تمام سلام لـ «الشرق الأوسط»: الصراع السياسي في لبنان يمهد لنشوء دويلات

رئيس الوزراء قال إن قتال حزب الله في سوريا لا يتماشى مع سياسة الحكومة

تمام سلام لـ «الشرق الأوسط»: الصراع السياسي في لبنان يمهد لنشوء دويلات
TT

تمام سلام لـ «الشرق الأوسط»: الصراع السياسي في لبنان يمهد لنشوء دويلات

تمام سلام لـ «الشرق الأوسط»: الصراع السياسي في لبنان يمهد لنشوء دويلات

من بين الدول التي تركزت عليها الأنظار في مؤتمر الدول المانحة الذي عقد في لندن، كان لبنان، وانهمك تمام سلام رئيس الوزراء اللبناني في الكثير من اللقاءات والاجتماعات.
مشكلات لبنان كثيرة وزاد من حدتها مع وجود ما يزيد على المليون ونصف المليون لاجئ سوري فوق أراضيه. في لندن كشف تمام في حوار مع «الشرق الأوسط»، عن هموم حكومته بدءا باللاجئين السوريين.. متى ستصل الأموال الموعودة، ما هي المشاريع المطلوبة. رئيس الوزراء اللبناني قال إنه يشعر في كثير من الأحيان بأنه وحيد.. «لا بل عاجز عن القيام بالكثير من المستلزمات لصمود البلد». نفى أن يكون هناك برود أميركي تجاه لبنان، على العكس تم إبلاغه «أن حصة لبنان من المساعدات الأميركية تفوق حصة الأردن وحصة تركيا. إنهم مهتمون كثيرًا بلبنان».
أكد أن علاقة بلاده بالسعودية عميقة وتاريخية، واستبعد زيارة إيران، ونفى أن يكون تجنب لقاء محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني في مؤتمر لندن، ويقول إنه عندما يكون الوقت مناسبًا سيقوم رئيس وزراء تركيا أحمد داود أوغلو بزيارة لبنان.
سلام يعتبر أن الاتهامات الدائرة بين وزارة المالية وبعض المسيحيين عابرة.. «نحن متمسكون بالمناصفة ما بين المسيحيين والمسلمين». ويعترف بأنه لم يتمكن من حل مشكلة «مشاركة» حزب الله في الحرب في سوريا.. «لكن لن نتوقف عن السعي». ويعترف أيضًا بحدوث أمور غريبة في لبنان، لكنه يؤكد أن الجيش اللبناني قادر رغم كل شيء على مواجهة الجهات الإرهابية والقوى المتطرفة «المصممة على إقلاق وضعنا». ويشكك في أن تكون كل الأطراف حريصة على بقاء النظام اللبناني الديمقراطي، وإلا «لاجتمعوا لإنقاذ هذا النظام». ويضيف: «علينا أن نسعى إلى انتخاب رئيس للجمهورية إذا أردنا الحفاظ على النظام». ويقول إن الصراع السياسي يضعف الدولة ويمهد لدويلات. ويستبعد سلام دخول لبنان في أزمة مالية كتلك التي عصفت باليونان. يدافع عن القطاع المصرفي فيقول: «نعول عليه، بل تعول عليه دول العالم». ويقول إنه سيدافع عنه، رغم أن مشكلة عدم انتخاب رئيس للجمهورية تقض مضجعه.

* هل أغلق لبنان حدوده أمام تدفق المزيد من اللاجئين السوريين؟
- هذا أمر تم منذ سنتين، عندما أخذ التدفق حجمًا لم يعد لدينا القدرة على التعامل معه، فكان قرار الحكومة واضحًا انه باستثناء حالات إنسانية خاصة يجب العمل على الحد من المزيد من التدفق، فضلاً عن أن المناطق السورية المتاخمة للبنان كانت قد هُجرت بأكملها، فلم يعد هناك إلا من يريد الإتيان من مناطق بعيدة.
* لماذا لم تلتقِ جون كيري وزير الخارجية الأميركي مع العلم بأن الولايات المتحدة مهتمة بالدول التي تؤوي اللاجئين السوريين؟
- لأن وقت كيري كما يبدو كان مضغوطًا جدًا، ولم يلتقِ ربما إلا رئيسا أو رئيسين أوروبيين، والتقينا الكثيرين غيره.
* أي ليس هناك من موقف أميركي بارد تجاه لبنان؟
- على العكس، إذ التقيت مساعدة الوزير آن ريتشارد التي أبلغتنا بأن حصة لبنان من المساعدات الأميركية تفوق حصة الأردن وحصة تركيا، وأنهم مهتمون كثيرًا بلبنان.
* هل جرى لقاء بينك وبين محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني أم تجنبت اللقاء معه؟
- أبدًا. لم يكن هناك أصلاً أي ترتيب لذلك. ولم يرد موضوع اللقاء، فضلاً عن أن وقتنا خلال النهار كان مضغوطًا جدًا، ولم يتم طلب لقاء لا من قبلهم، ولا من قبلنا.
* لم يطلبوا اللقاء؟
- لم يطلبوا ولم نطلب. كل ما في الأمر أن الكثير من ممثلي الدول موجودون في هذا النهار ويصادفون بعضهم البعض، ويدركون وجود بعضهم فيلجأون إلى اللقاء إذا كان الوقت يسمح. كان يومي مليئًا باللقاءات من الصباح إلى المساء.
* وفر لك هذا الكثير من الإحراج؟
- ليس موضوع إحراج أبدًا. التقينا في مؤتمرات ماضية في مناسبات مختلفة، التقينا مع مسؤولي ووزراء خارجية عدة دول ومنها إيران.
* هل فاجأك أن روسيا التي دعت إلى هذا المؤتمر، لم تحضر، بل فضلت المشاركة في عملية حلب؟
- هذا أمر مرتبط بالسياسات الكبرى وبالصراع الكبير بين الدول الكبرى. وألا تجد روسيا نفسها معنية بهذا المؤتمر لا أدري ما خلفيته. لكن لا بد أن لديها أسبابها. نحن تعاملنا مع هذا المؤتمر على أساس أن هناك 5 دول تولت الدعوة إليه، ثم أن مشاركة كيري لم تكن جزءًا أساسيًا من هذا الحدث، وإنما أتت على هامشه. وكما قلت إن الأميركيين أبلغونا أن مساعدتهم للبنان كبيرة ومشاركتهم ضمن الدول المانحة كبيرة أيضًا.
* هل فاجأتك مشاركة إيران في المؤتمر ضمن الدول المانحة؟
- كلا. إيران لم تقصر في الماضي بمشاركاتها. آخر مؤتمر للدول المانحة العام الماضي كان في الكويت وكانت إيران حاضرة. هذا ليس بجديد.
* متى سيزور أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي لبنان.. قال إنه تلقى دعوة منك؟
- في عدة مناسبات التقيته بها، عبّر عن رغبته بزيارة لبنان، ولقد رحبت به. لم نحدد موعدًا وعندما يكون الوقت مناسبًا، أعتقد أنه سيقوم بالزيارة.
* نشاهد كلنا مآسي السوريين في لبنان والدول المجاورة، في أعالي البحار وعلى حدود الدول الأوروبية. لو كنت أنت الآن مكان بشار الأسد ورأيت نصف شعبك مهجرًا ونصفه لاجئًا، ماذا كنت تفعل؟
- في رأيي أن هاجس أي مسؤول وفي أي بلد هو أن يعمل على ما يساعد شعبه على العيش بكرامة وبراحة وبإنتاجية وتقدم. هذه مسؤوليات أي مسؤول في أي دولة كانت. تأتي أمور وقضايا قد تزعزع هذا الواقع، عندها يتوقف على كل مسؤول في بلده أن يدرك ما هي الطريقة الأفضل والأمثل لمعالجة ذلك.
* لو كنت الآن مكانه رئيسًا لسوريا ماذا كنت فعلت؟
- لا أريد أن أضع نفسي مكانه. ولا أدعي أن لديّ القدرة على تحمل هذه المسؤولية. لا أدعي أنني سأفعل شيئًا، لست على اطلاع على معطياته وعلى ظروفه، كلٌ أدرى ببلده. أنا في بلدي في لبنان أقوم بمسؤولياتي حسب ما يجب أن تقام.
