ما حقيقة العنف الطائفي في نيجيريا؟

ترمب هدد بعمل عسكري... وأبوجا نفت اضطهاد المسيحيين

جيش نيجيريا يتعقب في الغابات إرهابيين (إعلام محلي)
جيش نيجيريا يتعقب في الغابات إرهابيين (إعلام محلي)
TT

ما حقيقة العنف الطائفي في نيجيريا؟

جيش نيجيريا يتعقب في الغابات إرهابيين (إعلام محلي)
جيش نيجيريا يتعقب في الغابات إرهابيين (إعلام محلي)

أثارت تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالتدخل العسكري في نيجيريا، تحت ذريعة حماية المسيحيين من العنف الطائفي، تساؤلاتٍ بشأن حقيقة الأوضاع الأمنية هناك، وما إذا كان هناك فعلاً اضطهاد للمسيحيين، في ظل معاناة الدولة الواقعة غرب أفريقيا من إرهاب متزايد منذ أكثر من 15 عاماً.

وقال ترمب في منشور على «تروث سوشيال»، السبت: «إذا استمرت الحكومة النيجيرية في السماح بقتل المسيحيين، ستوقف الولايات المتحدة فوراً كل المساعدات لنيجيريا، وقد تذهب إلى هذا البلد مدججةً بالسلاح للقضاء على الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون هذه الفظائع المروعة».

سكان في ضواحي لاغوس بعد وقوع حادث إرهابي في منطقتهم (غيتي)

وردت نيجيريا، الأحد، برفض التهديد الأميركي، وقال متحدث باسم الرئاسة النيجيرية إن الولايات المتحدة لا يمكنها تنفيذ أي عملية عسكرية داخل نيجيريا من جانب واحد، استناداً إلى ادعاءات بتعرض المسيحيين للاضطهاد في البلد الواقع غرب أفريقيا. وأوضح دانيال بوالا، المتحدث باسم الرئيس النيجيري بولا تينوبو، لـ«أسوشييتد برس»، أن هذا التهديد العسكري الصادر عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستند إلى تقارير مضللة، ويبدو أنه يندرج ضمن «أسلوب ترمب القائم على استخدام القوة لفرض الجلوس إلى طاولة حوار وبدء النقاش».

وكان الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو قال في بيان، السبت، إن «وصف نيجيريا بأنها غير متسامحة دينياً لا يعكس واقعنا الوطني»، قبل أن تُعلن الرئاسة النيجيرية في بيان آخر، الأحد، ترحيبها بمساعدة الولايات المتحدة لها في «مكافحة الإرهاب».

وتعجب الباحث النيجيري في الشأن الأفريقي سنوسي حامد من «المزاعم الأميركية» حول العنف على أساس الدين في نيجيريا، وتجاهل أن «ما يحدث في البلد الجارة ويطول بلاده (النيجر) أيضاً هو توغل لجماعات إرهابية متعددة الجنسيات منذ نحو 15 عاماً، ويقع أكثر ضحاياها من المدنيين مسلمين ومسيحيين»، بالإضافة إلى «نزاعات أخرى على الأراضي الزراعية أو خلافات ما لكن يتم إبرازها من البعض على أنها حوادث طائفية». وأشار إلى أن نيجيريا دولة «فيدرالية أي أن كل إقليم فيها يحكم نفسه، ويشكل المسيحيون غالبية سكان إقليمها الجنوبي، الذي ينتمي إليه رئيس الدولة أيضاً».

جانب من مناورات نظمها سلاح الجو النيجيري قبل نحو شهرين ضمن حربه على الإرهاب (الجيش النيجيري)

واعتبر حامد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «تصريحات ترمب تتعامل مع المسيحيين في نيجيريا وكأنهم رعايا أميركيون وليسوا مواطنين نيجيريين، ما يعد تعدياً على سيادة نيجيريا، ويعكس نيات سياسية لها للتدخل بهذه الذريعة في شؤون البلاد وانتهاك سيادتها»، لافتاً إلى أهمية نيجيريا الاقتصادية إذ تعد واحدةً من أكثر الدول إنتاجاً للنفط في أفريقيا.

وتتوغل في نيجيريا، خصوصاً في الولايات الشمالية، وحتى النيجر وتشاد، جماعات إرهابية متعددة وفق الباحث في الشأن الأفريقي، في مقدمتها «بوكو حرام»، وتنظيم «داعش».

وأعربت نيجيريا، الأحد، عن ترحيبها بمساعدة الولايات المتحدة لكن في حدود «مكافحة الإرهاب». وقال المتحدث باسم الرئاسة دانيال بوالا: «نرحب بالمساعدة من الولايات المتحدة ما دامت تعترف بسلامة أراضينا»، وفق «رويترز»، مشيراً إلى أنه «بحلول الوقت الذي يجتمع فيه هذان الزعيمان ويجلسان فيه، ستكون هناك نتائج أفضل في عزمنا المشترك على مكافحة الإرهاب».

وجاءت التهديدات الأميركية غداة إعادة إدراج الولايات المتحدة لنيجيريا في قائمة «الدول ذات الاهتمام الخاص»، الجمعة، وهي الدول التي تصنفها واشنطن على أنها ضالعة في انتهاكات للحريات الدينية، وتضم الصين وميانمار وكوريا الشمالية وروسيا وباكستان.

وكانت اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية أوصت في تقريرها الصادر في أبريل (نيسان) الماضي، بضم نيجيريا لهذه القائمة، قائلة إن «المسيحيين النيجيريين يواجهون انتهاكات منهجية ومستمرّة وخطيرة لحرية المعتقد». وسبق وضمت الولايات المتحدة نيجيريا إلى هذه القائمة في عام 2020، ثم أزالتها في العام التالي.

وانتقد الباحث النيجيري في «معهد الدراسات الأمنية»، تايوو حسن أديبايو، فشل السياسات الرسمية في بلاده في مواجهة الإرهاب، ما أدى إلى التهديد الأميركي، مؤكداً أن الإرهاب يطول «المسلمين والمسيحيين» هناك. وقال إديبايو، عبر صفحته على «فيسبوك»، الأحد، إن انتقاد ترمب لنيجيريا (...) لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لفشل الإدارات النيجيرية المتعاقبة في حماية المواطنين، وإظهار قيادة حقيقية في مواجهة موجات القتل الجماعي المستمرة، قتل يطال المسلمين والمسيحيين، الرجال والنساء، في كل مكان».

ويدعم أعضاء في الكونجرس الأميركي روايات العنف الطائفي ضد المسيحيين في نيجيريا، وكذلك منظمات مدنية. وسبق وقدرت الجمعية الدولية للحريات المدنية، وهي مؤسسة تعني برصد العنف الطائفي ضد المسيحيين النيجيريين، ويقع مقرها في الجنوب حيث الأغلبية المسيحية، أن «نحو 32 مسيحياً نيجيرياً يقتلون يومياً خلال عام 2025»، وفق تقرير صادر عنها في أغسطس (آب) الماضي.

ويدحض الباحث النيجيري هذه الروايات قائلاً إن «جماعات مسلحة وإرهابية وعصابات ومتطرفين ومجرمين آخرين يرتكبون في نيجيريا مجازر بحق المواطنين الأبرياء، وغالباً ما تلتزم الحكومة الصمت أو تكتفي بتصريحات باهتة»، مؤكداً أن «الأمر لا يقتصر على المسيحيين، رغم أنهم الضحايا الرئيسيون في منطقة الحزام الأوسط، حيث لا يكون الدافع دينياً بالضرورة؛ فالمسلمون والتجار والأطفال والنساء جميعهم ذُبحوا».

