المعارضة السورية أمام تحدي إثبات الوجود مع انطلاق مسار الحل السياسي

أحمد طعمة: نقص حاد في التمويل قلص عدد الموظفين إلى 60

المعارضة السورية أمام تحدي إثبات الوجود مع انطلاق مسار الحل السياسي
TT

المعارضة السورية أمام تحدي إثبات الوجود مع انطلاق مسار الحل السياسي

المعارضة السورية أمام تحدي إثبات الوجود مع انطلاق مسار الحل السياسي

تسعى المؤسسات الأولى للمعارضة السورية، وعلى رأسها «الائتلاف الوطني» المعارض والحكومة المؤقتة، وبعيد انطلاق قطار الحل السياسي. وهو ما تؤكده المعطيات المتسارعة إن كان لجهة اقتراب الهدنة من إتمام شهرها الأول وانسحاب موسكو من سوريا وصولا للزخم الذي تشهده أروقة جنيف، لحجز مقاعد لها في مسار التسوية بعدما تم تسليم الهيئة العليا للمفاوضات عدة العمل وإلى حد كبير الوشاح كممثلة شرعية لقوى المعارضة السورية السياسية والعسكرية، ما كبّل أيدي الائتلاف والحكومة المحاصرين أصلا ماديا جراء النقص الحاد بالتمويل.
وتنكب القيادة الجديدة لـ«الائتلاف» وعلى رأسها رئيسها المُنتخب حديثا أنس العبدة على إعادة تفعيل عمل الكيانات الأولى للمعارضة، ليخوض بذلك تحدي إثبات الوجود مع انطلاق مسار الحل السياسي. ولهذه الغاية شهدت مدينة غازي عنتاب التركية الحدودية مطلع الأسبوع اجتماعا ضم العبدة، بالإضافة لأعضاء الهيئة السياسية لـ«الائتلاف» ميشال كيلو ونورا الأمير وأسامة تلجو ووزير الإدارة المحلية حسين حاج بكري ووزير الصحة وجيه جمعة ووزير العدل عبد الرزاق حسين، طالب خلاله رئيس «الائتلاف» بـ«إيجاد آليات جديدة وفعالة لتقديم مزيد من الخدمات في المناطق المحررة، وزيادة المشاريع التنموية في جميع المجالات». وأوضح بيان صادر عن «الائتلاف» أن العبدة شدّد خلال الاجتماع على أهمية تفعيل دور جميع الوزارات والإدارات في الحكومة السورية المؤقتة بما يتناسب مع حجم الاحتياجات الشعبية في المناطق المحررة، لا سيما في الجانب الخدمي والطبي والتعليمي، وقطاع الدفاع المدني.
من جهة ثانية، قال رئيس الحكومة المؤقتة أحمد طعمة، الذي لم يشارك في الاجتماع المذكور لوجوده في مهمة عمل خارج تركيا، «إننا أمام مرحلة جديدة تستوجب تضافر جميع الجهود لتحسين وضع الحكومة في ظل النقص الحاد في التمويل الذي ترك ضررا كبيرا وأدى لتقليص عدد الموظفين من 500 إلى ما بين 60 و70 موظفا». وشدّد طعمة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنّه «وفي ظل المفاوضات الناشطة في جنيف من الأهمية بمكان تثبيت الحكومة وتطوير عملها ما سيعطي انطباعا بقوة المعارضة»، موضحا أنّه «منذ إنشاء هذه الحكومة تبرّعت قطر بمبلغ 50 مليون يورو نقدا ومن ثم أرسلت دفعتين بلغت قيمة كل واحدة مليوني دولار»، مشيرا إلى أن «باقي الدول كانت تقوم بتغطية تكاليف مشاريع تنفذها الحكومة لكنّها لم تقدم مساعدات نقدية مباشرة».
وأشار طعمة إلى أن «فكرة انتقال وزارات الحكومة إلى الداخل السوري كانت تنشط كلما طُرحت وبجدية فكرة المنطقة الآمنة، ولعل الحديث عنها عاد يتفاعل أخيرا بعد الاتفاق التركي - الأوروبي حتى ولو لم يكن بالزخم السابق». وأضاف: «نحن قمنا بمناشدة الأشقاء العرب وأصدقاء الشعب السوري باستئناف التمويل والمساعدات ونأمل أن تُثمر هذه الجهود في المرحلة القادمة». هذا، وتركزت معظم الخدمات التي قدمتها الحكومة المؤقتة منذ إنشائها في مارس (آذار) 2013 في ميدان التعليم والصحة والمشاريع الإغاثية والزراعية والمائية، وهو ما يجده أعضاء في الائتلاف غير كاف باعتبار أنّه دور تقوم به كثير من المنظمات في الداخل السوري.
وفي هذا السياق، قال أسامة تلجو، عضو الهيئة السياسية الجديدة لـ«الائتلاف» والذي شارك في اجتماع غازي عنتاب إن «ضعف أداء الحكومة ناتج عن عدة عوامل، ولا يمكن تحميله للتشكيلة الحكومية الحالية»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «سياسات خاطئة اعتمدتها التشكيلات الوزارية السابقة، فلم تقم ببناء مؤسسات للمعارضة في المناطق المحررة، بل قامت بأداء دور جهة داعمة». وأضاف: «ولعل التجاذبات ضمن الائتلاف انعكست أيضا على أداء الحكومة، أضف إلى الخلل الذي أوجده تعاطي الجهات الداعمة مباشرة مع المجالس المحلية بتجاوز للائتلاف والحكومة على حد سواء».
وكشف تلجو أن المساعدات متوقفة عن الحكومة المؤقتة منذ 9 أشهر، لافتا إلى أن الكوادر تعمل حاليًا من دون رواتب تذكر. وتابع «ما نسعى إليه حاليًا توجه الحكومة نحو الداخل بشكل حقيقي وفعلي من خلال إنشاء علاقة تكاملية بين المجالس المحلية والحكومة بغض النظر عن إمكانية انتقال بعض الوزارات إلى داخل المناطق المحررة». وإذ شدّد تلجو على أن «الإصلاح الحكومي متفق عليه من كل أعضاء الائتلاف»، أشار إلى أنّه «قد يكون هناك اختلافات بوجهات النظر حول الآلية الواجب اعتمادها لتحقيق الإصلاح إما من خلال تغييرات كبيرة بالهيكلية الحكومية وبالأشخاص أو اقتصار الموضوع على تعديل السياسات». وأضاف: «هذا موضوع سيُقرر في الاجتماعات المقبلة للهيئة السياسية».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.