* هل تتابع الاتهامات الدائرة الآن بين وزارة المالية وبعض المسيحيين؟
- أعتبر أن هذا الأمر عابر ولا يستحق الكثير، علمًا بأن الجميع يعلم أننا في لبنان اتفقنا في ما بيننا أن تكون الأمور كلها مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ونحن متمسكون بهذه المعادلة وأعتقد أن الجميع حريص عليها، وليس من المفيد إثارة هذا الشأن وهو في غير محله.
* من يثير هذا الشأن؟
- البعض ممن يعتقدون أن لديهم قضية أو قد يكون هذا الموضوع أثير من جراء شعور أحد الموظفين بأنه ظلم، لا أكثر ولا أقل. على كل، لا أعتبر أن هناك حالة من هذا النوع، وإذا كانت هناك فلا بد من تصحيحها ومن السعي إلى استيعابها بأسرع وقت.
* قال وزير الخارجية جبران باسيل إن كل مواقفه في المؤتمرات العربية والإسلامية إنما تعكس موقف الحكومة التي يمثلها ويتبع بياناتها. ما هو موقف الحكومة؟
- المواقف التي تم الحديث عنها وكانت اتخذت في إطار مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وفي مؤتمر التعاون الإسلامي في جدة، ونشأ عنها بعض التباينات والتأويلات، لا شك أنه جرى فيها بعض التباين وبعض الاختلاف.
* بينك وبين باسيل؟
- بيني وبين الوزير والقوى السياسية في لبنان، ولكن نأمل أننا تمكنا من تصويب بعض هذا الأمر ونأمل ألا يتكرر ولا نقع في المحظور.
* يعني أن هذا ليس واردًا في بيانات الحكومة كما يقول الوزير باسيل؟
- تفسير ما هو وارد في بيانات الحكومة وما ليس واردًا في البيانات أمر يمكن أن يتم التعامل معه بأشكال مختلفة.
* كيف هي علاقة لبنان بالمملكة العربية السعودية، هل هي مهددة؟
- علاقة لبنان بالمملكة العربية السعودية علاقة عريقة وتاريخية وعميقة، ليس فقط، إنها ليست مهددة، بل هي دائمًا على أفضل وجه وعلى أحسن حال، ومن جهتي لا أوفر مناسبة ألا وأعمل فيها على تعزيز هذه العلاقة. وطبعًا لا أوفر مناسبة إلا وأذكر ما للمملكة على لبنان من أفضال كثيرة، وفي مناسبات ومحطات كثيرة، وفي كل مناسبة نعجز عن شكر المملكة على ذلك. ونتمنى أن تستمر العلاقة وتستمر الصداقة.
* هل ستقوم بزيارة قريبة إلى دول الخليج؟
- عندما تتاح الفرصة والمناسبة لن أقصر. علاقتنا مع دول الخليج قائمة على قدم وساق، بالأمس (الخميس الماضي) التقيت مع أمير الكويت، والكويت دولة صديقة للبنان وأفضالها على لبنان وعلى كل العرب كبيرة جدًا.
* هل ستزور إيران قريبًا؟
- ليس هناك من موعد في الوقت الراهن.
* بعد الاتفاق النووي من المؤكد أن لبنان سيتعرض لحملة إغراءات كبيرة من إيران، ووعود بمشاريع مشتركة، ولاحظنا ثناء وزير الاقتصاد الآن حكيم على ذلك. هناك بعض اللبنانيين يشككون بنيات إيران لتغيير الهوية اللبنانية. كيف يمكن للبنان أن يقاوم الإغراءات الإيرانية في الوقت الذي يمر فيه بأزمة اقتصادية؟
- نرحب بأي دولة تريد أن تساعد لبنان وتساهم في مناعته وتعزيزه اقتصاديًا وإنتاجيًا.
* دون مقابل؟
- طبعًا، مرحبا بها، ولا حواجز على ذلك. ومن البديهي القول إن هذا يجب أن يتم من دون مقابل، وتم هذا مع دول كثيرة، إذ له علاقة بسيادة البلد واستقلال لبنان وكل مستلزمات الدول التي تحترم نفسها. وأي مشروع مرحب به من إيران أو من غير إيران إذا كان فيه إفادة للبنان.
* هل ستقبلون تحقيق صفقات أسلحة مع إيران للجيش اللبناني، إذا ما عرضت ذلك؟
- جيشنا والقوى الأمنية في مواجهة مع الإرهاب ومع أعداء لبنان وفي مقدمها إسرائيل، وأي مساعدة تأتي لجيشنا ولقوانا الأمنية، أيضًا غير مشروطة ومن دون مقابل، نرحب بها إن كانت من إيران أو من غيرها.
* هل تشعر حكومة لبنان بالإحراج من مشاركة حزب الله في القتال في سوريا؟
- هذا موضوع لا شك أن له ملابساته ولا يتماشى مع سياسة الحكومة التي تم الاتفاق عليها من كل القوى السياسية وبمشاركة حزب الله، وهي النأي بالنفس، وقلنا في مناسبات كثيرة إننا نسعى دائمًا إلى أن يتم وضع حد لهذا الأمر كي يصب في سياسة لبنان، وسنستمر في سعينا.
* تشعر أنكم عاجزون عن إقناع الحزب؟
- لم نتمكن حتى اليوم من حل هذا الموضوع، ولكن لن نتوقف عن السعي.
* صُعق الكثير من اللبنانيين بإطلاق سراح ميشال سماحة وقال البعض إن هذا دليل على عودة سوريا بأصابعها إلى لبنان؟
- هذا موضوع بين يدي القضاء، وهو أيضًا موضوع يخضع إلى مشاعر وأحاسيس داخل لبنان تتعلق بالإرهاب وبمن شارك في الإرهاب، وبإقلاق الوضع في لبنان، من هنا اعتبر الكثير أن القرار الذي صدر لم يفِ هذا الأمر حقه على مستوى معاقبة من شارك في هذا الإرهاب، لكن يبقى الموضوع بين يدي القضاء، ونأمل أن يتم بته بأسرع وقت ليعطى كل ذي حق حقه.
* هناك أمور غريبة تجري في لبنان إلى درجة نشعر بأن الحكومة اللبنانية ليست على علم. مثلاً، التشيكيون الخمسة، خُطفوا، أطلق سراحهم، تمت مبادلتهم بلبنانيين مسجونين في تشيكيا. هل أنت على علم بماهية هذه القضية؟
- طبعًا هناك الكثير من الأمور تجري في لبنان وتجري متابعتها بقدر الإمكان، ولا ندعي أننا مسيطرون على كل الأوضاع بأفضل وجه. هناك حالة صعبة يمر بها البلد وسط أزمة سياسية داخلية تنعكس تعثرًا وتراجعًا في الأداء في أحيان كثيرة، وهذا شيء مؤسف إن كان بالنسبة إلى قضية التشيكيين أو قضايا مشابهة أخرى.
* كم دولة في لبنان؟
- مع الأسف في ظل الصراع السياسي، تعتبر كل جهة أن لها مكانها ولها قولها ولها حصتها، وينعكس ذلك على إضعاف الدولة اللبنانية إفساحًا في المجال أمام الدويلات الأخرى.
* شيء محزن أليس كذلك؟
- شيء مؤسف ومحزن جدًا.
* ما قصة «داعش» و«النصرة» وهل سيدخل الجيش عرسال أم بالأحرى هل مسموح للجيش بأن يدخل عرسال؟
- لا شيء يمنع الجيش من دخول عرسال، ولكن هناك أبناء عرسال. إن دخول عرسال سيكلف أثمانًا باهظة. أما مواجهة «داعش» و«النصرة» فوق التلال المحيطة بعرسال، فرغم التداخل الذي يفرضه وجود 120 ألف لاجئ سوري مقابل 35 ألف لبناني هم أهل عرسال، فإنه رغم كل شيء يقوم الجيش بما عليه القيام منه، ويواجه يوميًا وسوف يستمر طالما أن الجهات الإرهابية والقوى المتطرفة مصممة على إقلاق وضعنا على تلك الحدود.
* هل هناك دعم غربي للجيش كي يستطيع القيام بواجبه ومواجهة قوى التطرف والإرهاب؟
- نعم هناك دعم كبير، إن كان أميركيا أو بريطانيا أو فرنسا.
* حتى في حقل الاستخبارات؟
- نعم، وفي كل التجهيزات وكل الأقسام وكل الأنواع منها التدريبي والتسليحي والمعلوماتي.. نعم هناك تواصل ومساهمة قيمة من كثير من الدول.
* عندك ثقة بأن الجيش قادر على الوقوف والصمود والمواجهة؟
- اليوم نحن متأكدون من أن الجيش مؤسسة قوية ومتماسكة وتقوم بواجباتها في مواجهة هؤلاء الأعداء، وأيضًا في السيطرة على الوضع الأمني داخل البلاد.
* ألست خائفًا من حصول انفكاك في الجيش؟
- أبدًا، هذا ليس واردًا، فقيادة الجيش تقوم بواجباتها في جمع الكلمة وتوحيد الصفوف، ولم نلمس كما لم يحدث أي أمر، يدل على أنه، لا سمح الله، ستكون هناك انتكاسة أو ضعف داخل صفوف الجيش، بل على العكس كل ما يظهر هو المزيد من الصمود والمناعة والقوة داخل الجيش.
* من يضحك على من؟ ومن يتسلى بمن في الحكومة وداخل البرلمان؟
- الكل يضحك على الكل والكل يتسلى بالكل، والكل مع الأسف بوصلته أو توجهاته مبنية على مصالحه وعلى نفوذه وعلى ما يكسب من هذا أو من ذاك المشروع، وهذا للأسف لا يساعد على وحدة الموقف ووحدة الرأي داخل الحكومة الائتلافية.
* هل تشعر بأنك وحيد؟
- في كثير من الأحيان. لا أشعر بأنني فقط وحيد، بل أنني عاجز عن القيام بالكثير من المستلزمات لصمود البلد، ولا أوفر مناسبة إلا وأعرض فيها هذا الوضع.
* قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، إن إيران أجرت 35 انتخابًا منذ ثورتها، وإن الحكومة اللبنانية عاجزة عن إجراء الانتخابات هل هي عاجزة أم يتم تعجيزها؟
- سيكون أمامنا امتحان قريب وهو الانتخابات البلدية، وإذا ما نجحت لا بد من أن تؤثر على قرارنا بالنسبة إلى انتخابات عامة التي تستحق بعد سنة وبضعة أشهر؟
* بينك وبين نفسك، هل كنت موافقًا على التمديد لمجلس النواب مرتين؟
- لم يكن هناك من خيار آخر. وهل كان يفيد لبنان عدم التمديد والانهيار الكلي في ضوء غياب رئيس الجمهورية، وفي ظل غياب مجلس النواب. وهذه لم تكن المرة الأولى التي يُمدد فيها لمجلس النواب، جرى ذلك في الحرب.
* صحيح، وهناك خوف من أن تتكرر تلك التجربة ويستمر هذا المجلس ورئيسه 20 سنة أخرى!
- المهم ألا ينهار لبنان.
* حتى مع استمرار مجلس نواب لمدة 20 سنة؟
- لقد منع انهيار لبنان وساعد على تحقيق اتفاق الطائف، ذلك أن أعضاء مجلس النواب ذاك، هم الذين اجتمعوا، والذين أقروا اتفاق الطائف.
* دولة الرئيس وكأنك تعطي إشارة كي يستمر هذا المجلس 20 سنة أخرى؟
- كلا. لكل حالة ظروفها، ولكل حالة طبيعتها واليوم الأمور تختلف عن سابقاتها، ونأمل ألا يستمر هذا التمديد وهذا الشغور.
* قال نبيه بري رئيس مجلس النواب إن الرئاسة في ثلاجة، وبعد خطاب السيد نصر الله الأخير أدرك الكل أنه لا انتخابات رئاسية، أنت كرئيس للوزراء تطالب باستمرار بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية..
- وما زلت، وسأستمر بالمطالبة، وسأستمر بالضغط في هذا الاتجاه، وستستمر قناعاتي بأنه من دون رئيس للجمهورية فإن الوضع ليس مكتملاً أو صحيًا ولا يحمل مؤشرات إيجابية، بل فيه تراكم للسلبيات على نظامنا الديمقراطي الذي نحرص عليه ونعتبره سندًا أساسيًا لبلدنا.
* من قال إن كل الأطراف اللبنانية مع بقاء هذا النظام؟
- سؤالك في محله، لأنه لو لم يكن الأمر كذلك لاجتمعوا لإنقاذ هذا النظام، وبالتالي فإن بعض التصرفات تدل على أمور مزعجة وتدفعنا إلى التشكيك بنيات بعض القوى السياسية.
* يقال إن السيد نصر الله لا يريد سليمان فرنجية (حليفه) رئيسًا لأن رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري رشحه، ولا يريد أيضًا رئيس التيار الوطني ميشال عون (حليفه) لأن رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع رشحه. وهناك من يقول إن لا رئاسة بعد الآن في لبنان، وإن ميشال سليمان آخر رئيس. ما رأيك في كل هذا؟
- الوضع القائم اليوم يفتح المجال أمام الكثير من القيل والقال. وما يتحقق من ذلك القيل أو ما لا يتحقق من ذلك القال، يبقى عرضة للنتائج.
* هل لديك شعور بأن ميشال سليمان كان آخر رئيس للجمهورية؟
- كلا. أبدًا، وهذه ليست المرة الأولى التي يقال فيها إن هذا آخر رئيس للجمهورية. مررنا بمرحلة سابقة قبل انتخاب الرئيس سليمان وأمضينا 6 أشهر من دون رئيس، وكان التساؤل عما إذا كان العماد إميل لحود آخر رئيس. إنها تكهنات، لكن الرغبة الصادقة والملحة ليست عندي فقط، بل عند كل لبناني مخلص، علينا أن نسعى إلى انتخاب رئيس للجمهورية، إذا أردنا الحفاظ على النظام.
* إذا وقع المحظور ودخل لبنان في أزمة مالية كبيرة. اليونان ساعدتها المجموعة الأوروبية، في حال لبنان: إلى من سيلتفت أو في حضن من سيقع؟
- نأمل ألا نصل إلى ذلك، وإلى اليوم اتخذت بعض الإجراءات، وتم اعتماد بعض القوانين التي عززت وضعنا، وحجبت عنا الذهاب إلى الواقع الذي أشرت إليه.
* لكن هناك من يريد ضرب القطاع المصرفي في لبنان؟
- أذكر أن هذا أمر تم الترويج له في بداية حرب 1975، ومع ذلك ورغم كل الأهوال التي شهدناها على مدى 15 سنة من الحرب الداخلية تمكن القطاع المصرفي من أن يتجاوز هذا المطب وأن ينهض وأن يستمر قويًا، وهو اليوم قطاع قوي نعول عليه، بل تعول عليه دول العالم.
* يعني ستدافع عن القطاع المصرفي؟
- في كل مكان، في كل لحظة، وفي كل وقت.
* هل تعتقد أن حدود سايكس - بيكو قائمة وثابتة؟
- المتغيرات اليوم تدفع الجميع إلى مراقبة الوضع والتحسب للكثير، وفي ظل دول وشعوب يتم زعزعتها وتهجيرها والقضاء عليها، نعم هناك شكوك كبيرة في إمكانية استمرار تقسيمات سايكس - بيكو أو في عدمها، أم احتمال أن تكون هناك تقسيمات جديدة. الدول الكبرى تتقاسم النفوذ في العالم والدول المتوسطة والدول الصغرى تدفع الأثمان، وهذا ليس بجديد.
* ليليًا قبل أن تنام دولة الرئيس، ما هي المشكلة التي تفكر فيها وتتمنى لو أنك تستطيع حلها بالنسبة إلى لبنان؟
- انتخاب رئيس للجمهورية.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.