تعيينات قادة بنوك «الاحتياطي الفيدرالي» تضعه تحت المجهر

ترمب يوسع نفوذه داخل «المركزي» مع استقالة بوستيك واقتراب نهاية ولاية باول

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

تعيينات قادة بنوك «الاحتياطي الفيدرالي» تضعه تحت المجهر

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

باتت العملية الدورية لإعادة تعيين رؤساء البنوك الإقليمية الـ12 التابعة لـ«الاحتياطي الفيدرالي»، التي تُجرى عادة بهدوء كل بضع سنوات، محور اهتمام مزداد، وسط مخاوف من تحوّلها إلى أحدث ساحة مواجهة بشأن استقلالية البنك المركزي الأميركي، في ظل مساعي الرئيس دونالد ترمب لزيادة نفوذه على قرارات أسعار الفائدة والسياسات النقدية الأخرى.

فعلى الرغم من أن هذه العملية، التي تُجرى مرتين كل عقد، عادة ما تمر دون جدل وينتهي الأمر بإعادة تعيين الرؤساء الحاليين بموافقة أغلبية مجلس المحافظين في واشنطن، فإن الإعلان المفاجئ يوم الأربعاء عن استقالة رافاييل بوستيك، رئيس بنك أتلانتا الاحتياطي الفيدرالي، بعد فترة وجيزة من بدء مراجعة إعادة التعيين، سلّط الضوء على العملية بأكملها؛ خصوصاً بعد نحو شهرين فقط من محاولة ترمب تعزيز نفوذه داخل المؤسسة من خلال مساعيه لإقالة عضوة مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» ليزا كوك، وفق «رويترز».

دونالد ترمب وجيروم باول يتحدثان أثناء جولة في مبنى مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» - 24 يوليو 2025 (رويترز)

كما يقترب ترمب من ترشيح مرشحه الخاص لرئاسة النظام الكامل لـ«الاحتياطي الفيدرالي»، مع انتهاء ولاية الرئيس الحالي جيروم باول في مايو (أيار) المقبل.

وفي حالة بنك أتلانتا، كما هي الحال في البنوك الإقليمية الـ11 الأخرى، يختار مجلس الإدارة المحلي خليفة لبوستيك، لكن القرار يتطلب مصادقة أغلبية مجلس المحافظين السبعة - وهي الجهة التي تتركز فيها جهود ترمب لتوسيع نفوذه. ويُذكر أن ثلاثة من الأعضاء السبعة الحاليين عيّنهم الرئيس السابق جو بايدن، فيما عيّن ترمب الثلاثة الآخرين، بينهم عضو انضم حديثاً من فريقه الاقتصادي بالبيت الأبيض عقب استقالة مفاجئة لأحد المحافظين.

باول، الذي لم يسلم من انتقادات ترمب، انضم لـ«الاحتياطي الفيدرالي» خلال إدارة أوباما، ورقّاه ترمب لاحقاً إلى رئاسة البنك المركزي، قبل أن يعيده بايدن إلى المنصب ذاته.

ولا يزال من غير الواضح مدى نية إدارة ترمب التدخل بعمق في عملية إعادة التعيين المقررة استكمالها قبل فبراير (شباط)، موعد انتهاء الولايات الحالية.

تغيير جوهري

عادةً ما تُعدّ إعادة تعيين رؤساء البنوك الإقليمية إجراءً شكلياً إلى حد كبير، إذ يخضع المرشحون لعمليات تقييم وتوظيف تشمل مراجعات وطنية للمواهب. إلا أن رأياً قانونياً أُعدّ خلال الولاية الأولى لترمب، يرى أن لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» سلطة واسعة لاستبدال رؤساء البنوك الإقليمية، ما قد يشكّل الخطوة التالية في مساعي ترمب لزيادة تأثيره على البنك المركزي.

ويشارك 5 من رؤساء البنوك الإقليمية سنوياً في التصويت على قرارات أسعار الفائدة ضمن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وهي جزء أساسي من هيكل صنع القرار في البنك المركزي، وأحد أبرز محاور انتقادات ترمب للمؤسسة. كما تضطلع البنوك الإقليمية بدور رقابي على المؤسسات المصرفية ضمن نطاقها الجغرافي، وتقود جانباً مهماً من أبحاث «الاحتياطي الفيدرالي».

وتُعد استقلالية البنك المركزي في تحديد أسعار الفائدة بعيداً عن التدخلات السياسية المباشرة - بما في ذلك التهديد بالإقالة لأسباب تتعلق بالسياسات - من المبادئ الراسخة في الاقتصاد الحديث، مدعومة بأدلة تُظهر أن الأداء الاقتصادي يتراجع كلما تآكل هذا الاستقلال.

وقال ليف ميناند، أستاذ القانون في جامعة كولومبيا، خلال ندوة بمعهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي الشهر الماضي: «إن الإطاحة الناجحة برؤساء البنوك الإقليمية والتأثير على اختيار خلفائهم، قد تُحدث تغييراً حقيقياً في كيفية صياغة السياسة النقدية».

ويرى أن مثل هذا التحرك قد يفتح الباب أمام نزاع قانوني معقد يشمل ليس فقط الرؤساء الإقليميين، بل أيضاً العشرات من رجال الأعمال والمصرفيين وأعضاء المجتمع المحلي الذين يخدمون في مجالس إداراتهم. ومع ذلك، لا يبدو أن ترمب متردد في دفع هذه الحدود.

وتُعد قضية ليزا كوك أول محاولة من نوعها من قبل رئيس أميركي لإقالة عضو في مجلس «الاحتياطي الفيدرالي». وقد اشتهر ترمب بانتقاداته اللاذعة لباول ومطالباته المتكررة بخفض أسعار الفائدة. وتُنظر القضية حالياً أمام المحكمة العليا الأميركية، التي سبق أن أقرت بأن هيكل «الاحتياطي الفيدرالي» يميزه عن الهيئات المستقلة الأخرى التي سُمح للرئيس بإقالة قادتها. ومن المتوقع عقد جلسة استماع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

العملية قيد التنفيذ

يُعدّ رؤساء البنوك الإقليمية فئة مختلفة داخل هيكل «الاحتياطي الفيدرالي»، وقد يكونون أكثر عرضة للإقالة «وفق الإرادة»، بينما يواصل ترمب تعيين حلفائه في مجلس المحافظين.

وأوضح مسؤول رفيع في إدارة ترمب خلال ولايته الأولى، أن «سلطة مجلس المحافظين في عزل رؤساء البنوك الإقليمية تنسجم مع الدستور والنصوص القانونية، فالمجلس، بصفته جهة التعيين، يمتلك أيضاً حق الإقالة». وأضاف أن خضوع رؤساء البنوك الإقليمية لإقالة محتملة لا يهدد الهيكل الذي أقرّه الكونغرس لحماية استقلالية النظام الفيدرالي ككل.

رافاييل بوستيك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا (أرشيفية - رويترز)

وبعيداً عن استقالة بوستيك، لا يُتوقع أن يتغير الكثير على المدى القريب، خصوصاً إذا احتفظت كوك بمنصبها. ويبلغ بوستيك 59 عاماً، وهو أول رئيس بنك إقليمي من أصول أفريقية، ولا يزال بعيداً أكثر من 5 سنوات عن سن التقاعد الإلزامي. لكن مواقفه الداعية للعدالة الاقتصادية والاجتماعية جعلته هدفاً لانتقادات المحافظين الذين يرونه رمزاً لما يسمونه «البنك المركزي الواعي». كما خضع العام الماضي لتدقيق من مكتب المفتش العام لـ«الاحتياطي الفيدرالي» بشأن تداولات مالية شخصية أثارت تساؤلات حول تضارب المصالح.

وعند سؤاله عن عملية إعادة التعيينات الجارية، قال باول للصحافيين عقب اجتماع السياسة الأخير: «نحن في منتصف هذه العملية وسنُكملها في الوقت المناسب».

ومن المتوقع أن يعود أحدث المعيّنين من قبل ترمب، العضو ستيفن ميران، إلى البيت الأبيض في أوائل 2026. ولم يُعرف بعد مدى استعداد نائبة رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» ميشيل بومان، وعضو المجلس كريستوفر والر، وهما من المقرّبين لترمب، للمضي في إقالة أي من الرؤساء الحاليين.

ويضم رؤساء البنوك الإقليمية الـ12 مزيجاً متنوعاً من كبار التنفيذيين السابقين في شركات مثل «غولدمان ساكس» و«ماكينزي»، ومسؤولين صعدوا من داخل منظومة «الاحتياطي الفيدرالي»، واقتصاديين وأكاديميين من خلفيات جمهورية وديمقراطية. وتُظهر سجلات البنك أن التصويت الأخير لإعادة تعيين الرؤساء في يناير 2021 تم بالإجماع، كما جرت العادة في العقود الماضية.

ومع احتمال مغادرة باول منصبه عند انتهاء ولايته، واستعداد نائب الرئيس فيليب جيفرسون لمواجهة القرار ذاته في سبتمبر (أيلول) 2027، يُتوقع أن يزداد الضغط السياسي على المؤسسة.

ويرى ديريك تانغ، المحلل في شركة التنبؤ الاقتصادي «إل إتش ماير»، أن جميع الرؤساء الإقليميين الحاليين سيُعاد تعيينهم في الجولة المقبلة، لكنه حذّر من أن «تهديد الإقالة سيبقى قائماً».

وقال: «في نهاية المطاف، يملك مجلس المحافظين سلطة إقالة أي رئيس بنك إقليمي، وحقيقة أن هذه المسألة أصبحت تحت المجهر تمثل بحد ذاتها إشارة مقلقة إلى أن استقلالية (الاحتياطي الفيدرالي) لم تعد في مأمن».


مقالات ذات صلة

تباطؤ نمو النشاط التجاري الأميركي في ديسمبر إلى أضعف وتيرة منذ يونيو

الاقتصاد جسر «إد كوتش كوينزبورو» في مدينة نيويورك (رويترز)

تباطؤ نمو النشاط التجاري الأميركي في ديسمبر إلى أضعف وتيرة منذ يونيو

أظهرت بيانات مسح، نُشرت يوم الثلاثاء، تباطؤ نمو النشاط التجاري الأميركي في ديسمبر (كانون الأول) إلى أضعف وتيرة له منذ يونيو (حزيران).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت يُجري مقابلة تلفزيونية في البيت الأبيض 10 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

هاسيت يؤكد أهمية استقلالية «الفيدرالي» رغم قربه من ترمب

قال كيفن هاسيت، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض وأحد أبرز المرشحين لرئاسة «الفيدرالي» في نظر الرئيس دونالد ترمب، إن استقلالية البنك المركزي أمر بالغ الأهمية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ب)

«وول ستريت» تتأرجح بعد بيانات اقتصادية متباينة

شهدت سوق الأسهم الأميركية تذبذباً يوم الثلاثاء، عقب صدور بيانات متباينة حول قوة الاقتصاد، التي لم تُبدد حالة عدم اليقين بشأن اتجاه أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد سكوت بيسنت قبل مباراة كرة القدم السنوية بين فريقي الجيش والبحرية في بالتيمور بماريلاند (رويترز)

بيسنت: وارش وهاسيت مؤهلان لرئاسة «الفيدرالي»

قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، إن كلاً من كيفن وارش وكيفن هاسيت مؤهلان لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة «نحن نوظّف» معروضة خارج أحد متاجر «تارغت» في إنسينيتاس بولاية كاليفورنيا (رويترز)

نمو الوظائف الأميركية ينتعش في نوفمبر رغم تراجع أكتوبر

انتعش نمو الوظائف في الولايات المتحدة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) بعد تراجع الوظائف غير الزراعية في أكتوبر (تشرين الأول) بسبب تخفيضات الإنفاق الحكومي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الروبية الهندية «الضحية الكبرى» للرسوم الأميركية... والمستثمرون يحذّرون

ورقة نقدية من الروبية الهندية (رويترز)
ورقة نقدية من الروبية الهندية (رويترز)
TT

الروبية الهندية «الضحية الكبرى» للرسوم الأميركية... والمستثمرون يحذّرون

ورقة نقدية من الروبية الهندية (رويترز)
ورقة نقدية من الروبية الهندية (رويترز)

لم تتأثر أي عملة بالرسوم الجمركية الأميركية كما تأثرت الروبية الهندية، وقد يظل هناك المزيد من الانخفاض مع انسحاب المستثمرين من البلاد حتى رؤية إبرام اتفاق تجاري مع واشنطن.

وتُعد الروبية واحدة من أسوأ العملات أداءً عالمياً هذا العام؛ إذ تراجعت بنسبة 6 في المائة مقابل الدولار، نتيجة اتساع العجز التجاري، وفرض رسوم أميركية عقابية بنسبة 50 في المائة، إلى جانب تدفقات استثمارية خارجة، مما أدى إلى وصولها إلى أدنى مستوى قياسي عند 91.075 روبية للدولار، وفق «رويترز».

وعند قياسها مقابل سلة من عملات شركاء التجارة، سجل سعر الصرف الحقيقي الفعّال 96، وهو الأدنى خلال أكثر من عقد من الزمن، وفقاً لشركة «سيتي». ويُعد هذا أدنى بكثير من متوسط 10 سنوات البالغ 103، وعادةً ما يُعدّ إشارة موثوقة إلى أن العملة مستحقة للارتداد.

لكن الأمر هذه المرة مختلف، وفق مديري الأموال الذين زادوا الضغط على العملة بسحب 18 مليار دولار من الأسهم الهندية هذا العام، ويقولون إن المزاج الحالي من غير المرجح أن يتغير سريعاً، رغم أن الروبية تبدو رخيصة. وقال كبير استراتيجيي الاقتصاد الكلي في آسيا لدى شركة «جي بي دراكس هونور»، فيفيك راجبال: «أعتقد أن صبر السوق بشكل عام بدأ ينفد»، في إشارة إلى أن أشهر المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة لم تسفر حتى الآن عن أي اتفاق أو تخفيف للرسوم الجمركية. وأضاف: «إنها نقطة دخول جيدة للأصول الهندية، لكن أولاً تحتاج السوق إلى ثقة بأن الرسوم الجمركية مؤقتة فقط».

الهند والولايات المتحدة أجرتا مفاوضات طوال معظم عام 2025، رغم أن المستشار الاقتصادي الرئيسي للهند صرّح الأسبوع الماضي، في مقابلة مع «بلومبرغ»، بأنه يتوقع التوصل إلى اتفاق بحلول مارس (آذار) 2026. ومع ذلك، فإن الكثير من دول آسيا لديها بالفعل اتفاقات أو على الأقل هدنة مع الولايات المتحدة، مما يترك الهند معرضة بشكل خاص، لتصبح الروبية بمثابة المخفف للصدمات.

ضعف الروبية مستمر

قد يساعد انخفاض قيمة العملة في تخفيف أثر الرسوم الجمركية عبر خفض أسعار الصادرات بالدولار، لكن مع رسوم أميركية تصل إلى 50 في المائة، يتوقع الاقتصاديون أن يكون ضعف الروبية أكبر لتغطية هذه الرسوم، إلى جانب ضغوط إضافية ناتجة عن العجز التجاري الكبير وتدفقات رأس المال الخارجة.

وبغياب اتفاق تجاري، لا يُتوقع أن تنعكس هذه العوامل قريباً، وقد عزّز تقرير لوكالة «رويترز» حول عدم نية البنك المركزي الوقوف في وجه العوامل الأساسية التوقعات بضعف أكبر للعملة.

وأشار محللو «إتش إس بي سي» إلى أن انخفاض الروبية الحاد يُشكّل مخاطر كبيرة على وضع إيجابي نسبياً للأسهم الهندية، رغم أنهم يرون أن الأسواق تستحق إعادة النظر بسبب تحسّن التقييمات والاقتصاديات، عادّين السوق الهندية تحوطاً ضد موجة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.

كما قامت شركات وساطة أخرى، مثل: «سيتي»، و«غولدمان ساكس»، و«جي بي مورغان»، بترقية الأسهم الهندية مؤخراً، متوقعة تحسناً في السوق الهندية خلال 2026 بدعم من خفض أسعار الفائدة، ويرى بعضهم أيضاً احتمال ارتداد الروبية.

