تونس.. محطات سياحية متعددة والجذب واحد

حلقة الوصل بين أوروبا وأفريقيا

سوسة أو الجوهرة.. المدينة السياحية الأشهر بمراسيها
سوسة أو الجوهرة.. المدينة السياحية الأشهر بمراسيها
TT

تونس.. محطات سياحية متعددة والجذب واحد

سوسة أو الجوهرة.. المدينة السياحية الأشهر بمراسيها
سوسة أو الجوهرة.. المدينة السياحية الأشهر بمراسيها

بعد أن نفضت تونس عن أرضها غبار الربيع العربي الذي انطلق منها، أعادت بقوة إحياء موردها الأول (السياحة)، موجهة اهتمامها إلى العرب بعد أن ظل السائح الأجنبي لسنوات عدة هو المطلب، فوضع المسؤولون في قطاع السياحة خططًا وبرامج لجذب السائحين العرب وبالتحديد الخليجيين خصوصًا بعد أن تم أخيرًا افتتاح مكتب للترويج السياحي التونسي في الوطن العربي ومقره محافظة جدة السعودية، لجذب السياح العرب فيما يمكن وصفه بالسياحة العائلية استفادة من المعطيات والمعالم السياحية بهذا البلد التي تمثل عوامل جذب وترضي مختلف الأذواق بدءًا بالسياحة الثقافية ومهرجاناتها الثابتة التي تصل إلى 20 مهرجانًا تغطي كل الأرض التونسية، إلى سياحة الواحات والجبال والسهول، وسياحة الترفيه، والصولجان والصحة والاستجمام والعلاج، وحيث تتناغم في أرضها الرمال الذهبية مع الواحات الرائعة مؤلفة جمالاً ساحرًا، وتتعانق زرقة السماء مع زرقة المياه، ويستنشق الزائر للأرض الخضراء عبير ثلاثة آلاف سنة منذ حضارة الفينيق وقرطاج الرومان لتعيد مجددًا نفسها قبلة للزائرين وملاذًا للشعراء مرددين ما ذهب إليه الشاعر الراحل نزار قباني:
* يا تونس الخضراء جئتك عاشقًا وعلى جبيني وردة وكتاب
«الشرق الأوسط» زارت ضمن فريق الإعلام السياحي السعودي تونس بدعوة من وزارة السياحة، حيث الطبيعة الساحرة والمدن الموغلة في التاريخ، فهنا جامع الزيتونة، ومتحف باردوا القومي في هذه الأرض الخضراء تنام مدينة قرطاج بآثارها التي تركها الفينيقيون منذ ثلاثة آلاف عام بحماماتها الرومانية ومتاحفها ومسارحها، وعلى امتداد شواطئ قرطاج تستوقف الزائر مدينة «سيدي بوسعيد» أجمل المدن التونسية بطبيعتها الساحرة ولمسات الفن العماري اللافت وقبابها وجدرانها البيضاء وأبوابها الزرقاء وأزقتها العتيقة ومقاهيها التي تعج بالزائرين، هنا القيروان إحدى درر التراث التونسي حيث تخفي أرضها الكثير من الأسرار، وتملك سحرًا خاصًا محتضنة مسجد عقبة بن نافع التاريخي والأسواق العتيقة، التي ألهمت الكثير من الفنانين والشعراء، كما تعد سوسة أو مدينة الجوهرة إحدى المحطات الجاذبة في خريطة السياحة التونسية.
وبالإضافة إلى هذه المدن السياحية هناك محطات سياحية أخرى مثل توزر عاصمة النخيل، والشبيكة التي تعد من أروع الواحات في البلاد بصخورها ورمالها المتناثرة في الجبال، وتمغزة ذات الجبال المرمرية، وميداس ذات الآثار المنقوشة، ونفطة المدينة الرئيسية للواحات والمحاذية لمنابت النخيل التي تنتج «دفله النور» أجود أنواع التمور في المغرب العربي، وقفصة مدينة رومانية قديمة ومحطة مهمة للقوافل المقبلة من الصحراء وأشهر من ينسب لها العالم اللغوي ابن المنظور صاحب لسان العرب، والمنستير وهي موقع سياحي عصري، والمهدية ميناء فينيقي والعاصمة القديمة لأفريقيا، وجربة وهي جزيرة خلابة تعرف بأسطورة أوليس، وتشتهر باحتضانها الرياضات البحرية كالغوص والصيد والرحلات البحرية عبر المراكب وبنزرت المدينة الساحلية، وطبرقة وهي ميناء مشهور للصيد البحري وتجارة المرجان، وبلاريجيا ذات القصور العجيبة، وسبيطلة المنارة القديمة لأفريقيا الرومانية البيزنطية، ودفة أعظم مجمع للآثار الرومانية ذات المسارح وسجلت تراث إنساني، ومطماطة مدينة خزن الحبوب، ومدنين التي تحتضن مهرجان القصور في موسم الربيع، وتطاوين المركز الإداري والتجاري للقصور الصحراوية، ودوز بوابة الصحراء ذات الكثبان الرملية، وفبلّي الواحة المهمة، وقصر غيلان حيث ينعم الزائر بأجواء بدوية تحت الخيام أو بالفنادق وهناك واحات شاطئية مثل فابس، وجرجيس.
* مدن السياحة
وتمثل تونس حلقة الوصل بين أوروبا وأفريقيا، وقد أثرت وتأثرت بالحضارات العريقة التي توالت عليها حيث لعبت تونس أدوارا مهمة في التاريخ القديم منذ عهد الأمازيغ والفينيقيين والقرطاجيين، وقد عرفت باسم مقاطعة أفريقيا إبان الحكم الروماني لها. وقد دارت حروب بين قرطاج وروما عدت أحد أهم حروب العهد القديم. فتحها المسلمون في القرن السابع الميلادي. وأسسوا فيها مدينة القيروان سنه 50هـ لتكون أول مدينة إسلامية في شمال أفريقيا.
وتتكون تونس العاصمة من ثلاث مدن متلاصقة.. المدينة العتيقة وهي قلب تونس ولا تزال محافظة على تصميمها المعماري الفريد منذ خمسة قرون، وتضم عددًا من المعالم التاريخية، وسجلتها اليونيسكو ضمن التراث العالمي، والمدينة الأوروبية التي تم تشييدها في بداية القرن العشرين، والمدينة الحديثة التي تشكل المركز المالي لمدينة ومن أبرز معالمها جامع الزيتونة هذا الصرح العظيم الذي يعد منارة إسلامية وجامعة إسلامية وقام بنشر العلوم وتخرج فيه آلاف العلماء كما يعد تحفة معمارية وأحد الآثار الإسلامية المهمة، ومتحف باردو القومي، الذي يضم أكبر مجموعة فسيفساء رومانية في العالم، ومتحف الفنون والعادات الشعبية بالمدينة العتيقة وغيرها، كما أن من أبرز معالم العاصمة شارع الحبيب بورقيبة، الذي يعد أهم شوارع العاصمة فيه الكثير من الشوارع الرئيسية، ويظلل جنباته صف من الأشجار، ومن أبرز علامات الشارع المسرح البلدي الذي تم افتتاحه عام 1902، وهناك تمثال العلامة ابن خلدون في ساحة الاستقلال.
* بحر دافئ ورمال ذهبية
وفي ضواحي العاصمة الشمالية وعلى شواطئ قرطاج التي تمتد نحو 25 كيلومترًا على خليج تونس تقع مناطق قرطاج، سيدي بوسعيد، المرسى، وقمرت، حيث يستمتع السائح بالطبيعة الساحرة بالإضافة إلى الفنادق الحديثة التي تشمل المطاعم والمقاهي والمرافق الصحية والرياضية.
وتعد قمرت بطبيعتها الخلابة وهضباتها المطلة على شاطئها منطقة جذب للسياح حيث يوجد فيها أشهر فنادق الخمس نجوم. ولا بد للسائح من زيارة قرية سيدي بوسعيد التي تُعتبر أول موقع محمي في العالم.
