لم تكن زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رىيس مجلس الوزراء السعودي للبيت الأبيض مجرّد لقاء سياسي عابر، بل لحظة مفصلية انتقل فيها الحوار بين الرياض وواشنطن من لغة الدبلوماسية التقليدية إلى لغة المستقبل.
شركات أميركية عملاقة تؤكد التزامها باستثمارات مشتركة تصل إلى 80 مليار دولار لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في السعودية والولايات المتحدة https://t.co/t79EmSfJGg#صحيفة_الشرق_الأوسط#صحيفة_العرب_الأولى pic.twitter.com/dEHp6QJpW0
— صحيفة الشرق الأوسط (@aawsat_News) November 18, 2025
فهناك، داخل أروقة القرار الأميركي، وُضع حجر الأساس لفصل جديد من الشراكة الاستراتيجية يقوم على الذكاء الاصطناعي، والرقائق الإلكترونية المتقدمة، والحوسبة فائقة القوة؛ وهي منظومة لا ترسم فقط شكل التحالف بين البلدين، بل تعيد تشكيل الاقتصاد الصحي العالمي خلال العقود المقبلة: من التشخيص الذكي، إلى الطب الكمي، وصولاً إلى تصميم علاجات تُبنى على البيانات لا على التخمين.
بداية مرحلة جديدة
أعلن الجانبان السعودي والأميركي اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، تهدف إلى تطوير نماذج وطنية متقدمة، وتعزيز قدرات مراكز البيانات، ودعم سلاسل توريد الرقائق المتقدمة، وبناء أطر تنظيمية حديثة للتقنيات الناشئة.
وتُعدّ التطبيقات الصحية والبحث العلمي أحد أبرز محاور هذه الاتفاقية، في خطوة تعكس تقدّم المملكة نحو دور فاعل في اقتصاد المعرفة العالمي.
50 مليار دولار... إعلان السعودية دخول عصر السيليكون
في سياق الزيارة، قدّم ولي العهد إشارة حاسمة إلى عمق التحوّل التقني الذي تتجه إليه المملكة، إذ أكّد خلال لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض أن لدى السعودية طلب هائل على قدرة الحوسبة، وسننفق في الأجل القصير نحو 50 مليار دولار على احتياجاتنا من أشباه الموصلات».
ولي العهد السعودي: لدينا طلب كبير على التكنولوجيا ورقائق الذكاء الاصطناعي#شاهد_الشرق_الأوسط#صحيفة_الشرق_الأوسط#صحيفة_العرب_الأولى pic.twitter.com/JqhBxNdQA2
— صحيفة الشرق الأوسط (@aawsat_News) November 18, 2025
من التعاون إلى البناء المشترك
وشهدت الزيارة توقيع مذكرة تفاهم (MoU) بين البلدين في مجال الذكاء الاصطناعي، ترسي إطاراً عملياً لتبادل الخبرات، وتطوير بيئة تنظيمية مشتركة، ودعم تدريب النماذج الصحية، وتمكين التطبيقات الطبية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
إنها خطوة تُترجم رؤية الشريكين للانتقال من استخدام التقنية إلى صياغة مستقبلها.
وأفادت وكالة رويترز بأن الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية شكّلا أحد المحاور المركزية في المحادثات الأميركية - السعودية، إلى جانب الدفاع والطاقة النووية المدنية.

وترى واشنطن -حسب الوكالة- أن المملكة تمتلك القدرة على بناء منظومة سيليكونية متقدمة (Advanced Silicon Ecosystem) في المنطقة، بفضل قوتها الاستثمارية وسرعة تنفيذ مشاريعها الوطنية الكبرى.
من السيليكون إلى المستشفى... كيف تغيّر الرقاقة مستقبل الصحة؟
تغيّر الرقاقة الإلكترونية مستقبل الرعاية الصحية لأنها تُشغّل تقنيات متقدمة تشمل:
- تشخيص الأشعة المدعّم بالذكاء الاصطناعي (AI-Enhanced Radiological Diagnosis).
- تحليلات الجينوم (Genomic Analytics).
- التنبؤ بالأمراض (Disease Prediction Models).
- محاكاة البروتينات (Protein Simulation).
- تصميم الأدوية بالحوسبة المتقدمة (Advanced Computational Drug Design).
ولهذا أطلقت المملكة شركات تقنية رائدة مثل «آلات – ALAT» المتخصصة في الإلكترونيات المتقدمة، و«هيومن - HUMAIN» المطوّرة للنماذج الوطنية للذكاء الاصطناعي، لتأسيس قاعدة تقنية تخدم مستقبل الطب الذكي (Smart Medicine).
الطب الكمي... المحطة القادمة في هذا التحالف
أما الحوسبة الكمية (Quantum Computing) -رغم بدايتها عالمياً- فهي الامتداد الطبيعي للتحوّل الصحي.
فهي تتيح:
- محاكاة البروتينات الكمية (Protein Quantum Simulation).
- تحليل الصور الطبية بدقة غير مسبوقة (Ultra-High Precision Medical Imaging).
- تصميم علاجات تفصيلية لكل مريض (Personalized Therapeutics).
وهي تقنيات تُتوقّع أن تصبح جزءاً من البنية الصحية السعودية خلال العقد القادم.
من البيت الأبيض إلى نيوم... رسم مشهد جديد للطب العالمي
ومع توسّع مشاريع نيوم كمختبر عالمي للطب الرقمي والتوأم الصحي والعيادات الذكية، ومع اتفاقية الشراكة ومذكرة التفاهم واستثمارات السيليكون، يدخل التحالف السعودي - الأميركي مرحلة تربط التقنية بالأمن الصحي، وتضع المملكة في قلب السباق العالمي نحو الطب الذكي.
وكما قال إسحاق نيوتن: «إذا كنتُ قد أبصرتُ أبعد... فلأنني وقفتُ على أكتاف العمالقة».


