حصاد 2025... «الحوسبة الكمومية» تتصدر المشهد وقفزات الذكاء الاصطناعي تتسارع

اكتشافات فضائية تعيد كتابة تاريخ الكواكب

الروبوت الجراحي الجديد يعتمد على نظام مبتكر يُثبّت على رأس المريض (جامعة يوتا)
الروبوت الجراحي الجديد يعتمد على نظام مبتكر يُثبّت على رأس المريض (جامعة يوتا)
TT

حصاد 2025... «الحوسبة الكمومية» تتصدر المشهد وقفزات الذكاء الاصطناعي تتسارع

الروبوت الجراحي الجديد يعتمد على نظام مبتكر يُثبّت على رأس المريض (جامعة يوتا)
الروبوت الجراحي الجديد يعتمد على نظام مبتكر يُثبّت على رأس المريض (جامعة يوتا)

شهد عام 2025 تطورات علمية بارزة، تصدّرها تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، إلى جانب ابتكارات وتقنيات تعد بإمكانية تغيير جذري في حياتنا اليومية، بالإضافة لاكتشافات لافتة في مجالات الفضاء والفلك.

وأعلنت الأمم المتحدة 2025 سنة دولية للعلوم وتكنولوجيا الكم، احتفاءً بالذكرى المئوية الأولى لتطوير مبادئ ميكانيكا الكم، نظراً لما توفره هذه التكنولوجيا من قوة معالجة هائلة للبيانات مقارنة بالحواسيب التقليدية، مع تطبيقات واسعة في الطب والكيمياء وعلوم المواد.

وحظي هذا المجال بتكريم لائق هذا العام، حيث منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم جائزة نوبل في الفيزياء 2025 لثلاثة علماء كشفوا عن تطبيقات جديدة في فيزياء الكم، بما في ذلك تطوير دوائر كهربائية فائقة التوصيل تمثل قاعدة للحواسيب الكمومية، التي تمتلك القدرة على إجراء حسابات متوازية ومعالجة مجموعات ضخمة من البيانات بسرعة وكفاءة غير مسبوقتين، متجاوزة أقوى الحواسيب التقليدية بملايين المرات.

وتفتح هذه الإنجازات المجال أمام تقنيات مثل التشفير الكمومي وأجهزة الاستشعار الفائقة الدقة، مع توقعات بتحقيق التطبيقات التجارية للحوسبة الكمومية خلال السنوات الخمس المقبلة في مجالات علوم المواد والطب والطاقة، ما يمهد لثورة حقيقية في البحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة.

قفزات الذكاء الاصطناعي

واصل الذكاء الاصطناعي نموه المتسارع في 2025، مع قفزات نوعية في نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) التي أصبحت أكثر وعياً بالسياق وقادرة على التفكير المعقد، واندماجها بسلاسة في الصناعات المختلفة بما في ذلك البحث العلمي والروبوتات، ما يسرّع الاكتشافات خصوصاً في الطب.

خلال 2025، أطلقت شركة «أوبن إيه آي» نموذج (GPT-5) الجديد، الذي يجمع بين سرعة الاستجابة والتفكير المنطقي العميق عبر نظام يختار تلقائياً أفضل نموذج لكل مهمة، مع تحسينات في البرمجة، وكتابة النصوص الإبداعية والرسمية، والاستشارات الصحية، إضافة إلى معالجة المدخلات المتعددة الوسائط بدقة عالية.

كما شهد العام تقدماً في دمج نماذج اللغة الكبيرة مع أنظمة الروبوتات، حيث يمكن للنماذج الصغيرة المدربة بالتعلم المعزز التحكم في الروبوتات بكفاءة، فيما أثبت نموذج محاكاة طوره باحثون بجامعة سري البريطانية قدرة الروبوتات الاجتماعية على التدرّب على التفاعل البشري في بيئات افتراضية، ما يمهد لتطوير روبوتات أكثر وعياً وقدرة على التفاعل في التعليم ورعاية المسنين وخدمة العملاء.

«ذكاء اصطناعي» في خدمة الصحة

وشهد العام تقدماً هائلاً في توظيف الذكاء الاصطناعي في الطب، مع ابتكارات وسائط ذكية تسهم في التشخيص المبكر، وتحسين جودة الرعاية الصحية، وإجراء عمليات دقيقة بأمان وفاعلية أكبر، ما يعكس دمج التكنولوجيا المتقدمة مع الطب لتحسين حياة المرضى وتقليل الأخطاء الطبية.

وطور باحثون في جامعة نورث وسترن نظام ذكاء اصطناعي متقدّماً قادراً على اكتشاف الأمراض المهددة للحياة خلال ثوانٍ عبر تحليل صور الأشعة، مع توليد تقارير دقيقة تصل إلى 95 في المائة وتسريع عمل أطباء الأشعة بنسبة تصل إلى 40 في المائة، لكن مع التأكيد على أنه يدعم الأطباء ولا يحلّ محلّهم.

وفي جامعة برلين، صمم فريق نموذجاً ذكياً لتشخيص أكثر من 170 نوعاً من السرطان بدقة تفوق 97 في المائة من خلال تحليل البصمة الوراثية للورم، ما يتيح تشخيصاً سريعاً وغير جراحي مع تفسير آلية اتخاذ القرار لتعزيز ثقة الأطباء.

كما طوّر باحثون في جامعة تكساس للعلوم الصحية تطبيقاً للكشف الفائق السرعة لأمراض شبكية العين المرتبطة بالسكري بدقة تتجاوز 99 في المائة وفي أقل من ثانية، وهذا يتيح فحوصات واسعة النطاق حتى في المناطق النائية.

الميكروروبوت الطبي يتكون من كبسولة كروية صغيرة للغاية مصنوعة من غلاف جيلاتيني قابل للذوبان (المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا)

وفي المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ، ابتُكر ميكروروبوت طبي، عبارة عن كبسولة جيلاتينية دقيقة قادرة على التحرك داخل الأوعية الدموية والوصول إلى الجلطات الدماغية وإطلاق الدواء مباشرة في موقع الإصابة بدقة عالية، ما يقلل الجرعات والآثار الجانبية.

أما على صعيد الحوسبة العصبية، فقد ابتكر فريق دولي خلية عصبية اصطناعية تُعرف بـ«العصبون العابر»، قادرة على محاكاة وظائف دماغية متعددة مثل الرؤية والحركة والتخطيط، مع مرونة وإمكانية تعلم عالية، ما يمهد الطريق لتطوير شرائح إلكترونية تحاكي قشرة الدماغ البشري.

وفي مجال الجراحة، طوّر فريق صيني بالتعاون مع جامعتي إمبريال كوليدج لندن وغلاسكو روبوتاً جراحياً دقيقاً يمكنه التنقل داخل الجسم باستخدام نظام رؤية ذاتي بالكامل دون الحاجة لكاميرات أو مستشعرات خارجية.

ويعتمد الروبوت على أذرع مرنة وكاميرا صغيرة تتعقب علامات «AprilTag» مع خوارزمية تحكم تصحّح الحركة لحظياً، ما يوفر دقة واستقراراً يفوقان الأنظمة المجهرية التقليدية، ما يتيح إجراء عمليات دقيقة في المناطق الحساسة بأمان وموثوقية عالية.

البيئة والمناخ

شهد 2025 طفرة في الابتكارات البيئية التي تستهدف الحد من التلوث وتحسين كفاءة الطاقة وتعزيز الاستدامة من خلال مواد صديقة للبيئة، وخلايا شمسية عالية الأداء. وقد عكست هذه الابتكارات توجهاً عالمياً نحو تطوير تقنيات تخدم المناخ وتحد من البصمة البيئية للإنسان.

وتوصل فريق من جامعة طوكيو لمادة بلاستيكية صديقة للبيئة تتحلل في مياه البحر خلال ساعات قليلة، بينما تتحلل القطع الكبرى في التربة خلال نحو 200 ساعة، دون ترك أي ميكروبلاستيك. وتمتاز المادة بقوة البلاستيك التقليدي وإمكانية تلوينها، مع تفككها فور تعرضها للأملاح، ما يجعلها مناسبة لتطبيقات التغليف مع أثر بيئي شبه معدوم.

وفي سياق المواد المستدامة، طوّر باحثون من جامعة كيس ويسترن ريزيرف نوعاً جديداً من البلاستيك الإلكتروني الحيوي، وهو بوليمر مرن وخالٍ من الفلورين وقابل للتحلل، يمكن استخدامه في الأجهزة الطبية القابلة للارتداء، وأدوات الاستشعار، ونظارات الواقع المعزز، مع إمكانية ضبط خصائصه الإلكترونية حسب الحاجة.

كما ابتكر فريق دولي بقيادة جامعة «يونيفرسيتي كوليدج لندن» خلايا شمسية من البيروفسكايت تحقق كفاءة قياسية بلغت 37.6 في المائة تحت الإضاءة الداخلية - ستة أضعاف الخلايا التجارية - مع احتفاظها بـ92 في المائة من أدائها بعد 100 يوم. ويفتح هذا الابتكار الباب أمام تشغيل أجهزة إنترنت الأشياء والحساسات الداخلية دون بطاريات.

هيكل مقوس مصنوع من الخرسانة الجديدة استطاع تحمل وزنه وأحمال إضافية مع تشغيل مصباح معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (LED)

وفي مجال البناء المستدام، طور معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) نوعاً جديداً من الخرسانة المخزّنة للطاقة، عبر دمج الكربون الأسود النانوي والإلكتروليتات لتشكيل شبكة موصلة داخلية عززت القدرة التخزينية عشرة أضعاف. ويمكن لـ5 أمتار مكعبة من هذه الخرسانة تشغيل منزل كامل ليوم واحد، ما يتيح تطوير مبانٍ وطرق ذكية قادرة على تخزين الكهرباء وشحن السيارات.

كما ابتكر المعهد روبوتات طائرة بحجم الحشرات قادرة على التحليق 17 دقيقة بسرعة 35 سم/ثانية، باستخدام أجنحة مرنة ومحركات اصطناعية فائقة الخفة. وتهدف هذه الروبوتات إلى دعم التلقيح الميكانيكي لتعويض تراجع الملقحات الطبيعية وتحسين إنتاجية المحاصيل.

الطلاء الجديد يجعل الملابس القطنية مقاومة للاشتعال (جامعة تكساس إيه آند إم)

وفي مجال حماية الأقمشة، طور فريق من جامعة تكساس إيه آند إم طلاءً مبتكراً للقطن مقاوماً للاشتعال، يعتمد على طلاء البولي إلكتروليت القائم على الماء، ويتيح حماية آمنة وغير سامة مقارنة بالمواد التقليدية، عبر آلية تطبيق سريعة خطوة واحدة، ما يجعله مثالياً للملابس الصناعية والطبية.

الكون والفضاء

الاكتشافات الفلكية والبحوث الفضائية شهدت أيضاً تطورات لافتة، حيث نجح فريق بقيادة جامعة نيفادا الأميركية في تحليل أول عينات التربة والصخور التي جمعتها مركبة «بيرسيفيرانس» من سطح المريخ. وكشفت النتائج عن مؤشرات قوية لوجود مياه في الماضي ومعادن مثل الأوليفين والفوسفات، ما يعزّز فرضية وجود بيئات صالحة للحياة قبل مليارات السنين. وتُخزّن العينات تمهيداً لإعادتها إلى الأرض بين 2035 و2039 لدراسة أدق لتاريخه الجيولوجي والمناخي.

الكوكب المُكتشف تبلغ كتلته ضِعف كتلة الأرض في مدار أوسع من مدار زحل حول نجمه (جامعة ولاية أوهايو)

وتمكن باحثون من المرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي من رسم أول خريطة ثلاثية الأبعاد لغلاف جوي لكوكب خارجي هو الكوكب الحار فائق الحجم (WASP-121b (تايلوس)، موضحين حركة الرياح العاتية ونقل عناصر كالصوديوم والحديد والهيدروجين بين طبقاته، بما يقدّم نموذجاً متطوراً لفهم التوزيع الحراري والكيميائي في أغلفة الكواكب العملاقة.

كما أعلن علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اكتشاف كوكب صخري بحجم عطارد، شديد القرب من نجمه. الكوكب المسمى (BD 05 4868 Ab) يدور خلال 30.5 ساعة فقط، وتصل حرارته إلى 1600 درجة مئوية، ما يؤدي إلى تبخر المعادن وتكوّن ذيل يمتد 9 ملايين كيلومتر. ويخسر الكوكب كتلة تعادل جبل إيفرست في كل دورة، في مسار تفكك قد ينتهي باختفائه خلال مليون إلى مليونَي عام.

الخطوط الداكنة تظهر على جوانب المنحدرات والتلال على سطح المريخ (جامعة براون)

وفي اكتشاف آخر، رصد فريق دولي بقيادة جامعة ولاية أوهايو كوكباً خارجياً من فئة الأرض الفائقة باسم (OGLE-2016-BLG-0007) بكتلة تبلغ ضعف كتلة الأرض ويدور في مدار واسع يتجاوز مدار زحل، باستخدام تقنية العدسات الدقيقة الجاذبية، ما يكشف عن تنوع الأنظمة الكوكبية واحتمالات وجود عوالم باردة شبيهة بالأرض.

وكشف باحثون من جامعتي براون وبرن عن أن «الخطوط الداكنة» على منحدرات المريخ ليست ناتجة عن تدفق المياه، بل عن انهيارات ترابية جافة مصدرها الرياح والاصطدامات. واعتمد الفريق على تحليل 86 ألف صورة عالية الدقة بخوارزميات تعلم آلي، مكوّناً قاعدة بيانات تضم أكثر من 500 ألف خط، لتأكيد دور العمليات الجافة في تشكيل مظهر السطح المريخي.

كما سجّل تلسكوب «دانيال ك. إينوي» الشمسي أول رصد عالي الدقة لانفجار شمسي ضخم من الفئة (X)، كاشفاً عن حلقات إكليلية بعرض 48 كيلومتراً وهياكل دقيقة لا تتجاوز 21 كيلومتراً، وهو أدق تصوير لهذه الظواهر حتى الآن، ما يساعد في فهم آليات إعادة الاتصال المغناطيسي وتحسين التنبؤ بالطقس الفضائي.

وتمكن فريق من جامعة هاواي من تفسير ظاهرة «الأمطار الشمسية»، موضحين أن تغير نسب عناصر مثل الحديد في الهالة الشمسية يسرّع تبريد البلازما ويقود إلى تكاثفها وسقوطها نحو السطح خلال دقائق، ما يسهم في بناء نماذج أكثر دقة لسلوك الشمس في أثناء الانفجارات.

وفي خطوة واعدة للبحث عن حياة خارج الأرض، أعلن فريق بقيادة جامعتي بنسلفانيا وكاليفورنيا عن اكتشاف كوكب جديد محتمل الصلاحية للحياة باسم (GJ 251 c)، يقع على بُعد 18 سنة ضوئية ويصنف من «الأراضي الفائقة» داخل المنطقة الصالحة للسكن حول نجم قزم أحمر. وجاء الاكتشاف عبر تتبع الاهتزازات الطفيفة في ضوء النجم باستخدام مطيافات عالية الدقة ونماذج تحليلية متقدمة.

كما رصد فريق دولي بقيادة جامعة كمبريدج وجود كوكب غازي عملاق داخل قرص كوكبي أولي حول النجم الشاب (MP Mus)، بحجم يتراوح بين 3 و10 أضعاف المشتري، بالاعتماد على مزيج من ملاحظات مرصد «ألما» وبيانات مرصد «غايا». وكشف الرصد عن فجوات وحلقات في القرص ناتجة عن تأثير الكوكب، وهو الاكتشاف الأول من نوعه لكوكب يُرصد بطريقة غير مباشرة داخل قرص نشوء كوكبي.

ابتكارات جديدة

الابتكارات العلمية والتقنية شهدت طفرة لافتة، فقد نجح فريق دولي بقيادة الباحث المصري محمد ثروت حسن من جامعة أريزونا، وبالتعاون مع «كالتيك» وجامعة ميونيخ، في ابتكار أسرع ترانزستور فوتوني في العالم بتردد 1.6 بيتاهيرتز، يعتمد على بنية «غرافين – سيليكون – غرافين»، ويعمل بنبضات ليزر فائقة السرعة لتغيير حالته خلال 630 أتوثانية. ويعمل الترانزستور في الظروف العادية وينفذ بوابات منطقية رقمية، ما يجعله نواة محتملة لمعالجات ضوئية أسرع بمليون مرة من الحالية، مع تطبيقات واسعة في الذكاء الاصطناعي وتصميم الأدوية والطاقة.

