كشفت دراسة حديثة أجرتها كلية «كينغز كوليغ» في لندن، «King's College London»، وشملت روائع فنية لعدد من أعظم الفنانين مثل إدوار مانيه وفان غوخ وبول غوغان، أن للفن تأثيراً مباشراً وفورياً في تهدئة الجسد وتقليل مستويات التوتر، حسب «سكاي نيوز».
لطالما آمن عشّاق الثقافة والفن بقدرة الفنون على الشفاء وعلى بثّ الراحة النفسية، إلا أن هذه الدراسة الجديدة قدّمت دليلاً علمياً ملموساً يؤكد تلك القناعة القديمة. فقد أظهرت النتائج أن الفن لا يُنعش الروح فحسب، بل يُحدث أيضاً تأثيرات قابلة للقياس على صحة الجسد ووظائفه الحيوية.
وأوضحت الدراسة أن مشاهدة الأعمال الفنية الأصلية في المعارض لا تحسّن المزاج وترفع المعنويات فقط، بل تُحدث أثراً إيجابياً مباشراً في الحالة البدنية والفسيولوجية للمشاهد.
وقد شملت التجربة خمسين مشاركاً تراوحت أعمارهم بين 18 و40 عاماً، عُرضت عليهم لوحات مختارة لعدد من كبار فناني القرن التاسع عشر، من بينهم تولوز - لوتريك، وإدوار مانيه، وفان غوخ، وبول غوغان.
وخلال جلسة مدتها 20 دقيقة، شاهد المشاركون خمس لوحات، خصصت لكل لوحة مدة ثلاث دقائق من التأمل والملاحظة.
لكن التجربة قُسمت إلى مجموعتين: المجموعة الأولى شاهدت الأعمال الأصلية داخل معرض كورتولد غاليري في لندن، حيث تتوفر الإضاءة، والجو الفني، والأجواء الجمالية الحقيقية للعرض، بينما شاهدت المجموعة الثانية نسخاً مطبوعة مطابقة لتلك اللوحات في بيئة محايدة خالية من أي تأثير فني أو بصري خاص بالمعارض.
ولقياس التغيرات الجسدية بدقة علمية، استخدم الباحثون ساعات رقمية بحثية عالية الدقة لمراقبة معدلات ضربات القلب ودرجة حرارة الجلد، وهما من المؤشرات الفسيولوجية المعروفة التي تُستخدم عادة لتقدير مستوى الانفعال أو الهدوء لدى الإنسان.
كما تم أخذ عينات من اللعاب بواسطة مسحات قبل التجربة وبعدها، بهدف قياس هرمونات التوتر في الجسم، وتحديداً مستوى الكورتيزول، إضافة إلى رصد مؤشرات الالتهاب المرتبطة بمشكلات صحية مزمنة مثل أمراض القلب والسكري والاكتئاب.
وأظهرت النتائج أن التأثير لدى المشاركين الذين شاهدوا اللوحات الأصلية كان كبيراً وفورياً، إذ انخفض هرمون الكورتيزول المسؤول عن التوتر بنسبة 22 في المائة، كما تراجعت مؤشرات الالتهاب المرتبطة بمشكلات صحية خطيرة بنسبة وصلت إلى 30 في المائة.
وقال الدكتور توني وودز، الباحث الرئيسي في «كينغز كوليغ» في لندن، في تصريح لشبكة «سكاي نيوز» البريطانية: «كان حجم الفارق بين المجموعتين مذهلاً حقاً. الفرق بين مَن شاهدوا الأعمال الأصلية هنا في المعرض، ومَن شاهدوا النسخ في المختبر، كان كبيراً جداً، إلى درجة تُظهر بوضوح مدى قوة تأثير الفن الحقيقي».
وأوضح وودز أن تجربة مشاهدة الفن الأصلي في مكانه الطبيعي، أي داخل المعرض، محاطاً بالإضاءة الدقيقة، والتفاصيل المادية للوحة، وملمسها الحقيقي، تُحدث تفاعلاً عصبياً وجسدياً فريداً لا يمكن تكراره عند مشاهدة الصور أو النسخ المطبوعة، مهما بلغت دقتها.
