مشاهدات صحافي دولي جال في سوريا في 5 أيام بحماية روسية

الجولة نظمتها وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتان لمجموعة من المراسلين الدوليين

قاذفات روسية جاثمة في مطار حميميم القريب من اللاذقية (أ.ب)
قاذفات روسية جاثمة في مطار حميميم القريب من اللاذقية (أ.ب)
TT

مشاهدات صحافي دولي جال في سوريا في 5 أيام بحماية روسية

قاذفات روسية جاثمة في مطار حميميم القريب من اللاذقية (أ.ب)
قاذفات روسية جاثمة في مطار حميميم القريب من اللاذقية (أ.ب)

للوهلة الأولى، لا يبدو ميناء اللاذقية المطل على البحر المتوسط مدينة تعصف بها الحرب، حيث تعج الشوارع بحركة السيارات والنساء الأنيقات اللائي وقف بعضهن لتبادل أطراف الحديث تحت النخيل، بجانب روعة بساتين البرتقال الممتدة لأميال.
بيد أنه مع إمعان النظر، ازدادت دلائل الحرب وضوحًا، مثل رجل يرتدي زيًا مموهًا يتسوق وهو يحمل بندقية «كلاشينكوف» على كتفه، ونقاط التفتيش العسكرية التي مررت بها من وقت لآخر، والمباني التي توقف بناؤها جراء الحرب الأهلية المشتعلة في سوريا منذ خمس سنوات حتى الآن.
وبالنسبة لمجموعة من المراسلين الدوليين شاركوا في جولة على مدار خمسة أيام داخل سوريا، نظمتها وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتان، بدت التناقضات مذهلة. مع بداية الجولة، ركبنا حافلة ترافقها حماية عسكرية، ومررنا عبر شوارع اللاذقية التي بدت هادئة تحت أشعة الشمس الساطعة. يذكر أن المدينة تقع في قلب الموطن العلوي للرئيس بشار الأسد.
وأثناء جولتنا، مررنا بدبابات وناقلات جنود مدرعة وحافلات مدمرة ومحترقة داخل المناطق التي شهدت معارك مؤخرًا. وأثناء وجودنا بقرية جبلية، تعرضنا لسقوط قذائف حولنا، ما دفعنا إلى الفرار نحو الشارع لركوب شاحنة مصفحة بحثًا عن الأمن.
من على الجدران والنوافذ بشوارع اللاذقية المزدحمة، تتدلى صور الأسد ووالده، حافظ. وتنتشر في المدينة المقاهي والمطاعم التي تقدم أطباق الكباب والحمص. ومع ذلك، فإنه على بعد قرابة خمسين كيلومترًا فقط (قرابة ثلاثين ميلاً)، كانت توجد الخطوط الأمامية لحرب أهلية مشتعلة منذ عام 2011 أسفرت حتى الآن عن مقتل ربع المليون شخص وتشريد نصف أبناء سوريا.
مع اقتراب مجموعتنا من تلك الخطوط الأمامية، بدأت المباني التي لم ينجز بناؤها تمامًا في التلاشي، لتحل محلها منازل دمرها القتال. في بعض الأماكن، جرت الاستعاضة عن بعض الجدران بألواح، بينما ظهرت بعض المدارس المعلقة عبر مناطق خربة، في إشارة إلى وجود حياة في خضم الدمار.
ومع اقترابنا من ميادين القتال، بدا الجنود في نقاط التفتيش أكثر توترًا وأكثر جاهزية لإطلاق النار.
وعبر قلب حماه، رافقتنا شاحنة مصفحة يعلوها مدفع رشاش وجندي حرص باستمرار على مراقبة المنطقة المحيطة. وعند تقاطع طرق خارج حماه، جرى نقلنا إلى مركبات مدرعة تخص الجيش الروسي، في مؤشر واضح على الخطر الذي ينتظرنا. ومضينا في طريقنا في ظل حماية جنود روس.
داخل قرية معرزاف، الواقعة على بُعد نحو 15 كيلومترًا (تسعة أميال) إلى الغرب من مدينة حماه، استقبلنا العشرات من الرجال المسلحين بشدة من المنتمين إلى ميليشيا خاصة تعرف باسم ميليشيا الشيخ أحمد مبارك، وهو زعيم بارز بالمنطقة. وقد شاهدناه يوقع اتفاقا يتعهد بمقتضاه باحترام وقف إطلاق النار الذي بدأ 27 فبراير (شباط). وكان عمر بعض مقاتليه لا يتجاوز 15 عامًا، ومع ذلك بدوا فخورين بأسلحتهم.
وعندما بدأت شاحنة روسية في إنزال مساعدات إنسانية، تزاحم المقاتلون مع المقيمين للوصول إلى بعض منها، بل وهدد أحدهم بإطلاق النار لإبعاد بعض الصبية المشاكسين. إلا أنه بوجه عام، كان الشعور العام بالفضول أكبر من الشعور بالخطر. وسرعان ما تحولت مسؤولة إعلامية من وزارة الدفاع الروسية لبؤرة الاهتمام، مع تزاحم الرجال لالتقاط صورة معها.
في المقابل، جاءت زيارة قرية جبلية قرب الحدود مع تركيا، مروعة بدرجة أكبر، حيث عانت معظم منازل قرية غنيمية، على سبيل المثال، التي سيطرت عليها قوات الجيش السوري من أيدي مسلحين مؤخرًا، من الدمار، مع وضوح آثار القذائف على الجدران وغياب النوافذ والأبواب كلية. وبدت الصدمة على وجوه سكان القرية الذين عادوا إليها بعد فرارهم لتفقد منازلهم.
بعد ذلك، انتقلنا إلى كنسبا، التي تقع على تل يطل على طريق استراتيجي يقود إلى إدلب وحلب، التي كانت فيما مضى العاصمة التجارية لسوريا وتركزت عليها مؤخرًا حملة هجومية بدعم من ضربات جوية روسية.
وأخبرنا جنرال سوري بدت على ملامحه مشاعر اللامبالاة، أن وقف إطلاق النار لا يزال صامدًا رغم بعض أعمال القصف من قبل مقاتلي جبهة النصرة، وهي فرع تنظيم القاعدة داخل سوريا، جرى استثناؤها من وقف إطلاق النار. من جانبهم، بدا على الجنود الروس بعض التوتر، وحثوا المراسلين على عدم الوقوف على أطراف جرف يطل على تلال يسيطر عليها المسلحون.
ولم يبد المراسلون اهتمامًا كبيرًا بالأمر، حيث التقطوا بعض الصور للمشهد العام، ثم اتجهوا للأسفل لتبادل الحديث مع بعض السكان. فجأة دوى صوت انفجار وارتفعت سحابة من الدخان من على منحدر جبلي على بعد قرابة مائتي متر بالأسفل. في البداية، لم أدرك ما حدث، لكن سرعان ما صاح ضابط روسي إلى جواري: «انخفضوا جميعًا! إننا نتعرض لهجوم!».
وتزايد سقوط القذائف باتجاهنا، وأدركت أن واحدة منها قد تسقط علينا مباشرة. وسارعت ناقلة أفراد مدرعة بالانتقال نحونا لتوفير غطاء لنا، الأمر الذي مكننا من الصعود على تل، والاختباء بمكان كانت تقف فيه عدة مركبات مدرعة. وتسارعت أنفاسي بشدة بعد أن عدوت لمسافة ليست بالقصيرة، بينما تعثر مراسلون آخرون، وسقطوا وساعدهم جنود روس على الوقوف من جديد.
وسرعان ما دخلنا إلى المركبة، وانطلق جنود روس بدا عليهم التوتر الشديد في الصياح بأسمائنا، للتأكد من أننا جميعًا بخير، ثم سارعت المركبة للانطلاق عبر طريق وعر، بينما سيطر على الجميع شعور بالخوف الشديد.
وفي غضون فترة قصيرة، بلغنا نقطة وجدنا عندها حافلتنا بانتظارنا، في مؤشر على زوال الخطر. وقام أطباء بعلاج البعض ممن سقطوا على الأرض وتعرضت أيديهم وأرجلهم لجروح.
في يوم آخر، نقلتنا طائرة عسكرية روسية إلى العاصمة دمشق، حيث عاينا أحياء كاملة تسبب القتال في محوها، ولا يكاد يوجد بها مبنى واحد سليم. ومع ذلك، فإنه على بُعد أميال قلائل رأينا أحياء لم تتعرض لأي أضرار، مع ازدحام الشوارع بحركة المرور والمحلات المزدحمة.
بعد ذلك، انتقلنا نحو الشمال أكثر باتجاه منطقة معلولة المسيحية، التي تبادلت أطراف مختلفة السيطرة عليها على امتداد الحرب. تقع المدينة على جانب أحد الجبال وتتمتع بطبيعة خلابة. كما أنها تطل على دير القديس سيرغيوس، دير كاثوليكي يعرف محليًا باسم دير مار سركيس، ويعود تاريخ إنشائه للحقبة البيزنطية. ويؤدي شعب ضيق إلى دير يوناني أرثوذكسي هو دير سانت تكلا، الذي يعود تاريخ إنشائه للسنوات الأولى من عمر المسيحية.
وداخل قاعدة حميميم الجوية، التي تستخدمها القوات الروسية غرب سوريا قرب اللاذقية، ذكر مسؤولون عسكريون أن غالبية الطائرات الحربية لم تبرح الأرض منذ إقرار وقف إطلاق النار، ما عدا بعض المهام القليلة بمحافظة الرقة الواقعة شمال شرقي البلاد وتقع تحت سيطرة «داعش». ويقف الهدوء الذي خيم على القاعدة على النقيض مما عاينته خلال زيارة سابقة للقاعدة ذاتها في يناير (كانون الثاني)، عندما كانت الطائرات الروسية في حركة إقلاع وهبوط على مدار الساعة.
أما رحلتنا الأخيرة فكانت إلى العيسوية، قرية تقع على بعد 15 كيلومترًا جنوب الحدود مع تركيا، بهدف توصيل مساعدات إنسانية. وينتمي غالبية سكان القرية إلى التركمان، وهي أقلية عرقية تعدها تركيا قريبة منها. اللافت أن هذه القرية نجت من مغبة القتال، وعلى خلاف قرى أخرى شاهدناها لم يكن سوى القليل من صور الأسد، ولم تعل صيحات مرددة اسمه. وبدا أفراد الأمن السوري الذين رافقونا متوترين وحثونا على البقاء معًا للحيلولة دون تعرض أحدنا للخطف.
* خدمة «أ.ب»/«واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



الحوثيون والكوارث الطبيعية يهجرون اليمنيين

38 ألف أسرة تضررت جراء الفيضانات التي ضربت اليمن (إعلام حكومي)
38 ألف أسرة تضررت جراء الفيضانات التي ضربت اليمن (إعلام حكومي)
TT

الحوثيون والكوارث الطبيعية يهجرون اليمنيين

38 ألف أسرة تضررت جراء الفيضانات التي ضربت اليمن (إعلام حكومي)
38 ألف أسرة تضررت جراء الفيضانات التي ضربت اليمن (إعلام حكومي)

أظهرت بيانات مبادرة دولية معنية برصد الأزمات والنزوح والكوارث أن التغيرات المناخية باتت تنافس الحوثيين في تهجير اليمنيين خلال العامين الأخيرين وفق وصف ناشطين يمنيين، حيث تسببت الكوارث الناتجة عنها في 76 في المائة من حركة النزوح الأخيرة، فيما كانت الحرب التي أشعلها الحوثيون سبباً في نزوح 24 في المائة خلال تلك الفترة.

وبحسب مبادرة «ريش» المعنية بتقديم بيانات مفصلة وتحليلات بشأن سياق الأزمات والكوارث والنزوح، فإنه بحلول عام 2023، تغير المشهد المتعلق بالنزوح الداخلي في اليمن، ووصل النزوح المرتبط بالمناخ إلى أعلى مستوى له في أربع سنوات، وشكل 76 في المائة من حالات النزوح الجديدة، بينما نُسب 24 في المائة من النزوح إلى الحرب.