وقال رئيس قسم ديون الأسواق الناشئة لدى «تي تي» لإدارة الأصول الدولية في لندن، جان تشارلز سامبور: «الوتيرة الأخيرة لانخفاض العملة دفعتها جزئياً المخاطر الجيوسياسية وتأثيرها على توقعات الحساب الجاري»، مضيفاً: «نعتقد أن بعض هذه المخاطر قد تكون مبالغاً فيها الآن».

معضلة للمستثمرين العالميين

كما تأثرت الأسواق الهندية للأسهم التي تهيمن عليها البنوك وشركات التعهيد لتكنولوجيا المعلومات، بأداء ضعيف خلال 2025، حيث ارتفع مؤشر «نيفتي 50» نحو 10 في المائة، مقارنة بارتفاع 26 في المائة في مؤشر «إم إي سي آي» للأسواق الناشئة، نتيجة عدم وضوح الرهانات على الذكاء الاصطناعي.

وعند المقارنة بالدولار، تظهر الصورة أكثر ضعفاً، إذ ارتفع مؤشر «إم إي سي آي» لأسهم الهند أقل من 2 في المائة هذا العام، مقابل ارتفاع يقارب 30 في المائة لدى مؤشر «إم إي سي آي» للصين، المنافس الرئيس للمستثمرين الأجانب.

ويستمد المستثمرون إشاراتهم أيضاً من تجربة الصين خلال ولاية ترمب الأولى، لمعرفة مدى انخفاض الروبية المحتمل. وقالت نائبة الرئيس التنفيذي للاستثمار في «مورغان ستانلي إنفستمنت مانجمنت»، جتينيا كاندهاري: «يمكن مقارنة انخفاض الروبية بما حدث لليوان الصيني نتيجة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الولاية الأولى لترمب، وقد تحتاج الروبية إلى مواصلة الانخفاض إذا استمرت الرسوم الجمركية».

وانخفض اليوان بنحو 12 في المائة بين مارس (آذار) 2018 ومايو (أيار) 2020 نتيجة سلسلة من الرسوم المتبادلة. وأضافت أن شركتها التي تدير 1.8 تريليون دولار أميركي من الأصول، تحافظ على مركز زائد في الأسهم الهندية رغم تقليص بعض الحيازات، لرؤية القيمة في أماكن أخرى.

وقال رئيس الأسواق الناشئة العالمية في «فيدراتيد هيرميس»، كونغال غالا، إن «انخفاض الروبية ضروري لتحسين تنافسية الصادرات الهندية، لكن الروبية الضعيفة تُشكّل معضلة للمستثمرين العالميين الذين يقيسون محافظهم بالدولار».


«إنفيديا الصينية» تكتب تاريخاً جديداً في بورصة شنغهاي

علم الصين فوق لوحة إلكترونية مكتوب عليها «صُنع في الصين» (رويترز)
علم الصين فوق لوحة إلكترونية مكتوب عليها «صُنع في الصين» (رويترز)
TT

«إنفيديا الصينية» تكتب تاريخاً جديداً في بورصة شنغهاي

علم الصين فوق لوحة إلكترونية مكتوب عليها «صُنع في الصين» (رويترز)
علم الصين فوق لوحة إلكترونية مكتوب عليها «صُنع في الصين» (رويترز)

سجّلت شركة «ميتا إكس» الصينية لصناعة رقائق الذكاء الاصطناعي واحدة من كبرى القفزات في تاريخ بورصات الصين، بعدما ارتفعت أسهمها بنحو 700 في المائة في أول يوم تداول لها في سوق شنغهاي، في مؤشر واضح على الزخم القوي الذي تحظى به شركات أشباه الموصلات المحلية، مدفوعةً بدعم حكومي واسع لتقليص الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية.

وارتفع سهم «ميتا إكس إنتغريتد سيركيتس» من سعر الطرح البالغ 104.66 يوان إلى 700 يوان عند الافتتاح، قبل أن يصل إلى ذروة 895 يواناً، وينهي جلسة التداول عند 829.9 يوان، مسجلاً مكاسب بنحو 693 في المائة. وجاء هذا الأداء الاستثنائي بعد أيام فقط من إدراج منافستها الكبرى «مور ثريدز»، التي قفز سهمها بأكثر من 400 في المائة عند الإدراج.

ويرى محللون أن هذا الاندفاع يعكس مزيجاً من الحماس الاستثماري والمضاربة، إلى جانب الرهان طويل الأجل على استراتيجية الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الرقائق المتقدمة، في ظل القيود الأميركية المفروضة على تصدير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

اكتتاب محموم

وجمعت «ميتا إكس» نحو 4.2 مليار يوان (نحو 600 مليون دولار) من خلال طرحها العام الأولي، الذي شهد إقبالاً غير مسبوق من المستثمرين الأفراد، إذ تجاوزت طلبات الاكتتاب حجم المعروض بأكثر من 4000 مرة. وحسب «كي بي إم جي»، يُعد هذا الطرح سادس أكبر اكتتاب في الصين خلال عام 2025.

غير أن التقييمات المرتفعة أثارت تساؤلات في السوق، إذ جرى تسعير الشركة الخاسرة عند مضاعف يبلغ نحو 50 مرة من مبيعاتها لعام 2024، مقارنةً بنحو 34 مرة لشركة «إنفيديا»، و14 مرة لشركة «إيه إم دي»، وفق بيانات الإفصاح قبل الإدراج. وقال مدير صندوق استثماري في شنغهاي إن «الارتفاع الحالي يخلق فرص مضاربة هائلة، لكن من المرجح أننا نشهد ذروة سعرية يصعب تكرارها خلال السنوات المقبلة».

تأسست «ميتا إكس» قبل خمس سنوات على يد تشن ويليانغ (49 عاماً)، وهو مدير تنفيذي سابق في «إيه إم دي» عمل في فرعها في شنغهاي لأكثر من 13 عاماً، إلى جانب مؤسسين مشاركين من مهندسي الشركة الأميركية. وتستحوذ الشركة حالياً على نحو 1 في المائة من سوق رقائق الذكاء الاصطناعي في الصين، لكنها تتوقع مضاعفة مبيعاتها هذا العام، وتحقيق نقطة التعادل في وقت مبكر من العام المقبل.

يأتي هذا الزخم في وقت تتسابق فيه شركات الرقائق الصينية على دخول أسواق المال، بدعم مباشر من صناع القرار. فقد حصلت «بيرين تكنولوجي» على موافقة لطرح أسهمها في هونغ كونغ، فيما تستعد «كونلونشين» و«إنفليم» لخطوات مماثلة.

ويرى محللون أن بكين «تفتح صنبور التمويل» أمام شركات الرقائق المحلية، إدراكاً منها أن فجوة التكنولوجيا مع الولايات المتحدة لا يمكن سدها دون استثمارات ضخمة في البحث والتطوير واستقطاب الكفاءات.

مخاوف الفقاعة والتحديات التقنية

رغم التفاؤل، حذّر مديرو صناديق من «فقاعة سعرية» واضحة في أسهم الذكاء الاصطناعي. وأشارت «ميتا إكس» نفسها في نشرة الاكتتاب إلى مخاطر عدة، أبرزها القيود الأميركية على سلاسل التوريد، والفجوة التكنولوجية الكبيرة، مقارنةً بشركات مثل «إنفيديا» و«إيه إم دي».

كما تواجه الشركة منافسة شرسة في السوق المحلية من «مور ثريدز»، و«هايغون»، و«بيرين»، إضافةً إلى عمالقة التكنولوجيا مثل «هواوي» و«علي بابا»، الذين يملكون موارد مالية وتقنية أضخم.

وتزامن إدراج «ميتا إكس» مع انتعاش واسع في الأسهم الصينية، إذ أنهت بورصات البر الرئيسي وهونغ كونغ سلسلة خسائر استمرت يومين، بدعم من أسهم الذكاء الاصطناعي. وقفز مؤشر الذكاء الاصطناعي في الصين بأكثر من 3.6 في المائة، فيما ارتفع مؤشر شنغهاي المركب بنحو 1.2 في المائة.

