«داعش» في الرقة: نموذج أرعب الغرب وبرر إحجامه عن دعم المعارضة

بعد جلد النساء والإعدامات الميدانية وفرض الجزية على المسيحيين

«داعش» في الرقة: نموذج أرعب الغرب وبرر إحجامه عن دعم المعارضة
TT

«داعش» في الرقة: نموذج أرعب الغرب وبرر إحجامه عن دعم المعارضة

«داعش» في الرقة: نموذج أرعب الغرب وبرر إحجامه عن دعم المعارضة

طغى جلد 10 فتيات في الرقة، بتهمة مخالفة قوانين زي المرأة، على سائر ممارسات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش»، في مدينة الرقة، شمال شرقي سوريا. كان متوقعا، بحسب ما يقول ناشطون، أن ينفذ عناصر التنظيم الإعدام الميداني «بحق من يخالفه الرأي»، أو إجبار المسيحيين «على دفع الجزية»، أو اضطهاد الصحافيين والناشطين، واختطافهم، لكن جلد النساء لأسباب بسيطة: «كشف عن صورة مرعبة، لا توازي إلا صورة التنظيمات المتشددة التي سيطرت على مدن في الصومال وأفغانستان، وصولا إلى مالي»، بحسب ما يقول ناشطون مدنيون.
ولم تصدر من المدينة، التي تعد أول مركز محافظة يفقد النظام السوري سيطرته عليها، إلا أخبار ممارسات «داعش» الداخلية، واضطهاد السكان. هذه الصورة، قوّضت إلى حد كبير حماسة الغرب للتغيير في سوريا، رغم أن المواقف الدولية شهدت تبدلا منذ بدء معركة الكتائب الإسلامية مع «داعش» في ريفي إدلب وحلب: «لكن التوجس الغربي بقي في وتيرة مرتفعة»، ما ألزم السوريين بالنضال لإعادة صورة الثورة الأولى، ذات الوجه المدني والمعتدل، لتقديم تطمينات إلى الغرب.
ويتحسر الناشطون على الحال الذي وصلت إليه الرقة، بعد سيطرة «داعش» عليها، كما تصدرت هذه المدينة حصيلة الانتهاكات بحق الصحافيين والناشطين الإعلاميين واختطاف الصحافيين الأجانب. ويقول ناشط رفض الكشف عن اسمه، نظرا لإقامته في الرقة، إن الهدف الذي قام عليه الحراك الثوري في بلاد، لتغيير نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد: «سقط بسيطرة داعش»، وبالتالي: «فقد الحراك روحيته، بدليل منع رفع علم الثورة في المنطقة». في هذا الوقت، لا تُرفع إلا رايات سوداء، توحي بأن المدينة «خارج الحراك الثوري، وتحولت إلى إمارة إسلامية». ولا يخلو يوم من غير صدور تعاليم جديدة، وقوانين «لم يعرفها السوريون من قبل»، والبدء بتنفيذ إجراءات «تقوض حركة السكان».
ونقلت «داعش» معظم المقرات الحكومية إلى عهدة التنظيم، حتى باتت مكاتبا له. أما المحاكم، فتحولت إلى محاكم شرعية، فيما استخدمت الساحات العامة في المدينة لتنفيذ أحكام تلك المحاكم. ويقول ناشطون إن أغلب المناهضين لحكم «داعش»، باتوا مطلوبين للتنظيم. «بعضهم فرّ من المنطقة، والبعض الآخر يلتزم الصمت أو يعمل في الخفاء»، وسط أنباء عن أن عدد الناشطين الذين عرفوا خلال الحراك الثوري، والمطلوبين الآن لـ«داعش»، تخطى الـ250 ناشطا.
ومنذ سيطرة التنظيم على المدينة، تبدلت صورة الحياة فيها. ويقول محمد (أحد سكان الرقة سابقا) الذي نزح مع عائلته إلى بيروت، إن قوانين غريبة، تتحكم بحياة السكان: «تراعي الشكل بما يتخطى المضمون»، مشيرا إلى أن أحد أبرز تلك التدابير «معاقبة من لم يقص أظافره بالجلد، واعتقال من يرتدي سروالا، كما اعتقال من يحلق ذقنه». وتمددت إجراءات «داعش» إلى صالونات حلاقة الرجال، ومتاجر بيع الألبسة، والمدارس والكليات. أما من تلفظ باسم «داعش»، فإنه يعاقب بالجلد نحو 70 جلدة في المرة الأولى، ويعتقل في المرة الثانية. فهذه الكلمة «تستفزّ عناصر التنظيم الذين عدد الأجانب منهم، يفوق عدد السوريين، ولا ينشغلون إلا بتطبيق الشرائع في المدينة، بدلا من قتال قوات النظام».
وأثارت قرارات «داعش» تحفظا كبيرا في أوساط المعارضين السوريين، وتحديدا القرارات المرتبطة بالمسيحيين، نظرا لتأثيرها على «البنية الاجتماعية السورية»، في ظل نزوح عدد كبير من المسيحيين في الرقة باتجاه الأراضي التركية ومحافظات سورية أخرى، كما يقول ناشطون. وكان التنظيم وضع شروطا على المسيحيين ليعيشوا في الرقة، حمل اسم «عهد الأمان لنصارى الرقة مقابل التزامهم بأحكام الذمة»، مقابل أن «لا يبنوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب منها، وأن لا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في طرق المسلمين أو أسواقهم، ولا يستعملوا مكبرات الصوت عند أداء صلواتهم وكذلك سائر عباداتهم»، إلى جانب شروط أخرى بينها «الامتناع عن القيام بأعمال عدوانية تجاه (الدولة الإسلامية)، كإيواء الجواسيس والمطلوبين قضائيا لها، أو من تثبت حرابته من النصارى أو من غيرهم، أو مساعدتهم في التخفي أو التنقل أو غير ذلك، وإذا علموا بوجود تآمر على المسلمين فعليهم التبليغ عن ذلك».
وإلى جانب مخاوف السوريين من نظام حكم «داعش»، أثارت تلك الممارسات والتدابير مخاوف في الغرب. ولا ينفي ممثل الائتلاف الوطني السوري المعارض في الولايات المتحدة نجيب الغضبان، أن تكون تلك الممارسات «أساءت إلى الثورة السورية، قبل إثارة مخاوف الغرب»، عادا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنها «أساءت أيضا إلى قيم الإسلام»، مؤكدا أن «ثقافة المنطقة ترفض تلك الممارسات كذلك تاريخ السوريين، وتطال قيم الثورة السورية التي قامت ضد النظام، وترفض أن يحكمها نموذج ضلالي».
ويرى الغضبان أن ممارسات «داعش» عززت تردد الغرب في دعم الثورة السورية، وأراحته إلى حد كبير في تقديم أعذاره عن اتخاذ مواقف حاسمة. ويوضح أن «المسؤولين الغربيين كانوا، قبل حكم داعش في الرقة، يتحدثون مع ممثلي المعارضة عن ضمانات بشأن الأقليات وتمثيل المرأة وشكل الائتلاف»، لافتا إلى أن «ظهور داعش أراح الغرب لجهة البحث عن ذرائع تمنعه من تقديم موقف حاسم بشأن مساعدة الثورة».
ولم تكن مخاوف الغرب من النموذج المتشددة، وليدة سيطرة «داعش» على الرقة، وبعض مدن ريف حلب. يقول الغضبان إن الغربيين «كانوا ينظرون بشك وتخوف من نموذج الجماعات المتطرفة وبينها جبهة النصرة، ما دفع الولايات المتحدة لإدراجها على لائحة الإرهاب»، مشيرا إلى أن المعارضة السورية «كان التقدير مختلفا، لأن وضع المتشددين، هو أكثر تعقيدا من حصرها بالنصرة، في حين كانت الجبهة تقدم السلاح والمال للمعارضين، بينما كانت المعارضة المدنية عاجزة عن تقديم الدعم للمقاتلين». ويشير إلى «أننا طالبنا الغرب بدعم المعارضين العلمانيين مقابل دعم المتشددين للسوريين، بهدف وقف اجتذابهم، وسحب الذرائع ممن ينضمون إلى الطرف المتشدد».
وفي مقابل المخاوف الغربية، اتخذت فصائل المعارضة الإسلامية المعتدلة، والعلمانية، مواقف حاسمة من «داعش»، مطلع العام الحالي، حين انقلبت عليها، وحاربتها من مناطق واسعة في ريفي حلب وإدلب، من غير أن يتمدد القتال إلى الرقة.
وترى المعارضة أن قتال «داعش»: «واجب مثل قتال النظام». ويقول الغضبان إن «التناغم بين داعش والنظام يُستدل إليه من السماح لها بالتمدد، من غير استهدافها»، مستبعدا في الوقت نفسه، الشكوك حول ارتباطهما. ويوضح: «النظام يستفيد من وجود داعش التي كرست صورة التشدد باسم الإسلام، ما يضاعف مخاوف الغرب، علما بأن هذا النموذج مرفوض من السوريين والمعارضة التي تؤكد دائما على ثوابت الثورة».
وكانت «داعش» أحكمت سيطرتها على مدينة الرقة، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد قتل عدد من مسلحي جبهة النصرة، والكتائب الإسلامية الموجودة في المدينة، وأعلنت فرض نظام الدولة الإسلامية فيها. وفي خضم الحرب على «داعش» في شمال سوريا، خسرت «داعش» بعض مواقعها في الرقة، قبل أن تستعيدها مجددا في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي. واتخذت «داعش» مجموعة من التدابير الداخلية، أهمها إصدار قرارات الإعدامات الميدانية، وإنشاء الشرطة النسائية لاعتقال الناشطات، وإنشاء المحاكم الإسلامية التي حكمت مرات كثيرة بالجلد.



الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)

فيما تواصل الجماعة الحوثية تجاهل الدعوات الدولية المطالِبة بوقف ملاحقة موظفي المنظمات الدولية والإغاثية، كشفت مصادر قضائية عن استعداد الجماعة لإحالة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة والعاملين لدى منظمات إغاثية دولية ومحلية، إضافة إلى أفراد من بعثات دبلوماسية، إلى المحاكمة أمام محكمة متخصصة بقضايا «الإرهاب».

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان محامٍ يمني بارز، تولّى منذ سنوات الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقاله ووضعه في زنزانة انفرادية منذ 3 أشهر، وفق ما أفاد به أفراد من أسرته.

وقالت المصادر القضائية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة بدأت فعلياً بمحاكمة 3 دفعات من المعتقلين، أُصدرت بحقهم حتى الآن أحكام إعدام بحق 17 شخصاً، في قضايا تتعلق باتهامات «التجسس» والتعاون مع أطراف خارجية. وأوضحت أن التحضيرات جارية لإحالة دفعة رابعة، تضم موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني، إلى المحاكمة خلال الفترة المقبلة.

العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية مهددون بأوامر الإعدام الحوثية (إعلام محلي)

وبحسب المصادر نفسها، فإن الحوثيين نقلوا العشرات من المعلمين والنشطاء في محافظة إب إلى العاصمة صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لمحاكمتهم، بعد أشهر من اعتقالهم. وأكدت أن جهاز مخابرات الشرطة، الذي يقوده علي الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بدأ بنقل أكثر من 100 معتقل من إب إلى صنعاء، عقب فترات تحقيق مطوّلة داخل سجن المخابرات في المحافظة.

وأشارت إلى أن المعتقلين حُرموا من توكيل محامين للدفاع عنهم، كما مُنعت أسرهم من زيارتهم أو التواصل معهم، رغم مرور أكثر من 6 أشهر على اعتقال بعضهم، في مخالفة صريحة لأبسط ضمانات العدالة والإجراءات القانونية.

