وحدات الحرس الثوري تنسحب إلى العراق هربًا من مستنقع حلب

خامنئي يختار قائدًا عسكريًا خلفًا لهمداني في سوريا

مشيعون في النجف بالعراق يحملون جثامين 4 أعضاء من «حركة النجباء» الشيعية الذين قتلوا أثناء قتالهم إلى جانب النظام السوري (أ.ب)
مشيعون في النجف بالعراق يحملون جثامين 4 أعضاء من «حركة النجباء» الشيعية الذين قتلوا أثناء قتالهم إلى جانب النظام السوري (أ.ب)
TT

وحدات الحرس الثوري تنسحب إلى العراق هربًا من مستنقع حلب

مشيعون في النجف بالعراق يحملون جثامين 4 أعضاء من «حركة النجباء» الشيعية الذين قتلوا أثناء قتالهم إلى جانب النظام السوري (أ.ب)
مشيعون في النجف بالعراق يحملون جثامين 4 أعضاء من «حركة النجباء» الشيعية الذين قتلوا أثناء قتالهم إلى جانب النظام السوري (أ.ب)

في الوقت الذي تنفي فيه إيران سحب قواتها من سوريا على خلفية تقارير عن خلاف روسي - إيراني دفع الحرس الثوري إلى تقليص عدد قواته في سوريا، أشارت مصادر إعلامية إيرانية إلى أن التنسيق الروسي - الإسرائيلي هو من أهم نقاط الخلاف بين طهران وموسكو، الذي لم يصل بعد إلى مرحلة عدم التعاون، لافتة إلى تعيين قائد جديد لقوات الحرس الثوري خلفا لهمداني الذي قتل أخيرا في معارك حلب.
وتربط مصادر متنوعة ارتفاع عدد قتلى الحرس الثوري ببدء العلميات العسكرية الروسية في سوريا، إلا المصادر الإيرانية ترجع ذلك إلى ارتفاع خسائر القوات الإيرانية بسبب تحول دورها من موقع الدفاع إلى الهجوم.
وكان الجنرال سلامي مساعد قائد الحرس الثوري قد نفى قبل أسبوع في حوار خاص نشرته «وكالة فارس للأنباء» تقلیص عدد قواته فی سوریا، مؤکدًا مواصلة الدور «الاستشاري» في سوريا. وبدوره، قال المستشار الأعلى لقائد فيلق القدس، الجنرال إيرج مسجدي في حفل تأبين قائد فیلق القدس الجنرال حمید تقوى (قتل قبل عام في العراق)، إن الدور الإيراني في سوريا هو دور «الحماية»، مؤكدا أن قوات (فيلق القدس) دخلت المعارك مع «التكفيريين»، بعد إصدار فتاوى من المرجعية في النجف.. و«في إطار المساعدات التي تقدمها إيران». واعتبر العملية العسكرية الروسية والطلعات الجوية، إضافة إلى تشكيل غرفة مشتركة بين إيران وروسيا وسوريا، سببا في ترجيح الكفة الإيرانية في سوريا.
وفي بغداد أكد مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «بعض وحدات الحرس الثوري جرى سحبها عن طريق العراق في طريقها إلى وحداتها، لكنها لن تبقى في العراق بصفة قوات مقاتلة، لكن قد يجري تعزيز المستشارين الإيرانيين الذين يعملون مع قوات (الحشد الشعبي)»، مشيرا إلى أنه «لا توجد ترتيبات لإبقاء أي قوات برية في العراق كجزء من حالة الرفض لهذا الأمر من قبل الحكومة العراقية وحتى لا تكون هناك ذريعة لتدخل بري من قبل أطراف أخرى في الساحة العراقية».
وقبل أیام کشف حوار خاص بثته قناة «بي بي سي» الفارسية مع مقاتل أفغاني من فيلق «فاطميون»، معلومات حصرية عن الصفوف الأمامية للقوات التي تقاتل تحت لواء «فيلق القدس» في حلب، وقال المقاتل الذي لم تكشف القناة عن هويته إن أكثر من 1000 من قوات الحرس الثوري يشاركون في عملية «المحرم» في حلب أكثرهم من وحدات إطلاق الصواريخ والمدفعية. ويحارب بعضهم جنبا إلى جنب قوات حزب الله وفيلق «فاطميون»، كما أكد المقاتل أن المقاتلين الأفغان يتوجهون إلى سوريا مقابل 500 دولار شهريا بعد خوض«دورات مكثفة». وأوضح المقاتل الأفغاني الذي كان لاجئا في إيران لسنوات، أن خسائر المقاتلين الأفغان سببه ضعف التدريبات وافتقار المقاتلين الشيعة للخبرة القتالية، بينما يتمتع الطرف المقابل بـ«استراتيجية حربية وهندسة لإدارة الحرب»، بحسب المقاتل.
ويميل أحمد رمضان عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض، إلى تأكيد الخلاف الروسي الإيراني في سوريا، مستشهدا ببعض الدلائل، من بينها، استهداف مقرات إيرانية ولحزب الله بالقصف، وطلب روسي بإخلاء مواقع لهم لتحل مكانها قوات روسية، بحسب معلومات اطلع عليها المعارضة، لافتا إلى أن «عمليات التصفية» كما وصفها، للقادة الإيرانيين، «في موضع ريبة». ويقول رمضان إن الجهة الوحيدة التي تعرف تحركات القادة الإيرانيين، خاصة كبار القادة منهم، هم الروس، الذين «يتركونهم أحيانا من دون غطاء جوي».
وتتسع دلائل تورط إيران بالعمليات العسكرية في سوريا نظرا لارتفاع عدد القتلى من الرتب العالية، لكن قادة الحرس الثوري يؤكدون أن دور قواتهم ينحصر بالدور «الاستشاري». وتتعمق الحيرة لدى الشارع الإيراني حول ما تدعيه إيران عن الدور «الاستشاري» مع تواصل مراسم التشييع اليومي لقتلي الحرس الثوري في مختلف المدن الإيرانية، حيث أعلن خلال الأسبوع الأخير عن مقتل أكثر من عشرين مقاتلا وتشييع أكثر من ثلاثين آخرين، وهي آخر حصيلة عملية «المحرم» التي تخوضها قوات الحرس الثوري إلى جوار قوات تابعة لحزب الله والنظام السوري لاستعادة حلب والمناطق المجاورة لها.
وفي سياق متصل، عيّن المرشد الأعلى علي خامنئي، الجنرال محمد جعفر أسدي قائدا جديدا لقوات الحرس الثوري في سوريا، خلفا للواء حسين همداني الذي قتل بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في ريف حلب وفقا لبيان منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية، نقلا عن مصادر مطلعة في الحرس الثوري.
وقال البيان إن خسائر الحرس الثوري الكبيرة في «مستنقع» سوريا بعد مقتل اللواء حسين همداني وجرح قاسم سليماني دفع المرشد الأعلى الإيراني إلى تعيين العمید محمد جعفر أسدي قائدا لقوات الحرس الثوري في سوريا. ويعتبر الجنرال أسدي المولود في شيراز من أقدم قيادات الحرس الثوري منذ تأسيسه في مايو (أيار) 1979 وشغل منصب قائد القوات البرية في الحرس الثوري بین عامی 1999 و2000 قبل أن يصبح مساعدا لحسين همداني في قاعدة «خاتم الأنبياء».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.