بعد القطريين والأميركيين.. بنغلاديشيون ضحايا للاختطاف في العراق

الحكومة محرجة أمام تراخي قبضة الدولة وتنامي سطوة الميليشيات

جندي عراقي يمر أمام مبنى مدمر في الرمادي أول من أمس (رويترز)
جندي عراقي يمر أمام مبنى مدمر في الرمادي أول من أمس (رويترز)
TT

بعد القطريين والأميركيين.. بنغلاديشيون ضحايا للاختطاف في العراق

جندي عراقي يمر أمام مبنى مدمر في الرمادي أول من أمس (رويترز)
جندي عراقي يمر أمام مبنى مدمر في الرمادي أول من أمس (رويترز)

لم يخف كبار المسؤولين العراقيين حرج موقفهم مما بات يجري من عمليات اختطاف مبرمجة وممنهجة في العراق في ظل تراخي قبضة الدولة وتنامي قبضة الميليشيات والجماعات المسلحة.
فإلى البصرة أرسلت الحكومة قوة مدرعة لا لشيء إلا لنزع أسلحة العشائر هناك. تلك العشائر التي بدأت تخوض حروبا فيما بينها تستخدم فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة بما فيها الصواريخ. وفي المقدادية بمحافظة ديالى جرت عمليات تخريب وتدمير للمساجد السنية من قبل ميليشيات مسلحة، ولم تعد إمكانات الدولة قادرة على وضع حد لها. وأخيرا، وبالتأكيد ليس آخرا، هناك عمليات الاختطاف التي حدثت للقطريين في بادية السماوة بمحافظة المثنى خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015، وخطف ثلاثة مدنيين أميركيين في العاصمة بغداد مؤخرا، فضلا عن الكشف عن احتجاز 39 بنغلاديشيًا في منزل بحي الكرادة الذي تسيطر على أجزاء واسعة منه ميليشيات مسلحة رغم إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي قبل شهور جعل الكرادة منزوعة السلاح.
وزير الداخلية محمد سالم الغبان كان أبلغ «الشرق الأوسط» أن «عملية اختطاف القطريين شكلت إحراجا كبيرا للحكومة» لا سيما بعد إفصاح المرجعية الشيعية العليا عن طبيعة الجهة التي تورطت فيها، وعدتها «اختطافا سياسيا»، وهو ما يعني باللغة التي يعرفها المسؤولون العراقيون أن من يقف خلف عملية الاختطاف ليست سوى إحدى الميليشيات المتنفذة التي يعرفونها لكنهم لا يفصحون عنها. وإذا كان وزير الداخلية عد أن العملية تقف عند حدود الإحراج للحكومة، فإن وزير الخارجية إبراهيم الجعفري ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين عدها في تصريح رسمي «إهانة للحكومة».
ولم يتوقف مسلسل الإحراجات أو الإهانات عند حد معين؛ ففيما لا يزال هناك شبه غموض يلف مصير المختطفين القطريين، لا سيما مع انتقال المطالب نحو مبادلتهم بأربعة من قيادات حزب الله اللبناني، اثنان منهما لدى «النصرة» واثنان لدى تنظيم داعش، فإن الغموض الكامل يلف مصير المدنيين الأميركيين الثلاثة الذين اختفوا قبل ثلاثة أيام في حي الدورة جنوب غربي بغداد. وزارة الداخلية العراقية اكتفت بالقول إنهم كانوا داخل شقة سكنية وصفتها بـ«المشبوهة»، مكتفية بالإشارة إلى أن أصولهم عراقية، بينما ذهب الأميركان إلى ما هو أبعد من مجرد تشخيص المكان إلى الإفصاح عن الجهة التي تولت عملية الاختطاف، مشيرين إلى أنها «ميليشيات شيعية» مرتبطة بإيران.
يتضح إلى هنا الجزء الأكبر من ملابسات عملية الاختطاف وفقا للرواية الأميركية الأكثر تشخيصا وإفصاحا بالقياس إلى الرواية العراقية التي جعلت الشكوك تحوم حول المنزل المشبوه الذي جرت فيه عملية الاختطاف، وكأن المكان، طبقا لما أفاد به مصدر أمني عراقي لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الإفصاح عن اسمه أو هويته، هو «المدان أو المستهدف، وليس الجهة التي قامت بعملية الاختطاف»، موضحا أن «كل الأجهزة الرسمية والأمنية باتت تعرف على وجه الدقة واليقين من يقوم بعمليات الاختطاف سواء بالنسبة للقطريين أو الأميركيين، بل وحتى البنغلاديشيين، رغم اختلاف الدوافع».
ويمضي المصدر الأمني إلى القول إن «الدوافع بالنسبة للقطريين كانت مالية - سياسية أول الأمر قبل إعلان المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني عن أن عملية الاختطاف سياسية، حيث كان الخاطفون قد يقبلون بمبلغ الفدية الذي تعهدت قطر بدفعه، وهو مائة مليون دولار، لكنها تحولت إلى سياسية بحتة بعدما أضاف الخاطفون مطالب أخرى». وردا على سؤال بشأن ما إذا كان القطريون محتجزين في بغداد أم في المثنى، قال المصدر الأمني: «تملك الأجهزة المختصة معلومات جيدة عن مكان احتجازهم، لكنها لا تريد الإفصاح عنه لحين انتهاء المفاوضات الحالية، رغم وجود شعور بالاطمئنان لكونهم في وضع آمن، لا سيما بعد تشخيص المرجعية للأمر، حيث باتت الجهة الخاطفة في وضع حرج هي الأخرى». وفي ما يتعلق بالأميركيين الثلاثة، لم يستبعد المصدر الأمني الدافع المالي، رغم عدم تأكيده أو نفيه أن الجهة الخاطفة هي فصيل مدعوم من قبل إيران، حسب الرواية الأميركية. وفي هذا السياق، لا يستبعد أن «يكون الهدف هو ممارسة ضغوط إيرانية على الأميركيين بعد مرحلة رفع العقوبات، بأن إيران تملك مزيدا من أوراق الضغط على الولايات المتحدة». لكن لم يقف الأمر عند حدود القطريين والأميركيين.. فهناك وجه آخر للعملة يتمثل هذه المرة في نمط ثالث من عمليات الاختطاف، وهو الاتجار بالبشر.. وفي قلب بغداد أيضا. فقد أعلنت محكمة الاتجار بالبشر القبض على عصابة في العاصمة بغداد احتجزت 39 بنغلاديشيًا لـ«ابتزاز» ذويهم. وقال قاضي المحكمة أحمد فائق، في بيان، إن «مخبرًا من سفارة بنغلاديش أخبر الجهات التحقيقية عن وجود منزل في الكرادة يتم فيه احتجاز عدد من العمال البنغال»، مبينًا أن «قوة أمنية تحركت إثر ورود الأخبار إلى دار مساحتها 200 متر وتقع قرب شارع سلمان فايق، فوجدت 39 شخصًا بنغاليًا محتجزين داخلها». وأضاف أن «المحتجزين كانوا موزعين على غرف الدار وعليهم آثار تعذيب، وأفادوا بأنهم يمنحون وجبة طعام واحدة خلال يوم كامل».وإذا كانت عملية اختطاف القطريين بمثابة «إحراج» للحكومة، والأميركيين «إهانة» لها، فما توصيف احتجاز العمال البنغاليين وفي قلب بغداد وداخل منطقة يفترض أنها منزوعة السلاح؟



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.