الأمر نفسه أكده المحلل المختص في شؤون أفريقيا في مؤسسة «أكليد» الأميركية لاد سروات، لوكالة الصحافة الفرنسية، قائلاً إن «عنف الجماعات الجهادية في نيجيريا أعمى». وأظهرت بيانات للمؤسسة الأفريقية أن الضحايا المسلمين تفوق أعدادهم المسيحيين أحياناً، «فقد قضى 52915 مدنياً في اغتيالات سياسية محددة الهدف منذ عام 2009، ويشمل الرقم المسلمين والمسيحيين». وتشير البيانات إلى وقوع ما لا يقل عن 389 حالة عنف استهدفت المسيحيين بين عامي 2020 و2025، أوقعت 318 قتيلاً على الأقل. وخلال الفترة نفسها، استهدف 197 هجوماً مسلمين، أسفرت عن 418 قتيلاً على الأقل، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

من جانبه، يرى الباحث السوداني في الشأن الأفريقي محمد تورشين أن التلويح الأميركي بورقة «الطائفية» محاولة للضغط على الحكومة النيجيرية، في ظل توترات للأوضاع بين البلدين، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات النيجيرية الأميركية غير مستقرة منذ عهد الرئيس السابق محمد بخاري، حين رفضت الولايات المتحدة مده بالمعدات العسكرية اللازمة لمواجهة الإرهاب، وتدهورت العلاقات أكثر حين استعانت الحكومة النيجيرية السابقة والحالية بالصين وروسيا لعقد صفقات تسليح، ما أثار حفيظة الولايات المتحدة، التي تسعى حالياً للضغط على نيجيريا بهذه التهديدات».


مقالات ذات صلة

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة» متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «حقبة استعمارية».

أحمد جمال (القاهرة)
أفريقيا وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)

نيجيريا تعين وزير دفاع جديداً وتعيد هيكلة منظومتها الأمنية «المتعثرة»

 اتخذت نيجيريا خطوات لإعادة هيكلة منظومتها الأمنية وعينت وزير دفاع جديداً أملاً في التصدي لخطر «الإرهاب» كما اتخذت قرارات تشدد الرقابة على حيازة السلاح.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا الفريق المتقاعد كريستوفر موسى المرشح لتولي منصب وزير الدفاع الجديد في نيجيريا (إعلام محلي)

نيجيريا: مَن وزير الدفاع الجديد الذي اقترحه الرئيس على مجلس الشيوخ؟

اقترح الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو تعيين رئيس هيئة الأركان السابق، الفريق المتقاعد كريستوفر موسى، لتولي منصب وزير الدفاع الجديد، وسط تحديات أمنية جسام.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا جانب من أشغال الاجتماع الأفريقي رفيع المستوى في وهران بغرب الجزائر الاثنين (الخارجية الجزائرية)

قلق أفريقي متزايد من تصاعد الانقلابات وتهديدات الإرهاب

عبّر وزراء خارجية عدد من الدول الأفريقية، ومسؤولون في الاتحاد الأفريقي، خلال اجتماع في الجزائر، عن قلق من تزايد الانقلابات في القارة وتهديدات الإرهاب.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
أفريقيا الجنرال هورتا نتام يؤدي اليمين خلال مراسم في غينيا بيساو يوم 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

رغم التنديد الدولي... رجل بيساو «القوي» يثبِّت انقلابه

قال جيش غينيا بيساو في بيان إن الجنرال هورتا نتام أدى اليمين رئيساً انتقالياً للبلاد  (الخميس) وذلك بعد يوم واحد من إعلان ضباط الجيش عزل الرئيس.

الشيخ محمد (نواكشوط)

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
TT

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)

اتهمت النيجر شركة «أورانو» الفرنسية للوقود النووي بـ«السلوك الاستغلالي» وارتكاب جرائم بيئية، في تصعيد جديد لنزاع محتدم حول السيطرة على مناجم اليورانيوم في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا.

وذكرت الحكومة التي يقودها الجيش أن شركة «أورانو» يمكن أن تواجه إجراءات جنائية بتهمة ارتكاب «جرائم جماعية» بعد أن أفادت السلطات بالعثور على 400 برميل من المواد الأساسية المشعة في منطقة ماداويلة بالقرب من منطقة أرليت.

وقالت شركة «أورانو»، المملوكة بنسبة 90 بالمائة للدولة الفرنسية، إنها لم تتلقَّ أي إشعار رسمي بالإجراءات القانونية، ونفت العمل في منطقة ماداويلة.

وأضافت الشركة، في رد مكتوب على أسئلة وكالة «رويترز»، «(أورانو) لا تملك رخصة تشغيل لموقع ماداويلة، ولم تقم بأي عمليات هناك».

وقال وزير العدل أليو داوودا إن الإشعاع في المنطقة تجاوز المعدلات الطبيعية بشكل كبير؛ إذ بلغ نحو سبعة إلى عشرة ميكروسيفرت في الساعة، مقارنة بالمعدل المعتاد البالغ 0.5 ميكروسيفرت. ووجدت الفحوص مادتين مرتبطتين بمشاكل تنفسية يمكن أن تشكل ضرراً على صحة الناس.

يأتي هذا الخلاف عقب تأميم النيجر منجم «سومير» في يونيو (حزيران)، مما أدى إلى تجريد «أورانو» من حصتها البالغة 63.4 بالمائة.


كيف وسّع تنظيم «القاعدة» نفوذه في غرب أفريقيا؟

عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

كيف وسّع تنظيم «القاعدة» نفوذه في غرب أفريقيا؟

عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)

أعلن تنظيم «القاعدة» أنه شنّ خلال الشهر الماضي أكثر من 70 عملية في دول الساحل وغرب أفريقيا، ما أسفر عن سقوط أكثر من 139 قتيلاً، في وقت تعيش فيه هذه المنطقة أسوأ وضع أمني منذ عقدين.

ونشرت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة للتنظيم تقريراً يتضمن حصيلة عملياتها في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وبنين، بالإضافة إلى نيجيريا التي شنت فيها الجماعة أول هجوم على أراضيها خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وزعمت الجماعة أن عملياتها أسفرت عن تدمير قرابة 40 آلية عسكرية، وأكثر من 100 دراجة نارية.

آلية تابعة لجيش مالي قال تنظيم «القاعدة» إنه دمرها قرب مدينة غاو (تواصل اجتماعي)

وحول طبيعة العمليات، قالت الجماعة إنها شنّت أكثر من 62 غارة، و27 هجوماً باستخدام العبوات الناسفة، ونصبت أكثر من ستة كمائن، ونفذت عمليتين بالقصف المدفعي، واستولت على أكثر من 180 قطعة سلاح متوسط. كما زعمت أنها أسرت سبعة جنود، دون تحديد دولهم.

ولا يمكن التحقق بشكل مستقل من هذه الأرقام، في ظل غياب مصادر مستقلة.

توسع النفوذ

وتعليقاً على هذه الحصيلة، قال الباحث في قضايا دول الساحل والصحراء والجماعات المسلحة محمدن أيب إن أغلب الهجمات كانت من تنفيذ «جبهة تحرير ماسينا»، التي وصفها بـ«القوة الضاربة» في جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» لأن أغلب مقاتلي الجماعة في المنطقة هم من هذه الجبهة التي أنشأها أمادو كوفا سنة 2015.

عناصر من الأمن تعزز وجودها في باماكو عاصمة مالي خلال حصار خانق فرضه تنظيم «القاعدة» (أ.ف.ب)

وأشار أيب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عدد مقاتلي «القاعدة» في منطقة الساحل وغرب أفريقيا يقدر بأكثر من 18 ألفاً، مستنداً لأرقام أوردها مصدر قال إنه «موثوق» من داخل «نصرة الإسلام والمسلمين». وأضاف أن ذلك أسهم في «زيادة عمليات التنظيم في المنطقة بنسبة 21 في المائة بالمقارنة مع الأشهر الأخيرة».

وأوضح أن ارتفاع عدد العمليات يعود إلى حصار باماكو، عاصمة مالي، وما حدث فيه من استهداف لصهاريج الوقود، بالإضافة إلى دخول مناطق جديدة إلى حيز الهجمات للمرة الأولى، مثل شمال نيجيريا. لكنه أكد أن حصيلة العمليات «ضعيفة جداً» بالمقارنة مع عددها ومع العمليات التي شنها التنظيم خلال أشهر سابقة.

صهاريج وقود أضرم مقاتلو «القاعدة» النار فيها على طريق يربط مالي بالسنغال (إعلام محلي)

من جهة أخرى، أكد الباحث أن توسع تنظيم «القاعدة» يرجع إلى نفوذ «جبهة تحرير ماسينا» والكتائب التابعة لها؛ وضرب مثلاً بـ«كتيبة حنيفة» التي توجد في النيجر، والتي قال إنها كانت في السابق مجرد كتيبة عادية وصغيرة قبل أن تصبح الآن «قوة ضاربة تحكم حدود النيجر مع بوركينا فاسو، وتتبع لها كتيبة أخرى تدعى (كتيبة مسلم) تنشط في شرق بوركينا فاسو وتنفذ عمليات شمال بنين».

وأضاف أن نفوذ كتائب «ماسينا» توسع في بوركينا فاسو ليصل إلى الحدود مع ساحل العاج، كما توسع في مالي ليصل إلى الحدود مع موريتانيا والسنغال.

جنود من جيش مالي خلال إنزال لمطاردة مسلحين من «القاعدة» في إحدى الغابات (إعلام محلي)

لكنه قال: «بالنظر إلى كل هذا التوسع، يمكن القول إن الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم عادية جداً؛ سواء من حيث حصيلة العمليات، أو الحصول على العتاد والسلاح من ثكنات جيوش دول الساحل: النيجر ومالي وبوركينا فاسو».

العمليات «الانغماسية»

وفي رأي أيب، فإن تقرير تنظيم «القاعدة» غابت عنه العمليات «التي تسمى عندهم بالعمليات الانغماسية، وهي عمليات من تنفيذ كوماندوس يستهدف نقطة حساسة دون التخطيط للخروج منها أو العودة، مثل العملية التي استهدف فيها التنظيم مطار باماكو شهر سبتمبر (أيلول) 2024».

بقايا آلية عسكرية قال تنظيم «القاعدة» إنه دمرها في هجوم بولاية غاو شمال مالي في أكتوبر 2025 (تواصل اجتماعي)

وأوضح الباحث أن «العمليات الانغماسية رديفة للعمليات الانتحارية، وتسمى في أدبيات تنظيم (القاعدة) بالسلاح الاضطراري»، مشيراً إلى أن عدم لجوء التنظيم إليها في الفترة الأخيرة «يعني تحكمه في المنطقة، أي أن التنظيم لا يحتاج إلى انغماسيين أو انتحاريين يرسلهم لتنفيذ عمليات، لأنه يتحكم في طرق الإمداد».

وأضاف: «هذا التحكم جعل تنظيم (القاعدة) لا يلجأ إلى العمليات الانغماسية والانتحارية، واكتفى بالمحاصرة والهجوم واستخدام الدراجات النارية».

«فوضى إعلامية»

ولفت الباحث إلى أن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» تعيش حالياً ما يمكن تسميته «الفوضى الإعلامية»، مشيراً إلى وجود حالة من «عدم التنسيق» بين الأذرع الإعلامية لتنظيم «القاعدة» في المنطقة.

وأوضح أن التنظيم كان يعتمد في السابق اعتماداً تاماً على «مؤسسة الأندلس» لنشر بياناته وتقاريره والدعاية لعملياته، ثم ظهرت بعد ذلك «مؤسسة الزلاقة» لتلعب الدور نفسه في غرب أفريقيا والساحل.

متحدث باسم «القاعدة» خلال مقطع فيديو يعلن فيه حصار باماكو (إعلام محلي)

وفي الوقت ذاته ظهرت قناة جديدة اسمها «الفتح»، تنشر أخبار التنظيم وعملياته، كما أن المقاتلين ينشرون بأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو من جوالاتهم مباشرة.

وأضاف أن ذلك دفع قاضي التنظيم والمتحدث الرسمي باسمه، محمود باري، إلى أن يتحدث ويطلب من المقاتلين «التخفيف في نشر مقاطع الفيديو»، وهو ما عدّه الباحث دليلاً على «فوضى إعلامية داخل جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين)، وأنها أصبحت خارج نطاق تحكم تنظيم (القاعدة) التقليدي»، أي التنظيم الأم.


نيجيريا تعين وزير دفاع جديداً وتعيد هيكلة منظومتها الأمنية «المتعثرة»

وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)
وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)
TT

نيجيريا تعين وزير دفاع جديداً وتعيد هيكلة منظومتها الأمنية «المتعثرة»

وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)
وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)

وسط ازدياد عمليات «الخطف الجماعي» وغيرها من «الجرائم الإرهابية»، اتخذت نيجيريا خطوات لتعزيز منظومتها الأمنية وإعادة هيكلتها، وعينت وزير دفاع جديداً أملاً في التصدي لمثل هذه المخاطر؛ كما اتخذت قرارات تمنع العفو عن المتورطين في جرائم الخطف والإرهاب، وتشدد الرقابة على حيازة الأسلحة وبيعها.

وبعد جلسة فحص «معمَّقة»، أقر مجلسا الشيوخ والنواب، الأربعاء، تعيين رئيس الأركان السابق الفريق كريستوفر موسى وزيراً للدفاع، بعد استجوابه حول خطته لمواجهة انعدام الأمن وتصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية وعمليات الخطف الجماعي في البلاد.

واستمرت جلسة مجلس الشيوخ قرابة أربع ساعات، ووصفتها الصحف المحلية بأنها كانت «عاصفة وغلبت عليها الخلافات الحزبية»، كما توقفت عدة مرات بسبب «احتجاجات صاخبة داخل القاعة»؛ وهو ما يعكس مستوى التوتر والضغط الشعبي بسبب سوء الأوضاع الأمنية في بلد يتجاوز تعداد سكانه 200 مليون نسمة، ويُعد أكبر مُصدر للنفط والغاز في أفريقيا.

بدأت الجلسة ساخنة حين اقترح أحد أعضاء المجلس عدم «استجواب» الفريق موسى حين يمثل أمام الجلسة لعرض خطته، مشيراً إلى حساسية القضايا الأمنية التي عادة تناقش «وراء أبواب مغلقة»، على حد وصفه.

ولكن المقترح أثار غضب عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ؛ ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل رئيس المجلس غودسويل أكبابيو لضبط النظام قائلاً: «هذه ليست ساعة للمرور دون استجواب».

خطة الوزير

خضع موسى لأسئلة دقيقة حول تمويل الدفاع، وإخفاق الاستخبارات، وفجوات التكنولوجيا، وتصاعد عمليات قُطاع الطرق، وتوغّل الإرهابيين، وحوادث الاختطاف المتكررة.

أفراد من قوة مهام مدنية يجوبون مناطق بمدينة مينا النيجيرية لملء الفراغ الأمني 29 نوفمبر 2025 (رويترز)

وقدَّم موسى خطته لتسيير وزارة الدفاع، التي تضمنت تسع نقاط بارزة، على رأسها سحب الجيش من الحواجز الروتينية، وتسليم هذه الحواجز للشرطة والدفاع المدني، وإعادة نشر القوات المسلحة في الغابات لملاحقة الإرهابيين في مخابئهم.

كما تضمنت الخطة ما سماه «تعزيز التنسيق مع الحكّام والوزارات، وإشراك المجتمعات المحلية، ومكافحة التعدين غير المشروع المموّل للإرهاب». وأشار الوزير إلى أهمية تعزيز الأمن البحري، وتوسيع الرقابة الحدودية حتى الكاميرون، وحماية الأراضي الزراعية لضمان الأمن الغذائي.

وتعهد الوزير بالعمل على فرض «فحص صارم للتجنيد مدعوم بأنظمة رقمية»، وأكد أن القوات المسلحة «لن تسمح بضمّ عناصر سابقة في الجماعات المتطرفة»، وذلك وسط اتهامات بوجود ثغرات استخباراتية سببها وجود جنود لديهم سوابق إرهابية.

وقال الوزير الجديد إن الحل الجذري لهذه الشكوك هو «قاعدة بيانات وطنية شاملة تمنع المجرمين من الإفلات عبر تغيير أماكن إقامتهم».

«فجوة التسليح»

خلال مساءلة الفريق موسى، قال نائب رئيس مجلس الشيوخ غودسويل أكبابيو إن «التمرد الإرهابي» كان في تراجع قبل «التصريح الشهير» للرئيس الأميركي دونالد ترمب حول نيته التدخل عسكرياً في نيجيريا لحماية المسيحيين، لكن هذا التصريح أدى إلى «تفاقم التوتر الأمني».

أفراد من قوة مهام مدنية يقفون للحراسة أمام كنيسة بمدينة مينا النيجيرية 30 نوفمبر 2025 (رويترز)

وطالب السيناتور علي ندوم بوضع القوات المسلحة «ضمن بند الصرف المباشر»، وذلك «لضمان حصولها على تمويل فوري من الحساب الاتحادي دون عراقيل بيروقراطية»، وقال: «الأمن أهم من التسويف... لا مبرر لأي تأخير في التمويل»، ودعا إلى تحسين أوضاع الجنود، مشيراً إلى أنّ رواتب الجنود النيجيريين ليست ضمن الأفضل في غرب أفريقيا.

وأثار بعض أعضاء مجلس الشيوخ مسألة «فجوة التسليح»، وأشاروا إلى أن الجماعات الإرهابية والعصابات تمتلك أسلحة أكثر تطوراً من الجيش. وسأل أحدهم: «لماذا نرى قطّاع طرق يحملون أسلحة متقدمة، بينما ما زالت قواتنا تحمل بنادق كلاشنيكوف؟».

وهُنا أجاب الفريق موسى بالقول إن «فجوات كبيرة لا تزال موجودة، خصوصاً في الجانب التقني وتكامل المعلومات الاستخبارية»، وتعهد بالعمل على «إصلاحات عاجلة».

لا فدية

وفي سياق ردوده، قال موسى: «لا تفاوض مع المجرمين والإرهابيين. يجب وقف دفع الفدية. ولا يجوز للولايات عقد صفقات تُقوّض الأمن القومي»، وذلك في إشارة إلى الأموال الكبيرة التي تجنيها شبكات الإرهاب والجريمة في نيجيريا من عمليات الخطف.

فصل دراسي خاوٍ بمدرسة ثانوية للبنات في مدينة مينا النيجيرية بعد قرار الحكومة إغلاق المدارس بشمال البلاد لانعدام الأمن 1 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

وأضاف الوزير الجديد أن الانتصار في الحرب على الإرهاب لا يتوقف على الجيش وحده، وقال: «الأمن يبدأ من الحكم الرشيد والعدالة والإنصاف... 30 في المائة فقط من الحرب عسكرية، والباقي حوكمة».

وانتقد بشدة «التأخر الكبير في محاكمات الإرهاب والاختطاف»، عادّاً أن هذا التأخر «يُضعف معنويات الأجهزة الأمنية».

قوانين صارمة

وبالتزامن مع جلسة الشيوخ، عقد مجلس النواب جلسة أخرى كانت عاصفة، وانتهت بالمصادقة على قوانين جديدة تتضمن تصنيف الاختطاف «جريمة إرهابية» عقوبتها الإعدام دون خيار الغرامة، وحظر دفع الفدية ومنح العفو، وتشديد الرقابة على الأسلحة وإخضاعها لمراجعة وطنية شاملة، وإنشاء نظام جرد موحد مدعوم بتتبع رقمي.

وصادق النواب على قانون إنشاء محكمة خاصة بالإرهاب وقطاع الطرق والمتورطين في الخطف الجماعي، كما أقروا قانوناً ينص على «ملاحقة ممولي الإرهاب علناً».

وفي إطار تعزيز الحرب على الإرهاب، صادق النواب على قانون يعد «ميزانية الأمن ضمن خط الصرف المباشر، وأولوية تلقائية في الصرف المالي المباشر دون تأخير ودون قيود بيروقراطية»، كما وافق المجلس على إعلان الأمن الحدودي «حالة طوارئ»، وعلى إنشاء حرس الحدود الوطني، وتنظيم وتدقيق عمل شركات الأمن الخاصة.

وينص الدستور في نيجيريا على أن القوانين التي صادق عليها مجلس النواب، لا تكون سارية المفعول إلا إذا صادق عليها مجلس الشيوخ، ومن المنتظر أن تُحال للشيوخ خلال أيام، لمناقشتها والمصادقة عليها.