طغى جلد 10 فتيات في الرقة، بتهمة مخالفة قوانين زي المرأة، على سائر ممارسات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش»، في مدينة الرقة، شمال شرقي سوريا. كان متوقعا، بحسب ما يقول ناشطون، أن ينفذ عناصر التنظيم الإعدام الميداني «بحق من يخالفه الرأي»، أو إجبار المسيحيين «على دفع الجزية»، أو اضطهاد الصحافيين والناشطين، واختطافهم، لكن جلد النساء لأسباب بسيطة: «كشف عن صورة مرعبة، لا توازي إلا صورة التنظيمات المتشددة التي سيطرت على مدن في الصومال وأفغانستان، وصولا إلى مالي»، بحسب ما يقول ناشطون مدنيون.
ولم تصدر من المدينة، التي تعد أول مركز محافظة يفقد النظام السوري سيطرته عليها، إلا أخبار ممارسات «داعش» الداخلية، واضطهاد السكان. هذه الصورة، قوّضت إلى حد كبير حماسة الغرب للتغيير في سوريا، رغم أن المواقف الدولية شهدت تبدلا منذ بدء معركة الكتائب الإسلامية مع «داعش» في ريفي إدلب وحلب: «لكن التوجس الغربي بقي في وتيرة مرتفعة»، ما ألزم السوريين بالنضال لإعادة صورة الثورة الأولى، ذات الوجه المدني والمعتدل، لتقديم تطمينات إلى الغرب.
ويتحسر الناشطون على الحال الذي وصلت إليه الرقة، بعد سيطرة «داعش» عليها، كما تصدرت هذه المدينة حصيلة الانتهاكات بحق الصحافيين والناشطين الإعلاميين واختطاف الصحافيين الأجانب. ويقول ناشط رفض الكشف عن اسمه، نظرا لإقامته في الرقة، إن الهدف الذي قام عليه الحراك الثوري في بلاد، لتغيير نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد: «سقط بسيطرة داعش»، وبالتالي: «فقد الحراك روحيته، بدليل منع رفع علم الثورة في المنطقة». في هذا الوقت، لا تُرفع إلا رايات سوداء، توحي بأن المدينة «خارج الحراك الثوري، وتحولت إلى إمارة إسلامية». ولا يخلو يوم من غير صدور تعاليم جديدة، وقوانين «لم يعرفها السوريون من قبل»، والبدء بتنفيذ إجراءات «تقوض حركة السكان».
ونقلت «داعش» معظم المقرات الحكومية إلى عهدة التنظيم، حتى باتت مكاتبا له. أما المحاكم، فتحولت إلى محاكم شرعية، فيما استخدمت الساحات العامة في المدينة لتنفيذ أحكام تلك المحاكم. ويقول ناشطون إن أغلب المناهضين لحكم «داعش»، باتوا مطلوبين للتنظيم. «بعضهم فرّ من المنطقة، والبعض الآخر يلتزم الصمت أو يعمل في الخفاء»، وسط أنباء عن أن عدد الناشطين الذين عرفوا خلال الحراك الثوري، والمطلوبين الآن لـ«داعش»، تخطى الـ250 ناشطا.
ومنذ سيطرة التنظيم على المدينة، تبدلت صورة الحياة فيها. ويقول محمد (أحد سكان الرقة سابقا) الذي نزح مع عائلته إلى بيروت، إن قوانين غريبة، تتحكم بحياة السكان: «تراعي الشكل بما يتخطى المضمون»، مشيرا إلى أن أحد أبرز تلك التدابير «معاقبة من لم يقص أظافره بالجلد، واعتقال من يرتدي سروالا، كما اعتقال من يحلق ذقنه». وتمددت إجراءات «داعش» إلى صالونات حلاقة الرجال، ومتاجر بيع الألبسة، والمدارس والكليات. أما من تلفظ باسم «داعش»، فإنه يعاقب بالجلد نحو 70 جلدة في المرة الأولى، ويعتقل في المرة الثانية. فهذه الكلمة «تستفزّ عناصر التنظيم الذين عدد الأجانب منهم، يفوق عدد السوريين، ولا ينشغلون إلا بتطبيق الشرائع في المدينة، بدلا من قتال قوات النظام».
وأثارت قرارات «داعش» تحفظا كبيرا في أوساط المعارضين السوريين، وتحديدا القرارات المرتبطة بالمسيحيين، نظرا لتأثيرها على «البنية الاجتماعية السورية»، في ظل نزوح عدد كبير من المسيحيين في الرقة باتجاه الأراضي التركية ومحافظات سورية أخرى، كما يقول ناشطون. وكان التنظيم وضع شروطا على المسيحيين ليعيشوا في الرقة، حمل اسم «عهد الأمان لنصارى الرقة مقابل التزامهم بأحكام الذمة»، مقابل أن «لا يبنوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب منها، وأن لا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في طرق المسلمين أو أسواقهم، ولا يستعملوا مكبرات الصوت عند أداء صلواتهم وكذلك سائر عباداتهم»، إلى جانب شروط أخرى بينها «الامتناع عن القيام بأعمال عدوانية تجاه (الدولة الإسلامية)، كإيواء الجواسيس والمطلوبين قضائيا لها، أو من تثبت حرابته من النصارى أو من غيرهم، أو مساعدتهم في التخفي أو التنقل أو غير ذلك، وإذا علموا بوجود تآمر على المسلمين فعليهم التبليغ عن ذلك».