دور أمني إيراني

وفق ما أفادت به المصادر في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، فإن خبراء أمن إيرانيين تولّوا الإشراف على حملات الاعتقال الواسعة، التي انطلقت بذريعة منع الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، التي أطاحت بحكم أسلاف الحوثيين في شمال اليمن. وانتهت تلك الحملات باعتقال العشرات بتهم «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأضافت أن إحكام القبضة الإيرانية على ملف المخابرات لدى الحوثيين، جاء في إطار احتواء الصراعات بين الأجهزة الأمنية المتعددة التابعة للجماعة، إلى جانب الإشراف على خطط تأمين قياداتها السياسية والعسكرية.

غير أن هذا الترتيب، بحسب المصادر، أدى إلى إغلاق معظم قنوات الوساطة القبلية التي كانت تُستخدم سابقاً للإفراج عن بعض المعتقلين، مقابل دفع فِدى مالية كبيرة وتقديم ضمانات اجتماعية بحسن السيرة.

إضراب محامي المعتقلين

في سياق هذه التطورات القمعية الحوثية، أعلن المحامي اليمني المعروف عبد المجيد صبرة، الذي تولّى الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، إضراباً عاماً عن الطعام، احتجاجاً على استمرار احتجازه منذ نهاية سبتمبر الماضي. ونقل شقيقه وليد صبرة، في نداء استغاثة، أنه تلقى اتصالاً مقتضباً من شقيقه أبلغه فيه ببدء الإضراب، وبأن إدارة سجن المخابرات أعادته إلى الزنزانة الانفرادية.

دفاع صبرة عن المعتقلين أغضب الحوثيين فاعتقلوه (إعلام محلي)

وأوضح وليد صبرة أن سبب اعتقال شقيقه يعود إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي احتفى فيه بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر، مؤكداً أن الأسرة لا تعلم شيئاً عن وضعه الصحي، وأن طلباتهم المتكررة لزيارته قوبلت بالرفض. وتساءل عن مصير الفريق القانوني الذي كلفته نقابة المحامين بمتابعة القضية، وما إذا كان قد تمكّن من معرفة مكان احتجازه أو الجهة المسؤولة عنه.

وأثار إعلان الإضراب موجة تضامن واسعة، حيث عبّر عشرات الكتّاب والنشطاء عن دعمهم للمحامي صبرة، مطالبين بالإفراج الفوري عنه، وضمان حقه في الزيارة والرعاية الطبية.

كما ناشدوا نقابة المحامين، واتحاد المحامين اليمنيين والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، التدخل العاجل لحماية حياته، باعتباره أحد أبرز المدافعين عن الحريات والحقوق، وعن الصحافة والصحافيين، وعن المعتقلين والمختفين قسرياً، والمحكوم عليهم بالإعدام في مناطق سيطرة الحوثيين.


العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
TT

العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على أن الاستقرار السياسي يُعد شرطاً أساسياً لنجاح أي إصلاحات اقتصادية، في ظل تداعيات قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، مشيداً في الوقت ذاته بجهود تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظات شرق البلاد.

جاءت تصريحات العليمي، الأحد، خلال اتصال أجراه بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، للاطلاع على المستجدات الاقتصادية والنقدية، والتداعيات المحتملة لقرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، على خلفية الإجراءات الأحادية التي شهدتها المحافظات الشرقية في الأيام الماضية.

ونقل الإعلام الرسمي اليمني عن مصدر رئاسي أن العليمي استمع إلى إحاطة من محافظ البنك المركزي حول مستوى تنفيذ قرارات مجلس القيادة، وتوصياته الهادفة لمعالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، إضافة إلى عرض للمؤشرات المالية والنقدية، والجهود المطلوبة لاحتواء تداعيات القرار الدولي على استقرار سعر الصرف، وتدفق الوقود والسلع، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأضاف المصدر أن الاتصال تطرق إلى تقييم شامل للأوضاع الاقتصادية الراهنة، وما يفرضه تعليق أنشطة صندوق النقد من تحديات تتطلب تنسيقاً حكومياً عاجلاً للحفاظ على الاستقرار سواء المالي أو النقدي، وضمان استمرار التزامات الدولة تجاه المواطنين.