المصريان محمد ثروت حسن قائد الفريق البحثي ومحمد يحيى الباحث الأول للدراسة يحملان أسرع ترانزستور ضوئي (الفريق البحثي)

وطوّر باحثون من جامعة يوتا روبوتاً جراحياً متقدماً لعمليات شبكية العين يتمتع بدقة ميكرومترية تفوق القدرات البشرية، عبر نظام لتثبيت الرأس والعينين و«واجهة لمسية» تحول حركات الجراح إلى حركات دقيقة جداً داخل العين مع تعويض الارتجاف. وأظهرت التجارب قدرته على تنفيذ إجراءات حساسة مثل الحقن تحت الشبكية مع تقليل الأخطاء، ما يمهّد لدمج الروبوتات في الجراحات العينية الدقيقة.

وفي جامعة بنسلفانيا، ابتكر الباحثون جهازاً باسم (BlinkWise) يحول النظارات العادية إلى أداة ذكية تراقب صحة المستخدم عبر تتبع حركات الرمش باستخدام موجات راديوية فائقـة الدقة، من دون كاميرات. ويضم الجهاز شريحة ذكاء اصطناعي منخفضة الطاقة تحفظ الخصوصية، وتتيح مراقبة علامات الإرهاق وجفاف العين والنعاس، ما يجعله مناسباً للوقاية من الحوادث ومتابعة الصحة اليومية.

كما ابتكر فريق من جامعة واشنطن جهازاً قادراً على كشف فيروس إنفلونزا الطيور (H5N1) في الهواء خلال أقل من خمس دقائق، مستفيداً من وحدة لالتقاط الهواء ومستشعر كهربائي – كيميائي يتعرف على بروتينات الفيروس حتى عند تركيزات منخفضة. ويمتاز الجهاز بإمكانية تعديله لكشف مسببات أمراض أخرى وتصميمه المحمول المنخفض التكلفة، ما يجعله خياراً عملياً لمراقبة الأوبئة.

وتمكن باحثون من جامعتي آلتو وفايرويت من تطوير هيدروجيل ذاتي الالتئام يجمع بين الصلابة والمرونة ويستعيد 80 – 90 في المائة من بنيته خلال أربع ساعات، ويكتمل الترميم خلال 24 ساعة، بفضل صفائح نانوية فائقة الرقة. ويوفر الهيدروجيل تطبيقات واسعة تشمل الجلد الاصطناعي للروبوتات، وإصلاح الأنسجة، وعلاج الجروح المزمنة، وتوصيل الأدوية.

كبسولة ذكية لقياس المؤشرات الحيوية مباشرة من داخل الجهاز الهضمي (معهد كاليفورنيا للتقنية)

كما ابتكر فريق من معهد كاليفورنيا للتقنية (كالتيك) كبسولة ذكية يبلغ قطرها 7 مليمترات وطولها 25 مليمتراً فقط، تحمل اسم (PillTrek) لقياس المؤشرات الحيوية مباشرة من داخل الجهاز الهضمي، بما يشمل الحموضة والحرارة والغلوكوز والنواقل العصبية مثل السيروتونين، من دون عمليات جراحية. وتتيح الدقة العالية وإمكانية تخصيص المستشعرات تشخيصاً أفضل للأمراض المزمنة والالتهابية وللمراحل المبكرة لاضطرابات الجهاز الهضمي.

جهاز ليزر مبتكر لتدمير البعوض (المهندس الصيني جيم وونغ)

وقدم المهندس الصيني جيم وونغ جهاز (Photon Matrix) الذي يعمل كـ«قبة ليزرية» للقضاء على البعوض والحشرات بدقة عالية باستخدام الليدار والرؤية الحاسوبية لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد آنية، قبل إطلاق نبضة ليزر مركزة نحو الهدف. ويضمن النظام الأمان عبر تعرّف حجم وسرعة الكائنات وإيقاف الليزر تلقائياً، ما يقدّم حلاً فعالاً لمكافحة الحشرات الناقلة للأمراض.

وأخيراً، طوّر باحثون من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين عدسات لاصقة مبتكرة تمنح رؤية في الظلام وحتى مع غلق العينين من دون أي مصدر طاقة، باستخدام جسيمات نانوية تحول الأشعة تحت الحمراء القريبة إلى أطوال موجية مرئية (800 – 1600 نانومتر). وأثبتت التجارب على البشر والفئران قدرة العدسات على التقاط الضوء تحت الأحمر مع خفض التداخل، ما يفتح آفاقاً لعمليات الإنقاذ والطوارئ ونقل المعلومات ومساعدة المصابين بعمى الألوان.


مقالات ذات صلة

دراسة: 20 % من فيديوهات «يوتيوب» مولّدة بالذكاء الاصطناعي

تكنولوجيا محتوى على «يوتيوب» تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي يصوّر قطاً يتم القبض عليه بواسطة رجال الشرطة

دراسة: 20 % من فيديوهات «يوتيوب» مولّدة بالذكاء الاصطناعي

أظهرت دراسة أن أكثر من 20 % من الفيديوهات التي يعرضها نظام يوتيوب للمستخدمين الجدد هي «محتوى رديء مُولّد بالذكاء الاصطناعي»، مُصمّم خصيصاً لزيادة المشاهدات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا امرأة في معرض حول الذكاء الاصطناعي وعالم الإنترنت بمقاطعة جيجيانغ الصينية (رويترز)

الصين تصدر مسوّدة قواعد لتنظيم الذكاء الاصطناعي المحاكي للتفاعل البشري

أصدرت هيئة الفضاء الإلكتروني الصينية مسودة ​قواعد لتشديد الرقابة على خدمات الذكاء الاصطناعي المصممة لمحاكاة الشخصيات البشرية والتفاعل العاطفي مع المستخدمين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
تكنولوجيا سام ألتمان رئيس شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

ما الاختراق القادم في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يتوقعه رئيس «أوبن إيه آي»؟

توقع سام ألتمان، رئيس شركة «أوبن إيه آي»، أن يكون الإنجاز الكبير التالي نحو تحقيق ذكاء اصطناعي فائق القدرة هو اكتساب هذه الأنظمة «ذاكرة لا نهائية، ومثالية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «أوبن إيه آي» في رسم توضيحي (رويترز)

حمّى الذكاء الاصطناعي... مليارات الدولارات تُعيد تشكيل صناعة التكنولوجيا

يشهد قطاع التكنولوجيا العالمي أضخم موجة استثمارية في تاريخه الحديث؛ إذ تحولت حمى الذكاء الاصطناعي من مجرد ابتكارات برمجية إلى معركة وجودية على البنية التحتية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)

اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

مع توقع استمرار حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وتأثيرها على رابع أكبر اقتصاد في آسيا خلال عام 2026، من المتوقع أن تسعى كوريا الجنوبية لمواجهة هذه التحديات.

«الشرق الأوسط» (سيول)

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟
TT

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

يعتمد العلماء منذ سنوات طويلة على خرائط الجينات البشرية لفهم كيفية عمل الجسم وتفسير أسباب الأمراض، بل أيضاً لتطوير علاجات دقيقة لها.

بيانات وراثية أوروبية

لكنّ دراسة علمية حديثة كشفت أن هذه الخرائط رغم أهميتها لا تُمثل البشرية جمعاء بعدالة؛ لأنها بُنيت في الأساس على بيانات وراثية لأشخاص من أصول أوروبية، ما أدّى إلى تجاهل جزء كبير من التنوع الجيني العالمي.

وتُشير الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2025 إلى أن هذا الخلل العلمي ليس تفصيلاً بسيطاً، بل قد يؤثر مباشرة في فهمنا للأمراض، وكيف تختلف بين الشعوب، ولماذا تظهر بعض الحالات الصحية بشكل أكثر شيوعاً أو بشدة أكبر لدى مجموعات سكانية دون غيرها.

ما هي خرائط الجينات؟

خرائط الجينات بمثابة دليل إرشادي يوضح مواقع الجينات في الحمض النووي «دي إن إيه» (DNA)، ويشرح كيف تُستخدم هذه الجينات داخل الخلايا لإنتاج البروتينات، وهي الجزيئات المسؤولة عن معظم وظائف الجسم. لكن الجين الواحد لا يعمل دائماً بالطريقة نفسها، إذ يمكنه إنتاج أكثر من نسخة من التعليمات الجينية تُعرف بجزيئات الحمض النووي الريبي «RNA»، من خلال عملية تُسمى «التضفير» (splicing). وقد تؤدي هذه النسخ المختلفة إلى بروتينات متباينة، ومن ثم إلى اختلافات في وظائف الخلايا والاستجابة للأمراض.

ما التضفير الجيني؟

عند قراءة الخلية للتعليمات الوراثية لا تستخدم النص الخام كما هو، فبعد نسخ الجين إلى الحمض النووي الريبي «RNA» تقوم الخلية بعملية تُسمى التضفير؛ حيث تُزال الأجزاء غير الضرورية، وتُربط الأجزاء المفيدة فقط لتكوين رسالة جينية جاهزة لصنع البروتين.

الأهم من ذلك أن الخلية قد تُغيّر طريقة الربط أحياناً في عملية تُعرف بـالتضفير البديل، ما يسمح للجين الواحد بإنتاج عدة بروتينات مختلفة، وهذه الآلية تفسر التنوع الكبير في وظائف الخلايا، كما تُساعد العلماء على فهم سبب اختلاف الأمراض واستجابتها للعلاج بين الأفراد والشعوب.

أين تكمن المشكلة؟

المشكلة الأساسية، حسب الدراسة، أن معظم خرائط الجينات الحالية اعتمدت على عينات وراثية من أشخاص ذوي أصول أوروبية. ورغم أن البشر يتشابهون جينياً بنسبة تقارب 99.9 في المائة فإن النسبة المتبقية تعكس تاريخاً طويلاً من التطور والاختلافات التي نشأت بسبب العزلة الجغرافية والبيئية.

ويضيف المؤلف المشارك الرئيسي الدكتور روديريك غويغو من مركز «تنظيم الجينوم» بمعهد «برشلونة للعلوم والتكنولوجيا» بإسبانيا، أنه وبسبب هذا التركيز الأوروبي لم تُسجَّل الكثير من النسخ الجينية الموجودة لدى سكان أفريقيا وآسيا والأميركتين، ونتيجة ذلك ظلّت أجزاء مهمة من النشاط الجيني البشري غير مرئية للعلماء.

ماذا اكتشف الباحثون؟

واستخدم فريق البحث تقنية متطورة تُعرف باسم «تسلسل الحمض النووي الريبي طويل القراءة»، وهي تقنية تسمح بقراءة جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» كاملة، وليس على شكل أجزاء صغيرة كما في الطرق الأقدم.

وقام الباحثون بتحليل خلايا دم من 43 شخصاً ينتمون إلى مجموعات سكانية متنوعة حول العالم. وكانت النتيجة مفاجئة؛ حيث جرى اكتشاف نحو 41 ألف نسخة من جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» لم تكن مدرجة في خرائط الجينات الرسمية. والأهم من ذلك أن نسبة كبيرة من هذه النسخ يمكن أن تنتج أشكالاً جديدة أو مختلفة من البروتينات لم يكن العلماء على علم بوجودها من قبل.

وتبيّن أن هذه النسخ الجديدة تظهر بشكل أكبر لدى الأشخاص من أصول غير أوروبية، في حين كانت معظم النسخ لدى الأوروبيين معروفة مسبقاً، ما يؤكد وجود تحيّز علمي غير مقصود في قواعد البيانات الجينية.

لماذا يهمنا هذا الاكتشاف؟

وتكمن أهمية هذه النتائج في ارتباط بعض النسخ الجينية المكتشفة حديثاً بجينات معروفة لها علاقة بأمراض مثل الربو والذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي واضطرابات الكولسترول. وهذا لا يعني بالضرورة أن هذه النسخ تسبب الأمراض، لكنه يعني أن العلماء قد يكونون قد أغفلوا إشارات جينية مهمة تُساعد على فهم اختلاف المرض بين الشعوب.

فإذا كانت الخرائط الجينية لا تتضمن كل النسخ الموجودة فعلياً فإن الأبحاث الطبية التي تعتمد عليها قد تكون ناقصة، وقد لا تُفسر بدقة لماذا يستجيب بعض المرضى للعلاج في حين لا يستجيب آخرون.

نحو طب أكثر عدالة

تُشير الدراسة إلى أن الاعتماد على «جينوم مرجعي واحد» لجميع البشر لم يعد كافياً، فعندما استخدم الباحثون خرائط جينية شخصية لكل فرد ظهرت نسخ إضافية لم تكن مرئية من قبل، خصوصاً لدى ذوي الأصول الأفريقية.

ولهذا يدعو العلماء إلى العمل على إنشاء ما يُعرف بـ«البانترانسكريبتوم البشري» (pantranscriptome) وهو مشروع طموح يهدف إلى جمع كل نسخ الحمض النووي الريبي «RNA» المستخدمة في مختلف أنسجة الجسم وعبر مراحل العمر ولدى جميع الشعوب.

الخطوة التالية

ويعترف الباحثون بأن دراستهم ما زالت محدودة، إذ شملت نوعاً واحداً من الخلايا وعدداً صغيراً نسبياً من الأشخاص. ومع ذلك فإن حجم الاكتشافات يُشير إلى أن ما نعرفه اليوم قد لا يكون سوى «قمة جبل الجليد».

ويؤكد العلماء أن بناء خرائط جينية أكثر شمولاً لن يكون مجرد إنجاز علمي بل خطوة أساسية نحو طب جينومي أكثر دقة وعدالة يراعي التنوع الحقيقي للبشرية، ويضمن أن يستفيد الجميع من التقدم العلمي، لا فئة واحدة فقط.


بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
TT

بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض

لم يعد الذكاء الاصطناعي في الطب ضيفاً تجريبياً، ولا فكرةً مستقبلية تُناقَش في مؤتمرات النخبة. لقد دخل العيادة بهدوء، وجلس إلى جوار الطبيب دون معطف أبيض، وبدأ يشارك في قراءة الأشعة، واقتراح خطط العلاج، وكتابة ملاحظات السجل الطبي، وأحياناً في ترتيب أولويات المرضى أنفسهم.

تساؤلات أخلاقية

ومع هذا الدخول الصامت، وُلد سؤال أكبر من التقنية ذاتها: ما الذي يجب أن يعرفه المريض؟ ومَن يضمن عدالة القرار؟ ومَن يتحمّل الخطأ إن وقع؟

هذه ليست أسئلة فلسفية مجردة، بل أسئلة أخلاقية يومية، يواجهها الطب الحديث في عام 2025، في غرف الطوارئ، وعيادات الأورام، ومراكز الأشعة، وحتى في التطبيقات الصحية التي يحملها المرضى في جيوبهم.

حين يُصبح القرار مشتركاً... مَن المسؤول؟

في الطب التقليدي، كانت المسؤولية واضحة نسبياً: الطبيب يشخّص، ويقرّر، ويتحمّل تبعات قراره. أما في الطب المدعوم بالذكاء الاصطناعي، فقد أصبح القرار مشتركاً، ولكنه غير متكافئ:

- خوارزمية تقترح.

- طبيب يراجع أو يثق.

- مريض لا يرى إلا النتيجة.

فإذا أخطأت الخوارزمية في قراءة صورة، أو بالغت في تقدير خطر، أو تجاهلت متغيراً نادراً... من يُسأل؟ هل هو الطبيب الذي اعتمد عليها؟ أم المستشفى الذي اشترى النظام؟ أم الشركة التي درّبت الخوارزمية على بيانات غير مكتملة؟

هنا، لا يكفي أن نقول إن الذكاء الاصطناعي «أداة مساعدة»، فالأداة التي تُغيّر مسار قرار علاجي قد تُغيّر مصير إنسان.

قرار واحد... ووجوه مختلفة: سؤال العدالة الخوارزمية

عدالة الخوارزمية... هل هي محايدة حقّاً؟

يُروَّج للذكاء الاصطناعي بوصفه أكثر عدالة من البشر، لأنه لا يتعب ولا يتحيّز عاطفياً، لكن الحقيقة العلمية تقول شيئاً أكثر تعقيداً: الخوارزمية ترث تحيّزات البيانات التي دُرِّبت عليها. فإذا كانت البيانات تمثّل فئات عمرية أو عرقية أو جغرافية دون غيرها، فإن القرار الناتج قد يكون دقيقاً لفئة... وخاطئاً لأخرى.

وإذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تُدرَّب في بيئات صحية غربية متقدمة، فهل تكون قراراتها عادلة حين تُستخدم في سياقات صحية مختلفة في العالم العربي أو الدول النامية؟

العدالة هنا ليست شعاراً أخلاقياً، بل شرط علمي وسريري. خوارزمية غير عادلة قد تكون أخطر من طبيب متعب.

