بيونغ يانغ تتحدّى العالم بإطلاق صواريخ غداة فرض عقوبات جديدة عليها

بكين تدعو إلى الهدوء.. وموسكو تأمل في عودتها إلى طاولة المفاوضات

بيونغ يانغ تتحدّى العالم بإطلاق صواريخ غداة فرض عقوبات جديدة عليها
TT

بيونغ يانغ تتحدّى العالم بإطلاق صواريخ غداة فرض عقوبات جديدة عليها

بيونغ يانغ تتحدّى العالم بإطلاق صواريخ غداة فرض عقوبات جديدة عليها

أطلقت كوريا الشمالية ستة صواريخ قصيرة المدى إلى البحر أمس في بادرة تحدّ، بعد ساعات على اعتماد الأمم المتحدة أقسى عقوبات حتى الآن على بيونغ يانغ بسبب تجربتها النووية الرابعة وإطلاق صاروخ اعتبر تجربة بالستية.
وأصبح استعراض القوة الذي تقوم به كوريا الشمالية ردا روتينيا على الضغوط الدولية في كل القضايا، بدءا ببرنامج الأسلحة، وصولا إلى سجلها في مجال حقوق الإنسان. وأعلنت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية أن ستة صواريخ قد تكون صواريخ موجهة سقطت في البحر على بعد نحو مائة إلى 150 كيلومترا من السواحل الشرقية لكوريا الشمالية. وردت وزارة الخارجية الصينية عبر دعوة كل الأطراف إلى الامتناع عن أي عمل من شأنه زيادة التوتر.
وجاء ذلك بعدما اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرارا في وقت متأخر الأربعاء فرض عقوبات جديدة مشددة على بيونغ يانغ، بعد سبعة أسابيع من المفاوضات الشاقة بين الولايات المتحدة والصين، الحليف الوحيد الكبير للنظام الشيوعي المعزول، للتوصل إلى إجماع. وتتجه كل الأنظار الآن إلى الصين وروسيا لمعرفة ما إذا كانتا ستطبقان هذه الإجراءات المشددة.
وللمرة الأولى، سيطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تفتيش كل السلع من كوريا الشمالية وإليه، وكذلك أن تحظر على السفن التي تشتبه بأنها تنقل شحنات غير قانونية إلى كوريا الشمالية التوقف في موانئها. ويفرض القرار أيضا قيودا جديدة على الصادرات الكورية الشمالية، بهدف الحد من قدرة النظام على تمويل برامجه العسكرية. وسيكون محظورا أو تفرض قيود على صادرات بيونغ يانغ من الفحم الحجري والحديد وخام الحديد والذهب والتيتانيوم والمعادن النادرة المستخدمة في مجال التكنولوجيا، كما لن تكون قادرة على شراء وقود الطائرات والصواريخ.
لكن محللين أشاروا إلى عدة ثغرات محتملة في القرار، بما يشمل تفسير ما يشكله تحديدا «تفتيش» سفينة شحن، والبند الذي يستثني صادرات المعادن إذا لم تكن عائداته مخصصة للاستخدام العسكري.
ووفقا للسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور، فإن بيونغ يانغ تحقق عائدات بقيمة مليار دولار سنويا من تصدير الفحم، ومائتي مليون دولار من بيع خام الحديد. ويشدد القرار القيود المصرفية المفروضة أصلا، ويلزم الدول بحظر أجوائها على أي طائرة يشتبه بنقلها بضائع بصفة غير شرعية إلى كوريا الشمالية.
ورحب الرئيس الأميركي باراك أوباما بالقرار، معتبرا أنه رد «حازم وموحد وملائم» على التجربتين النووية والبالستية لبيونغ يانغ في السادس من يناير (كانون الثاني)، والسابع من فبراير (شباط)، اللتين شكلتا خرقا لقرارات أممية عدة. وشدد السفير البريطاني ماثيو ريكروفت على أن هذه العقوبات «هي بين الأكثر شدة التي تم تبنيها بحق بلد»، فيما رحب نظيره الفرنسي فرنسوا دولاتر بـ«عقوبات غير مسبوقة ولكنها محددة الهدف».
ويضيف النص إلى قائمة العقوبات الدولية 16 شخصا و12 كيانا ساعدوا بيونغ يانغ على تطوير أسلحتها النووية والبالستية، من بينها وكالة الفضاء الكورية الشمالية.
علاوة على ذلك، ينص القرار على وجوب طرد الدبلوماسيين الكوريين الشماليين «المتورطين في أنشطة غير مشروعة». وعبرت رئيسة كوريا الجنوبية بارك غوين - هيه عن أملها في أن تدفع هذه العقوبات «المشددة غير المسبوقة» بيونغ يانغ إلى التخلي أخيرا عن برنامجها للتسلح النووي. وقالت إن القرار يوجه «رسالة قوية من المجموعة الدولية سعيا للسلام في شبه الجزيرة الكورية».
وحث رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، بيونغ يانغ على الامتناع عن أي استفزازات جديدة، فيما شدد سفير طوكيو لدى الأمم المتحدة موتوهيد يوشيكاوا على أن «صلب القضية الآن هو في تطبيق» العقوبات من قبل الصين، أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية، ودول أخرى.
من جهتها، عبّرت روسيا أمس عن أملها في أن تستخلص كوريا الشمالية «نتائج جيدة» من قرار مجلس الأمن وأن تقبل باستئناف المفاوضات، كما أعلنت وزارة الخارجية. وقالت الوزارة في بيان «نأمل في أن تتلقى كوريا الشمالية هذا القرار بشكل مناسب، وأن تستخلص منه النتائج الجيدة، وتعود إلى طاولة المفاوضات حول تسوية المسألة النووية في شبه الجزيرة الكورية». واعتبر السفير الصيني لدى الأمم المتحدة ليو جيي أن القرار يجب أن «يكون نقطة انطلاق جديدة» لاستئناف المحادثات حول نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية.
وخلال أسابيع طويلة من المفاوضات، كانت الصين مترددة في دعم القرار تخوفا من أن يؤدي الضغط الشديد على بيونغ يانغ إلى انهيار النظام الشيوعي وخلق فوضى على حدودها. وأكد السفير الصيني معارضة بلاده لخطة كوريا الجنوبية والولايات المتحدة نشر نظام دفاعي صاروخي جديد في شبه الجزيرة الكورية، معتبرا أنه يقوض جهود استئناف المحادثات.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».