في رواية «إبحار بلا نهاية» للكاتب نعيم صبري، يمتزج المأزق الشخصي للأبطال بالهم السياسي العام، الذي يتصاعد مع أبرز الأحداث الشهيرة في تلك الفترة التي تمتد من نهاية الخمسينات وحتى أواخر السبعينات، حيث نتابع حياة الطبقة الوسطى في مصر وليبيا، من خلال تجربة الشابَين المصريَّين: أدهم، الطَموح الذي يسعى للهروب من واقعه والبحث عن فرص جديدة، وماجد، المهندس الذي يكتشف في ليبيا عوالم جديدة غير مألوفة.
تبدأ الحكاية مع أدهم، الذي يواجه الحياة بمفرده باحثاً عن مغامرات تجلب له الثروة والاستقلال ما بين العمل على شواطئ مدينة أبو قير بالإسكندرية، والدخول في علاقات عاطفية مع نساء من مختلف الثقافات وصولاً إلى زواجه من أرملة ألمانية والهجرة إلى ألمانيا ومع ازدياد الضغوط الاقتصادية والسياسية يجد نفسه مضطراً للبحث عن حياة جديدة في ليبيا، حيث تتشابك مساراته مع كل من ماجد، والليبي عبد الرحمن، الذي تتعقَّد علاقته به بعد توتر العلاقات بين مصر وليبيا.
في خلفية هذه الأحداث تأتي نكسة 67، وأثرها العميق على الشخصيات مما يدفع أدهم للبحث عن ملاذ آمن، فهل سينجح في ذلك أم سيظل يبحث عن نهاية لإبحاره الذي لا ينتهي؟
ونعيم صبري روائي وشاعر مصري. أصدر ديوانَين عام 1988 هما «يوميات طابع بريد» و«تأملات في الأحوال». اتجه بعد ذلك إلى المسرح، ثم بدأ كتاباته النثرية بكتاب عن سيرة طفولته بعنوان «يوميات طفل قديم». صدرت له 16 رواية منها: «شبرا»، و«تظل تحلم بإيزيس»، و«دوامات الحنين»، و«صافيني مرة».
ومن أجواء الرواية نقرأ:
«أستأذنك في كلمة على انفراد، انتحى بي جانباً وقال بصوت خافت مرتجف: أنا لست مهندساً، أنا (دبلوم صنايع)، خبرة عملية طويلة ونجحت في ترتيب أوراقي وتقديمها للحصول على عقد عمل مهندس بالوزارة عن طريق بعض المعارف أولاد الحلال. أرجوك لا تكشفني أمام الإدارة، جربني وسترى... عملت كثيراً وعركتني الحياة. أنا من الإسكندرية والقاهرة، واكتسبت خبرة والحمد لله. العمل هنا عبارة عن متابعة لتنفيذ المشروعات، وأستطيع أن أقوم به بكفاءة، جربني ولن تندم، عندي ثلاثة أبناء، وأحتاج للوظيفة، لن أنسى جميلك ما حييت.
كان الصدق واضحاً في كلامه والرجاء يتوسل من عينيه، رجاء مشوب بعزة نفس وبلا تذلل أو انسحاق. تركيبة غير مألوفة وحضور مشع، انتبهت لصراحته اللافتة. فوجئت وفكرت سريعاً، قلت له: لا بأس اطمئن سأقبلك للعمل معي في المشروعات التي أشرف عليها.
كان ذلك في ليبيا، في مدينة طرابلس الوادعة على شاطئ البحر منذ ما يزيد على أربعين عاماً، ومضت الأحداث. أدهم جلال سليم وطرابلس الغرب، طير مهاجر وإحدى عرائس البحر لمتوسط. كلاهما يأمل ويستشرف، هو في مجيئه من الإسكندرية بعد أن جارت عليه الأيام والخطوب، وطرابلس في تطلعها للبناء والتطوير والتقدم بعد ثورة أول سبتمبر (أيلول)، التي سيصبح اسمها (الفاتح من سبتمبر) فيما بعد.
كانت طرابلس مدينة كوزموبوليتانية هادئة في ذلك الوقت من بداية السبعينات بعد قيام الثورة الليبية بقليل، يعمل بها كثير من الجنسيات: إيطاليون وأميركيون في شركات البترول الأميركية، وإنجليز وفرنسيون وألمان منتشرون في الشركات الأجنبية وشركات البترول العديدة».




