الوطن.. رهان الحداثة

كان الموضوع الرئيسي في نصوص هي من أجود ما أنتجته الجزيرة العربية على مدى عقود

عبد العزيز المشري  -  علي الدميني -  فوزية أبو خالد
عبد العزيز المشري - علي الدميني - فوزية أبو خالد
TT

الوطن.. رهان الحداثة

عبد العزيز المشري  -  علي الدميني -  فوزية أبو خالد
عبد العزيز المشري - علي الدميني - فوزية أبو خالد

كانت فترة الثمانينات من القرن الماضي محتدمة بمتغيرات ثقافية واجتماعية منحت تلك الفترة حضورًا بارزًا في الذاكرة السعودية. سيتذكر الكثيرون اقتحام جماعة جهيمان للحرم المكي في نهاية السبعينات والأثر الذي تركه ذلك العنف الإرهابي ليرخي بثقله على الثمانينات وما بعدها فيحول الكثير من التوجهات التحديثية والانفتاحية التي كانت تتسارع آنذاك إلى حركة مضادة توقف مد التغيير أو تخفف من مسيرته. كانت الثمانينات بتعبير آخر مسرحًا لآثار ذلك العنف الديني المتشدد على مسيرة التنمية والتحديث في المملكة: تأثر التعليم والإعلام والحياة العامة وتغير الخطاب السائد ليصطبغ كل ذلك بتشدد كان صوته قد خفت وكادت البلاد تنساه برهة من الوقت. غيرت مناهج التعليم وغابت النساء عن التلفزيون، وانتشر الدعاة حتى في الأعراس التي تحولت إلى ما يشبه المآتم بدلاً من أن تكون مناسبات فرح، إلى جانب تغيرات أخرى.
لكن على الرغم من ذلك الانتشار في وتيرة التشدد، فإن مساحة من الإنتاج الثقافي والأدبي في الفترة نفسها كانت من بين الأكثر حضورًا ومقاومة وإن كانت في الوقت نفسه من بين الأكثر تأثرًا أو تضررًا بالأحرى من الهجمة التي تلت هجمة جهيمان وجماعته أو كانت امتدادًا لها. تلك كانت مساحة من التحديث الثقافي والفكري عرفت بأدب الحداثة، الأدب الذي أنتجته مجموعة من الكتاب السعوديين، من القاصين والشعراء والنقاد. كانت أعمال أولئك مما تعج به الصحف والمجلات في صفحاتها اليومية وملاحقها الثقافية الأسبوعية بلغة أدبية جديدة ومخيلة غير مألوفة وأشكال إبداعية متجددة، فكانت بذلك الصوت العالي الممثل لتوجهات التحديث والانفتاح على العالم العربي وغير العربي بتفاعل سعى لأن يكون خلاقًا بالقدر الذي يمكن تبينه من قراءة نتاج تلك المرحلة. ففي مقابل الأعمال النقدية والأفكار الحداثية التي بثها أمثال محمد العلي وعبد الله نور والمجاميع القصصية لكتاب مثل محمد علوان وعبد العزيز مشري والشعرية لشعراء منهم علي الدميني وفوزية أبو خالد، ظهرت كتب تهاجم ذلك التوجه مثل «الحداثة في ميزان الإسلام» لعوض القرني و«جناية الشعر الحر» لأحمد فرح عقيلان، إلى جانب مقالات وأشرطة كاسيت وخطب جمعة بعضها يشجب الحداثيين وبعضها يصل به الأمر إلى تكفيرهم.
من يعود الآن إلى ما يعرف بأدب الحداثة قد يلاحظ أن عددًا من المفردات يتكرر بحيث يمكن من خلالها التعرف على ذلك الأدب لا سيما ما يظهر الخلاف بين التيارين، الديني المتشدد والحداثي المنفتح. فعلى الرغم من أن تلك المفردات شائعة في الأدب حيث ومتى كان فإنها تبدو هنا أكثر حضورًا وثراء دلاليًا. ومن تلك مفردة «وطن» التي تتكرر في الشعر والقصة مشحونة بعاطفة متقدة وغنى دلالي يصعب في تقديري العثور على مثيل لهما في مراحل أخرى من الأدب السعودي. الوطن حاضر في الأعمال الأدبية من تلك المرحلة، وعلى نحو يكشف مدى القلق وحجم المخاوف التي واجهها كتاب رأوا أنفسهم ينطلقون من مشاعر وطنية ورغبة جارفة في دفع البلاد نحو المزيد من الحرية والانفتاح دون تخلٍ عن ثوابت الثقافة وأسس الانتماء، ويواجهون بتهم المروق من الدين وخيانة الثقافة، وكان التغني بالوطن والخوف عليه والخوف منه، في الوقت نفسه، الموضوع الرئيسي لكثير من النصوص التي كانت من أجود ما أنتجته الجزيرة العربية من أدب على مدى عقود مثلما كان من أكثرها قلقًا أيضًا:
«إن جئت يا وطني هل فيك متسع
كي نستريح ويهمي فوقنا مطر؟»
يتساءل الشاعر عبد الله الصيخان في قصيدته «هواجس في طقس الوطن» التي نشرت في أواسط الثمانينات ضمن مجموعة نشرت لاحقًا وحملت العنوان نفسه، وهي قصيدة تتحدث عن الخوف: «إن العصافير خائفة» في إشارة رمزية إلى الكتاب أنفسهم. ويعلن محمد الثبيتي في قصيدته الأشهر «التضاريس»:
«جئت عرافًا لهذا الرمل-
أستقصي احتمالات السواد»
موضحًا دوره كشاعر مثقف يستطلع المستقبل وينشر الوعي ويخشى من نتائج ما ينشر:
«من شفاهي تقطر الشمس
وصمتي لغة شاهقة تتلو أسارير البلاد».
لم تكن الحداثة الأدبية والثقافية بمعزل عن الحداثة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شكلت مشروع الوطن السعودي، فالحداثة بمعناها الأساسي هي السعي إلى مواكبة العصر ولم يختلف أحد حول ضرورة استيعاب الموروث ضمن تلك المواكبة، لكن الخلاف كان في نوع الاستيعاب ومدى المواكبة. مفهوم الوطن، بوصفه كيانًا سياسيا متحدًا ودولة ذات سيادة، كان جزءًا من حداثة ابتدأت بتأسيسه على يد موحده الملك عبد العزيز، وتكوين مؤسساته ووضع التشريعات التي تحمي مواطنيه وساكنيه والعاملين في ظله. وكان رهان الحداثة هو أن يستوعب الوطن التنوع والاختلاف ضمن إطار من التعايش السلمي الذي تحفظ فيه الحقوق وتصان الثوابت الثقافية من دين ولغة وغيرهما.
في مقابل الوطن-الدولة كان هناك من يرفع الصوت عاليًا بـ«الأمة» بوصفها كيانًا أكبر وأهم. ومن ينظر في أدبيات بعض التيارات الدينية المنتشرة اليوم والمسؤولة عن الكثير من العنف التكفيري يجد أن مفهوم الأمة ما يزال هو الوحيد المطروح لديها بعيدًا عن وحدة الكيان السياسي. ومع أن الوطن والأمة ليسا مفهومين متعارضين مطلقًا (كما يتضح من الصلة بين الدول الإسلامية بعضها ببعض) فإن التشدد في كلا الاتجاهين سيصر على أنهما كذلك وربما استمر الاختلاف بل الخلاف طالما غابت لغة الحوار، على أنه من الواضح أنه من دون الوطن، بوصفه الكيان الحقيقي والماثل المستوعب لمختلف الاتجاهات، لن يتاح لتعايش أن يستمر أو لثقافة أن تزدهر.
لقد راهنت الحداثة على الوطن-الدولة وما زالت الاتجاهات الثقافية المنفتحة، الليبرالية كما يسميها البعض، تراهن على ذلك المفهوم والكيان ولا ترى له بديلاً ينقذ من مآزق العنف القائم والتشدد المنتشر، ويبدو أن الأحداث المتتالية تؤكد صحة الرهان.
* ناقد سعودي



محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي
TT

محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي

يعد الكاتب محمود الرحبي أحد أبرز الأصوات في خريطة السرد بسلطنة عمان. وعلى الرغم من أن بعض رواياته لا تتجاوز 60 صفحة، فهو يراهن «على التكثيف والشحنة الجمالية وجذب القارئ ليكون فاعلاً في النص»، كما يقول. من أعماله الروائية والقصصية «المموِّه» و«صرخة مونش» و«أرجوحة فوق زمنين» و«حديقة السهو»، ووصلت روايته «طبول الوادي» إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» في دورتها الحالية، هنا حوار معه حول تجربته الأدبية:

* في «طبول الوادي»، تستعيد خصوصية مجتمعات ريفية في قرى عمانية تكاد تبتلعها الجبال، كيف جعلت من الأصوات وسيلةً لرسم ملامح البشر والمكان في النص؟

- بالنسبة لرواية «طبول الوادي» التي ترشحت أخيراً إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» للرواية العربية المنشورة في دورتها الحالية، تعمدت اختيار «وادي السحتن»، المكون من قرى عدة وسط الجبال تمتاز بوفرة في الثمار، حتى سميت بـ«مندوس» عمان. و«المندوس» كلمة شعبية تعني الصندوق الثمين، كما اخترت بالمقابل حياً يُعدُّ في تلك الفترة مثالاً للتمازج وتعدد الألسنة والثقافات والطباع وهو «وادي عدي»، وعبر تفاصيل الأحداث نعرف لماذا اختار بطل الرواية «سالم» الحرية مقابل الجاه ومشيخة القبيلة حتى وإن جاع.

اهتممت بالتفاصيل كمقوم سردي، مثل الطرقات التي كانت في ذاك الزمن متربة وخشنة حتى في أحياء المدينة، والقرى كانت رهيبة وشاقة. أتذكر مثلاً أننا كنا لكي نشق بعض الطرق الصاعدة نضطر إلى وضع الحجارة داخل السيارة وقت الهبوط، حتى تحافظ على توازنها ولا تنزلق من المرتفعات. والأصوات هنا قد توحي بكمية الأغاني التي تشتمل عليها الرواية. هناك أيضاً أناشيد بعضها باللغة السواحلية الزنجبارية، ناهيك عن طبول الجوع التي تعرض لها بطل الرواية «سالم»، وقد اختار الحرية مضحياً بكل شيء وخرج من قريته حافي القدمين حاسر الرأس، وفي ذلك دلالة مقصودة.

* ألن يكون صادماً لبعض القراء التعرف على وجه آخر لـ«دول الخليج» من خلال قرى متقشفة يعاني أبناؤها من مستويات متباينة من الفقر والجوع والحرمان؟

- لا يخلو أي مجتمع من مفارقات، ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص. صحيح أن عمان بلد نفطي وعدد سكانه قليل لكنه في النهاية مجتمع متنوع، به طبقات ومستويات، به ثراء فاحش وبه فقر مدقع. ولست في سياق مناقشة الأسباب، إنما يمكن ذكر أمثلة، منذ فترة قريبة مثلاً سمعت عن قريب لي سُرّح من عمله، ولديه أبناء كُثر، التعويض لم يكن يكفيه لإعالة أبنائه، فاضطر إلى السير في الخلاء ليعود من هناك بأشجار يحرقها ليحولها فحماً يبيعه. تحول إلى حطّاب. وهذه الأمور لم نكن نسمع بها إلا في الحكايات.

* في مقابل القرية، تطل المناطق والمدن الأكثر تحضراً، وهى تحتوي، وفق تعبير الراوي، على «الضجيج الذي يُسمع الآن متداخلاً بين العربية والهندية والأفريقية والبلوشية... كيف ترى بعين الروائي هذا «الموزاييك» أو «الفسيفساء» الذي تحمله سلطنة عمان والمجتمع الخليجي عموماً بين طياته؟

- هذا الموزاييك يشكل ثراءً اجتماعياً تنتج عنه تفاعلات يمكن أن يستفيد منها القاص. لو فقط تأملنا تاريخ الأسواق العمانية، لحصلنا على ذخيرة مهمة، ناهيك عن الأغاني، سواء تلك المتعلقة بالأفراح أو حتى الأتراح. المهم هنا هو كيف تعبر عما هو موجود وليس تفصيل ما هو موجود. الكم يعدُّ انحرافاً عن طريق الأدب الذي من سماته البلاغة والاقتصاد. الكاتب الروسي نيقولاي غوغول اختصر في رواية «المعطف» تاريخ الخياطين في روسيا في عمل صغير، كان المعطف هو البطل وليس صاحب المعطف في الحقيقة. لكنه قدم عملاً هائلاً لا يمكن نسيانه. أتذكر حين قرأت «المعطف» أول مرة في التسعينات وكانت منشورةً كاملةً في مجلة «عيون المقالات» بكيتُ بحرقة. ولحظة التأثر الصادقة هذه لا يمكن أن يقدمها لك إلا كاتب عظيم بحجم غوغول.

* جاءت روايتك «المموِّه» قصيرةً إلى حد الصدمة حتى أنها تقع في أقل من 60 صفحة، كيف ترى مسألة «الحجم» وتأثيرها في استقبال وتصنيف الأعمال الأدبية؟

-الحجم عادة ليس مقياساً. رواية «الليالي البيضاء» لدوستويفسكي رواية قصيرة لكن لا تقل أهمية وذكراً عن رواياته الكبيرة. الأهم في هذا السياق هو التأثير. وسواء كُتب على الغلاف رواية أو «نوفيلا»، يظل هذا الأمر يدور في قلة الحجم. ثمة مواضيع من الأفضل تقديمها قصيرة خصوصاً تلك القصص التي تعتمد على اللعب. وحين أقول قصصاً فإنه حتى الرواية كانت تسمى قصة، فالقصة عنصر أساسي في السرد، سواء كان هذا المسرود قصة قصيرة أو رواية.

* هل أردت أن تحرر فكرة السرد الروائي من «المطولات» التي أثقلته مؤخراً أعمال تتجاوز 400 أو 500 صفحة دون دواعٍ فنية؟

- لم أكن أقصد حين كتبت سوى التعبير بأقل الكلمات وأحياناً ألجأ لمجرد الإشارات. حالياً أعكف على نوفيلا بطلها شاب لا يتكلم، انطلاقاً من مقولة لبريخت مفادها أن الذي لا يتكلم لديه كلام كثير ليقوله، وهذا الكثير يعبّر عنه بمختلف حواسه، لا سيما العين وليس فقط الإشارات. قبل أن أكتب رواية «أوراق الغريب» دخلت في دورة للصم مدتها أسبوعان، وذلك لأنه ضمن شخصيات هذه الرواية امرأة خرساء. ورغم أن دورها ثانوي في الرواية، لكن كان من المهم فهم شعورها وطريقة تعبيرها بدقة وإلا أصاب النص نقص مخجل، ليس في عدد الصفحات، وهذا ليس مهماً كثيراً، لكن في الفهم... كيف تكتب عن حالة أو شخصية قبل أن تفهمها؟ هذا أمر في غاية الأهمية حسب وجهة نظري.

* تذهب رواية «المموه» إلى «المسكوت عنه» من خلال تجارة المخدرات وترويجها عبر الحانات... هل تعمدت ذلك وكيف ترى محاذير تناول مناطق شائكة في الرواية الخليجية؟

- طريقة تناولي للمواضيع السردية حذرة جداً، لكنه ذلك النوع من الحذر الذي لا يفرط بصياغة المادة الحكائية بقدر ما يكون في التعالي على مطابقتها حرفياً بالواقع. أستفيد من معطيات الواقع الموجودة والمباشرة لكن في حدود مدى خدمتها للعمل أدبياً. لو كنت أرغب في كتابة موضوع اجتماعي لما التجأت إلى الرواية. كنت سأكتب بحثاً حسب منهج علمي به تفاصيل ومسميات صريحة، لكن كتابة الأدب تتقصد أولاً إمتاع القارئ عبر اللغة والتخييل، ولا يمنع الكاتب أن يستفيد من كل معطيات الواقع وتنوعه طالما أن ما يكتبه يدور في فلك التخيل. وطالما أنه لم يستخدم كتابته لأغراض أخرى مثل تصفية الحسابات مثلاً.