وكانت مصادر يمنية رسمية ذكرت أن صندوق النقد الدولي قد أعلن تعليق أنشطته في اليمن، عقب التوتر الأمني في حضرموت والمهرة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أثار مخاوف من انعكاسات اقتصادية محتملة، في وقت تعتمد فيه الحكومة اليمنية على الدعم الخارجي والمؤسسات الدولية في تنفيذ برامج الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.

إشادة بمساعي التهدئة

أفاد المصدر الرئاسي اليمني - حسب ما نقلته وكالة «سبأ» بأن العليمي أشاد بالمساعي التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة، مثمناً دعم الرياض للموازنة العامة، وتعزيز صمود مؤسسات الدولة، واستمرار الوفاء بالالتزامات الحتمية تجاه المواطنين.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن يحرسون مدخل القصر الرئاسي (رويترز)

وأشار المصدر إلى أن العليمي عدّ إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن بمثابة «جرس إنذار»، يؤكد ارتباط الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار السياسي، ويبرز أهمية توحيد الجهود لتفادي انعكاسات سلبية على الوضعين المالي والمعيشي.

كما جدّد رئيس مجلس القيادة التأكيد على أن الانسحاب الفوري للقوات الوافدة كافة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة يُمثل الخيار الوحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، واستعادة مسار النمو والتعافي، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين والمؤسسات الدولية.

توحيد الجهود

يأتي اتصال العليمي بمحافظ البنك المركزي عقب لقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي (رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي) في العاصمة المؤقتة عدن بقيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية، برئاسة اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي.

وكان اللقاء ناقش - حسب الإعلام الرسمي اليمني - سُبل توحيد الجهود في مواجهة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة والإقليم، وتمس المصالح الدولية، وتهدد حرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لوقف تهريب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.

اجتماع وفد عسكري سعودي إماراتي في عدن مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (سبأ)

وأكد الزُّبيدي خلال اللقاء عمق ومتانة العلاقات الأخوية مع دول التحالف، مثمناً الدور الذي تقوم به في دعم القوات المسلحة، ومواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

وعقب هذا اللقاء كانت القيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي عقدت اجتماعها الدوري برئاسة الزبيدي، واستعرضت نتائج اللقاء مع قيادة القوات المشتركة للتحالف، وما خرج به من تفاهمات لتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط الملاحة وحماية الأمن البحري، إضافة إلى الأوضاع في وادي حضرموت والمهرة، والجهود المبذولة لتطبيع الأوضاع، وحفظ السكينة العامة.


«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

أغلقت الجماعة الحوثية خلال الشهر الماضي 98 منشأة ومتجراً متنوعاً في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في سياق تصعيدها لحملات الدهم والإغلاق وفرض الإتاوات التي تستهدف كبار التجار وأصحاب المتاجر الصغيرة على حد سواء، لإرغامهم على دفع جبايات مالية وعينية تحت مسميات متعددة، تُفاقم من هشاشة الاقتصاد المحلي، وتزيد من معاناة السكان.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن تنفيذ نحو 40 لجنة ميدانية تتبع ما يُسمى مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، عدة نزولات خلال 4 أسابيع، استهدفت بالدهم والإغلاق وفرض الإتاوات ما يقارب 683 منشأة تجارية في أحياء متفرقة من صنعاء، شملت أسواقاً مركزية، ومحال بيع بالتجزئة، ومطاعم ومخازن.

وأقرّ تقرير أولي صادر عن مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين بأن القائمين على الحملة أغلقوا خلال 30 يوماً نحو 98 منشأة ومتجراً، وأصدروا 227 تعميماً، ونحو 110 إشعارات حضور، وأحالوا 55 مخالفة إلى النيابة التابعة للجماعة، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية وغرامات مالية بحق 190 منشأة بزعم ارتكاب مخالفات.

