حكم الإعدام على الشيخة حسينة « زلزال» يهزّ بنغلاديش

قلق إقليمي من تداعيات محتملة

الشيخة حسينة (آ ف ب)
الشيخة حسينة (آ ف ب)
TT

حكم الإعدام على الشيخة حسينة « زلزال» يهزّ بنغلاديش

الشيخة حسينة (آ ف ب)
الشيخة حسينة (آ ف ب)

وسط قلق إقليمي كبير، وفي حكم تاريخي غير مسبوق، أُدينت الشيخة حسينة واجد، رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة والتي تمتعت بنفوذ سياسي كبير لعقود، بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية». وبناءً على ذلك، صدر بحقها حكم بالإعدام - غيابياً - من قبل محكمة أنشأتها هي نفسها عام 2009، لملاحقة خصومها السياسيين، وفق زعم هؤلاء الخصوم. ويخشى كثيرون الآن أن يسطّر هذا الحكم فصلاً جديداً في دائرة الاغتيالات والتصفيات السياسية والصراعات على السلطة في البلاد. ما يخفف نسبياً من مخاطر الحكم أن حسينة ليست في بنغلاديش حالياً، بل تعيش في الهند منذ أكثر من سنة، بمنأى عن متناول المحكمة التي أصدرت الحكم ضدها. وللعلم، حسينة، التي هي ابنة الشيخ مجيب الرحمن، مؤسس بنغلاديش وأول رؤسائها، اتهمت بارتكاب «جرائم حرب» وإصدار أوامر باستخدام القوة المميتة، بعد 15 شهراً من استقالتها وفرارها إلى الهند في مواجهة انتفاضة قادها طلاب، وأسفرت – بحسب تقارير – عن مقتل ما لا يقل عن 1400 شخص.

يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أصدرت محكمة الجرائم الدولية، داخل بنغلاديش، المؤلفة من ثلاثة قضاة برئاسة القاضي محمد غلام مرتضى مزمدار، حكماً بالإعدام - غيابياً - بحق رئيسة البلاد السابقة الشيخة حسينة واجد، في أعقاب إدانتها بـ«ارتكاب جرائم ضد الإنسانية»، إبان انتفاضة يوليو (تموز) من العام الماضي.

وجاء الحكم بالإعدام ضدها بناءً على اتهامها بأنها أمرت بإطلاق النار، ما أدى إلى مقتل ستة متظاهرين عُزّل في العاصمة دكا، يوم 15 أغسطس (آب) العام الماضي. ولقد صدر أيضاً حكم بالإعدام بحق وزير الداخلية البنغلاديشي السابق أسد الزمان خان كمال. وفي المقابل، صدر حكم بحق المفتش العام السابق للشرطة شودري عبد الله المأمون، الذي أصبح «شاهد دولة»، بالسجن خمس سنوات. وأمرت المحكمة كذلك بمصادرة ممتلكات كل من حسينة وكمال.

ردّ حسينة... وتداعيات الحكم

رداً على الحكم، أصدرت الشيخة حسينة بياناً وصفت فيه الحكم بأنه «دليل» على «النية الإجرامية الوقحة لشخصيات متطرّفة داخل حكومة مؤقتة غير منتخبة»، في إشارة مباشرة إلى الزعيم المؤقت الدكتور محمد يونس. وتابعت الرئيسة السابقة في بيانها «إنني أنكر تماماً التهم الموجهة إليّ... وأشعر بالحزن على كل الأرواح التي فُقدت في يوليو (تموز) وأغسطس، من كلا طرفي الانقسام السياسي، لكن لا أنا ولا أي من القادة السياسيين أصدرنا أوامر بقتل المتظاهرين». وجدير بالذكر، هنا، أنه سبق للرئيسة السابقة أن وصفت المحكمة بأنها «محكمة صورية»، واتهمت محمد يونس بأنه يعمل «واجهة لدوائر مصالح سياسية متطرفة».

من جهة ثانية، يمثل هذا الحكم تحوّلاً دراماتيكياً في المشهد السياسي البنغلاديشي، لكونه أحدث انقساماً حاداً في الآراء على مستوى البلاد. وفي حين يراه البعض عدالة طال انتظارها، يراه آخرون «تصفية سياسية» ذات خلفيات ودوافع انتقامية.

هذا، ولقد فُرضت إجراءات أمنية مشددة في دكا عقب إعلان الحكم، واندلعت احتجاجات واسعة، وحرائق متعمدة، ووقعت انفجارات أدت إلى وقوع ضحايا في أنحاء متفرقة من بنغلاديش. واستمرت الاضطرابات في مختلف أنحاء البلاد، مع اشتعال احتجاجات واسعة، وتسجيل هجمات حرق متعمدة، وانفجارات، تسببت في وقوع عدد من الضحايا. ولا تزال التوترات السياسية محتدمة، مع تباين ردود فعل أحزاب المعارضة إزاء الحكم.دوامة لا تنتهي من الانتقام السياسيتاريخياً، لا بد من الإشارة إلى أنه لم تجف تماماً بعد الدماء التي أريقت مع ولادة بنغلاديش عام 1971، إذ ظلت البلاد التي كانت تعرف حينذاك بـ«باكستان الشرقية» نهباً للاغتيالات السياسية وصراعات السلطة. ويرى محللون أن حكم الإعدام الصادر بحق حسينة جزء لا يتجزأ من التاريخ الطويل للانتقامات السياسية في بنغلاديش، الذي يرتبط بعداوتها السياسية مع خصومها، وآخرهم رئيس الوزراء الحالي

واشنطن لم تعلق بشكل مباشر على حكم الإعدام، لكنها أكدت ضرورة اتباع السلطات البنغلاديشية الإجراءات القانونية الواجبة

الدكتور محمد يونس.

وفي تعليق للأكاديمي الهندي سانجاي أستاذ الدراسات الجنوب ـ آسيوية في جامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي، قال إن هذه «ليست أول حالة استهداف سياسي؛ إذ تعود جذور الصراع إلى عداوة شخصية اشتعلت منذ عام 2007، وانقسامات آيديولوجية، وتنافس حزبي قديم.... ويأتي الحكم ضد حسينة بمثابة الفصل الأحدث في هذا المسار».

وأردف بهاردواج: «الشيخة حسينة، بطريقة ما، قد ذاقت من الكأس ذاتها»، ملمحاً إلى وضع حسينة «غريمتها» البيغوم خالدة ضياء، زعيمة الحزب الوطني البنغلاديشي، قيد الإقامة الجبرية عام 2020.

ويذكر أن نجل خالدة، طارق رحمن، الذي يعيش في لندن منذ عام 2008 ويشغل منصب القائم بأعمال رئيس الحزب، كان كذلك من بين المستهدفين سابقاً عبر إجراءات قانونية مسيّسة، بحسب ما يقول سياسيون.

الصعود والحكم والسقوط السريع

وُلدت الشيخة حسينة عام 1947، وهي الابنة الكبرى للزعيم المؤسس لبنغلاديش، الشيخ مجيب الرحمن. وبعد اغتيال معظم أفراد عائلتها في انقلاب عسكري عام 1975، نجت هي وشقيقتها فقط لأنهما كانتا خارج البلاد.

بعدها امتدت فترات حكمها، على رأس حزب أبيها «رابطة عوامي» (يسار الوسط) من 1996 إلى 2001، ثم من 2009 حتى عام 2024. وشهدت البلاد عبر هذه السنوات تحولات في الاقتصاد، وقطاع الملابس الجاهزة، والدبلوماسية الإقليمية، لكن المنتقدين اتهموها بالتسلط المتزايد، والإخفاء القسري لمعارضين، وقمع البعض الآخر.

أما سقوطها فجاء سريعاً، إذ بدأت الاحتجاجات على خلفية خلاف حول حصص التوظيف، ثم تحوّلت إلى حركة جماهيرية تطالب باستقالتها. ويوم 5 أغسطس 2024، فرت حسينة إلى الهند على متن هليكوبتر عسكرية، بينما كانت الحشود المبتهجة تقتحم القصر الرئاسي. ومنذ ذلك الحين، تحكم بنغلاديش إدارة مؤقتة بقيادة محمد يونس، الحائز جائزة نوبل. ولقد منعت هذه الإدارة «رابطة عوامي» من خوض الانتخابات المقرر تنظيمها في فبراير (شباط) 2026.

تداعيات جيوسياسية

على المستوى الإقليمي، يحمل الحكم تداعيات جيوسياسية كبرى؛ إذ طلبت بنغلاديش رسمياً من الهند تسليم حسينة ووزير الداخلية السابق، اللذين يعيشان في المنفى منذ فرارهما خلال الانتفاضة، بعدما حكمت محكمة الجرائم الدولية بإعدامهما. وذهبت وزارة الخارجية البنغلاديشية إلى حد التحذير من أن إيواء حسينة من قبل أي دولة يُعد «عملاً عدائياً للغاية وتجاهلاً للعدالة».

أنيل تريغونايات، الدبلوماسي الهندي السابق، يصف لـ«الشرق الأوسط» حالة الاستقطاب الراهنة في بنغلاديش بأنها «خطيرة»، ويحذر من أن مثل هذا الحكم قد يزعزع الاستقرار ليس فقط في بنغلاديش، بل في شبه القارة الهندية بأكملها. وللعلم، رغم مواجهتها ضغوطاً دبلوماسية، التزمت السلطات الهندية الصمت حتى الآن، ولم تصدر أي رد رسمي سوى تأكيد تسلمها للطلب.