وتقع قرية سيدي بوسعيد الساحلية في الضواحي الشمالية للعاصمة، وتبعد نحو 20 كلم عن وسط العاصمة، ويقطنها قرابة 5 آلاف ساكن، وهي قرية متوسطة الحجم عبارة عن جبل ضخم يكسوه الشجر والعشب والغابات، وأسفله بحر دافئ، ورمال ذهبية ناعمة يجاورها مرفأ سيدي بوسعيد السياحي.
وتعد قرية سيدي بوسعيد من أجمل المدن التونسية، حيث يلتقي بها عبق التاريخ بسحر الطبيعة ولمسات الفن المعماري العربي الإسلامي، من خلال قبابها وجدرانها البيضاء وأبوابها الزرقاء وأزقة تتدلى من على هضبة تشرف على الضفة الجنوبية للمتوسط.
وأوّل ما يسترعي انتباه المقبل إلى سيدي بوسعيد هو تناسق الألوان في هذه المدينة واتحادها، وهي ذات طابع معماري أصيل بلونيه الأبيض والأزرق وأبوابها التي تزيّنها المسامير السوداء وشبابيكها ذات المشابك المقوّسة حتى أعمدة الإنارة يزينها اللونان الأسود أو الأزرق دون سواهما.
وتضمّ القرية عددًا كبيرًا من الآثار التي تحكي تاريخ المكان والحقب التي مرّت عليه، كقصر البارون دي ارلنجر، الذي يسمى اليوم قصر النجمة الزهراء، وتقام فيه سهرات فنية وأمسيات شعرية ثقافية.
وفي بداية القرن العشرين أصبحت مدينة سيدي بوسعيد المكان المفضّل للفنانين والمثقفين الذين شدّتهم بأجوائها الساحرة، وقد اختاروها مقرّا لسكناهم ثم تبعهم الكتاب والمهندسون والفنانون التشكيليون والسينمائيون وغيرهم، وقد كان للبارون رودولف دي ارلنجر دورا بارزا في هذه المنطقة، حيث كان لهذه الشخصية المغرمة بالموسيقى وصاحبة الذوق الرفيع ارتباطًا وثيقًا بمصير المدينة، ولشدة تأثره بجمال الموقع قرّر الإقامة فيه وبناء قصره ذي الهندسة الشرقية، وسماه النجمة الزهراء وقد تواصلت مدة تشييده من 1912 إلى 1922.
وتنتشر في أعالي سيدي بوسعيد الكثير من المقاهي المعروفة لدى جميع الزوّار، وقد يكلّف المرء نفسه عناء السفر ساعات لتناول كوب من الشاي الأخضر بالبندق في أحد المقاهي، ونذكر منها القهوة العالية التي تعتبر من أقدم المقاهي في تونس، حيث كانت في عهد الباي مخصصة لأعيان البلاد فقط، وهي مقهى ذات سلالم عالية، يتوفر فيها طابع عربي أندلسي رائع. ومقهى سيدي شبعان في نهاية القرية، والمطل على خليج تونس وجبل بوقرنين.
* زرقة الزمرد
وفي قلب شبه جزيرة الوطن القبلي، ذات المناطق الخضراء العابقة بهدوء البحر، تقع مدينتا الحمامات ونابل، اللتان تعدان محطتين سياحيتين شهيرتين بشواطئهما الممتدة على طول شريط ساحلي من الرمل الصافي وجمال بحر في زرقة الزمرد، ليمثلا قطبين سياحيين شهيرين.
ويمتد الوطن القبلي، نحو أوروبا، التي لا تبعد عنها صقليا سوى 140 كلم، حيث يكاد يكون أشبه بحديقة ياسمين فسيحة وهادئة، تتجاور فيه الكروم والزهور مع أشجار الحمضيات، كما يتميز بسهوله الخصبة وتلاله المنخفضة، وشواطئه الرملية الممتدة، التي يداعب رملها بحرًا يتميز بزرقة اللازورد، محيلة إياه إلى بركة يحلو فيها العيش، وقد شكل الوطن القبلي منذ عهد قرطاج منطقة زراعية نشطة، إلا أن قربه من أوروبا جعله مطمعًا للغزاة، ويتجلى ذلك في صورة الرباطات المتوزعة على سواحله. كما شكل على مر العصور، موطن لجوء لكثير من الأقوام، من الأندلسيين والصيادين الصقليين، فضلا عن وقوع الكثير من المشاهير والفنانين في سحره، من أمثال ونستون تشرشل، وأوسكار وايد، وأندري جيد، وبول كلي، وصوفيا لورين. كل هذه الصفات أتاحت للزائر التمتع بخصائص مدينة الحمامات وشاعرية مدينتها العتيقة التي تحيط بها أسوار بلون الذهب وحدائق تتنازعها أصناف الورود والزهور والياسمين، فوسط أسوارها السابحة في البحر، ورباطها المنيع الذي يعود إلى القرن الخامس عشر، تقدم المدينة العتيقة لزوارها بهاء أزقتها الملتوية، حيث يبدو الزمن قد توقف، بين أبواب زرقاء ساطعة تحتضنها جدران بيضاء، تنوعت بين متاجر ورواقات للفنون أو متاحف صغيرة للملابس التقليدية.
وإلى الجنوب من الحمامات تقع مدينة ياسمين الحمامات، التي تمثل معلمًا سياحيًا حديثًا. تتميز بشوارعها الواسعة وفنادقها التي تتنافس في الفخامة والمجهزة بأحدث التقنيات والوسائل، وهناك الكثير من أماكن الترفيه والتسلية التي تضفي حركة نشطة في هذه المدينة العصرية. وعلى شاطئها الممتد على مسافة 1500 متر تقع المقاهي والنوادي التي تحمل الزائر إلى أجواء ألف ليلة وليلة. وفي قلب المحطة تقع المارينا بمواصفاتها العالمية ويتسع المرفأ لأكثر من 700 يخت وقارب وتحيط بها الفنادق وشقق الإقامات الفخمة.
وعلى بعد مسافة قصيرة من ياسمين الحمامات يجد المغرمون برياضة الصولجان ضالتهم في منطقة الحمامات، حيث يحتوي الملعب على مسارين كبيرين، يلتويان حول التلال المخضرة، في أجواء معتدلة، ومناظر تطل على البحر والنباتات المتوسطية المميزة، فضلا عن احتواء المنطقة على 4 مراكز للمعالجة بمياه البحر، تقدم تشكيلة واسعة من الخدمات، بدءا من الاسترخاء إلى التدليك الشرقي، فيما تتميز مدينة نابل بأجوائها الساحرة، حيث تشتهر بصناعاتها التقليدية، مما أحالها إلى عاصمة المحافظة على التراث ونمط العيش الجامع بين العراقة والجمال، إذ تقدم صورة المدينة الصغيرة العائمة في البحر، حيث يطيب العيش، في أحياء عتيقة تتقاطع مع أنهج حيث تجارة مزدهرة، فيما يؤكد ثراء الصناعات التقليدية، وتتحول المدينة يوم سوقها الأسبوعي إلى عاصمة للمنطقة ككل.
* جوهرة السياحة
أما مدينة سوسة، فتعد أشهر مدينة سياحية تونسية، وتستقطب نحو مليوني سائح أجنبي سنويًا، ويعود تاريخ المدينة إلى 3000 سنة خلت، فقد بناها الفينيقيون قبل قرطاج على ضفاف حوض البحر الأبيض المتوسط، وإلى جانب المدينة وأحيائها الحديثة توجد المدينة العتيقة التي لا تزال محافظة على طابعها الأصيل وتضم معالم أثرية مهمة يعود عهدها إلى القرنين الثاني والثالث الهجريين، ومن أبرزها الرباط والجامع الكبير ومتحف أثري الذي يضم مجموعة فريدة من الفسيفساء.
وعلى بعد بضعة كيلومترات توجد المحطة السياحية «القنطاوي»، وهي أول مجمع سياحي مدمج بالبلاد التونسية، حيث يمكن للسائح التمتع بما يتوافر فيه من منشآت ترفيهية ورياضية.
