لسقوط عدن، بدأت ملامح السقوط في شراء الولاءات لقيادات عسكرية وزعماء من فصائل جنوبية على ارتباط بإيران، يقول أحد المسؤولين الذي طلب إخفاء هويته «عقد الرئيس هادي سلسلة اجتماعات مع زعماء قبليين وطلب منهم تجهيز لجان شعبية ونشرها في شوارع عدن بعد أن علم أن سيناريو سقوط صنعاء سيتكرر في عدن، وصرف لهم مبالغ مالية لتجهيز المقاتلين والمعسكرات وكانت تزيد على 500 ألف دولار لكل زعيم قبلي»، مضيفا «كان الطاقم الرئاسي ينسق هذه اللقاءات ويثق بهم خاصة ما كانت تعرف باللجان الشعبية بقيادة شخص يدعى عبد اللطيف السيد».
ويتابع: «بعدها بأيام حصل فراغ أمني وعسكري في عدن، وانسحبت اللجان الشعبية، باتجاه أبين وشبوة، فيما قام الطاقم الأمني الرئاسي بتأمين خروج الرئيس هادي إلى مكان آمن، ومن ثم الانتقال لدولة عربية قبل وصوله للرياض»، موضحا «بعد مغادرة الرئيس تعرضت المعسكرات ومخازن الأسلحة لعمليات نهب ضخمة، فيما كانت الميليشيات تتقدم بسرعة لم نكن نتصورها، وبتنسيق كامل من قيادات داخل المحافظة».
لتسقط بعدها معظم المديريات الأربع لعدن، ولم يتبق سوى عدد محدود من سكانها ممن حمل السلاح للدفاع عن مناطقهم، لتشكل أول نواة للمقاومة في كل من مديرية المنصورة والبريقة التي فشلت الميليشيات من اختراقها، والتي تعد من أهم المناطق الاستراتيجية في الجنوب، حيث تقع فيها مصفاة عدن النفطية، وميناء البريقة النفطي، مشيرا إلى أن شباب عدن كانوا حديثي عهد بالسلاح، بعضهم من شباب الحافات (الأحياء)، والكثير منهم لأول مرة يحمل سلاحا.
بعد تشكيل المقاومة بقيادة نائف البكري الذي رأس المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية وكان يشغل وكيل المحافظة، آنذاك، ويشغل حاليا وزارة الشباب والرياضة، وبجواره كان يوجد الدكتور محمد مارم مدير مكتب رئاسة الجمهورية، وصمدوا بالأسلحة الخفيفة، أمام الترسانة الثقيلة التي كانت تمتلكها الميليشيات، وبدأ التحالف العربي في تدريب أول دفعة من المقاومة والجيش الوطني وكان عددهم 600 كانوا هم أول دفعة جرى تدريبها في السعودية والإمارات، ورفد التحالف المقاومة بأسلحة متوسطة ونوعية.
وتعزو القيادات العسكرية نجاح «السهم الذهبي» إلى عنصر المباغتة والأسلحة النوعية، والتي كان لها الدور الكبير في حسن المعركة بأقل الخسائر وأقل التكاليف.
جرى إطلاق اسم السهم الذهبي على العملية تحرير عدن، تحت نطاق عملية إعادة الأمل التي بدأت بعد انتهاء 27 يوما من عملية عاصفة الحزم.
وأمام النجاحات التي حققتها المقاومة الشعبية الموالية للشرعية وصمودها، استمر التنسيق بين هذه القوات على الأرض وقوات التحالف الذي تقوده السعودية، وتمكن التحالف بعدها في تفتيت القوة العسكرية للميليشيات عبر تدريب دفع عسكرية جديدة، والإمداد بالسلاح والذخيرة، والغطاء الجوي وضرب مراكز القوة ومستودعات السلاح التي تسيطر عليها الميليشيات.
يقول العميد عبد الله الصبيحي قائد اللواء 15 وقائد عملية التحرير عدن في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق في التحرك كان نقطة الارتكاز بين جميع القيادات في المقاومة الشعبية والعسكرية وقوات التحالف من غرفة عمليات مشتركة حديثة لتوحيد آلية المواجهة العسكرية مع الانقلابيين وذلك بهدف تشديد الضربة العسكرية.
ويشير العميد الصبيحي، إلى أن قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، كان لها دور بارز في كل المراحل منذ دخول ميليشيات الحوثيين لعدن، وتنوع هذا الدعم الذي يخدم عموم سكان عدن، إضافة إلى قوات التحالف قدمت الدعم العسكري المختلف، وبدأت بقرابة 75 مدرعة عسكرية عليها رشاش، سلمت عبر البحر بالتنسيق مع القيادة العسكرية والمقاومة الشعبية.