فمن جهة، لا ترغب الهند في الظهور وكأنها منحازة تماماً إلى جانب حسينة، مع أن عليها إعادة النظر في جميع ركائز علاقتها مع بنغلاديش، مع الأخذ في الاعتبار الضغوط السياسية الداخلية والاعتبارات الجيوالسياسية الإقليمية. ومن جهة ثانية، فإن رفض طلب التسليم قد يؤدي إلى توتر في العلاقات بين الهند وبنغلاديش، وربما يزيد من حدة الاضطراب السياسي في بنغلاديش.

ومن ثمّ، يتوقع مراقبون ألا تترك هذه الأزمة تبعاتها على الوضع الداخلي في بنغلاديش فحسب، بل يخشون من تعقيدها الحالة الدبلوماسية الإقليمية، خصوصاً العلاقات بين بنغلاديش والهند، والتأثير على الأوضاع الجيوسياسية في جنوب آسيا، وسط مخاوف من وقوع اضطرابات وعدم استقرار المؤسسات.

خيارا الهند الصعبان

أيضاً، يرى محللون أن الهند تواجه الآن خياراً صعباً: فإما حماية حليفة سابقة دعمت مصالحها الأمنية لأكثر من عقد، أو الحفاظ على علاقات عملية مع حكومة يونس، التي تقترب بوضوح من الصين وباكستان. ومما يذكر أن إدارة حسينة حافظت لسنوات على مصالح الأمن الداخلي الهندية، عبر قمعها الجماعات المعادية للهند، والتعاون مع الوكالات الهندية. كذلك كافحت تصاعد الأصولية الإسلامية عبر استيعاب قوى محافظة متشددة، مثل «حفظة الإسلام»، وملاحقة المتعاونين، ومعظمهم من جماعة «الجماعة الإسلامية».

أما بالنسبة للصين، فقد وصفت السلطات في بكين الحكم بأنه «شأن داخلي يخص بنغلاديش»، رافضةً الإدلاء بمزيد من التعليقات. وأعربت بكين عن أملها في «استقرار وتنمية» بنغلاديش - نهج محايد صُمم بعناية بغية الحفاظ على العلاقات مع الحكومة المؤقتة. ويعزز النفوذ الصيني المتزايد في بنغلاديش، بما في ذلك الصفقات المرتقبة على معدات عسكرية مثل طائرات «جيه – 10 سي» المقاتلة، الثقل الاستراتيجي لبكين.

رد فعل واشنطن

واشنطن أيضاً، لم تعلق بشكل مباشر على حكم الإعدام، لكنها أكدت على ضرورة اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. ومعلوم أنه سبق للسلطات الأميركية نفي أي تورط لها في إسقاط حسينة عام 2024، واصفةً هذه الادعاءات بأنها «كاذبة بكل بساطة». وحثت منظمات حقوقية، منها «هيومان رايتس ووتش»، واشنطن وحكومات أخرى على مراقبة أي انتهاكات محتملة للإجراءات القانونية الواجبة في المحاكمات.

الصين وباكستان تسدّان الفراغ

مع ذلك، شرعت الحكومة البنغلاديشية المؤقتة بقيادة يونس، في تغيير مسارها بعيداً عن سياستها الخارجية السابقة، متجهة نحو مُغازلة الصين وباكستان علناً. ووقّعت بنغلاديش عدة اتفاقيات ثنائية مع الصين في مجالات التجارة والبنية التحتية والتعليم والثقافة، بينما قد يبدو اهتمام دكا بشراء 20 طائرة مقاتلة صينية الصنع من طراز «جيه - 10 سي» متعجلاً في ظل الظروف الحالية.

واللافت أن الزيارات الرفيعة المستوى بين بنغلاديش وباكستان - بما في ذلك زيارات وزير الخارجية إسحاق دار ووزير الداخلية محسن نقفي - تمخضت عن اتفاقيات متعددة، بما في ذلك إلغاء التأشيرات. كما أن رسو السفينة البحرية الباكستانية «بي إن إس سيف» في ميناء تشيتاغونغ البنغلاديشي عزّز، بصورة استثنائية، العلاقات العسكرية بين البلدين منذ عقود.

وحديثاً، أهدى رئيس وزراء بنغلاديش، قائد الجيش الباكستاني كتاباً يصور شمال شرقي الهند باعتباره جزءاً من «بنغلاديش الكبرى»، ما أثار القلق في وقت تفقد الهند عمقها السياسي والاستراتيجي الكبير داخل بنغلاديش.

من جهتهم، يرى مراقبو بنغلاديش أن نيودلهي ليس لديها حافز كبير لتعزيز العلاقات مع يونس، الذي تَعدّه استغل فترة ولايته لرعاية مصالحه الشخصية، في المقام الأول. وقد أصدر أمراً إدارياً بالتخلص من جميع القضايا الضريبية المعلقة ضد شركاته، إضافة إلى الحصول على تراخيص لجامعة غرامين، بحسب ما يقول خصومه.

 

مشهد من الاضطرابات التي تسببت في التغيير السياسي في بنغلاديش (إ ب ا)

«الجرائم الدولية»... محكمة انقلبت على مؤسسها

> تتجلى المفارقة في أن «محكمة الجرائم الدولية» في بنغلاديش جاءت إلى الوجود على يد أحدث «ضحاياها»، أي الشيخة حسينة نفسها، لمعاقبة مرتكبي جرائم مروعة مثل القتل والاغتصاب، وكذلك من عاونوا باكستان على ارتكابها خلال حرب تحرير بنغلاديش عام 1971. إذ أسست المحكمة بموجب «قانون محاكم الجرائم الدولية» لعام 1973، الذي أقرته حكومة «رابطة عوامي» بزعامة الشيخ مجيب الرحمن بعد الاستقلال بفترة وجيزة. ومع أن القانون ظل قائماً منذ عام 1973، لم تُجرَ أي محاكمات بناءً عليه طوال عقود، بسبب الاضطرابات السياسية المتكررة والانقلابات العسكرية وتغير الحكومات. غير أن حكومة الشيخة حسينة أعادت تفعيل «المحكمة» رسمياً في مارس (آذار) 2010 إثر عودة حزب «رابطة عوامي» إلى السلطة عام 2009 عبر نجاح انتخابي كبير. وجرى تفعيل المحكمة استجابةً لمطالب طويلة الأمد من منظمات المجتمع المدني، خاصةً عائلات ضحايا عام 1971. وجرى تصميم المحكمة بعدّها محكمة محلية ذات معايير دولية، وليست هيئة دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية في يوغوسلافيا السابقة. وعلى مدار 15 سنة، أصدرت «محكمة الجرائم الدولية» 57 حكماً، بدءاً من إعدام زعيم «الجماعة الإسلامية» عبد القادر ملا عام 2013. وقد نفذت حتى الآن ستة أحكام إعدام. مع ذلك، واجهت المحكمة انتقادات بسبب استخدامها ضد المعارضين السياسيين، خاصة قادة «الجماعة الإسلامية» و«الحزب الوطني البنغلاديشي». وشملت الاتهامات الموجهة للمحكمة التدخل السياسي والمحاكمات المتسرعة. وبعد الإطاحة بحسينة في أغسطس 2024 - في حركة طلابية يُزعم أن «الجماعة الإسلامية» اخترقتها - أعادت الحكومة المؤقتة بقيادة يونس توجيه المحكمة لمقاضاة قادة ومسؤولي «رابطة عوامي»، على خلفية حملة القمع التي شنتها في يوليو وأغسطس. وفي هذه الأثناء، أعلن «المجلس الدولي للحقوقيين» عن مخاطبة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، طالباً التدخل العاجل لحماية حق الشيخة حسينة في الحياة والمحاكمة العادلة. وبالطبع، تأتي هذه الخطوة وسط قلق دولي واسع النطاق بشأن حكم الإعدام الصادر بحق حسينة. وأعلن المجلس، أيضاً، عزمه على التوجه قريباً بنداء عاجل إلى الأمم المتحدة لحماية حقوق حسينة الأساسية. جدير بالذكر، أن هذه المنظمة منفصلة تماماً عن كلٍّ من محكمة العدل الدولية ولجنة الحقوقيين الدولية. وذكر ستيفان دوجاريك، الناطق باسم الأمم المتحدة، بأنه على الرغم من كونها «لحظة مهمة» لضحايا أعمال العنف التي شهدتها بنغلاديش عام 2024، فإن فرض عقوبة الإعدام أمرٌ مؤسف... «ونحن نعارض استخدام عقوبة الإعدام في جميع الظروف». وحقاً، جاء الحكم القضائي ليفاقم حالة الاستقطاب السياسي في بنغلاديش. إذ تواجه الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها مطلع عام 2026، حالة من الشك الشديد مع حظر «رابطة عوامي» فعلياً ونفي حسينة. كما قد يعقد المستقبل السياسي المبهم آفاق الحكم الديمقراطي ويعطل المصالحة، ويؤثر سلباً على المشهد الدبلوماسي الإقليمي. إذ يُعدّ حكم الإعدام الصادر بحق الشيخة حسينة أكثر من مجرد حدث قانوني محلي، لكونه نقطة تحول جيوسياسية قد تُعيد تعريف العلاقات الخارجية لبنغلاديش، وتُشكّل تحدياً للدور الإقليمي المهيمن للهند، وتُشجّع على توسيع نفوذ الصيني والباكستاني، وتُؤثّر على الاستقرار السياسي والأمني في جنوب آسيا على امتداد السنوات المقبلة.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.