وفي المقابل، ظل اليوان مستقراً قرب أعلى مستوى له في 14 شهراً، مع إشارات واضحة من البنك المركزي الصيني إلى عدم رغبته في السماح بارتفاع سريع للعملة، خشية تأثير ذلك على تنافسية الصادرات. ويرى محللون أن بكين تحاول الموازنة بين دعم الأسواق المالية، والحفاظ على استقرار اقتصادي أوسع في ظل تباطؤ عالمي وعدم يقين جيوسياسي.

وتعكس قصة «ميتا إكس» ملامح المرحلة الراهنة في الاقتصاد الصيني، بين طموح تكنولوجي مدفوع بالسياسة، وسيولة تبحث عن فرص نمو، وأسواق لا تخلو من المخاطر. وبينما يراهن المستثمرون على أن تكون هذه الشركات نواة «إنفيديا الصينية» المستقبلية، يبقى السؤال مفتوحاً حول قدرة الزخم السعري الحالي على الصمود أمام التحديات التقنية والمنافسة العالمية في السنوات المقبلة.


تراجع طفيف في استهلاك الطاقة بألمانيا عام 2025 رغم برودة الطقس

مهندس يتحكم في تدفق الغاز بمنشأة تخزينه في ألمانيا (رويترز)
مهندس يتحكم في تدفق الغاز بمنشأة تخزينه في ألمانيا (رويترز)
TT

تراجع طفيف في استهلاك الطاقة بألمانيا عام 2025 رغم برودة الطقس

مهندس يتحكم في تدفق الغاز بمنشأة تخزينه في ألمانيا (رويترز)
مهندس يتحكم في تدفق الغاز بمنشأة تخزينه في ألمانيا (رويترز)

من المتوقع أن ينخفض إجمالي استهلاك الطاقة في ألمانيا عام 2025 بشكل طفيف، وفق تقديرات مجموعة العمل لموازنات الطاقة (إيه جي إي بي)، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأشارت الإحصاءات إلى وجود عوامل أدت إلى زيادة الاستهلاك وأخرى إلى خفضه. فقد ساهمت برودة الطقس مقارنة بالعام الماضي؛ خصوصاً في فبراير (شباط) ومارس (آذار) وأكتوبر (تشرين الأول)، في ارتفاع استهلاك الطاقة للتدفئة.

وجاء في التقديرات: «لولا تأثير الطقس البارد لكان استهلاك الطاقة في ألمانيا قد انخفض بنحو 1.2 في المائة». وكان الخبراء قد توقعوا في نهاية أكتوبر زيادة طفيفة في الاستهلاك بسبب الطقس البارد.

وذكرت المجموعة أن انخفاض أسعار الوقود وزيت التدفئة والغاز الطبيعي ربما ساهم أيضاً في زيادة الاستهلاك، ولكن العوامل التي خفَّضت الاستهلاك كانت أقوى، مثل ضعف قطاع الصناعات الكيميائية الذي قلل الطلب على منتجات النفط.

وحسب التقديرات، سينخفض الاستهلاك الإجمالي في 2025 بنسبة نحو 0.1 في المائة ليصل إلى 10 آلاف و553 بيتاجول (بي جيه)، أي ما يعادل 2931 تيراواط/ ساعة. وللمقارنة؛ بلغ إجمالي الكهرباء التي ضخت في الشبكة عام 2024 نحو 432 تيراواط/ ساعة، بينما استهلكت مدينة هامبورغ وحدها نحو 10 تيراواط/ ساعة.

أما على مستوى مزيج الطاقة، فقد ارتفعت حصة مصادر الطاقة المتجددة إلى 20.6 في المائة (مقابل 19.8 في المائة في العام السابق)، كما زادت حصة الغاز الطبيعي إلى 26.9 في المائة (مقابل 26 في المائة العام السابق).

في المقابل، تراجعت حصة النفط إلى 35.7 في المائة (مقابل 36.5 في المائة العام السابق)، وكذلك الفحم البني إلى 7.2 في المائة والفحم الحجري إلى 7.1 في المائة. وتشمل النسب المتبقية واردات الكهرباء وكميات ناتجة من حرق النفايات.

وبسبب هذه التغيرات في مزيج الطاقة، انخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة بأكثر من 6 ملايين طن، أي ما يزيد على 1 في المائة مقارنة بالعام السابق، حسب بيانات الإحصائيين.