بينما يتابع مشجعو سندرلاند فريقا قليل الحيلة ينجرف نحو الهبوط، فإنهم يتساءلون أيهما أفضل، أن تحقق النجاح قبل أن تفشل، أم ألا تصل إلى النجاح أبدا؟
بينما كنت أعاني لإجبار ماكينة محطة قطار الأنفاق على قبول أموالي، كان رجل وابنه يجلسان على المقعد المجاور لي، متلاصقين من أجل بعض الدفء. كان الصبي مختبئا في قبعته الدائرية، فيما بدا وشاحه وقفازه مثيرين للأرق والضيق، بدلا من أن يجلبا له الدفء. كان يحملق في الأرض بينما غطى وجه والده إحساس الذنب؟
تحدث الرجل إلى ابنه، وهو غير قادر على النظر في عينيه، قائلا: «لم تكن الأمور هكذا دائما». هز الصبي كتفيه بالكاد واستمر يحملق في الأرض. ولسبب ما انتبه إلي الاثنان، بينما كنت أرمقهما بعين من الشفقة.. التقت أعيننا ومشيت بعيدا، تلاحقني صورتهما، وشعور بالضيق، بينما كنت أشق طريقي في صفوف المشجعين ودخان السجائر «الإلكترونية». ترددت كلماته في ذهني وغمرت وجهي أمطار شتاء غزيرة.. «لم يكن الأمر هكذا، هل تفهمني».
إن النجاح بالنسبة إلى أندية مثل سندرلاند يمكن أن يكون عبئا ثقيلا. سيحكم المشجعون دائما على الحالة الراهنة قياسا على معايير النجاح المدوي في الماضي القريب – على الأقل، ذلك النجاح الذي تسجله ذاكرتهم التشجيعية. وبالنسبة إلى كثير من المشجعين، يرتبط ذلك بالعصر الذهبي في مطلع القرن الـ21 عندما وصل الفريق إلى المركز السابع في الدوري الممتاز. وللغرابة فإننا محظوظون لأننا لم نستمتع أبدا بنجاح أكبر في السنوات الأخيرة، إذ أننا لا نملك مقارنات مهيبة كما هو الحال مع مشجعي ليدز أو بلاكبيرن الذين سقطوا للمجهول على سبيل المثال. لكن من زاوية أخرى، فإن الاحتفاء بالمركز السابع في الدوري، باعتباره معبرا عن «أيام المجد الخوالي»، هو نوع من المأساة.
لا يعني هذا أن سندرلاند ما كان له أن ينجح. إن المشجعين محظوظون لكونهم يشاهدون مباريات فريقنا في واحد من أبرز ملاعب الكرة الحديثة في بريطانيا، بسعة تصل إلى ما يزيد على 40 ألف متفرج – ويعني هذا الكثير من المداخيل والكثير من الأموال. ويظل مشجعو سندرلاند أناسا أمناء من أبناء الطبقة العاملة الذين ينجحون بطريقة ما في كسب الدخل الذي يبرر إنفاقهم 400 جنيه إسترليني سنويا على تذاكر المباريات، رغم أن الفريق لم يحقق سوى 10 انتصارات على ملعبه منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2013.. وهذا نوع من المأساة أيضا.
وربما كان أكثر شيء مخيب للآمال بالنسبة إلى المشجعين هو رؤية أموالهم التي عانوا لكسبها تتكدس في جيوب مدربين مغرورين ولاعبين يقدمون أداء دون المستوى بما يرقى لعمل إجرامي، ومديرين رياضيين لا أمل فيهم تماما.
يدخل المدرب سام الاراديس الملقب بـ«سام الكبير»، بعلكته، ووجهه الكرتوني، وتصريحاته المثيرة للجدل إلى المؤتمرات الصحافية، وفلسفته العقيمة والسلبية وغير الطموحة للغاية، والتي تجعله يرضى بتعادل مع فريق يشاركه الصراع على الهبوط، ولا يطمح إلى الفوز. ومع تبقي 30 دقيقة على نهاية مباراة ضد بورنموث، وبينما كان الفريق الضيف يترنح، فضل سام تحصين دفاعاته، بدلا من الدفع بمهاجم أو اثنين من مقاعد البدلاء – وقد تعاقد هو شخصيا مع واحد منهما قبل أسبوع فقط. ولم يكتف سام بهذا، بل استعان بجاك روديل، أسوأ من فيهم على الإطلاق.
إن سام الاراديس أشبه برجل يعزف الجيتار في حفلة منزلية.. نعم ربما يكون قادرا على إمتاع مستمعيه، وقد يحدث أن يلمس الوتر الصحيح، لكن عندما تبدأ الطاقة في النفاد ويتسرب التعب إلى الناس، هل يكون لديك الرغبة حقا في الاستماع إليه طوال الليل؟
يعاني سندرلاند من سنوات كثيرة من عدم الشفافية. لا يعرف المشجعون ما إذا كان النادي في وضع مالي سليم، أم يمر بضائقة مالية. إن مجرد كون مالك النادي مليارديرا لا يعني أن النادي يتوفر على الأموال. من يتحمل مسؤولية مدرب يتم تعيينه ويفشل في تحقيق النتائج المأمولة؟ ومن المسؤول إذا تم التعاقد مع لاعب لا يحتاج إليه الفريق وبمبلغ كبير؟
قد يكون سندرلاند قصة من القرارات السيئة من دون صانع قرار، كما لو كان النادي يدار بقوة فوقية سحرية، كساحر أوز أو زوردون أو السيد العظيم. وعندما يهبط في النهاية، لن نشعر بالمفاجأة إذا رأينا شبحا عملاقا لمارغريت ثاتشر، يحوم فوق «ملعب النور»، ويلقي بآخر ضحكاته على المدينة.
وما يزيد الأمور سوءا، أن سندرلاند لا يملك الكثير من الأموال كالأندية الأخرى، وأن المشكلة تتعلق تماما بالجغرافيا. فبينما لا يوجد تعاطف مع نيوكاسل يونايتد، إلا أن النادي الجار يواجه كذلك نفس المعاناة. إن اللاعبين لا يرغبون في قطع كل هذه المسافة شمال لندن، حيث لا توجد أي محال للوجبات الخفيفة أو الأطعمة المشوية. هذه ليست لندن، بل سندرلاند – وما كان من الممكن أن تصبح أكثر اختلافا. بل إن مدرب إنجلترا لا يجرؤ على قطع كل هذه المسافة إلى أقصى الشمال لمتابعة مبارياته مثل ما يفعل مع الفرق الأخرى.
لقد وصل الدوري الممتاز إلى ما هو أبعد من حدود الرياضة، ودخلت عصر صناعة التسلية. ومع هذا القدر من الاعتماد على عقود الرعاية، والتغطية التلفزيونية، والأموال المغرية جدا، بات الأمر أقرب إلى برنامج «ذا إكس فاكتور» منه إلى الرياضة، شأن اللعبات الأخرى كالكريكيت أو الرغبي. المهم هو المنتج، وليس روح المنافسة. كما أن الضغوط التي تضعها قواعد اللعب المالي النظيف للدوري الممتاز واللوائح التي تطورت محليا، على أندية مثل سندرلاند تختلف تماما عن الضغوط الموضوعة على الأندية الأكبر. إن نظم المحاسبة الإبداعية والأضواء الساطعة تسمح للفرق الكبرى بالاستثمار بقوة في الموهبة الإنجليزية الأصغر سنا والأكثر تألقا، بينما تضع من القيود على سندرلاند ما يجعله مضطرا لدفع أموال مبالغ فيها للحصول على رديف الأندية الأخرى، بحيث نصبح قادرين بالكاد على إكمال حصتنا من اللاعبين البريطانيين. إن المنافسة ببساطة لا تسمح لأندية مثل سندرلاند بالنجاح.
اللعبة مملة، والنادي متعفن، والهبوط حتمي. الأمر سيان بالنسبة إلى سندرلاند ونيوكاسل. لكن من يهتم، فهذا هو ما نشاهده الآن في الدوري الممتاز. هذه ليست كرة قدم. ليست هذه متعة أو إثارة، ولم تعد تشعر بنفس الحماس، أو الفخر عندما يحقق فريقك الفوز، لأنك تعرف أن هذه مجرد 3 نقاط من 40 نقطة يمكن للفريق الحصول عليها. لم تكن الأمور هكذا دائما.
في سندرلاند.. اللعبة مملة والنادي متعفن والهبوط محتوم
رغم أنه يمتلك واحدًا من أفضل الملاعب.. يعاني النادي أزمات مالية ويدار بالقرارات السيئة
الاراديس مدرب سندرلاند وصراع من دون فائدة و مرمى سندرلاند يتلقى هدفا أمام بورنموث (رويترز)
في سندرلاند.. اللعبة مملة والنادي متعفن والهبوط محتوم
الاراديس مدرب سندرلاند وصراع من دون فائدة و مرمى سندرلاند يتلقى هدفا أمام بورنموث (رويترز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