ومع دخول الحرب عامها العاشر، تؤكد المبادرة أن الشعب اليمني ما زال يتحمل وطأة الأعمال العدائية المستمرة والتدهور الاقتصادي الشديد. وتشير إلى أنه في عام 2024، بلغ العدد الإجمالي للنازحين داخلياً 4.5 مليون شخص، أي ما يعادل 14 في المائة من السكان الذين ما زالوا يتحملون وطأة الأعمال العدائية والتدهور الاقتصادي الشديد.

وبحسب هذه البيانات، فقد بلغ إجمالي عدد النازحين داخلياً 4.5 مليون يمني في عام 2024، أي ما يعادل 14 في المائة من السكان. ومن بين هؤلاء، يعيش نحو 1.6 مليون نازح داخلياً في 2297 موقعاً دون المستوى المطلوب، ويقيمون بشكل أساسي في محافظات الحديدة وحجة ومأرب وتعز، ويمثل هؤلاء 4.5 في المائة من إجمالي سكان البلاد ويعانون من ظروف قاسية للغاية دون بدائل قابلة للتطبيق.

مواقع النزوح في اليمن مكتظة بالسكان، وتفتقر إلى الاحتياجات الأساسية (إعلام حكومي)

وطبقاً لما أوردته المبادرة، فإن هذه المواقع غالباً ما تكون مكتظة بالسكان، وتفتقر إلى المأوى المناسب، والوصول محدود إلى الاحتياجات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي ومرافق النظافة، وتواجه مخاطر صحية وحماية متزايدة.

تراجع الدعم الدولي

هذه الأوضاع ترافقت مع تراجع مستوى الدعم الدولي لخطة الاستجابة الإنسانية، حيث تلقت الخطة لعام 2023 أقل من 40 في المائة من احتياجاتها التمويلية، في حين بلغ مستوى تمويل هذه الخطة خلال عام 2024 أقل من 28 في المائة، وهو أدنى معدل تمويل تم تلقيه منذ بداية الحرب. ويشكل هذا النقص، وفقاً للمبادرة، تحدياً لقدرة المنظمات الإنسانية على تقديم الخدمات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية والمأوى والتعليم والحماية، مما يؤثر على الفئات السكانية الضعيفة، بمن في ذلك النازحون داخلياً.

وفي ظل هذا المشهد الصعب، كانت مجموعة تنسيق وإدارة المخيمات في اليمن واحدة من أكثر المجموعات التي تعاني من نقص التمويل، حيث حصلت على 7.8 في المائة فقط من إجمالي الأموال المطلوبة البالغة 47 مليون دولار، مقارنة بـ10.6 في المائة من 78.5 مليون دولار في عام 2023، حيث تؤدي الأزمة الاقتصادية ونقص فرص كسب العيش إلى تفاقم هذا الوضع، مما يحد من الوصول إلى الخدمات الأساسية ويزيد من الاعتماد على المساعدات الإنسانية.

التغيرات المناخية في اليمن تصدرت أسباب النزوح خلال الأعوام الأخيرة (إعلام حكومي)

وتوقعت المبادرة أن تتدهور الظروف المعيشية المتردية بالفعل في مواقع النازحين داخلياً بشكل أكبر. وقالت إن نقص الموارد لا يعيق جهود الإغاثة الفورية فحسب، بل يعرض أيضاً الحلول الأطول أجلاً للنازحين داخلياً والتقدم نحو حلول دائمة للخطر. مشيرة إلى أن أكثر المحافظات تضرراً هي تعز ومأرب.

وأكدت أن القدرة المحدودة للمنظمات الإنسانية على تلبية احتياجات السكان في مواقع النازحين تراجعت، واستمرت الفجوة قائمة بين التمويل والاحتياجات، وكان التأثير أكثر وضوحاً في المحافظات التي بها وجود كبير للنازحين، مثل مأرب والحديدة وعدن، حيث كان التدهور القطاعي واضحاً في مجالات مثل المواد غير الغذائية والمأوى والتغذية والحماية.

وأعاد تحليل المبادرة أسباب التراجع إلى العدد الكبير من السكان المتضررين في مأرب، مما يترك العديد منهم دون إمكانية الوصول الكافية إلى الخدمات الأساسية.