اقترحت الحكومة اليابانية يوم الجمعة إنفاقاً قياسياً للسنة المالية المقبلة مع كبح إصدار الديون، مما يسلط الضوء على التحدي الذي يواجه رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي في إنعاش الاقتصاد في ظل بقاء التضخم أعلى من هدف البنك المركزي.
ووافق مجلس الوزراء على مشروع موازنة بقيمة 783 مليار دولار، يهدف إلى معالجة مخاوف السوق من خلال وضع حد أقصى لإصدار السندات وخفض نسبة تمويل الميزانية عن طريق الديون الجديدة إلى أدنى مستوى لها منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
ومما يزيد من تعقيد التحدي الذي يواجه تاكايتشي في سياستها المالية، أن التضخم الأساسي في طوكيو ظل أعلى من هدف بنك اليابان البالغ 2 في المائة هذا الشهر، في حين لا يزال الين ضعيفاً، مما يعزز موقف البنك المركزي في مواصلة رفع أسعار الفائدة.
ومن المرجح أن الميزانية القياسية البالغة 122.3 تريليون ين للسنة المالية التي تبدأ في أبريل (نيسان)، والتي تُعد جزءاً أساسياً من سياسة تاكايتشي المالية «الاستباقية»، ستدعم الاستهلاك، ولكنها قد تُسرّع التضخم وتزيد من الضغط على المالية العامة اليابانية المنهكة.
توازن دقيق
وأدى قلق المستثمرين بشأن التوسع المالي في اقتصاد يُعاني من أثقل عبء ديون في العالم الصناعي إلى ارتفاع عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل إلى مستويات قياسية، وضغط على الين.
وصرحت وزيرة المالية، ساتسوكي كاتاياما، قائلةً: «نعتقد أننا تمكنا من صياغة ميزانية لا تقتصر على زيادة المخصصات للتدابير السياسية الرئيسية فحسب، بل تراعي أيضاً الانضباط المالي، ما يحقق اقتصاداً قوياً واستدامة مالية في آن واحد».
وأوضحت في مؤتمر صحافي أن مسودة الميزانية تُبقي إصدار السندات الجديدة دون 30 تريليون ين (190 مليار دولار) للعام الثاني على التوالي، مع انخفاض نسبة الاعتماد على الدين إلى 24.2 في المائة، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 1998.
وقد بدأت جهود حكومة تاكايتشي لطمأنة مستثمري السندات الحكومية اليابانية تُؤتي ثمارها. وانخفض عائد السندات الحكومية اليابانية لأجل 30 عاماً يوم الخميس من مستوى قياسي بلغ 3.45 في المائة بعد أن أفادت «رويترز» بأن الحكومة ستُرجّح خفض الإصدارات الجديدة من السندات الحكومية اليابانية طويلة الأجل للغاية في السنة المالية المقبلة إلى أدنى مستوى لها في 17 عاماً. وانخفضت العوائد أكثر يوم الجمعة نتيجةً لجهود الحكومة في ضبط الإنفاق العام.
وقال سايسوكي ساكاي، كبير الاقتصاديين في شركة «ميزوهو للأبحاث والتكنولوجيا»، إن الميزانية لم تكن بالضخامة التي كانت تُخشى في البداية. وأضاف: «لكن التشرذم السياسي يزيد من خطر لجوء تاكايتشي إلى ميزانية تكميلية ضخمة العام المقبل لضمان دعم المعارضة، مما يُبقي على مخاوف السوق من أن التوسع المالي قد يدفع الين إلى الانخفاض ويزيد التضخم». وتابع أنه «من التفاؤل المفرط افتراض استمرار الوضع الراهن».
والإنفاق المقترح مُضخّم بسبب ارتفاع تكاليف خدمة الدين، بما في ذلك مدفوعات الفائدة وسداد الديون. كما يعكس زيادة بنسبة 3.8 في المائة في الإنفاق العسكري ليصل إلى 9 تريليونات ين (60 مليار دولار)، وذلك في إطار سياسة الدفاع الحازمة التي تنتهجها تاكايتشي، وهي قومية محافظة، وتماشياً مع مساعي الولايات المتحدة لحث حلفائها على زيادة إنفاقهم على الدفاع.
تباطؤ التضخم في طوكيو
وفي غضون ذلك، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في طوكيو، الذي يستثني تكاليف المواد الغذائية الطازجة المتقلبة، بنسبة 2.3 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) مقارنةً بالعام الماضي، وهو أقل من توقعات السوق التي كانت تشير إلى ارتفاع بنسبة 2.5 في المائة، كما أنه يُظهر تباطؤاً مقارنةً بارتفاع بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني).
وتؤكد هذه البيانات وجهة نظر البنك المركزي بأن التضخم الأساسي سينخفض إلى ما دون هدفه البالغ 2 في المائة في الأشهر المقبلة مع انخفاض ضغوط التكاليف، قبل أن يستأنف ارتفاعه مدفوعاً بالطلب، مما يُبرر رفع أسعار الفائدة.
لكن بعض المحللين يُحذرون من أن انخفاض قيمة الين مجدداً قد يدفع الشركات إلى مواصلة رفع الأسعار، مما يؤدي إلى تضخم مُستمر مدفوع بالتكاليف، وهو ما قد يُسرّع وتيرة رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة.
وقال يوشيكي شينكي، كبير الاقتصاديين التنفيذيين في معهد داي إيتشي للأبحاث: «تشير بيانات اليوم إلى أن تضخم أسعار المواد الغذائية قد بلغ ذروته. لكن ضعف الين قد يمنح الشركات ذريعةً لاستئناف رفع أسعار المواد الغذائية، مما قد يُبقي التضخم مرتفعاً».
وارتفع مؤشر التضخم في العاصمة، الذي يستثني تكاليف المواد الغذائية الطازجة والوقود، والذي يراقبه بنك اليابان المركزي عن كثب بوصفه مقياساً للأسعار المدفوعة بالطلب، بنسبة 2.6 في المائة في ديسمبر بعد زيادة قدرها 2.8 في المائة في نوفمبر.
كما أظهرت بيانات يوم الجمعة انخفاض إنتاج المصانع اليابانية بنسبة 2.6 في المائة في نوفمبر مقارنةً بالشهر السابق عليه، وهو انخفاض أكبر من توقعات السوق التي كانت تشير إلى انخفاض بنسبة 2.0 في المائة، وذلك بسبب خفض إنتاج السيارات وبطاريات الليثيوم أيون.
ورفع بنك اليابان المركزي سعر الفائدة الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوى له في 30 عاماً عند 0.75 في المائة، متخذاً بذلك خطوةً تاريخيةً أخرى نحو إنهاء عقود من الدعم النقدي الضخم، في إشارة إلى قناعته بأن اليابان تتقدم نحو تحقيق هدفها التضخمي البالغ 2 في المائة على المدى الطويل.
ومع تجاوز التضخم الأساسي هدف بنك اليابان لما يقرب من أربع سنوات، أشار المحافظ كازو أويدا إلى استعداد بنك اليابان لمواصلة رفع أسعار الفائدة إذا استمر الوضع الاقتصادي على ما هو عليه.



