الجبير: رحيل الأسد عن السلطة في بداية المرحلة الانتقالية وليس في نهايتها

مصادر أوروبية لـ {الشرق الأوسط} : باريس ولندن تضغطان على واشنطن من أجل التزام مواقف أكثر تشددًا مع موسكو

عادل الجبير لدى اجتماعه بنظيره الفرنسي جان مارك ايروت في باريس أول من أمس (غيتي)
عادل الجبير لدى اجتماعه بنظيره الفرنسي جان مارك ايروت في باريس أول من أمس (غيتي)
TT

الجبير: رحيل الأسد عن السلطة في بداية المرحلة الانتقالية وليس في نهايتها

عادل الجبير لدى اجتماعه بنظيره الفرنسي جان مارك ايروت في باريس أول من أمس (غيتي)
عادل الجبير لدى اجتماعه بنظيره الفرنسي جان مارك ايروت في باريس أول من أمس (غيتي)

قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إنه يتعين على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل عن السلطة مع بداية المرحلة الانتقالية وليس في نهايتها، رافضا أن يبقى في السلطة طيلة المرحلة الممتدة لـ18 شهرا والتي من المفترض، وفق اتفاق ميونيخ وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 أن تنتهي بإجراء انتخابات.
وللتدليل على أن موقف الرياض صارم ونهائي، أكد الجبير خلال لقائه أمس مجموعة من الصحافيين الفرنسيين في اليوم التالي لانتهاء الزيارة الرسمية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز لفرنسا أن «الأمور واضحة جدا بالنسبة لنا». وسبق للوزير السعودي أن قال في أكثر من مناسبة بأنه يتعين على الأسد أن يرحل «إما سلما أو بالوسائل العسكرية». وكان الموضوع السوري أحد الملفات الرئيسية التي تمت مناقشتها مع كبار المسؤولين الفرنسيين أول من أمس الجمعة إن بين ولي العهد السعودي ورئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء المعنيين أو بين الجبير ونظيره الفرنسي جان مارك أيرولت. وجدير بالذكر أن باريس كانت محور لقاءات واتصالات عالية المستوى بشأن الحرب في سوريا إذ شهدت، إلى جانب المحادثات مع الوفد السعودي، اجتماعا لوزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا و«وزيرة» الشؤون الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني وآخر بحضور رياض حجاب، منسق الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية. وعلى المستوى الرئاسي حصل اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شارك فيه الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية ورئيس الحكومة البريطانية والإيطالية. وأحد أهم أغراض هذه التحركات الضغط على روسيا ودفعها لالتزام قواتها وقوات النظام الهدنة التي بدأ العمل بها ليل 27 فبراير (شباط) بعد التصويت في مجلس الأمن على القرار 2268.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» أن باريس ولندن تضغطان على الطرف الأميركي من أجل «اتخاذ موقف أكثر حزما» إزاء موسكو لحملها على الضغط على النظام السوري. وترى هاتان العاصمتان أن الوزير كيري «كثير التساهل» في التعاطي مع الوزير لافروف وأن رهاناته الدبلوماسية «يجب أن تترافق مع ضغوط» إذا كان الغرض تحقيق تقدم ميداني ذي معنى.
وفي اللقاء الذي جمع رياض حجاب بالمسؤولين الأوروبيين في مقر وزارة الخارجية الفرنسية، تعرض مسؤول الهيئة لضغوط غرضها دفعها للعودة إلى جنيف والمشاركة في المفاوضات غير المباشرة التي ينوي المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا استئنافها الأسبوع القادم وعلى الأرجح في العاشر من مارس (آذار). وحجة الوزراء الأوروبيين أنه رغم انعدام الاحترام التام لوقف الأعمال العدائية وتكاثر الانتهاكات، فإن «مستوى العنف» قد تراجع فيما المساعدات الإنسانية وصلت إلى الكثير من المدن والبلدات المحاصرة. وساق الوزراء الأوروبيون وفق مصادر أوروبية اطلعت على مجريات الاجتماع حجة إضافية قوامها أنه لا يتعين على الهيئة «توفير فرصة للنظام لاتهام المعارضة بإجهاض المحادثات وتعطيل الجهود الدولية» وبالتالي تحميلها لاحقا مسؤولية استمرار آلام ومآسي الشعب السوري.
بيد أن حجاب، وفق ما كشفت مصادر شاركت في الاجتماع، رغم «تفهمه» للحجج المذكورة وشكره للدعم الأوروبي «لم يقدم أي وعد قاطع» بانتظار نتائج اجتماع «الهيئة» في الأيام القادمة في الرياض من أجل اتخاذ قرر بهذا الخصوص. وركز حجاب على «فداحة الانتهاكات» المستمرة التي يرتكبها النظام والقوات الروسية والقوى الأخرى التي تحارب إلى جانبه وعلى استمرار فرض الحصار على 18 بلدة وعلى نصف مليون إنسان في سوريا وعلى رفض النظام، حتى الآن، الإفراج عن المعتقلين بدءا بالنساء والأطفال. وباختصار، شدد حجاب على أن البندين 12 و13 من القرار الدولي رقم 2254 لم يتحققا بعد رغم مرور أكثر من أسبوع على بدء الهدنة التي يصفها الجميع بأنها «هشة». وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده عصرا، لخص منسق الهيئة الوضع بقوله إن «الشروط الضرورية من أجل معاودة المفاوضات لم تتوافر بعد». ولكنه لم يستبعد أن يعود وفد الهيئة إلى المدينة السويسرية.
حتى يوم أمس، لم تكن واضحة «صورة الموقف» الذي سترسو عليه الهيئة بالمشاركة أو الامتناع. وصعوبة موقفها أنها تجد نفسها محشورة بين المطرقة والسندان وفق تعبير مصدر من الهيئة. والأسوأ من ذلك أنها تلاحظ أن النظام والطيران الروسي كثفا قصفهما في الأيام الأخيرة بعكس الأيام الأولى لوقف الأعمال العدائية. وبحسب هذه المصادر، فإن للنظام هدفين متلازمين: الأول، دفع المعارضة لرفض العودة إلى جنيف مثلما دفعها خلال الجولة الأولى «بداية فبراير» من المحادثات إلى تعليق مشاركتها عندما أطلق النظام والقوات الجوية الروسية الحملة العسكرية الواسعة على حلب ومنطقتها. والثاني، إيجاد شرخ بين المعارضة السياسية التي تفاوض والفصائل المقاتلة على الأرض بحيث تتهم الأخيرة المفاوضين بأنهم عاجزون عن تحقيق أي تقدم أو وضع حد لتساقط الضحايا بينما المفاوضات جارية.
ينتظر وفد الهيئة العليا إذا قرر العودة إلى جنيف «فخ» جديد يتضمنه القرار الدولي رقم 2268 الذي حذفت منه أي إشارة إلى «وفد الهيئة العليا» باعتباره ممثلا للمعارضة واستعيض عن ذلك بكلمة «معارضة» وحدها دون تحديد هوية من يمثلها. وشرحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الوفد الروسي هو من أصر على هذه الصياغة التي فرضها على الجانب الأميركي الذي تفاوض معه وصاغ فقرات القرار وكان قبل ذلك قد أصر على الإشارة إلى اجتماعي القاهرة وموسكو متمسكا بوجود ممثلين عنهما في جنيف.
وأمس، أفادت وزارة الخارجية الروسية عن اتصال هاتفي جرى بين الوزيرين كيري ولافروف ليل الجمعة دار حول ضرورة العودة السريعة لمحادثات جنيف. وبحسب بيان الوزارة فإن «الجانبين طالبا ببدء المحادثات في أسرع وقت ممكن... بين الحكومة السورية ومختلف أطياف المعارضة والتي سيحدد خلالها السوريون أنفسهم مستقبل بلادهم». أما المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد أشار أمس إلى أن 135 شخصا في المجمل قتلوا في الأسبوع الأول من الهدنة في مناطق يشملها اتفاق وقف الأعمال القتالية فيما وصل عدد القتلى في المناطق التي لا يشملها الاتفاق 552 شخصا.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.