وإلى جانب مخاوف السوريين من نظام حكم «داعش»، أثارت تلك الممارسات والتدابير مخاوف في الغرب. ولا ينفي ممثل الائتلاف الوطني السوري المعارض في الولايات المتحدة نجيب الغضبان، أن تكون تلك الممارسات «أساءت إلى الثورة السورية، قبل إثارة مخاوف الغرب»، عادا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنها «أساءت أيضا إلى قيم الإسلام»، مؤكدا أن «ثقافة المنطقة ترفض تلك الممارسات كذلك تاريخ السوريين، وتطال قيم الثورة السورية التي قامت ضد النظام، وترفض أن يحكمها نموذج ضلالي».
ويرى الغضبان أن ممارسات «داعش» عززت تردد الغرب في دعم الثورة السورية، وأراحته إلى حد كبير في تقديم أعذاره عن اتخاذ مواقف حاسمة. ويوضح أن «المسؤولين الغربيين كانوا، قبل حكم داعش في الرقة، يتحدثون مع ممثلي المعارضة عن ضمانات بشأن الأقليات وتمثيل المرأة وشكل الائتلاف»، لافتا إلى أن «ظهور داعش أراح الغرب لجهة البحث عن ذرائع تمنعه من تقديم موقف حاسم بشأن مساعدة الثورة».
ولم تكن مخاوف الغرب من النموذج المتشددة، وليدة سيطرة «داعش» على الرقة، وبعض مدن ريف حلب. يقول الغضبان إن الغربيين «كانوا ينظرون بشك وتخوف من نموذج الجماعات المتطرفة وبينها جبهة النصرة، ما دفع الولايات المتحدة لإدراجها على لائحة الإرهاب»، مشيرا إلى أن المعارضة السورية «كان التقدير مختلفا، لأن وضع المتشددين، هو أكثر تعقيدا من حصرها بالنصرة، في حين كانت الجبهة تقدم السلاح والمال للمعارضين، بينما كانت المعارضة المدنية عاجزة عن تقديم الدعم للمقاتلين». ويشير إلى «أننا طالبنا الغرب بدعم المعارضين العلمانيين مقابل دعم المتشددين للسوريين، بهدف وقف اجتذابهم، وسحب الذرائع ممن ينضمون إلى الطرف المتشدد».
وفي مقابل المخاوف الغربية، اتخذت فصائل المعارضة الإسلامية المعتدلة، والعلمانية، مواقف حاسمة من «داعش»، مطلع العام الحالي، حين انقلبت عليها، وحاربتها من مناطق واسعة في ريفي حلب وإدلب، من غير أن يتمدد القتال إلى الرقة.
وترى المعارضة أن قتال «داعش»: «واجب مثل قتال النظام». ويقول الغضبان إن «التناغم بين داعش والنظام يُستدل إليه من السماح لها بالتمدد، من غير استهدافها»، مستبعدا في الوقت نفسه، الشكوك حول ارتباطهما. ويوضح: «النظام يستفيد من وجود داعش التي كرست صورة التشدد باسم الإسلام، ما يضاعف مخاوف الغرب، علما بأن هذا النموذج مرفوض من السوريين والمعارضة التي تؤكد دائما على ثوابت الثورة».
وكانت «داعش» أحكمت سيطرتها على مدينة الرقة، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد قتل عدد من مسلحي جبهة النصرة، والكتائب الإسلامية الموجودة في المدينة، وأعلنت فرض نظام الدولة الإسلامية فيها. وفي خضم الحرب على «داعش» في شمال سوريا، خسرت «داعش» بعض مواقعها في الرقة، قبل أن تستعيدها مجددا في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي. واتخذت «داعش» مجموعة من التدابير الداخلية، أهمها إصدار قرارات الإعدامات الميدانية، وإنشاء الشرطة النسائية لاعتقال الناشطات، وإنشاء المحاكم الإسلامية التي حكمت مرات كثيرة بالجلد.
«داعش» في الرقة: نموذج أرعب الغرب وبرر إحجامه عن دعم المعارضة
بعد جلد النساء والإعدامات الميدانية وفرض الجزية على المسيحيين
«داعش» في الرقة: نموذج أرعب الغرب وبرر إحجامه عن دعم المعارضة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة








