«الأمن القومي السوري» تعمد طمس حقائق بشأن معتقلين لبنانيين وتحفظ على الإجابة عن مراسلات دولية

تنشر «الشرق الأوسط» ملخصا لمذكرة شاملة حول ملف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، أعدها مكتب الأمن القومي السوري، ومن المقرر أن ينشرها موقع «وثائق دمشق» كاملة في الأيام المقبلة، على الرغم من تعرضه للقرصنة مرات عدة، بعد بدئه الاثنين الماضي نشر وثائق رسمية ومحاضر اجتماعات سرية مسربة من دوائر سورية دبلوماسية وسياسية وأمنية. تكشف المذكرة كيفية تعاطي مكتب الأمن القومي الذي كان يتولى الرد على المراسلات الموجهة إلى الجانب السوري الممثل في اللجنة اللبنانية السورية المشتركة لدرس ملف المفقودين اللبنانيين والسوريين. ويبدو واضحا تعمد المكتب التهرب من كشف أي حقائق حول مئات المعتقلين اللبنانيين في سجونه، على الرغم من أن أجهزة الأمن السورية قدمت له في أحيان كثيرة، بناء على كتب وجهها إليها، معطيات كثيرة تتعلق بالعشرات منهم. فاكتفى بتبيان أوضاع عدد من المعتقلين بتهم جنائية، فيما أغفل تقديم الاستيضاحات عن عدد كبير من المعتقلين بتهم سياسية، بعضهم أعدم والبعض الآخر توفي لأسباب مرضية، وهو ما يعتبره معارضون مرادفا لوفاتهم تحت التعذيب، فيما معتقلون آخرون ما زالوا أحياء. يستهل مكتب الأمن القومي مذكرته حول المفقودين اللبنانيين في السجون السورية بمقدمة يشير فيها إلى أن «قوى 14 شباط (14 آذار) ركزت بتحريض استخباراتي خارجي بعد خروج القوات السورية من لبنان في نيسان (أبريل) 2005 على فبركة شهود الزور وتلفيق الاتهامات إلى سوريا حول مقتل (رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق) الحريري. وفي الوقت نفسه أثارت ملف ما يسمى بالمفقودين اللبنانيين في السجون السورية، والذي تتبنى أموره منظمة لبنانية تدعى (سوليد)»، على حد تعبيره. وفي موازاة إشارتها إلى أن «بعض القوى السياسية لا تزال تعتبره (ملف المفقودين) ورقة ضغط تمارس على سوريا»، تفيد المذكرة «بإنشاء الحكومة السورية جمعية سورية خاصة بالمفقودين السوريين في لبنان كعامل مواجهة لمنظمة (سوليد) اللبنانية، وتم إحصاء جميع السوريين الذين فقدوا في لبنان والبالغ عددهم 1090 شخصا، منهم 283 عسكريا». وتتطرق المذكرة إلى تشكيل اللجنة السورية اللبنانية المشتركة، التي عقدت 18 اجتماعا، وتتخللها سلسلة مراجعات وتقديم الجانب اللبناني قوائم بأسماء 725 لبنانيا فقدوا في سوريا، هناك أدلة على وجود 98 منهم في سوريا، و133 اسما لا أدلة على وجودهم، و491 أفادت الوثيقة بأن «اللبنانيين يعتقدون أن الميليشيات اللبنانية اعتقلتهم وسلمتهم إلى سوريا». وفي مقابل القوائم اللبنانية، طرح الجانب السوري 1090 اسما سوريا مفقودا في لبنان، هناك أدلة على اختفاء 800 منهم في لبنان، و283 اسما لعسكريين سوريين فقدوا أيضا في لبنان مقابل سبعة أسماء فردية. وفي حين عقدت اللجنة المشتركة 18 اجتماعا منذ تشكيلها نهاية شهر يوليو (تموز) 2005 حتى نهاية يناير (كانون الثاني) 2008، أشارت المذكرة المسربة إلى أن الجانب السوري أوضح خلال الاجتماعات معالجته لـ123 حالة، مقابل معالجة الجانب اللبناني لـ96 حالة. ولفتت إلى أن اللجنة «شطبت 4 أسماء قدّمها الجانب اللبناني وهم روبير أبو سرحال، جورج بشّور، ميلاد العلم، وجان خوري، بعد أن عُثر على جثثهم في إحدى المقابر