ترشيد استهلاك الوقود.. قضية بانتظار الحسم في أميركا

معايير الحد من التلوث بحاجة إلى «إعادة نظر»

صممت معايير ترشيد استهلاك الوقود بهدف خلق أسطول من السيارات الجديدة يبلغ معدل التعويض لها 54.5 ميل للغالون (رويترز)
صممت معايير ترشيد استهلاك الوقود بهدف خلق أسطول من السيارات الجديدة يبلغ معدل التعويض لها 54.5 ميل للغالون (رويترز)
TT

ترشيد استهلاك الوقود.. قضية بانتظار الحسم في أميركا

صممت معايير ترشيد استهلاك الوقود بهدف خلق أسطول من السيارات الجديدة يبلغ معدل التعويض لها 54.5 ميل للغالون (رويترز)
صممت معايير ترشيد استهلاك الوقود بهدف خلق أسطول من السيارات الجديدة يبلغ معدل التعويض لها 54.5 ميل للغالون (رويترز)

ترمي المعايير التي أقرتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لترشيد استهلاك الوقود إلى تقليص التلوث الناجم عن عوادم السيارات ورفع مستوى ما يطلق عليه التعويض الميلي للغازولين. وتعد هذه المعايير بمثابة أكبر خطوة تتخذها أي دولة بالعالم على صعيد مكافحة ارتفاع درجات حرارة الأرض. بادئ الأمر، سار تطبيق هذه المعايير بصورة جيدة، لكن الحال لم يعد كذلك الآن، ما يشير لضرورة إصلاحها.
وتزداد أهمية هذا الإصلاح في ضوء قرار المحكمة العليا، الشهر الماضي، بوقف تنفيذ خطة الإدارة للحد من التلوث الناجم عن مصانع إنتاج الطاقة المعتمدة على الفحم.
وقد صممت معايير ترشيد استهلاك الوقود بهدف خلق أسطول من السيارات الجديدة يبلغ معدل التعويض الميلي لها 54.5 ميل للغالون، وذلك عام 2025، إلا أن هذا الهدف بات يتهدده الخطر الآن بسبب زيادة مصنعي السيارات من إنتاج الشاحنات الخفيفة والأخرى الصغيرة المغلقة والسيارات الرياضية التي تستهلك جميعها الغازولين بشراهة. وتسببت هذه الأنماط من السيارات في ارتفاع معدلات استهلاك النفط والتلوث، وشكلت تهديدًا لالتزام الولايات المتحدة باتفاقية المناخ الموقعة بباريس.
وطرح تقريران أصدرتهما الحكومة مؤخرًا، أدلة تثبت أن الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون يستلزم من الإدارة تعزيز معايير ترشيد استهلاك الوقود بهذه المركبات. كما يتعين على الإدارة سد الثغرات التي تسمح لمصنعي السيارات بالالتفاف حول جوهر معايير ترشيد استهلاك الوقود، رغم الالتزام الحرفي بها.
تبعًا للقواعد التي أقرتها الإدارة، ارتفع مستوى ترشيد استهلاك الوقود بمعدل خمسة أميال للغالون من عام 2007 إلى 2016، ومع ذلك، تكشف التقارير الواردة من وكالة حماية البيئة عن عدم حدوث تحسن إجمالي عام 2014، وهو آخر عام تتوافر عنه بيانات. ومع استمرار ارتفاع معدلات إنتاج السيارات الرياضية والشاحنات الخفيفة والأخرى الصغيرة، فإن الاحتمال الأكبر أن معدلات الانبعاثات من المركبات خلال عام 2015 ستزداد سوءًا، وإن كنا لن نتمكن من التأكد من ذلك حتى ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وتأتي هذه الأنباء في وقت تبدأ فيه الحكومة تقييمًا للقواعد الصادرة عن الإدارة يمكن أن يؤدي لإدخال تغييرات تغطي الفترة بين 2021 و2025، وتتركز مخاوفنا هنا على إمكانية استغلال صناعة السيارات لهذه المراجعة، التي سعت لإنجازها لدى إقرار المعايير للمرة الأولى، بهدف إرجاء أو إضعاف القواعد.
يذكر أن معايير ترشيد استهلاك الوقود لا تحدد أهدافًا مجملة فيما يخص التلوث أو التعويض الميلي، وإنما توفر بدلاً من ذلك مقياسًا متدرجا يسمح بمستوى أقل من التعويض الميلي وقواعد الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري لأساطيل السيارات التي تنتجها الشركات، مع زيادة مصنعي السيارات لإنتاجهم من الشاحنات.
وعليه، فإنه رغم زيادة ترشيد استهلاك الوقود للشاحنات الخفيفة بمعدل 6 أميال للغالون خلال عام 2014، فإن إجمالي الزيادة في إنتاج هذه المركبات، الذي بلغ 5 في المائة، قضى على أثر الفوائد التي تحققت من وراء مركبات أخرى اتسمت بترشيد أكبر في استهلاك الطاقة.
في نهاية الأمر، بلغ متوسط التعويض الميلي للسيارات والشاحنات عام 2014، نحو 30.7 ميل للغالون، مثلما كان الحال عام 2013، ومن خلال تعطيلها تحسين مستوى ترشيد استهلاك الوقود، تستمر صناعة السيارات بذلك في تهديد المناخ، خاصة بالنظر إلى أن غالون الغازولين يطلق 25 رطلا من الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي.
ومن بين جميع صانعي السيارات الكبار، جاءت السيارات الأميركية الأسوأ من حيث عدد الأميال مقارنة بالوقود المستهلك. مثلا سجلت شركة فورد كفاءة 9.2 ميل لكل غالون أقل من أكبر شركة من ناحية كفاءة الوقود، حيث سجلت 37.9 ميل لكل غالون، وكانت جي إم وفيات كراسيلر أسوأ من فورد. سيارتا هوندا وهيونداي فقط استطاعتا الالتزام تماما بالمقاييس من دون اللجوء إلى الثغرات. إحدى تلك الثغرات تساعد صانعي السيارات على الحصول على موافقة باعتماد كفاءة الوقود في السيارات التي تتصف بالمرونة في استهلاك الوقود، حتى وإن كانت هذه السيارات لا تحقق تلك الكفاءة.
ما نتحدث عنه يسمى ميكانيكا السيارات، وليست علم الصواريخ. فلكي نحقق كفاءة في استهلاك الوقود، يستطيع منتجو السيارات استخدام التكنولوجيا الموجودة بالفعل، منها موتورات وأجهزة نقل حركة أفضل، وديناميكا هوائية وغيرها من المواد المحسنة. فإضافة المزيد من القوة وتخفيف وزن المعدن قلصا 150 رطلا من وزن السيارة في المتوسط، بيد أن صانعي السيارات بمقدورهم مضاعفة هذا الرقم مرة على الأقل من دون التأثير على عنصر الأمان، وفق كلارنس ديتلو، المدير التنفيذي لمركز أمان السيارات.
ورغم أن صانعي السيارات تمكنوا من رفع كفاءة استخدامهم للوقود عام 2014، فإنهم لم يطبقوا ذلك إلا في عدد محدود من الطرازات، في حين أنهم وضعوا في سيارات السباق وغيرها من سيارات النقل الخفيف معدات أرخص وأقدم. تستخدم شركتي سوبارو ونيسان ناقلات حركة متنوعة عالية الكفاءة باستمرار، في حين تستخدم فورد، وجي إم، وكرايسلر ناقلات الحركة تلك في عدد محدود من أساطيلها. وتستخدم بي إم دابليو، وفولكسفاغن، ومرسيدس بنز، شاحنا توربينيا يرفع من كفاءة الموتور، في أغلب سياراتها. وتستخدم شركة فورد شاحن تربو في نحو 50 في المائة من أسطول سياراتها، بينما وضعت شركتا جي إم، وكرايسلر شاحن تربو على الرف.
ومقابل كل سيارة ينتجونها متجاهلين عنصر كفاءة الوقود، يعمد صانعو السيارات إلى إضافة كمالية أخرى مثل حامل الأكواب أو أي كمالية أخرى بغرض رفع السعر وزيادة الربح، حتى وأن تسبب ذلك في غضب المشترين الذين اشتروا تكنولوجيا القرن العشرين في غلاف القرن الحادي والعشرين.
بمقدور برنامج أوباما لكفاءة الوقود أن يفعل ما لم يفعله أي إجراء آخر مطبق حاليا للحفاظ على البيئة لإبعاد أي غازات خارج الغلاف الجوي.
ومن ضمن الطرق الممكن اتباعها لحل تلك المشكلات التي تسببت في أبطاء التطور في هذا الاتجاه، إنشاء كيان داعم في تلك المرحة الانتقالية التي يجري فيها تحسين كفاءة الوقود، بحيث يعمل مصنعو السيارات خلال تلك الفترة على إنتاج أساطيل من السيارات بمقدورها تقليص انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بواقع ستة مليارات طن، مما يحقق هدف الإدارة الأميركية بتقليص نسب التلوث.
وصناعة السيارات مدينة لدافعي الضرائب بالكثير، بعدما أنقذتهم الحكومة بدعمها لشركة جنرال موتورز، وكرايسلر بمبلغ 85 مليار دولار انتشلهم من الإفلاس.
وإذا ساعدت تلك القوانين على تحقيق أهداف الشركات المنتجة، فسوف يساعدون مالكي السيارات في توفير المال الذي يتعين سداده في محطات الوقود؛ مما يوفر على كل مالك سيارة نحو 8000 دولار حتى بعد سداد كلفة التكنولوجيا الجديدة الموفرة للوقود، ويقلل من إدماننا على استهلاك الوقود ويمنع نحو ستة مليارات طن من غاز ثاني أكسيد الكربون تبقى خارج الغلاف الجوي.. وعلينا ألا نتوانى عن دفع صانعي السيارات لتطبيق مثل هذه التكنولوجيا.
* خدمة «نيويورك تايمز»



