تونس.. خريطة التحالفات الجديدة

الأحزاب السياسية تستعد مبكراً للاستحقاقات الانتخابية

تونس.. خريطة التحالفات الجديدة
TT

تونس.. خريطة التحالفات الجديدة

تونس.. خريطة التحالفات الجديدة

مؤشرات عديدة توحي بأن خريطة جديدة للتحالفات السياسية في تونس هي الآن قيد التشكل استعدادا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. والحديث عن تحالفات انتخابية محتملة أصبح يطرح باستمرار، حيث دخلت أهم الأحزاب مرحلة الإعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة في ما يشبه حملة انتخابية مبكرة، باعتبار أن موعد الانتخابات لم يتحدد بعد.
ويجري اليوم في تونس حراك كبير داخل مختلف العائلات السياسية الرئيسة حول إمكانيات التحالف استعدادا للانتخابات المقبلة. وتعيش العديد من المدن التونسية خاصة العاصمة كل يوم أحد (وهو يوم العطلة الأسبوعية في تونس) حالة من التفاعل السياسي بتنظيم اجتماعات عامة كبرى للأحزاب السياسية لكسب ود الناخبين من الآن، وغالبا ما يقع التعرض خلال هذه الاجتماعات لمسألة الحلفاء المحتملين لهذا الحزب أو لذاك خلال المرحلة المقبلة.
خلفت انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011 استنتاجات عديدة سواء بالنسبة للفائزين بها أو الذين حققوا فيها نتائج متواضعة، وحتى عند الذين لم يشاركوا فيها ويستعدون للمشاركة في الانتخابات المقبلة. ويمكن القول إن مختلف القوى تحاول اليوم الاستفادة من دروس انتخابات أكتوبر 2011.

* التركيز على جمع الأصوات المشتتة
يرى بعض المراقبين للوضع السياسي في تونس تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أن سببين أساسيين سيدفعان عديد الأحزاب إلى التقارب وربما التحالف الانتخابي خلال الانتخابات المقبلة، أولهما النتائج التي أفرزتها انتخابات 23 أكتوبر 2011، والتي أظهرت أن نحو مليون ونصف المليون ناخب (ما يمثل ثلث عدد الذين اقترعوا في تلك الانتخابات) «ذهبت أصواتهم أدراج الرياح» بسبب العدد الكبير للقوائم التي خاضت غمار هذه الانتخابات سواء من الأحزاب أو من المستقلين، مما تسبب في تشتت الأصوات، علما بأن حركة النهضة الإسلامية التي فازت بهذه الانتخابات بحصولها على 89 مقعدا في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) من جملة 217 مقعدا، حصل مرشحوها على نحو مليون ونصف المليون ناخب، وهو نفس عدد الأصوات التي وصفت بأنها «ذهبت أدراج الرياح».
وظاهرة تشتت الأصوات هذه خلال الانتخابات السابقة هي واحد من الأسباب التي علل بها الباجي قائد السبسي، رئيس الحكومة الأسبق، قراره بعث «حزب نداء تونس» (ليبرالي) الذي لم يكن موجودا قبل انتخابات أكتوبر 2011، ليصبح هذا الحزب اليوم المنافس الرئيس لحركة النهضة، وفق ما تبينه مختلف عمليات سبر الآراء التي تنشر كل شهر في تونس، بنسب متقاربة جدا بينهما في نوايا التصويت للانتخابات المقبلة.
أما السبب الثاني الذي يتحدث عنه المراقبون فيتعلق بتطورات الوضع السياسي بالبلاد خاصة الأزمة الحادة التي عاشتها تونس عقب اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي والقيادي في التيار الشعبي (حزب عربي قومي) في 25 يوليو (تموز) 2013. وهي الحادثة التي جعلت عددا من أبرز قوى المعارضة التونسية تلتقي على أرضية المطالبة باستقالة حكومة علي العريض وتعويضها بحكومة كفاءات مستقلة.
وقد برز حينها «الاتحاد من أجل تونس»، وهو عبارة عن جبهة سياسية تتكون من خمسة أحزاب من عائلات سياسية مختلفة، هي «حزب نداء تونس» وثلاثة أحزاب ذات توجهات يسارية هي «حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي»، و«حزب العمل الوطني الديمقراطي» و«الحزب الاشتراكي اليساري»، و«الحزب الجمهوري» (وسطي) الذي انسحب قبل أيام من هذا الاتحاد بسبب خلافات داخلية.
وقد كون «الاتحاد من أجل تونس» مع الجبهة الشعبية (تجمع لأحزاب يسارية وقومية عربية)، وعدد من جمعيات المجتمع المدني، ما يسمى بـ«جبهة الإنقاذ» التي بادرت الصيف الماضي بتنظيم ما يعرف بـ«اعتصام الرحيل»، للمطالبة باستقالة حكومة علي العريض.
السؤال المطروح اليوم يتعلق بما إذا كان «الاتحاد من أجل تونس» سيتحول من جبهة سياسية إلى جبهة انتخابية.. ولئن لم تحسم هذه المسألة بعد بشكل نهائي ورسمي فإن الاحتمال الأقرب هو أن تقدم الأحزاب المكونة لهذا الاتحاد قوائم موحدة، وهو أكده محسن مرزوق القيادي في «حزب نداء تونس» بقوله في تصريح إعلامي إن «الاتحاد من أجل تونس هو فعلا جبهة انتخابية». وأكثر من ذلك فإن هناك من يدفع باتجاه توسيع هذه الجبهة الانتخابية لتكوين حلف أكبر بين «الاتحاد من أجل تونس» و«الجبهة الشعبية». لكن عديد المراقبين يرجحون أن تخوض «الجبهة الشعبية» غمار الانتخابات المقبلة بمفردها.

* عين على تحالفات الخصوم
في الجهة المقابلة ورغم تأكيد عدد من قيادات حركة النهضة التي فازت بانتخابات أكتوبر 2011، فإن الحديث عن التحالفات الانتخابية «يظل سابقا لأوانه» خاصة أنه «لم تقع بعد المصادقة على القانون الانتخابي، ولا تحديد موعد الانتخابات المقبلة»، كما صرح بذلك مؤخرا نور الدين العرباوي القيادي بالحركة للقناة التلفزيونية الرسمية الأولى. فإن هذه القيادات أكدت أيضا أن «مجلس الشورى لحركة النهضة بصدد النظر في هذا الموضوع»، وفق ما قاله عبد الكريم الهاروني وزير النقل السابق والقيادي بالحركة، خلال اجتماع شعبي للحركة انتظم الأحد الماضي بمدينة «دوز» من محافظة «قبلي» أقصى جنوب العاصمة التونسية. كما أن الحركة أوحت أكثر من مرة على لسان بعض قيادييها بأن «احتمال التحالف مع أحزاب وسطية يبقى واردا».
بعض المراقبين الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» يرون أنه أن «أحد هواجس حركة النهضة هو مراقبة ما يجري في الجبهة المقابلة بين خصومها السياسيين ومتابعة التحالفات التي قد تقام في مواجهتها». ويضيف هؤلاء أن استراتيجية «النهضة» قامت على «مد جسور التواصل مع كل الأحزاب التي لها إشعاع نسبي على الساحة السياسية وحضور إعلامي ولم تدخل في تحالفات معادية لها». تجدر الإشارة من جهة أخرى إلى أن الحركة عضو في «الائتلاف الوطني لإنجاح المسار الديمقراطي» الذي تم بعثه في سبتمبر (أيلول) الماضي، ويتكون من 12 حزبا جلها غير ممثل في المجلس الوطني، وقد يكون من بين هذه الأحزاب من ستتحالف معه الحركة في الانتخابات المقبلة، ليس من خلال تكوين قوائم مشتركة معها، بل مجرد دعم شخصيات في هذه الأحزاب خلال الانتخابات.
أما السؤال الأهم فيبقى حول موقف الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وما إذا كانت ستدخل غمار الانتخابات أم أنها ستدعم قوائم النهضة خاصة أن أغلبها لم يكشف إلى حد الآن عن شكل مشاركته في الانتخابات المقبلة بصفة علنية، ولم يتحدث عن احتمال تحالفه مع حركة النهضة من عدمه رغم التقارب الفكري مع الحركة.
سؤال آخر يطرح نفسه بالنسبة لحركة النهضة، ويتعلق بكيفية تعاملها المستقبلي مع الأحزاب التي تحالفت معها بعد انتخابات أكتوبر 2011، وكونت معها الائتلاف الحاكم خاصة «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي كان يتزعمه حينها المنصف المرزوقي الذي عاد إليه بموجب هذا التحالف منصب رئاسة الجمهورية. وكذلك «حزب التكتل من أجل العمل والحريات» الذي يتزعمه مصطفى بن جعفر الذي يترأس المجلس الوطني التأسيسي بفضل هذا التحالف أيضا، في حين عادت بموجب هذا التحالف رئاسة الحكومة التي تحتكر أهم الصلاحيات في السلطة التنفيذية لحركة النهضة قبل استقالة حكومة علي العريض وتعويضها بحكومة مهدي جمعة المستقلة.
في هذا الصدد يمكن القول إنه وإلى حد الآن لا تزال العلاقة بين حركة النهضة وهذين الحزبين جيدة ومتماسكة. كما أن التشاور بينهم تواصل في العديد من المسائل التي طرحت على الساحة السياسية، ولم يقم كل من حزب المؤتمر وحزب التكتل من أجل العمل والحريات حتى الآن بأي خطوة للتقارب مع «خصوم النهضة»، وهو ما يعتبره العديد من الملاحظين «مؤشرا على أن يساعد هذه الأحزاب على الالتقاء من جديد قبل الانتخابات المقبلة أو بعدها».
وتجدر الإشارة إلى أن حركة النهضة غالبا ما قدمت تجربة تحالفها مع أحزاب علمانية (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب العمل من أجل الحوار والحريات) بعد انتخابات أكتوبر 2011 لحكم تونس على أنها تجربة فريدة من نوعها، وأنها مستعدة لإعادة التجربة سواء مع هذين الحزبين أو أحدهما أو مع أحزاب أخرى. لكن العديد من الملاحظين يرون أن هذا الأمر سيتحدد على ضوء النتائج التي سيحققها هذان الحزبان أو الأحزاب الأخرى التي لا «تعادي» النهضة.

* لا مفر من التحالفات قبل الانتخابات
هناك إجماع اليوم وسط الطبقة السياسية في تونس على أنه لا يوجد حزب سياسي يمكنه أن يحكم البلاد مستقبلا بمفرده. وقد أكدت هذا الانطباع مختلف عمليات سبر الآراء حول نوايا التصويت في الانتخابات المقبلة، والتي تبين أنه ليس هناك حزب في تونس يمكنه أن يحصل على الأغلبية بمفرده، وأنه لا مفر للأحزاب الكبرى من التحالف مع قوى أخرى سواء قبل الانتخابات أو بعدها لتكوين ائتلاف يحكم البلاد. كما تبين هذه الاستطلاعات أن بعض الأحزاب ورغم إشعاعها الإعلامي ووجود زعامات معروفة على رأسها لن تحقق نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة بسبب تشتت الأصوات، وأن مهمة هذه الأحزاب قد تزداد صعوبة بسبب حالة الاستقطاب الثنائي بين كل من حركة النهضة وحزب نداء تونس والأحزاب القريبة منهما، وهو ما فرض على عدد من هذه الأحزاب التفكير في إقامة تحالفات سياسية وحتى انتخابية والحديث عن خيار ثالث.
وتجرى اليوم مشاورات بين عدد من هذه الأحزاب التي تصنف عادة على أنها وسطية للنظر في إمكانية تشكيل قطب ثالث لكسر حالة الاستقطاب الثنائي. ويتعلق الأمر بالخصوص بحزب التحالف الديمقراطي الذي يتزعمه محمد الحامدي، والحزب الجمهوري بقيادة كل من مية الجريبي وأحمد نجيب الشابي، والتيار الديمقراطي بقيادة محمد عبو، وحزب آفاق بقيادة ياسين إبراهيم وزير النقل في حكومة الباجي قائد السبسي، وعدد من الحركات السياسية الأخرى الأقل إشعاعا.
كما تحاول مجموعة من الأحزاب التي تصنف نفسها على أنها أحزاب من العائلة دستورية أو البورقيبية نسبة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي أسس الحزب الاشتراكي الدستوري للالتقاء في جبهة انتخابية موحدة. وتترأس بعض هذه الأحزاب شخصيات عملت مع بورقيبة وزين العابدين بن علي، مثل حامد القروي الوزير الأول الأسبق لـ«بن علي»، ونائب رئيس التجمع الدستوري الديمقراطي الذي وقع حله بعد يناير (كانون الثاني) 2011، والذي شغل أيضا مناصب وزارية مع بورقيبة. وكذلك كمال مرجان آخر وزير خارجية لتونس في عهد بن علي والذي يترأس «حزب المبادرة»، ومحمد جغام زعيم «حزب الوطن» والذي شغل عدة مناصب وزارية في عهد بن علي، فضلا عن بروز عدد من الحركات والأحزاب الدستورية الأخرى الأقل حجما والتي تضم بدورها شخصيات معروفة تحملت مسؤوليات سواء حكومية أو حزبية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي أو بورقيبة. علما وأن «حزب نداء تونس» الذي يقوده الباجي قائد السبسي يقوم بدوره بمحاولة استمالة عدد من هذه الأحزاب البورقيبية أو الدستورية إما للانصهار في الحزب أو الالتحاق بتحالف «الاتحاد من أجل تونس». وتشهد الساحة السياسية التونسية هذه الأيام صراعا خفيا بين الباجي قائد السبسي وحامد القروي، عكسته التصريحات الإعلامية للرجلين أو للمقربين منهما والتي جاء بعضها في شكل تشكيك في «بورقيبية» أو «دستورية» هذا الطرف أو ذاك، وحتى في شكل اتهامات، حيث رأت قيادات من حزب نداء تونس في تحركات حامد القروي لتكوين جبهة من الأحزاب الدستورية أنها «موجهة بالأساس ضد حزب نداء تونس» ولـ«خدمة أجندات أحزاب أخرى» فهم العديد أن المقصود منها هي حركة النهضة.
وعموما يمكن القول إن الانتخابات المقبلة ستشهد تنافسا قويا بين قطبين رئيسين هما حركة النهضة وحزب نداء تونس، سواء خاض هذه الانتخابات بمفرده أو في إطار تحالف الاتحاد من أجل تونس، وثلاثة أقطاب أخرى من الصف الثاني إذا صح التعبير تمثلها الجبهة الشعبية والأحزاب الدستورية ذات المرجعية البورقيبية، وقطب ثالث يتكون من الأحزاب التي تسمى بالوسطية.
كما تجدر الملاحظة إلى أن هذه الحركية في مستوى الأحزاب السياسية للبحث عن تحالفات وتكوين جبهات تجري بالتزامن مع نظر لجنة التشريعات في المجلس الوطني التأسيسي في مشروع القانون الانتخابي الجديد الذي سيجري الاقتراع المقبل على أساسه، علما بأن هناك توجها لمعالجة ظاهرة تشتت الأصوات التي عرفتها الانتخابات السابقة، وسيكون ذلك خاصة على حساب ترشح المستقلين والأحزاب الصغرى، وهو ما سيدفع بالكثير منها إلى الدخول في تحالفات.
ويجري كذلك حديث كثير عن الفوارق المادية بين مختلف الأحزاب في الساحة السياسية التونسية وكذلك موضوع تمويل الأحزاب خلال الحملات الانتخابية، إذ يعتبر العديد من الملاحظين أن الإمكانيات المادية للأحزاب ستكون من بين العوامل الحاسمة في الانتخابات المقبلة، ويطرحون بالمناسبة وجوب الاعتماد على آليات قانونية واضحة لمراقبة مصادر تمويل الأحزاب والأموال التي ستنفقها في الحملات الانتخابية وتلك قضية أخرى مهمة في ملف الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في تونس.

* عدد قياسي من الأحزاب السياسية نخرت بعضها الانقسامات
* تونس: «الشرق الأوسط»
* يبلغ عدد الأحزاب السياسية اليوم في تونس أكثر من 150 حزبا. ولم يكن عدد الأحزاب القانونية قبل 14 يناير (كانون الثاني) 2011 تاريخ سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي يتجاوز العشرة أحزاب.
ويبلغ عدد الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) الذي وقع انتخاب أعضاءه في انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، 26 حزبا، كثير منها ممثل في هذا المجلس بنائب واحد أو اثنين. ولا يتجاوز عدد الأحزاب الحاضرة بنشاطها المستمر على الساحة السياسية التونسية - ولو بشكل متفاوت - أكثر من عشرين حزبا أهمها حزب حركة النهضة (إسلامي)، الذي يتزعمه راشد الغنوشي والذي فاز بالمرتبة الأولى في انتخابات أكتوبر 2011 بحصوله على 89 مقعدا في المجلس التأسيسي من جملة 217 مقعدا وحزب نداء تونس الذي أسسه الباجي قائد السبسي بعد انتخابات أكتوبر 2011، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات برئاسة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي كان يرأسه محمد المنصف المرزوقي قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية، والحزب الجمهوري الذي تقوده مية الجريبي بصحبة أحمد نجيب الشابي، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (الحزب الشيوعي التونسي سابقا) ويقوده أحمد إبراهيم، وعدد من الأحزاب اليسارية والقومية التي كونت ما يعرف اليوم بالجبهة الشعبية وعلى رأسها حزب العمال الذي يترأسه حمة الهمامي فضلا عن عدد من الأحزاب الأخرى ذات المرجعية الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن عددا من الأحزاب التي حققت نتائج جيدة في انتخابات أكتوبر 2011 شهدت بعد ذلك انقسامات كثيرة. ويأتي على رأس هذه الأحزاب حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، حيث خرج من هذا الحزب القيادي عبد الرؤوف العيادي الذي أسس «حركة وفاء» وكذلك محمد عبو الذي كون حزب «التيار الديمقراطي». وكذلك الحزب الديمقراطي التقدمي، والذي أصبح يسمى اليوم بالحزب الجمهوري بعد أن غادره محمد الحامدي ليؤسس التحالف الديمقراطي، وكذلك مغادرة كثير من الأسماء المعروفة لحزب التكتل من أجل العمل والحريات والالتحاق بأحزاب أخرى وخصوصا بحزب نداء تونس، هذا فضلا عن تشتت كثير من الكتل النيابية الأخرى وخصوصا منها العريضة الشعبية التي يتزعمها الهاشمي الحامدي، القيادي السابق في حركة الاتجاه الإسلامي والتي أصبحت تسمى بـ«تيار المحبة».



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.