وتعرف سوسة باسم الجوهرة، وهي المدينة السياحية الأشهر بفضل عشرات الفنادق والمطاعم والمحلات الترفيهية التي يتواصل نشاطها ليل نهار، فهي المدينة التي لا تنام، وهي قبلة العائلات والمجموعات من تونس ومن الخارج، كما تشتهر بقلعتها المطلة على البحر وبصيفها الذي يشهد عددا من المهرجانات المنظمة والتلقائية حيث تعيش أجواء أفراح متواصلة، ومن أهمها مهرجان أوسو الشهير الذي كان يقام حسب ما تشير الدراسات والبحوث التاريخية منذ ما لا يقل عن 2000 سنة. ومن مميزات سوسة المدينة القديمة، وسورها الخارجي، والجامع الكبير بالإضافة إلى عدد من المعالم المهمة الأخرى مثل متحف العادات والتقاليد ودار القضاء الشرعي القديم. وفي سوسة خيارات كثيرة من وسائل الترفيه مثل النوادي والملاهي والمطاعم وفيها الكازينو الذي يوفر متنفسًا للعائلات وللسهرات الهادئة والعروض الفنية، كما تتعدد فيها المرافق المخصصة للأطفال مثل المسابح ومدن الألعاب على غرار أكوالاند أو مدينة حنبعل أو حديقة أفريقيا للحيوانات التي تقدم تشكيلة من أهم الحيوانات الأليفة والمتوحشة. أما التسوق في سوسة فله نكهة خاصة، فهناك صناعة النحاسيات والتحف والزجاج والقطع البلورية والفضيات وغيرها التي تتميز بجودتها وبأسعارها المناسبة.
* سياحة علاجية
لا تقتصر أوجه السياحة في تونس الخضراء على زيارة المدن والمواقع التاريخية والتمتع بجمال الطبيعة، بل تأخذ منعرجًا آخر يتحول معه العلاج إلى سياحة، حيث تولي الحكومة التونسية قطاع السياحة العلاجية أهمية كبرى، ويعتبر هذا القطاع من أكثر البنى التحتية تقدمًا في العالم بعد فرنسا، وخصوصا في مجال العلاج بمياه البحر والأعشاب الطبية.
ولعل توافر المناخ المناسب والمعتدل لهذا النوع من العلاج، إضافة إلى تطور الخدمات الاستشفائية وخبرة العاملين في هذا المجال والمنتجات الطبيعية والمياه المعدنية جعلها وجهة لأكثر من 200 ألف زائر يبحثون عن هذا العلاج سنويا.
ويصل عدد مراكز المعالجة بمياه البحر والأعشاب إلى 60 مركزا منتشرا في كل المدن التونسية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وذلك داخل المنتجعات والفنادق الخمس نجوم الراقية، وتستقطب مدن مثل سوسة ونابل والحمامات التي تتركز فيها أغلب هذه المراكز أعداد كبيرة من السياح الغربيين، فبالإضافة إلى الاستفادة من العلاجات المتوافرة، فإنهم يقصدونها بحثًا عن دفء الشمس والتمتع بزرقة السماء وصفاء مياه البحر وممارسة الرياضات البحرية المفضلة.
وتستطيع هذه المراكز استيعاب 6500 شخص في اليوم، وتقدم هذه المراكز علاجات ناجعة لأمراض مثل روماتيزم المفاصل باستخدام الطحالب البحرية، حيث تلعب دورًا مهمًا في استعادة المفاصل لحيويتها ومرونتها، كما يوجد علاج لتنشيط الساقين حيث يعيد هذا العلاج حيوية الأوردة وتقوية أغشيتها وتنشيط الشرايين والتخفيف من الآلام، وذلك باستخدام الأعشاب ومياه البحر والمياه المعدنية.
كما تقدم هذه المراكز علاجات ضد إدمان التبغ الذي يستخدم فيه مزيج بين طريقة الوخز بالإبر ومياه البحر حيث يمكن تطهير الجسم من كل مكونات التبغ، وإضافة إلى العلاجات التي توفرها هذه المراكز لأمراض العصر كالتوتر والقلق والاكتئاب.
فضلا عن علاجات ناجحة في مجال الجراحة التجميلية وبأسعار منخفضة وكفاءة عالية وخصوصًا في مجال شد الوجه والتخسيس وطب الأسنان وهذه تنافس كبريات المراكز في العالم في هذا المجال.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».