وزير الصناعة السعودي: ولي العهد سرّع إلغاء المقابل المالي لتعزيز تنافسية القطاع عالمياً

وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)
وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)
TT

وزير الصناعة السعودي: ولي العهد سرّع إلغاء المقابل المالي لتعزيز تنافسية القطاع عالمياً

وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)
وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)

كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، عن كواليس ما قبل إصدار قرار مجلس الوزراء، الأخير، المتمثل في إلغاء المقابل المالي عن القطاع الصناعي، مبيناً أن ولي العهد قاد اجتماعاً كان مدافعاً عن المنظومة، وهو مَن اتخذ القرار بهذه السرعة، في خطوة الهدف منها تعزيز تنافسية الصناعة السعودية على مستوى العالم.

يأتي ذلك بعد أيام من قرار مجلس الوزراء، بإلغاء المقابل المالي المقرر على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية، في خطوة ستسهم في تعزيز تنافسية الصناعة السعودية عالمياً، وزيادة وصول الصادرات غير النفطية وانتشارها في مختلف الأسواق العالمية.

وجاء كلام وزير الصناعة والثروة المعدنية، خلال «مجلس صناعيي الرياض الثامن»، بتنظيم غرفة الرياض، يوم الخميس، مؤكداً أن قرار إلغاء المقابل المالي، يعكس وضوح «رؤية 2030» والحكومة تجاه هذه المنظومة وأهميتها في تنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة الصادرات وخلق الفرص الاستثمارية لنمو القطاع غير النفطي.

استقرار السياسات

واستطرد الخريف: «علينا مسؤولية جماعياً أن نثبت أن هذا القرار صحيح ويخلق تنافسية عالية للقطاع الصناعي ويجعل هذه المنظومة منافسة دون قيود ودون ترقب».