الجماعية في لبنان». وتشدد الوثيقة على أن «هذه حجة قوية يجب أن تستخدم دائما من الجانب السوري». وفي موازاة صدور اربعة مراسيم عفو رئاسية خاصة عن 25 لبنانيا محكومين وموقوفين في سجون سوريا عام 2009، تكشف المذكرة أن مكتب الأمن القومي السوري «اعتمد أسلوبا سابقا بالتعاطي مع الملف يقوم خلاله بالإجابة عن جميع الكتب المحالة إليه أصولا عن طريق اللجنة المشتركة، أما طلبات الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية والأشخاص التي تحال عن طريق المحافل الدولية (مجلس الأمن الدولي - مجلس حقوق الإنسان) أو بشكل شخصي أو عن طريق وزارة الخارجية التي تحيله بدورها إلى مكتب الأمن القومي، فكان يتم التحفّظ على الإجابة بشأنها». وفي الشق المتعلق بالمراسلات الخاصة بمكتب الأمن القومي، تشير الوثيقة إلى عشر مراسلات وردت من خلال اللجنة المشتركة للمفقودين (السوريين واللبنانيين)، تتعلق الأولى بحالة 16 لبنانيا، وهم كل من سمير الحاج وبسام مثلج وإلياس بيطار وعادل ذيب وأحمد نصّار وفادي غلام وتوفيق الحجل وتوفيق الفوال ورئيف داغر وحسين شكر وجورج زاهر وعدنان زغيب وشامل كنعان وسامي حمادة وبولس باسيل ونبيل سمعان. وبعد إحالة مكتب الأمن القومي المراسلة إلى شعبة المخابرات والشرطة العسكرية، أفادتا بإعدام كل من مثلج لاتهامه «بقتل عسكري سوري وآخر لبناني»، والفوال بتهمة «اغتيال المساعد أول توفيق العلي (سوري) وقتاله ضد القوات السورية في لبنان». وتمحورت المراسلة الثانية حول 623 لبنانيا سبق أن أوقفوا في سوريا في الفترة الواقعة بين 1990 و2005، وتبين أنهم تم «تسليمهم إلى لبنان إما فرديا أو جماعيا». أما المراسلة الثالثة والمتعلقة بـ725 لبنانيا فقدوا «ويدعي ذووهم، وفق الوثيقة، أنهم موقوفون في السجون السورية وطلب من اللجنة المشتركة دراسة أوضاعهم»، فأفادت إدارة المخابرات الجوية بإعدام «دانيال جوزيف منصوراتي (1992)، وأعلنت الشرطة العسكرية إعدامه أيضا، إضافة إلى كل من سامي حسين شعبان (1982)، سليم بهزات سلامة (1990)، خليل أمين أبو زكي (1990)، نجيب يوسف جرماني (1997)، أحمد وليد رؤوف العمري (1989)، مروان حنا عواد (1990)، بسام رياض مثلج (1990)، توفيق فؤاد الفوال (1989)، قزحيا فريد شهوان (1981)». وأفادت الشرطة العسكرية بـ«وفاة أحمد قاسم الشوم (1981) بعد مرضه ودفن في تدمر»، وبتسليم جمال رياض حوحو إلى فرع الاستطلاع في لبنان (1978) وتوفي هناك». وتشير المراسلة ذاتها إلى إعدام «أسماء مضافة بخط اليد وهي عبد الناصر خضر المصري وعلم الدين مهنا حسان وحسين محمد جوهري»، بموازاة إخلاء سبيل المدعو نادر محمد بلطجي. من ناحيتها، أفادت إدارة المخابرات العامة بتوقيف كل من أبو زكي وحوحو ومنصوراتي وشهوان وسلامة وحسان وجرماني ومحمد علي وفيق قصقص، من دون أن تورد معلومات حول مصيرهم، مقابل إشارتها إلى الحكم بالإعدام على سامي حسين شعبان و«عدم توافر معلومات حول البقية». أما شعبة الأمن السياسي فأفادت «بعدم توقيف أي لبناني». وتستفسر المراسلة الرابعة الواردة من اللجنة المشتركة إلى مكتب الأمن القومي عن حالة 408 لبنانيين، فجاء رد إدارة المخابرات الجوية «عدم توافر معلومات عن الجميع»، في حين أفاد رد فرع التحقيق والسجون التابع للشرطة العسكرية بالحكم المؤبد على فهد حنا خيشو بجرم التجسس وقال إنه «ما زال موقوفا»، وبالحكم لمدة 15 عاما على ميلاد شحادة بركات «بجرم التجسس»، وقال أيضا إنه «ما زال موقوفا». وأشار إلى تنفيذ الإعدام بحق اللبناني علي سعيد الحاج «لإقدامه على القتل والعمل مع اليمين المشبوه»، وتسليم سمير فؤاد الصايغ «لمنتدب الفرع 248 عام 1990 بعد إنهاء علاقته»، في حين «توفي علي فاروق العبد الله بعد نقله إلى مشفى التل العسكري عام 1988 نتيجة إصابته بقصور كلوي حاد وسلمت جثته لذويه». كذلك، أشار فرع التحقيق والسجون إلى إعدام عارف محيي الدين الدايخ (1982)، وتسليم حسن محمد إسماعيل عبد الله للفرع 248 (2000)، وإعدام كل من عادل إميل خير الله (1988)، وشارل مانويل قالوستيان (1997)، وعماد إسماعيل القرش (1996). ولفت إلى تسليم كل من جمال رفاعي صالح (1987) وعلي محمد الحسين (1991) والرقيب اللبناني (جندي) إبراهيم جرجس وعادل مصطفى الأطرش (1991) إلى «منتدب الفرع 248»، مفيدا في الوقت ذاته بالحكم على محمد علي نور الدين الموقوف عام 1987 لمدة ستة أشهر. وأجابت وزارة الداخلية «بترحيل» وائل أحمد عكاوي عام 2003 وبتوقيف كل من محمد أحمد الفضل منذ عام 1998 بجرم الاتجار بالحشيش، وطالع محمد عسكر منذ عام 1998 بجرم تهريب الحشيش في سجن عدرا، مقابل إخلاء سبيل كل من علي أسعد غندور بتاريخ 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 ووليد علي عبد الملك عام 2005. ونفت إدارة المخابرات العامة توافر أي معلومات «باستثناء اللبناني عارف محيي الدين دايخ»، الذي «نفذ بحقه حكم الإعدام عام 1982». وعرضت شعبة الأمن السياسي، كما تضيف وثيقة الأمن القومي نفسها، أسماء 36 حالة، 10 منهم سبق أن أوقفوا من قبل جهات قضائية وأمنية و24 منهم بحقهم إجراءات لصالح الأجهزة الأمنية. وتشير الوثيقة المسربة إلى أنه «تمت إجابة اللجنة المشتركة من قبل مكتب الأمن القومي بموجب كتابه رقم 206/7/أ.ق تاريخ 2006/2/27 بعدم وجود أي موقوف من اللبنانيين الواردة أسماؤهم في اللوائح»، ثم خاطب مكتب الأمن القومي في اليوم التالي اللجنة السورية المشكلة لمعالجة أوضاع المفقودين السوريين واللبنانيين، موضحا فيه حالة اثنين منهما، بسام رياض مثلج، الذي قال إنه «أوقف بجرم القتل قصدا لأكثر من شخص وتم إعدامه عام 1995 وجرى تبليغ الجهات اللبنانية بمذكرة الحكم ومحضر كشف تنفيذ الإعدام لتسجيل واقعة الوفاة أصولا»، إضافة إلى نادر محمد بلطجي، وأفاد بإخلاء سبيله بتاريخ فبراير (شباط) 1992. وتتعلق المراسلة الخامسة من اللجنة المشتركة بـ494 لبنانيا، رد مكتب الأمن القومي عليها بكتاب تضمن «لائحة توضيحية بأسماء 34 لبنانيا تم إخلاء سبيلهم وتسليمهم إلى لبنان بتواريخ مختلفة، أما بقية الأسماء فلا تتوافر عنهم معلومات». وخصصت المراسلة السابعة (فبراير 2006) لحالة اللبناني المدعو سليم بهزات سلامة، فردت الشرطة العسكرية بأنه «أوقف عام 1989 بتهمة التجسس لصالح العدو، ونفّذ به حكم الإعدام عام 1990»، لكن مكتب الأمن القومي أجاب النائب العام العسكري (مندوب اللجنة المشتركة) بـ«عدم وجود أي معلومات». واستفسرت اللجنة اللبنانية السورية المشتركة في المراسلة السابعة (مارس/ آذار 2006) «فيما إذا كان اللبناني سليم سلامة موقوفا بفرع فلسطين أم لا»، وردت شعبة المخابرات على مراسلة مكتب الأمن القومي (أبريل 2006) «بعدم توقيف المذكور وورود معلومات حوله تفيد