*هل خلفيتك كاتبَ قصة قصيرة جعلتك تنحو إلى التكثيف والإيجاز وقلة عدد الشخصيات في أعمالك الروائية؟

- البداية كانت مع القصة وربما قبل ذلك محاولات شعرية بسيطة تحت تأثير قراءات لقصيدة النثر. بدأت الكتابة القصصية في سن مبكرة، نحو 19 عاماً، لكني لم أنشر مجموعتي القصصية الأولى إلا بعد الثلاثين ثم انتظرت 9 سنوات حتى أصدرت المجموعة القصصية الثانية «بركة النسيان». بعد ذاك توالت المجاميع القصصية، وكان ضمنها مجموعة «ساعة زوال» التي فازت بجائزة وطنية مهمة في مسقط، وهي جائزة السلطان قابوس في دورتها الأولى، بالنسبة للرواية فقد اقتحمت ساحتها بشيء من الحذر، بدأت تدريجياً بنوفيلا «خريطة الحالم» التي صدرت عن «دار الجمل»، ثم «درب المسحورة» التي صدرت عن «دار الانتشار»، بعد ذلك كتبت «فراشات الروحاني» وكانت كبيرة نسبياً ومتعددة الأصوات، كتب عنها الناقد المغربي الراحل إبراهيم الحجري دراسة موسعة نُشرت وقتها في مجلة «نزوى».

* بعد صدور مجموعتك القصصية الأولى «اللون البني» 1998 لماذا انتظرت 10 سنوات كاملة حتى تصدر المجموعة الثانية؟

ربما كنتُ مسكوناً أكثر بالقراءة. ورغم أن «اللون البني» لقيت نجاحاً وكُتب عنها بصورة مفرحة فإنني كنت أكتب أيضاً. أتذكر أن مجموعتي الثانية «بركة النسيان» كتبت الجزء الأوفر منها في دكان والدي بمدينة مطرح. كان معي دفتر أنكب عليه للكتابة وقت الظهيرة غالباً على عتبة الدكان حين يقضي أبي قيلولته في مسجد قريب. أحدهم قال لي لاحقاً إنه كان حين يعود من عمله بالسيارة لا يراني إلا منكباً وكان يستغرب. بعد أن أنهيت دراستي ساعدت والدي في دكانه كما كنت أساعده أثناء الإجازات الدراسية إلى أن وجدت عملاً في وزارة التعليم العالي. لذلك يمكن ملاحظة الكثير من الدكاكين في تلك المجموعة القصصية.

لا يخلو أي مجتمع من مفارقات ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص

* حصلت على العديد من الجوائز فضلاً عن الوصول للقوائم القصيرة لجوائز أخرى... كيف تنظر لحضور الجوائز في المشهد الأدبي العربي، وهل تشكل هاجساً ملحاً بالنسبة لك؟

- لم أكتب يوماً لنيل الجوائز، أنا مقتنع أن اللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط، وما عليك سوى العمل. كان أبي (رحمه الله) يقول لي «عليك أن تفتح الدكان صباح أول الناس وتنتظر». وفي هذا دعوة إلى الاستمرارية. بالنسبة للكاتب، عليه أن يقرأ كثيراً وربما أيضاً عليه أن يكتب، أما النشر فيأتي لاحقاً. كذلك الجوائز لا تستجيب بالضرورة لمن يخطط لها.

* أخيراً... ما سر حضور الرواية العمانية بقوة مؤخراً في المشهد الثقافي العربي؟

- ربما بسبب النزوح الجماعي نحو هذا اللون. مرة كتبت مقالاً في موقع «ضفة ثالثة» بعد رحيل عزيزنا القاص والروائي والطبيب عبد العزيز الفارسي، قلت فيه إنه حين كتب أول رواية وصعدت إلى القائمة الطويلة لجائزة «البوكر» في دورتها الأولى حوّل المشهد من كتابة القصة إلى كتابة الرواية في سلطنة عمان، فاتجه معظم من كان يكتب قصة إلى هذا الفضاء الجديد والمغري. هناك من ظل يراوح مزاولاته بين القصة والرواية وعبد العزيز كان واحداً منهم. وبذلك استطاع الكاتب العماني عموماً أن يساهم وينافس في مسابقات ذات طابع تنافسي عربي، كما حدث مع جوخة الحارثي وبشرى خلفان ومحمد اليحيائي وزهران القاسمي وآخرين في مجالات إبداعية مختلفة.