مَن يدفع الأوروبيين إلى جدار التطرّف والخوف من المسلمين؟

قراءة في «الإسلام والجمهورية والعالم»

نسبة قليلة جدا من أئمة المساجد في أوروبا تسبب خطبهم وتوجيهاتهم في دفع الشباب المسلم إلى التطرف والإرهاب
نسبة قليلة جدا من أئمة المساجد في أوروبا تسبب خطبهم وتوجيهاتهم في دفع الشباب المسلم إلى التطرف والإرهاب
TT

مَن يدفع الأوروبيين إلى جدار التطرّف والخوف من المسلمين؟

نسبة قليلة جدا من أئمة المساجد في أوروبا تسبب خطبهم وتوجيهاتهم في دفع الشباب المسلم إلى التطرف والإرهاب
نسبة قليلة جدا من أئمة المساجد في أوروبا تسبب خطبهم وتوجيهاتهم في دفع الشباب المسلم إلى التطرف والإرهاب

صدر عن دار الساقي في العاصمة البريطانية لندن أوائل هذا العام النسخة العربية من كتاب الكاتب والباحث الفرنسي الجنسية، المصري الأصل، آلان غريش، رئيس التحرير السابق لصحيفة «لوموند دبلوماتيك» الاختصاصي بشؤون الشرق الأدنى، ومدير الجريدة الإلكترونية «Orientxxi». الكتاب يحمل اسم العنوان المتقدم «الإسلام والجمهورية والعالم»، ويثير فيه المؤلف جملة من الأسئلة التي تكاد تضحى تراثية على أهميتها، المهمة والجديرة بالتأمل من عينة: هل الإسلام متوافق مع الديمقراطية؟ هل الحجاب سلاح ضد العلمانية؟ هل بمقدور المسلمين الاندماج في المجتمعات الأوروبية؟
المؤكد أن منبع تلك التساؤلات هو الخوف من الإسلام الذي استحوذ على قادة البلدان المتطورة، وانضم إليهم بعض المثقفين الحريصين على الدفاع عن قيم «العالم المتحضر» ضد قيم «البرابرة»، وكذلك وقف حالة التطرّف والعنف في المجتمعات الأوروبية ضد الإسلام والمسلمين. هذا القلق يشتد من «التهديد» الذي قد تمثله الطبقات الجديدة الخطرة والمهاجرون المتحدّرون من البلدان المستعمرة سابقًا، وخاصة من المغرب العربي.

يفكك آلان غريش، الباحث الفرنسي الجنسية المصري الأصل رئيس التحرير السابق لصحيفة «لوموند دبلوماتيك» والاختصاصي بشؤون الشرق الأدنى، في كتابه «الإسلام والجمهورية والعالم» ما يوصف بـ«التهديد الإسلامي» الداخلي والخارجي معًا، انطلاقا من رؤية علمانية وعقلانية للمسلمين في تنوعهم التاريخي والجغرافي، ما يكسب هذا العمل قيمة مُضافة، من الموضوعية والمصداقية، لباحث وكاتب له وزنه، ومعروف بنزاهته الفكرية في الأوساط الإعلامية والأكاديمية.
في تصديره للكتاب يتساءل غريش هل بإمكاننا أن نتحاور حول موضوع الإسلام بهدوء؟ الشاهد أن مَن يتابع التلفزيون الفرنسي ومن يقرأ الصفحات الأولى للجرائد، يميل إلى الشك بذلك. ويغرق الإنتاج التحريري المكتبات حيث نجد الأفضل، وهو نادر، جنبًا إلى جنب على الدوام مع الأسوأ.
كذلك تعاظم عدد «المتخصصين» الذين يعرّفون أنفسهم كذلك، أو بالأحرى أولئك الذين تنصّبهم وسائل الإعلام كـ«متخصصين» منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وحتى خاتمة النقاش حول القانون المتعلق بوضع الحجاب في المدارس لا يبدو أنها هدأت النفوس. بل على العكس، أقدم مثقفون وصحافيون ذائعو الصيت إعلاميًا، من برنار - هنري ليفي إلى فيليب فال، على إطلاق نداء نشرته مجلة «الإكسبريس» ضد «النزعة الشمولية الجديدة» التي تمثّل، بعد الفاشية والنازية والستالينية، خطرًا عامًا ذا نمط شمولي، أي «الإسلاموية».
بالنسبة إليهم، فإن الحرب العالمية الثالثة بدأت، كما بالنسبة إلى جزء من الرأي العام العربي أيضًا، ففي مايو (أيار) 2006 رأى 56 في المائة من الألمان أن ما يجري هو «حرب بين الحضارات». وفي الجهة المقابلة، تجذّر عند البعض في العالم الإسلامي خطاب أسامة بن لادن عن «الحرب ضد الصليبيين واليهود»، ووجد صدى في النفوس تعزّز وتغذّى من وقع الحرب الأميركية في العراق، وحالة الظلم الدائم الواقع على الفلسطينيين.
باختصار، أخذ موضوع «صدام الحضارات» الذي دانه كثيرون، كلٌّ لأسبابه الخاصة، باحتلال العقول، ليصبح بمثابة منظومة تحليلية تؤطر فهمنا للعالم. وهكذا، بات يأخذ أي حدث عارض، أكان خطرًا أم لا، من تهديد مسلم تحول إلى المسيحية في أفغانستان إلى المطالبة بالطعام الحلال في مدرسة إعدادية بضاحية سين سان دوني الباريسية – كما تأخذ أي أزمة، خفية أو ظاهرة، من الجزائر إلى العراق – ملامح مواجهة كونية بينهم «هم» وبيننا «نحن»، وبين الخير والشر وبين الشيطان والله.
عبر سطور الكتاب يستلفت آلان غريش الانتباه حول النقاشات الدائرة حول الإسلام – إن صح وصفها بالنقاشات – ذلك أن فيها تبدو الحجج جميعًا لون واحد: أبيض أو أسود. ومن ثم، يغدو كل تحليل معتدل بعض الشيء عرضة للإقصاء، وكل أخذ بالحسبان لتعقّد الحالة عرضة للاختزال برغبة في إيجاد أعذار للإرهاب و«الإسلاموية». ويمكن اعتبار نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلّم) في الدنمارك مثالاً جيدًا لفتور العقل. إذ أثارت موجة الصدمة سخط العالم المسلم بمجمله، محدثة أعمال شغب واعتداءات على السفارات، ومخلّفة قتلى وجرحى، وفي المقابل، تأهب كثيرون من المثقفين الغربيين لمواجهة من سموها «القوى الظلامية التي تهدد المجتمعات الحرة»، وضد الموجة الشمولية التي تهدد بإغراق هذه المجتمعات.