بصلته بالعدو الإسرائيلي والشبهة بعلاقته باغتيال الشهيد جهاد جبريل»، في إشارة إلى نجل مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة أحمد جبريل. وسألت المراسلة الثامنة المذكورة في الملف المسرب، عن 95 لبنانيا، ردت وزارة الداخلية السورية على كتاب أرسله بشأنهم مكتب الأمن القومي بالإشارة إلى إخلاء سبيل 72 منهم وهروب اثنين وإعدام أحدهم والحكم على 16 منهم ووفاة الأربعة الآخرين. لكن مكتب الأمن القومي اكتفى في رده على اللجنة المشتركة، من خلال ممثله فيها، بـ«بيان وضع 85 حالة لبناني موقوف». وفي معرض رده على المراسلة التاسعة المتعلقة بحالة 26 لبنانيا معتقلين، تبين لمكتب الأمن القومي وفق الردود الواردة إليه من الأجهزة الأمنية السورية، إعدام خليل أمين أبو زكي في 29 يوليو 1990 (الشرطة العسكرية)، وتوقيف رياض حوحو محمد بتاريخ 20 نوفمبر 1978. لكن مكتب الأمن القومي أجاب بكتاب إلى اللجنة «بعدم توافر معلومات وعدم توقيف أي منهم». وخصصت المراسلة العاشرة للسؤال عن بطرس خوند، وهو مسؤول بارز في حزب الكتائب اللبنانية، ورد في الملف أن «منظمة (سوليد) ادعت أنه موقوف في سوريا». وأجاب مكتب الأمن القومي بناء على أجوبة وردته من دوائر الأمن السياسي وإدارة المخابرات العامة وإدارة المخابرات الجوية وشعبة المخابرات «بعدم توافر أي معلومات حول المذكور وأنه غير موقوف بالقطر». ويشير الملف المسرب المذكور إلى العثور «على إحصائيات حتى عام 2008 لأسماء لبنانيين موقوفين في القطر من قبل جهات أمنية»، إذ أفادت وزارة الداخلية السورية في كتاب (رقم 658، تاريخ 2008/7/20) بقائمة «تتضمن أسماء 104 لبنانيين موقوفين لديها منهم 90 ذكرا و14 أنثى». وتضمن كتابها (رقم 30527/م.و، تاريخ 2008/9/2) «أسماء السجناء اللبنانيين الموجودين في القطر حاليا والبالغ عددهم 107». كذلك أفادت شعبة الأمن السياسي بأسماء «شخصين لبنانيين وشخصين فلسطينيين لبنانيين موقوفين لديها»، وكذلك فعلت الشرطة العسكرية في كتاب صادر عنها تضمن أسماء 12 لبنانيا، قالت إنهم موقوفون في «السجن العسكري الأول»، و«4 أسماء لفلسطينيين لبنانيين في السجن العسكري الأول وهم موقوفون لأسباب أمنية (تنظيم القاعدة - عصبة الأنصار - جند الشام)». وأشار الملف المسرب إلى «لائحة تفصيلية بأوضاع اللبنانيين والفلسطينيين اللبنانيين المحالين للمحكمة الميدانية وأمن الدولة وعرفيا وقيد التحقيق وعددهم 30 (ثمانية منهم فلسطينيون لبنانيون و22 لبنانيا) بعضهم موقوف في الشعبة (26) والآخرون موقوفون في الجوية (4)». ويورد الجزء الثاني الرئيس من الملف الصادر عن مكتب الأمن القومي السوري، والمتعلق بالمفقودين اللبنانيين في السجون السورية، مجموعة من الطلبات والمراسلات التي وردت من مجلس حقوق الإنسان ومن منظمات دولية وجمعيات أهلية لبنانية ودولية وأفراد تسأل عن مجموعة من المفقودين. ويبدو واضحا من خلال الملف تحفظ مكتب الأمن القومي في حالات كثيرة عن الرد على الرغم من ورود أجوبة إليه من الأجهزة الأمنية عن عشرات المفقودين أو اكتفائه بعرض الموضوع في اجتماعاته الدورية، ورده فقط على المراسلات ذات الطابع البروتوكولي لناحية إفادته بتشكيل اللجنة اللبنانية السورية المشتركة وتقديمه موجزا عن الإجراءات والنتائج التي خلصت إليها.

مذكرة شاملة حول ملف المفقوديين اللبنانيين في سوريا