جانب من لقاء وزير الصناعة والثروة المعدنية في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)

وأبدى تفاؤله بأن القرار سيكون عاملاً مهماً لخلق الاستقرار للسياسات المرتبطة بالاستثمار الصناعي، وتمكين المستثمرين لاتخاذ القرارات المناسبة، مطالباً في الوقت ذاته من المنشآت ضرورة الاستفادة من كل الممكنات لخدمة المنظومة.

من جانبه، أشار رئيس مجلس إدارة غرفة الرياض، المهندس عبد الله العبيكان، في كلمته على هامش الحدث، إلى الدور المحوري الذي تقدمه الوزارة في قيادة التحول الصناعي، وتعزيز تنافسية القطاع، وتمكين الاستثمارات النوعية التي تشكل ركيزة أساسية في بناء مستقبل الصناعة الوطنية، والتي تحظى بدعم غير مسبوق من الحكومة، الأمر الذي حوَّل الصناعة إلى محرك حقيقي للنمو، وركيزة أساسية في تحقيق مستهدفات «رؤية 2030».

التحول الرقمي

وقال إن محورَي المجلس هذا العام يتركزان على التحول الرقمي وربط البيانات، وتعزيز المحتوى المحلي ورفع الأثر الاقتصادي، ويمثلان حجر الأساس لأي نهضة صناعية حديثة، وأن الرقمنة ليست مجرد أداة تطوير، بل ركيزة استراتيجية تعيد تشكيل سلاسل الإمداد، وتحسين كفاءة التشغيل، وترفع جودة القرار.

المهندس عبد الله العبيكان في كلمته خلال مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)

وأكد العبيكان أن المحتوى المحلي ليس مجرد نسبة تقاس، بل قيمة تُبنى واستثمار يعاد ضخه في الاقتصاد الوطني، وفرص عمل تُخلق، وأثر اقتصادي يتسع ويتجذر.

وحسب العبيكان، فإن غرفة الرياض تؤمن بأن دورها يتجاوز تنظيم الفعاليات إلى صناعة الحوار، ودفع البيئة الصناعية نحو التطور، وهذا المجلس، بما يحمله من خبرات ورؤى، يمثل مساحة خصبة لتوليد أفكار عملية وبناءه، والخروج بتوصيات قادرة على المساهمة في تعزيز مسار الصناعة الوطنية.


انفتاح الأسواق الأميركية... عهد جديد للأصول البديلة في 2026

أشخاص يغادرون مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في واشنطن (رويترز)
أشخاص يغادرون مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في واشنطن (رويترز)
TT

انفتاح الأسواق الأميركية... عهد جديد للأصول البديلة في 2026

أشخاص يغادرون مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في واشنطن (رويترز)
أشخاص يغادرون مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في واشنطن (رويترز)

تشهد الأسواق المالية في الولايات المتحدة مرحلة من التحول، والتطور، مع اتساع نطاق الخيارات الاستثمارية المتاحة للمستثمرين الأفراد. وفي هذا السياق، يبرز التحدي في موازنة الاستفادة من الفرص الجديدة مع إدارة المخاطر المحتملة، لا سيما لأولئك الذين يفتقرون إلى الخبرة، أو الدعم الاستشاري المستمر. ومع اقتراب هذه الأدوات المعقدة من متناول الجميع، يطرح السؤال المحوري: هل تمثل هذه الخيارات فرصة حقيقية لتعزيز العوائد، أم إنها تحمل مخاطر لم يعتد عليها المستثمر العادي في خططه التقاعدية التقليدية؟

وفي هذا الإطار، قد يُتاح قريباً للمستثمرين الأميركيين الوصول إلى مجموعة أوسع من المنتجات المرتبطة بفئات الأصول، مثل الائتمان الخاص، والعملات الرقمية، في إطار جهود إدارة الرئيس ترمب، وهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لفتح الأسواق. ويرى بعض مستشاري الاستثمار أن هذا التوسع قد يضع عبئاً إضافياً على الأفراد لتحمل مسؤولية حماية أنفسهم مالياً.

واعتمد كل من البيت الأبيض وهيئة الأوراق المالية والبورصات، برئاسة بول أتكينز، منح المستثمرين خيارات أوسع للاستفادة من بعض فئات الأصول التي قد تحقق عوائد مرتفعة. ومع ذلك، يحذر بعض المستشارين الماليين عملاءهم المعتادين على الاستثمار في الأسهم والسندات من أنهم قد لا يكونون مستعدين تماماً لتدفق هذه العروض الجديدة، التي يتوقع محللو السوق ازديادها في 2026، وفق «رويترز».

يقول مارك ستانكاتو، مؤسس شركة «في آي بي ويلث آدفايزرس» في ديكاتور، جورجيا: «سيحدث شيء سلبي، وسيقول الناس: لحظة، لم أدرك المخاطر التي كنت أتعرض لها». ويضيف أن المستثمرين قد يجدون صعوبة في اتخاذ قرارات مدروسة، لا سيما عند تقييم أصولهم التقاعدية.

وأكدت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، والبيت الأبيض استمرار تركيزهما على حماية المستثمرين. وقالت تايلور روجرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض: «يلتزم رئيس الهيئة، أتكينز، بضمان أسواق عادلة، ومنظمة، وفعّالة، مع حماية المستثمرين الأفراد». وأضافت أن الولايات المتحدة تظل «المكان الأفضل، والأكثر أماناً للاستثمار».

وأشار متحدث باسم الهيئة إلى أن تركيزها ينصب على ضمان حصول المستثمرين على «معلومات موثوقة لاتخاذ قرارات مدروسة» بشأن جميع المنتجات الجديدة. وكان أتكينز قد صرّح في سبتمبر (أيلول) بأن إتاحة الوصول إلى الأصول الخاصة تستلزم وضع ضوابط مناسبة. كما قالت وزارة العمل إنها ستضع قواعد وإرشادات لأفضل الممارسات عند تقديم الأصول الخاصة، وغيرها من البدائل لمستثمري التقاعد.

ويُثار التساؤل حول ما إذا كانت هذه الخطوات توفر مزيداً من العوائد للمستثمرين، أو تزيد المخاطر على صغار المستثمرين. فقد أعلنت إدارة ترمب في أغسطس (آب) عن خطط لتسهيل وصول المستثمرين الأفراد إلى أصول مثل الائتمان الخاص، والأسهم الخاصة، وطلب من وزير العمل، المسؤول عن خطط التقاعد، التشاور مع جهات أخرى، بما فيها هيئة الأوراق المالية والبورصات، خلال ستة أشهر. وكان أتكينز قد صرّح في نوفمبر (تشرين الثاني) بأن أدوات التقاعد التقليدية، مثل صناديق التاريخ المستهدف، تتجنب الاستثمار في هذه الأصول، ما يضر بالمستثمرين.

حالياً، تتيح خطط التقاعد، مثل 401(k)، الاستثمار في الأصول المتداولة علناً، كالأسهم، والسندات، عبر صناديق الاستثمار المشتركة، أو صناديق المؤشرات المتداولة. وفتح الاستثمار في الأسهم الخاصة، أو الائتمان الخاص قد يوفر فوائد من حيث التنويع، لكنه يثير تساؤلات حول كيفية تقييم هذه الأصول، وسيولتها، وجودة الخيارات المتاحة للمستثمرين الأفراد.

كما تعمل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على تسهيل وصول المستثمرين إلى العملات المشفرة من خلال تسريع إطلاق صناديق المؤشرات المتداولة الجديدة، عبر اعتماد معايير الإدراج العامة في سبتمبر، ما أزال عقبة أمام إطلاق صناديق المؤشرات المتداولة الفورية المرتبطة بالعملات المشفرة.

وقال روبرت بيرسيكيت، المخطط المالي في شركة «ديلاجيف فايناشال» بارفادا، كولورادو إن العروض الجديدة قد تزيد المخاطر على المستثمرين الأفراد، الذين يعتبرهم الأكثر عرضة للخطر، والأقل خبرة في تقييم مخاطر المنتجات الجديدة، أو المعقدة، مضيفاً: «المستثمر العادي... لا يملك فريقاً من المستشارين لدعمه».

ومنذ تطبيق معايير الإدراج العامة في سبتمبر، شهدت صناديق المؤشرات المتداولة للعملات المشفرة نمواً ملحوظاً، وفقاً لبيانات «مورنينغ ستار»، فيما توقعت شركة «بايتوايز» لإدارة الأصول ظهور نحو مائة صندوق أخرى خلال عام 2026. كما ازداد الاهتمام بصناديق الفترات، وهي صناديق مغلقة تستثمر في الأصول الخاصة، نتيجة استفادتها من توسيع نطاق خطط التقاعد.

وقال برايان أرمور، المحلل في «مورنينغ ستار»: «أتوقع تدفقاً كبيراً للصناديق التي تستثمر في الأصول الخاصة في عام 2026».


كيف تواجه أسواق الخليج الديون المتعثرة دون صدمات؟

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)
TT

كيف تواجه أسواق الخليج الديون المتعثرة دون صدمات؟

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)

في وقتٍ تحافظ فيه اقتصادات الخليج على مستويات مرتفعة من السيولة والقدرة على امتصاص الصدمات، يبرز ملف الديون المتعثرة وإعادة الهيكلة بوصفه أحد المؤشرات الدقيقة على متانة النظام المالي من جهة، وقدرته على التكيّف مع المتغيرات العالمية من جهة أخرى. فبينما لا تزال نسب التعثر عند مستويات محدودة تاريخياً، تفرض بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، وضغوط تنفيذ المشاريع الكبرى، وتحديات رأس المال العامل، واقعاً جديداً يدفع الشركات والمقرضين إلى البحث عن حلول أكثر مرونة وانتقائية.

وفي هذا السياق، ترصد «الشرق الأوسط» ملامح المشهد الراهن والمستقبلي لإدارة الديون المتعثرة في منطقة الخليج، ولا سيما في السعودية، من خلال لقاء خاص مع خبراء شركة «ألفاريز آند مارسال» العالمية.

وفرة السيولة

ويرى المدير الإداري ورئيس قسم استشارات الديون لدى «ألفاريز آند مارسال» الشرق الأوسط، كيرت ديفيس، أن الوضع المالي المتعثر في منطقة الخليج العربي لا يزال دون المستويات الحادة، مشيراً إلى أن وفرة السيولة في الأسواق تتيح حلولاً بديلة للعديد من التحديات، من خلال إعادة التمويل، ودعم المساهمين، وبيع الأصول، بدلاً من اللجوء إلى إجراءات إعادة الهيكلة الرسمية. ويوضح أن هذا الواقع أسهم في احتواء الضغوط ومنع انتقالها إلى موجات تعثر واسعة النطاق.

وعلى مستوى السعودية، يشير ديفيس إلى ظهور بعض مؤشرات التعثر، لا سيما في قطاعات العقارات والإنشاءات، إضافة إلى الشركات المتوسطة ذات المديونية المرتفعة. ويعزو ذلك إلى أسباب ثانوية تتعلق بضعف الطلب في بعض الأنشطة، وأسباب جوهرية تتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة، ومخاطر تنفيذ المشاريع، والصعوبات التي تواجه رأس المال العامل في تغطية الالتزامات التشغيلية.

وبالنظر إلى المرحلة المقبلة، يتوقع ديفيس استمرار اللجوء إلى حلول مرنة لإدارة الضغوط المالية، تشمل تعديل شروط القروض، وتمديد مواعيد استحقاقها، وزيادة عمليات تحويل الأصول إلى سيولة، إلى جانب الاعتماد على حلول ثنائية خاصة بين الأطراف المعنية. ويؤكد أن إجراءات إعادة الهيكلة تحت إشراف القضاء ستبقى ضمن نطاق ضيق، ومحصورة بالحالات التي تستدعي ذلك.

إعادة الهيكلة

أما عن تطور نهج الجهات المقرضة في دول الخليج خلال العامين الماضيين، فيشير ديفيس إلى أن التعامل مع الديون المتعثرة بات أكثر انتقائية وتنظيماً، مع توقع استمرار عمليات إعادة الهيكلة والإجراءات الخاصة خلال عام 2026، ولكن ضمن إطار محدود. ويرتبط هذا التوجه، حسب قوله، بعدة عوامل رئيسية، أبرزها استمرار ارتفاع أسعار الفائدة لفترات أطول، واقتراب مواعيد استحقاق جزء كبير من الديون، إضافة إلى مخاطر تنفيذ المشاريع في القطاعات كثيفة الاستثمار.

وأشار ديفيس إلى الدور المحوري الذي تلعبه آليات الدعم المقدمة من الحكومات والبنوك والجهات الراعية في ضبط وتيرة هذه الأنشطة، إلى جانب تأثير معدلات تحويل الأصول إلى سيولة، سواء عبر بيع الأصول غير الأساسية، أو حتى الأساسية، أو من خلال الطروحات العامة الأولية. ويرجّح أن تظل عمليات إعادة الهيكلة محصورة في حالات التعثر الخاصة بكل شركة، وغير الناتجة عن انكماش اقتصادي واسع النطاق.

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه الشركات عند الدخول في مسارات إعادة الهيكلة، يوضح ديفيس أن الشركات تواجه نقص السيولة، وندرة خيارات إعادة التمويل، وتعقيد المفاوضات مع أطراف متعددة، تشمل البنوك والدائنين والجهات المعنية. وتزداد هذه التحديات عند وجود ثغرات في البيانات، أو عدم جاهزية أنظمة الحوكمة، أو الحاجة إلى إصلاحات تشغيلية حقيقية تتجاوز الحلول المالية البحتة.

كما يشدد على أن إدارة المخاطر المرتبطة بسمعة الشركة، والحفاظ على ثقة الموردين والعملاء، تمثل عاملاً حاسماً في نجاح أي عملية إعادة هيكلة. ويؤكد أن طبيعة التحديات تختلف باختلاف القطاعات؛ ففي قطاعي الإنشاءات والمقاولات، تبرز مخاطر الالتزامات المرتبطة بالمشاريع وضبط توقيت التدفقات النقدية، بينما يخضع القطاع العقاري لتقلبات الأسعار ودورات السوق. أما قطاعا التجزئة والصناعة، فيواجهان ضغوطاً أكبر على رأس المال العامل وارتفاع التكاليف التشغيلية.

البنية التشغيلية

من جانبه، يؤكد رئيس قسم إعادة الهيكلة والرئيس المشارك لدى «ألفاريز آند مارسال» الشرق الأوسط، بول غيلبرت، أن السوق تضم عدداً كبيراً من الشركات المثقلة بالديون التي تحتاج إلى عمليات إعادة هيكلة مالية، مرجحاً استمرار هذا الوضع خلال الفترة المقبلة. ويوضح أن الشركات قد تُجبر على اتخاذ خطوات عملية لمعالجة أوضاعها المالية نتيجة أحداث طارئة في السيولة، أو عوامل خارجية تؤثر على الإيرادات أو ترفع التكاليف.

ويضيف غيلبرت أن الحاجة لا تقتصر على إعادة الهيكلة المالية فحسب، بل تمتد إلى إعادة النظر في البنية التشغيلية للشركات، مؤكداً أن هذا المسار يجب أن يُنظر إليه بوصفه فرصةً لتعزيز الأداء وتحسين الكفاءة. ويرى أن هذا النهج ينطبق على الشركات المزدهرة، كما على تلك التي تواجه تحديات مالية أو ديوناً متعثرة.

وبينما تمضي اقتصادات الخليج في تنفيذ برامج تنموية واستثمارية طموحة، يبقى ملف إعادة الهيكلة مؤشراً مهماً على قدرة الشركات على التكيّف مع التحولات، وعلى نضج الأطر التنظيمية والتمويلية في المنطقة.