وقد سبق عملية التحرير ضربات مكثفة من قوات التحالف لمواقع تمركز الحوثيين، بالتنسيق مع الوحدات على الأرض التي تحركت بالتزامن مع هذه الضربات نحو الهدف، وقامت بتنفيذ الخطة المعدة مسبقا، وهذه الضربات أحدثت حالة إرباك لدى الميليشيات الحوثية التي بدت غير قادرة على المواجهة العسكرية على الأرض.
وأضاف الصبيحي أن عملية تحرير عدن انطلقت من ثلاثة محاور رئيسية وكانت نقطة الانطلاق مع توحيد لحظة الهجوم، وتمثلت هذه الجبهات في «الجسر المؤدي إلى المعلا، ومحور العصيمي ومحور الصولبان»، ومن هذه المحاور تم التوجه للمطار من خلال جبهتين أسهمتا في ضرب الحوثيين وتراجعهم من تلك المواقع التي يسيطرون عليها، وسقط في قبضة الحشد العسكري الكثير من أسرى الحوثيين الذين جرى التعامل معهم ونقلهم إلى مواقع آمنة.
وعن جبهة خور مكسر، قال العميد الصبيحي، إن معركة خفيفة جرت مع دخول اللواء المساند بالمقاومة الشعبية وطيران التحالف، وانهارت معها دفاعات الحوثيين، وفروا من المواجهة بعد أن شاهدوا زحف الحشد الموالي للشرعية، إلى خط أبين العلم وتبقت مجاميع تم التعامل معها عسكريا ودحرها في الجبهة.
واستمر تدفق الدعم العسكري النوعي من قوات التحالف بقيادة السعودية المتمثل في عملية إنزال مظلي لأنواع مختلفة من الأسلحة شملت صواريخ «لو» بنوعيها الموجهة والمحمولة، المخصصة لتدمير الدروع والدبابات العسكرية، إضافة إلى «آر بي جي»، ورشاشات مختلفة الاستخدام، والتي كان لها دور في تقليص مدة الحرب وسير المعارك لصالح المقاومة، التي كانت تسيطر على أربع جبهات، وكانت الأسلحة قادرة على مواجهة المدرعات والدبابات العسكرية.
في 14 يوليو (تموز) 2015، تمكنت «المقاومة الشعبية» من السيطرة على مطار عدن وعلى أجزاء من مدينة عدن بعد معارك عنيفة مع المتمردين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقالت الحكومة اليمنية إنها بدأت عملية السهم الذهبي لتحرير عدن. بعدها واصلت القوات الموالية للحكومة سيطرتها على ميناء عدن وكانت تتقدم في مركز المدينة، وفي 17 يوليو استعادت القوات الموالية للرئيس هادي السيطرة شبه الكاملة على عدن، مدعومين بقوات برية من الإمارات والسعودية، وذلك بعد 4 أشهر من اجتياحها من الحوثيين ووحدات الجيش السابقة الموالية لعلي عبد الله صالح.
وخلال هذه الفترة وصل وزراء ومسؤولون كبار من المخابرات، إلى مدينة عدن، في أول زيارة لأعضاء في الحكومة، لبدء ممارسة أعمالها.
وبحلول 22 يوليو تمكنت القوات الموالية للرئيس هادي من استعادة السيطرة الكاملة على عدن، وأعيد فتح مطار عدن الدولي، وفي أواخر الشهر نفسه، تقدمت القوات الموالية لهادي خارج مدينة عدن وشنت هجمات على مناطق الحوثيين، وقد برر عبد الملك الحوثي زعيم المتمردين، هزيمتهم في عدن بأن مسلحيه كانوا في زيارة لأقاربهم خلال عيد الفطر، وأسفرت عملية تحرير عدن، عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الحوثيين، المتحالفين مع قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
ورصدت الجهات الرسمية الخسائر البشرية في عدن منذ اندلاع المواجهات بين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق صالح من جهة، والمقاومة الشعبية في المحافظة، وبحسب مدير عام مكتب الصحة والسكان بالمحافظة، الخضر لصور، فإن «عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا خلال عمليات العنف، التي قامت بها ميليشيات الحوثي وصالح ضد المدنيين في المحافظة، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بلغ ألف قتيل، وقرابة تسعة آلاف جريح، وجميعهم من المدنيين».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.