عناصر حوثيون خلال دهم أحد المتاجر في صنعاء (فيسبوك)

ويزعم الحوثيون أن حملاتهم تهدف إلى ضبط الأسعار، ومكافحة الغش التجاري والاحتكار، والتصدي لمواد مخالفة للمواصفات أو منتهية الصلاحية، ونقص الأوزان، ورفض التفتيش، وغيرها من المبررات التي يرى التجار أنها تُستخدم غطاءً لابتزازهم وجباية الأموال بالقوة.

مضايقات متكررة

واشتكى تجار في صنعاء، تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من تكرار المضايقات الحوثية بحقهم، مؤكدين أن الجماعة تواصل شن حملات واسعة لجمع إتاوات نقدية وعينية تحت تسميات عدة، أبرزها تمويل ما تُسمى الوقفات المسلحة، وحملات التعبئة والتجنيد الإجباري، ودورات «طوفان الأقصى» العسكرية، تحت مزاعم الاستعداد لما تصفه بمعارك مرتقبة مع إسرائيل وأميركا.

وأكد تجار أن فرض مزيد من الجبايات يتزامن مع تراجع حاد في النشاط التجاري وكساد البضائع وارتفاع النفقات التشغيلية، ما يجعل كثيراً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة مهددة بالإفلاس أو الإغلاق القسري، في ظل غياب أي حماية قانونية أو بيئة أعمال مستقرة.

جرافة حوثية تعتدي على باعة أرصفة بالقرب من متاجر في صنعاء (إعلام حوثي)

ويقول «خالد» (اسم مستعار)، وهو تاجر مواد غذائية في حي السنينة بمديرية معين، إن عناصر حوثية مسنودة بعربات أمنية اقتحمت متجره، وأرغمته على دفع 10 آلاف ريال يمني (الدولار نحو 535 ريالاً) بحجة الإسهام في تمويل أنشطة الجماعة الحالية لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جدد. ويوضح أن المبالغ المفروضة تُحدد تقديرياً بناءً على حجم البضائع، دون أي معايير قانونية واضحة.

من جهته، يؤكد صاحب متجر صغير في حي شميلة بمديرية السبعين، لـ«الشرق الأوسط»، تكثيف مسلحي الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة من استهداف التجار وصغار الباعة في سوق شميلة المركزية، لإجبارهم على دفع إتاوات غير قانونية.

ويشير إلى أن متجره تعرّض للدهم منتصف الشهر الماضي، وأُجبر بالقوة على دفع مبلغ مالي بزعم وجود مخالفات سابقة، قبل أن يصادر المسلحون أصنافاً غذائية من متجره نتيجة عجزه عن السداد، بذريعة دعم المقاتلين في الجبهات.

تدهور اقتصادي

تأتي هذه التطورات في وقت كشف فيه تقرير دولي حديث عن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في ظل تصاعد حملات الجباية التي تستهدف الأنشطة التجارية، ما يُعمِّق أزمة انعدام الأمن الغذائي ويقلّص قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

ووفقاً لتقرير صادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة يواصل التراجع بوتيرة عالية، بفعل الحملات المتكررة التي تطول المطاعم والمتاجر والفنادق وبقية القطاعات، ولا تقتصر على فرض رسوم إضافية فحسب، بل تشمل تشديد القيود التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق عدد من المنشآت الصغيرة.

وحذّر التقرير من أن استمرار هذا النهج سيُضعف قدرة الأسر على الحصول على الغذاء حتى بالتقسيط، الذي شكّل خلال السنوات الماضية ملاذاً أخيراً لمواجهة الضائقة المعيشية، متوقعاً زيادة حدة انعدام الأمن الغذائي في ظل استمرار الجبايات وتراجع المساعدات الإنسانية أو توقفها.