حق المريض في المعرفة... إلى أي حدّ؟

أحد أكثر الأسئلة حساسية اليوم هو: هل يحق للمريض أن يعرف أن قرار علاجه أسهم فيه ذكاء اصطناعي؟ أخلاقياً، يميل الجواب إلى «نعم»، فالمريض ليس مجرد متلقٍّ للعلاج، بل شريك في القرار، ومن حقه أن يعرف كيف صُنِع هذا القرار، وبأي أدوات، وعلى أي افتراضات.

لكن الواقع السريري أكثر تعقيداً. لا أحد يريد أن يُربك المريض بتفاصيل تقنية لا يفهمها، أو أن يُضعف ثقته بالعلاج، أو أن يحوّل العيادة إلى قاعة شرح خوارزميات. هنا يظهر التحدي الحقيقي: كيف نُفصح دون أن نُرهق؟ وكيف نُصارح دون أن نُقلق؟

الطريق الأخلاقي ليس في الصمت، ولا في الإغراق بالمصطلحات، بل في الإفصاح الذكي: أن يُقال للمريض، بلغة إنسانية بسيطة، إن النظام ساعد الطبيب في التحليل، لكن القرار النهائي بقي بيد الإنسان، وتحت مسؤوليته.

الطبيب بين الثقة والكسل المعرفي

مع ازدياد دقة الأنظمة الذكية، يواجه الأطباء خطراً صامتاً لا يُناقَش كثيراً: الكسل المعرفي. إذ حين يعتاد الطبيب على أن «الخوارزمية لا تخطئ»، قد يتراجع دوره من ناقد علمي إلى مُصدِّق تقني. وهنا لا يصبح الذكاء الاصطناعي مساعداً، بل سلطة خفية.

الطب، في جوهره، ليس قراءة أرقام فقط، بل فهم سياق: مريض قلق، تاريخ اجتماعي، عوامل نفسية، تفاصيل لا تظهر في البيانات. والخطر الحقيقي ليس أن تُخطئ الخوارزمية، بل أن يتوقف الطبيب عن مساءلتها.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لا تُطالب الأطباء برفض التقنية، بل تطالبهم بشيء أبسط وأعمق: أن يبقى الضمير يقظاً، والعقل ناقداً، وألا يُسلِّم القرار الطبي النهائي إلا بعد فهمه، لا بعد نسخه.

حين يتقدّم القرار الآلي... مَن يقود الضمير؟

الشفافية... حين لا نفهم كيف وصل القرار

واحدة من أعقد المعضلات الأخلاقية اليوم هي ما يُعرف بـ«الصندوق الأسود»، فكثير من أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تصل إلى قرارات دقيقة إحصائياً، لكنها تعجز عن شرح كيف ولماذا وصلت إلى هذه النتيجة.

فكيف يُحاسَب قرار لا يمكن تفسيره؟ وكيف يُناقَش تشخيص لا نعرف مساره المنطقي؟ وهل يجوز أخلاقياً أن نُخضع مريضاً لعلاج، لأن «الخوارزمية قالت ذلك»، دون تفسير قابل للفهم البشري؟

الطب لا يعيش على الدقة وحدها، بل على الشرح والثقة. والمريض لا يطلب دائماً نسبة مئوية، بل يريد أن يفهم. ولهذا، فإن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الطب تدفع اليوم بقوة نحو ما يُسمّى «الذكاء القابل للتفسير»، لا لأنه أجمل علمياً، بل لأنه أكثر إنسانية.

المساءلة القانونية... فراغ يتّسع

إذا حدث الخطأ، يبدأ السؤال الأصعب: مَن يُحاسَب؟ القوانين الصحية في معظم دول العالم لم تُصمَّم لعصر تشارُك القرار بين الإنسان والآلة. فلا هي تُدين الخوارزمية، ولا تُعفي الطبيب، ولا تُحدِّد بوضوح مسؤولية الشركات المطوِّرة.

هذا الفراغ القانوني ليس تفصيلاً إدارياً، بل خطر أخلاقي حقيقي.

فمن دون مساءلة واضحة، قد يُغري الذكاء الاصطناعي بعض الأنظمة الصحية بتوسيع استخدامه بلا ضوابط، أو تحميل الطبيب وحده مسؤولية قرار لم يصنعه منفرداً، ولهذا، فإن النقاش الأخلاقي اليوم لم يعد ترفاً أكاديمياً، بل ضرورة تشريعية: قوانين تُحدِّد المسؤولية، وتحمي المريض، وتُعيد رسم حدود الثقة بين الإنسان والتقنية.

الخلاصة: حين تسبق الخوارزمية... يجب أن يتقدّم الضمير

الذكاء الاصطناعي في الطب ليس شراً ولا خلاصاً. إنه مرآة لما نضعه فيه: بياناتنا، وقيمنا، وانحيازاتنا.

فإن قُدِّم بلا أخلاق، تحوّل إلى أداة باردة، وإن وُضع في يد طبيب بلا مساءلة، أصبح سلطة صامتة. وإن أُدير بحكمة، أعاد للطب جوهره الأصيل: أن يُنقذ الإنسان دون أن يُلغيه.

وكما قال ابن سينا قبل ألف عام: «العلم بلا ضمير خطر على النفس». وفي عصر الخوارزميات، لعل أخطر ما نخسره ليس الخطأ التقني... بل أن ننسى أن الطب، في النهاية، فعل رحمة قبل أن يكون قراراً ذكياً.


دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
TT

دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة

لطالما كان توقيت وصول الإنسان الحديث إلى أستراليا وكيفية حدوث ذلك واحداً من الأسئلة المثيرة في تاريخ البشرية. وتشير دراسة جينية جديدة إلى أن البشر وصلوا إلى القارة القديمة المعروفة باسم «ساهول» قبل نحو 60 ألف عام، وقد سلكوا في ذلك مسارَيْن مختلفَيْن عبر البحر، في واحدة من أقدم الأدلة المعروفة على الملاحة البحرية المتعمدة.

وقد نُشرت نتائج الدراسة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 بمجلة «Science Advances»، إذ دعّمت ما يُعرف بفرضية «التسلسل الزمني الطويل» التي تفترض أن أولى موجات الاستيطان البشري في أستراليا حدثت قبل ما بين 60 و65 ألف سنة، وليس في فترة لاحقة، كما افترضت بعض النظريات السابقة.

قارة قديمة ونقاش طويل

كانت «ساهول» (Sahul) قارة واحدة تضم ما يُعرف اليوم بأستراليا وغينيا الجديدة وتسمانيا. ومع ارتفاع مستويات البحار بعد العصر الجليدي الأخير قبل نحو 9 آلاف عام انفصلت هذه اليابسة إلى القارات والجزر الحالية.

وعلى مدى عقود اختلف العلماء حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى هذه المنطقة، ففي حين افترضت بعض الدراسات وصولاً متأخراً نسبياً قبل نحو 47 إلى 51 ألف عام، قدمت الدراسة الجديدة أدلة قوية على استيطان أقدم بكثير.

ويقول عالم الآثار كريستوفر كلاركسون، من جامعة غريفيث في أستراليا الذي لم يشارك في الدراسة، إن هذه أول دراسة شاملة تربط بين علم الآثار والوراثة والمناخ والملاحة البحرية، وتقدم حجة قوية للغاية حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى أستراليا.

تتبع الأصول عبر خط الأم

وقد اعتمد الباحثون على نوع خاص من الحمض النووي (دي إن إيه) DNA يُعرف بالحمض النووي للميتوكوندريا، الذي يُورث غالباً من الأم فقط. وتُعد هذه المادة الوراثية أداة مهمة لتتبع السلالات البشرية عبر آلاف الأجيال.

وحلل الفريق الجينومات الميتوكوندرية لنحو ألف شخص معظمهم من السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة إلى جانب نحو 1500 جينوم منشور سابقاً. ومن خلال تتبع الطفرات الوراثية الصغيرة تمكّن الباحثون من إعادة بناء سلالات بشرية قديمة تعود إلى نحو 60 ألف عام.

مساران للهجرة نحو «ساهول»

ومن أبرز نتائج الدراسة أن البشر الأوائل لم يصلوا إلى «ساهول» عبر طريق واحد فقط بل عبر مسارَين مختلفين في الفترة الزمنية نفسها تقريباً.

كما يرجّح الباحثون أن إحدى المجموعتَين سلكت مساراً شمالياً عبر ما يُعرف اليوم بالفلبين وشرق إندونيسيا، في حين جاءت مجموعة أخرى عبر مسار جنوبي انطلقت فيه من جنوب شرق آسيا القارية مع عبور مساحات من البحر المفتوح.

وتشير النتائج إلى أن معظم السلالات الحية اليوم بين السكان الأصليين لأستراليا وغينيا الجديدة تعود إلى أسلاف اتبعوا المسار الشمالي.

ويقول عالم الآثار، آدم بروم، من جامعة غريفيث الأسترالية الذي لم يشارك أيضاً في الدراسة، إن هذه النتائج تقدم دعماً قوياً لفكرة أن المسار الشمالي كان المفتاح في الاستيطان الأول لأستراليا، مشيراً إلى اكتشافات حديثة لفنون كهوف قديمة جداً في إندونيسيا تدعم هذا الطرح.

أصل أفريقي واحد

وعلى الرغم من اختلاف المسارات تشير الدراسة إلى أن المجموعتَين تنحدران من سلالة بشرية واحدة خرجت من أفريقيا قبل نحو 70 إلى 80 ألف عام. ويُعتقد أن هذا الانقسام حدث في جنوب أو جنوب شرق آسيا قبل 10 إلى 20 ألف عام من الوصول إلى «ساهول».

ويؤكد الباحث المشارك في كلية العلوم التطبيقية بجامعة هدرسفيلد في المملكة المتحدة، مارتن ريتشاردز، أن السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة يمتلكون أقدم سلالة بشرية متصلة خارج أفريقيا دون انقطاع.

دليل مبكر على الملاحة البحرية

ولا تقتصر أهمية الدراسة على الجانب الجيني فحسب، بل تسلط الضوء أيضاً على القدرات التقنية للإنسان القديم، فالوصول إلى «ساهول» تطلّب عبور مسافات طويلة من البحر المفتوح حتى في فترات انخفاض مستوى سطح البحر.

وتقول الباحثة المشاركة هيلين فار، من مركز علم الآثار البحرية بقسم الآثار في جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة، إن هذه الرحلات لم تكن نتيجة انجراف عشوائي بل دليل على استخدام القوارب والقيام برحلات بحرية محددة ومقصودة قبل نحو 60 ألف عام.

إعادة رسم تاريخ الهجرة البشرية

وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن الإنسان الحديث كان أكثر قدرة على التخطيط والتنقل والاستكشاف عما كان يُعتقد سابقاً، وأن استيطان أستراليا لم يكن حدثاً واحداً بسيطاً بل عملية معقدة شاركت فيها مجموعات متعددة ومسارات مختلفة.

ومع استمرار تطور تقنيات تحليل الحمض النووي واكتشاف مواقع أثرية جديدة يتوقع العلماء أن تتضح صورة أكثر دقة عن بدايات انتشار الإنسان الحديث حول العالم، لتؤكد أن أستراليا كانت من أوائل محطات هذه الرحلة البشرية الكبرى.