لكن ألا يمكننا التأكيد على الحق في حرية التعبير التي تخضع في كل بلد إلى قيود معينة – كمنع التجديف في بريطانيا ضد المسيحيين (لكنه غير ممنوع ضد الإسلام)، أو حتى التعبير عن الآراء العنصرية الممنوع في أوروبا ولكن المسموح به في الولايات المتحدة الأميركية؟ والاعتراف في الوقت نفسه أنه يمكن وصف الدنمارك بالأوصاف كلها ما عدا كونها «دولة علمانية»؟ فللعلم، يوجد في الدنمارك «دين دولة» هو مذهب البروتستانتية اللوثرية المسيحي، والقساوسة فيها هم موظفو دولة، ودروس الديانة المسيحية إجبارية في المدارس إلخ. وعن الدنمارك أيضًا ألا يجب الاعتراف أيضًا أن للتسامح فيها صيتا سيئا للغاية، إذ لا تحتفظ غالبية اليمين المعتدل في الحكم إلا بفضل دعم تشكيلة من اليمين المتطرف – هو حزب الشعب الدنماركي، الذي يضاهي في توجهه حزب الجبهة الوطنية الفرنسي المتطرف؟ ونهايةً، ألا يمكننا الاعتراف أن جريدة «يولاندس» كانت قد رفضت قبل سنوات نشر رسم كاريكاتيري يظهر المسيح، وقد تحوّلت أشواك تاجه إلى قنابل، مهاجمًا عيادات يمارس فيها الإجهاض المتعمد؟
ما يجب مناقشته عند هذه النقطة مسألة ما إذا كان لا بد من وجود عدو حتى تستقيم أحوال أي مجتمع. وتاليًا، إذا لم يكن مثل هذا العدو موجودا، التفكير بما إذا كان الأمر يتطلب إيجاده. وهنا يستهل غريش أحد فصول كتابه المعنون «ولادة خوف» بما قاله الروائي والدبلوماسي والأديب الفرنسي جان كريستوف روفان ذات يوم من أن «العدو الجيد هو مفتاح المجتمع المتوازن».
من هذه المحطة يمكن للمرء أن يتفهم كيف أن النزعة الإسلامية العابرة للقوميات مجرّد «فزاعة». ذلك أن أوروبا المنتصرة، كما يقول المؤرخ الأوروبي الكبير مكسيم رودنسون، ترى في كل محاولات مقاومة هيمنتها «بداية لنشاط منحرف» و«مؤامرة مشؤومة» – تنسب إليها عبر آلية ثابتة في تاريخ الآيديولوجيات – وحدة إدارة عمليات وهمية، وتطبيقًا غاية في الدقة في تنفيذ أغراضها الظلامية، وطرائق خائنة وفظيعة ومنافقة. وما زالت ملاحظة رودنسون هذه من تصورات الغرب للإسلام في نهاية القرن التاسع عشر صالحة اليوم.
لقد برزت حركات جديدة في ذلك العصر، يشار إليها بألفاظ متذبذبة لا تحظى بتأييد جميع المحللين – وأقل من ذلك بتأييد الفاعلين – مثل «تشددية» و«أصولية» و«إسلام سياسي» و«إسلام ثوري» و«إسلاموية».. إلخ، وكان من شأن هذه الحركات أن تنمّي المخاوف التي وصفها رودنسون.
وعليه فإنه إذا أردنا فهم حالة الخوف التي تلف أوروبا اليوم في مواجهة الإسلام، ربما يتحتم علينا محاولة شرح ولادة وطبيعة هذه الحركات، قبل الانكباب على فهم تشكل موضوع «التهديد الإسلامي» في التسعينات، وعلى أسباب نجاحه. ولكن هل من بعد خاص أثار مخاوف أوروبا بشكل هستيري من الإسلام والمسلمين؟
يبدو أن اللعب على وتر اعتبار الإسلام غولاً بديلاً للشيوعية هو من فعل ذلك جملة واحدة. ذلك أنه ما أمكن استثارة موضوع «التهديد الإسلامي» على هذا النحو خلال قرون كثيرة، من الحرب الصليبية إلى المرحلة الكولونيالية، لكنها اكتسبت في التسعينات بعدًا جديدًا.
وفي هذا الاتجاه نقرأ ما كتبته صحيفة «إنترناشيونال هيرالد ترابيون» في شهر سبتمبر عام 1993 «أصبحت الأصولية الإسلامية بسرعة التهديد الأساسي للسلام العالمي والأمن، يشابه هذا التهديد، تهديد النازية والفاشية في الثلاثينات، وتهديد الشيوعية في الخمسينات». كما نقرأ العنوان التالي في صحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 21 فبراير (شباط) 1996 «أما التهديد الأحمر فلقد انقضى، وما زال هناك الإسلام».
وإضافة إلى ما سبق، دافع دانيال بايبس – وهو واحد من الرموز الفكرية المشهورة للمحافظين الجدد الأميركيين، وكان قد اكتسب شهرة مريبة لكتابته «قائمة سوداء» بالجامعات المحسوبة معادية لإسرائيل – عن فكرة التوازي هذه، لأن الإسلاموية المتطرفة كما يزعم «أقرب فكريًا إلى حركات كالشيوعية أو الفاشية منها إلى دين تقليدي».
في الواقع، ما يستحق القراءة بعناية في كتاب آلان غريش، أن فكرة تقسيم الإنسانية إلى «حضارية» و«بربرية»، الذي استندت إليه الإدارة الأميركية في «حربها ضد الإرهاب» توجب تأسيسه عبر «علم جديد» هو الاستشراق. ولقد قام الأكاديمي والباحث الفلسطيني الأميركي الراحل إدوارد سعيد بتحديد وجهه المزدوج «كل من يقوم بتدريس الشرق أو الكتابة عنه أو بحثه في جوانبه العامة أو المحدّدة على حد سواء، هو مستشرق، ويرتبط بهذا المفهوم» معنى أكثر عمومية للاستشراق: إنه أسلوب من الفكر قائم على تميز وجودي (أنطولوجي) ومعرفي (إبستمولوجي) بين الشرق والغرب، هو علامة سلطة وسيطرة.
لقد مارس الغرب بدرجات متفاوتة هيمنة معقدة، والشرق أصبح شرقًا لا لأننا اكتشفنا أنه كان شرقيًا فحسب، وفق منمطات أوروبيي القرن التاسع عشر، وإنما أصبح أيضًا لأنه «كان بالإمكان جعله شرقيًا». ولنأخذ على سبيل المثال لقاء الروائي الفرنسي الشهير غوستاف فلوبير مع سيدة مصرية، وهو لقاء كان من شأنه أن أنتج نموذجًا ذائعًا جدًا للمرأة الشرقية، المرأة التي لا تتحدث أبدًا عن نفسها، ولا تظهر مشاعرها أو تعلن عن حضورها أو تتحدث عن تاريخها.
إنه هو مَن يتحدث بدلاً منها ويمثلها. غير أنه غريب، وغني إلى حد ما، ورجل، والوقائع التاريخية للسيطرة لا تسمح له بامتلاك «السيدة الصغيرة» فحسب، بل والحديث مكانها أيضًا وإخبار قرائها بماذا هي «شرقية نمطية».
طرح غريش في هذا النموذج أن «حالة القوة» بين فلوبير والسيدة الصغيرة ليست حالة خاصة، فهي «تصلح كنموذج أولي لعلاقة القوى بين الشرق والغرب، وكنموذج أصلي للخطاب عن الشرق الذي سمح به هذا الأخير». كما يمكننا رؤية هذا الابتكار لشرق متخيل ولد من الفكر الغربي في رسوم القرن التاسع عشر.
إلا أن أفضل ما يحمله كتاب غريش هو فصله الأخير. في هذا الفصل يتجاوز حالة الانسدادات التاريخية إلى البحث عن مستقبل مشترك، من خلال قصة جديدة لأوروبا ولفرنسا تفرد مكانًا لائقًا لدور الهجرة في عملية البناء الوطني، وللمشاركة المنسية في «فرنسا الأبدية» للإيطاليين والإسبان ويهود أوروبا الوسطى والبرتغاليين والمغاربة والأفريقيين وملايين ملايين البشر، ولمساهمتهم في الازدهار الاقتصادي ولدورهم في عملية التحرير... ما عاد من الممكن تهميش الاستعمار.... لنتخيل للحظة شبانا فرنسيين يتصفحون كتب التاريخ.
ما هي الفكرة التي سيخرج بها من حارب أبوه أو جده مع جبهة التحرير الوطني (الجزائرية) أو ببساطة شديدة من «تحمل» «عملية إعادة السلام»؟ وماذا سيكون رد فعل شخص آخر من أصل أفريقي أمام الصمت عن عقود من نهب بلده الأم؟ بالنسبة إلى مئات آلاف الفرنسيين «المتحدرين من الهجرة»، هؤلاء ينبغي أن نقول: «متحدرين من الاستعمار» يشكل هذا التاريخ الذي نقله إليهم آباؤهم جزءًا من ذاكرتهم.
كذلك ينبغي الإصرار على ابتكار «ذاكرة مشتركة»، بحيث تكون شاملة لتاريخ الثورة ولتاريخ «الجمهورية الثالثة» (الفرنسية)، وتاريخ الهجرة والحركة العمالية والحرب العالمية الثانية والإبادة العرقية لليهود والاستعمار، لكن هذا وحده لا يكفي لخلق إرادة «العيش معًا» هذه.
في عالم معولم تحكمه قواعد الليبرالية الهمجية، على كل أمة أن تضع الطموح التالي نصب عينيها: الدفاع عن نموذج اجتماعي يجعل من تحسين وضع «فرنسا الدنيا» ووضع «فرنسيي الأرومة»، ووضع المهاجرين في ذروة أولوياتها، نموذج ينسجم مع المعنى الصحيح لكلمة إصلاح، ويعطي من جديد المعركة من أجل المساواة معناها ومن أجل علاقة متجددة مع ما كنا نسميه حديثًا العالم الثالث ومن أجل عالم متعدد الأقطاب يحكمه القانون الدولي.
بالنسبة إلى جميع من يعاني من نظام مجحف، من فرنسيين ومهاجرين، ومن نسعى لتقييمهم على أسس إثنية، هل يبرهن ذلك على طموح مغالٍ؟ إن تذكرنا الذين فجّروا الثورة الفرنسية، والاشتراكيين المناضلين ضد مدة العمل لستين ساعة في الأسبوع، والمقاومين وهم يتصدون لـ«الرايخ الألفي» و«حاملي الحقائب» وهم يستبقون انهيار النظام الكولونيالي، الجواب هو... لا.
* كاتب مصري



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.