اتّسع الجدل بين الدوائر الأمنية والتيارات السياسية في طهران بعد الاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية وإعلان الرياض ودول عربية أخرى قطع العلاقات مع طهران.
وتساءلت أوساط إيرانية حول هوية المهاجمين والدوافع السياسية في استهداف المراكز الدبلوماسية، التي تتمتع بحصانة دولية تنص عليها المواثيق الدولية، بينما تحول موضوع قطع العلاقات الدبلوماسية إلى زاوية جديدة يزداد منها الضغط على السياسة الخارجية لحكومة الرئيس حسن روحاني.
وكانت صحيفة إيران المقربة من الحكومة قالت أول من أمس إن جهات سياسية معيّنة تحاول «استغلال» الاعتداء على السفارة في المعركة الانتخابية المحتدمة بين الأحزاب الإيرانية. ومن جهتها، اعترفت صحيفة «شرق» في افتتاحية صباح أمس بأن الهجوم حمل إيران ثمنا «سياسيا وإعلاميا وقانونيا»، نتج عن إعلان الدول العربية قطع علاقاتها مع طهران تضامنا مع الرياض. كما سبب إحراجا ومساءلة دولية لطهران بسبب عدم تحملها المسؤولية في حماية السفارة والقنصلية. إلى ذلك، تساءلت الصحيفة إن كان الاعتداء يمثّل «عملا إجراميا» في ظل الضغوط التي تتعرض لها طهران في الساحة الدولية.
من جانبه، رأى الدبلوماسی الإیراني السابق، حسين موسويان، أن تكرار الهجوم على السفارات في بلده بسبب عدم اتخاذ المسؤولين الإجراءات المناسبة عقب أحداث مشابهة في السابق. واعتبر أن الشعب الإيراني «لا يعرف إن كان ذلك عملا ثوريا ومقبولا أم أنه عمل مذموم ومغاير للمصالح القومية»، مشيرا في مقال تناقلته وكالات أنباء ومواقع إخبارية أمس إلى المواثيق الدولية التي تحمي السفارات وتمنع الاعتداء عليها. وأضاف أن بلاده تتحمل مسؤولية تعويض الهجوم على السفارة والقنصلية السعوديتين. وخاطب موسويان «القوات المتهورة»، في إشارة إلى عناصر الباسيج، قائلا إن الهجوم على سفارة أجنبية «يسيء إلى المذهب الشيعي»، وينتهك قوانين البلد والقوانين الدولية ويضر سمعة النظام الإيراني. وطالب الدبلوماسي الإيراني من أبناء شعبه بأن يأخذوا زمام المبادرة، عند التظاهر والاحتجاج أمام المراكز الدبلوماسية، بتشكيل «سلسلة بشرية» لمنع الاعتداء على السفارات.
في سياق متصل، كتب الدبلوماسي الإيراني السابق، فريدون مجلسي، أن القوات «المتهورة» أثارت حملة إعلامية سلبية ضد بلاده وألحقت أضرارا كبيرة بمصالحها القومية، ووضعت إيران في موقف التبرير والتوضيح بسبب تصرف «غير عقلاني». وأضاف: «لا شك أن السعودية سترفع شكوى ضدنا في المجاميع الدولية»، متسائلا: «ما الجهات التي تقف وراء الهجوم؟ ووفق أي تحليل قامت بإثارة الشغب؟». وفي إشارة إلى تكرار هجوم مجموعات مجهولة الهوية على المراكز الدبلوماسية بوصفه «عملا ثوريا»، طالب مجلسي تلك المجموعات بتجنب «الدوافع الشخصية»، ودعم الخارجية الإيرانية حتى لا تكون في موقف المساءلة حول سلوك مواطنيها تجاه سفارة دولة أجنبية، معربا عن أسفه من نظرة «ساذجة» لتيارات سياسية في إيران على القضايا الدولية، ونوّه بأن القضايا الدولية لا تحل بالهجوم على السفارات وإشعال الحريق فيها.
ولم تمض أشهر على تفاؤل السياسة الخارجية الإيرانية بعودة العلاقات مع الدول الغربية وافتتاح سفارة بريطانيا في طهران، حتى أدى الاعتداء على المراكز الدبلوماسية السعودية إلى موجة من قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والدول العربية. وتنفرد عاصمة إيران منذ انتصار الثورة الخمينية بسجل كبير حتى الآن في الاعتداء على السفارات، أبرزهم الهجوم على السفارة الأميركية عام 1979 والبريطانية في 2011 والدنماركية في 2005 والاعتداء الجديد على السفارة السعودية. وكانت النتيجة واحدة بعد كل اعتداء، وتمثّلت في مزيد من العزلة لنظام الولي الفقيه.
على صعيد متّصل، هاجمت وكالة «فارس» التابعة للحرس الثوري السياسة الخارجية لروحاني، واتهمته على غرار التيارات الأصولية في اليومين الماضيين باتخاذ «سياسة انفعالية» والضعف الدبلوماسي في المنطقة. كما أعربت الوكالة عن غضبها تجاه إعلان الدول العربية سحب سفرائها وقطع العلاقات مع طهران.
من جهته، اعترف قائد فيلق «محمد رسول الله» في الحرس الثوري محسن كاظميني بـ«الخطأ الفادح» في الهجوم على سفارة السعودية في طهران، ونفى أن يكون الحادث «عفويا»، معتبرا ما حدث السبت الماضي «عملا مدبرا وبتخطيط مسبق». وحاول كاظميني في حواره مع وكالة «ميزان» المقربة من السلطة القضائية تبرئة عناصر «الباسيج» التابع للحرس الثوري من الهجوم على السفارة والقنصلية السعوديتين بقذائف حارقة (مولوتوف)، وقال إنه على ثقة من أن قوات حزب الله لم تهاجم السفارة، وأن العمل كان مدبرا، من دون أن يذكر الجهة التي تقف وراء الهجوم.
ويذكر أن مواقع تابعة للحرس الثوري، وحسابا منسوبا إلى شبكة «ضباط الحرب الناعمة»، و«البسيج» الطلابي، وحسابات «تيليغرام» تابعة لشبكة «ضباب الحرب الناعمة»، كانت من أول الجهات التي دعت إلى التجمع مقابل المراكز الدبلوماسية السبت الماضي. وشملت الدعوة عنوان السفارة السعودية ودعوة للتجمع.
أما المتحدث باسم الشرطة الإيرانية، سعيد منتظر المهدي، فدافع عن الأمن الإيراني وقال إن «الشرطة لم يكن بمقدورها ضرب المهاجمين للسفارة»، في محاولة لتبرير عجز قواته في منع الاعتداء الذي حصل للسفارة السعودية في طهران، مشددا على أن قواته اتخذت التدابير اللازمة.
تخبط في طهران.. وتبادل الاتهامات حول دوافع الهجوم على السفارة السعودية
دبلوماسيون إيرانيون يحذرون من تكراره مستقبلاً
تخبط في طهران.. وتبادل الاتهامات حول دوافع الهجوم على السفارة السعودية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة