قالت المخرجة الفرنسية المصرية شارون حكيم إن قصة فيلمها القصير «الشيطان والدراجة» تعود في الأصل إلى قصة قصيرة كتبتها صديقتها اللبنانية تمارا سعادة، التي تعرفها منذ سنوات طويلة، لافتة إلى أن علاقتهما الفنية توطدت بعد ذلك التعاون الأول؛ إذ أرسلت لها تمارا خلال فترة جائحة «كورونا» عام 2020 نص القصة القصيرة.
وأضافت شارون لـ«الشرق الأوسط» أنها عندما قرأت القصة تأثرت بها بشدة وشعرت منذ اللحظة الأولى أنها ترغب في تحويلها إلى فيلم؛ لأن النص كما وصفته كان «قطعة فنية جميلة مفعمة بالتأمل والصدق، فبدأتا معاً العمل على إعداد السيناريو السينمائي المقتبس عنها».
ويحكي فيلم «الشيطان والدراجة» الذي حصد جائزة «أفضل فيلم عربي قصير» بمهرجان «الجونة السينمائي» في دورته الثامنة، قصة «ياسما»، الفتاة البالغة من العمر 13 سنة، والتي تستعد لطقوس التناول الأول في الكنيسة، وهي ابنة لأب وأم من ديانتين مختلفتين. ومع استيقاظ رغبتها الأولى، تبدأ في طقوس مختلفة تماماً، فتتداخل البراءة بالفضول.

وأوضحت شارون أن ما جذبها للقصة هو «عمقها الإنساني وصلتها بمسألة الهوية»، مشيرة إلى أن والدتها فرنسية ووالدها مصري، وأنها تنشغل في معظم أفلامها بمسألة الهوية، وكيف يحاول الإنسان أن يجد ذاته وهو منتمٍ إلى ثقافتين مختلفتين.
وأكدت أن «الاختلاف بين والدي ليس دينياً، بل ثقافي ولغوي، وهو ما جعلني قادرة على فهم مأزق بطلة الفيلم، تلك الفتاة الصغيرة التي تحاول أن تفهم نفسها وهي ابنة لزواج بين ديانتين مختلفتين، وكيف تنعكس هذه الخلفية على رؤيتها للعالم وعلى إحساسها بذاتها».
وبيّنت المخرجة أن اختيار بطلة الفيلم ميليسا لم يكن أمراً سهلاً، مشيرة إلى أن «العثور على ممثلة صغيرة في السن تمتلك الكاريزما والقدرة التمثيلية اللازمتين، ويكون أهلها في الوقت نفسه متقبلين لطبيعة القصة، كان تحدياً كبيراً».
وأضافت شارون: «عملت مع مديرة كاستينغ موهوبة جداً في لبنان، وشاهدت عدداً من الممثلات الصغيرات، لكن ميليسا كانت مختلفة، وفيها شيء آسر لا يمكن تجاهله».
وأوضحت أن «ملامحها كانت تجمع بين البراءة والرمز الديني؛ إذ كانت تشبه في بعض اللقطات مريم العذراء، كأنها نسخة فينيقية منها، لا تشبه الصورة النمطية الأوروبية ذات الشعر الأشقر والعينين الزرقاوين، بل مريم الشرقية التي تنتمي إلى بيئتها، وهو ما اعتبرته ملمحاً يضفي على الشخصية عمقاً خاصاً».
وأشارت شارون إلى أن «التجربة الإنتاجية كانت جميلة ومليئة بالانسجام رغم ما حملته من تحديات فنية وثقافية»، مؤكدة أنها لم تواجه مشاكل كبيرة في أثناء التصوير، بل «كانت التجربة ممتعة ومليئة باللحظات المضيئة»، على حد تعبيرها.
وأكدت أن العمل في بلد أجنبي كان في حد ذاته تجربة فريدة، فهي من مواليد فرنسا وتعيش فيها، ووالدها مصري من محافظة «أسيوط»، ولذلك علاقتها وثيقة بمصر وتزورها كثيراً، لكنها ليست لبنانية، ما جعل التجربة في لبنان تحمل بعداً مختلفاً من التحدي والمغامرة.
وأضافت أنها واجهت بعض الصعوبات اللغوية؛ لأن لغتها العربية ليست طليقة، لكنها استطاعت أن تتجاوز ذلك سريعاً، خصوصاً أن اللهجة المصرية قريبة منها، وأنها بعد فترة من الإقامة في لبنان بدأت تلتقط المفردات واللهجة المحلية بسهولة، موضحة أن الفريق اللبناني الذي عمل معها كان رائعاً واحترافياً للغاية.

وحول اختيار لبنان موقعاً للتصوير، أوضحت شارون حكيم أن «السبب يعود إلى أن القصة الأصلية التي كتبتها تمارا سعادة تدور أحداثها في لبنان، وأن هذا السياق هو جزء من هوية العمل نفسه؛ لأنه يتناول مسألة الزواج المختلط دينياً، وهي قضية تحمل خصوصية كبيرة في المجتمع اللبناني».
وأكدت أن هذه الخلفية الاجتماعية والدينية لا يمكن نقلها بسهولة إلى بلد آخر؛ لأن لبنان، كما قالت، «هو البيئة الأكثر تعبيراً عن هذا التداخل بين الطوائف، وما يترتب عليه من إشكالات ثقافية ودينية».
وبيّنت أن «التصوير تم في صيف عام 2023، أي قبل اندلاع الحرب بعدة أشهر، فالظروف الأمنية آنذاك كانت مستقرة، والتصوير جرى في المناطق الجبلية خارج بيروت وليس في قلب المدينة».
وأكدت شارون أن فيلمها يحمل مزيجاً من الدراما والكوميديا رغم الموضوعات الحساسة التي يتناولها، معتبرة أن الكوميديا جزء أساسي من لغتها الفنية، لافتة إلى أن «القضايا الصعبة يجب ألا تُقدَّم دائماً من منظور درامي ثقيل؛ لأن الكوميديا تفتح مساحة أعمق للتأمل والتفاعل، والناس اليوم يعيشون واقعاً مليئاً بالمآسي ولا يحتاجون إلى مزيد من الحزن على الشاشة، بل إلى ما يحرّك بداخلهم التفكير والابتسام في آن واحد»، وفق قولها.
وأكدت شارون أن القصة الأصلية لتمارا سعادة كانت مشبعة بروح الدعابة والسخرية الذكية، وأنها حافظت على تلك الروح في تحويلها إلى لغة سينمائية بصرية، معتبرة أن هذا المزج بين الجرأة والمرح هو ما يمنح الفيلم شخصيته الخاصة.





