أوليفر غلاسنر في كريستال بالاس، وأرني سلوت في ليفربول، وروبن أموريم في مانشستر يونايتد... ثلاث مدارس تدريب مختلفة في الدوري الإنجليزي، لكن يجمعها صراع فكري وتكتيكي متواصل وسط توقعات جماهيرية هائلة.
غلاسنر، الذي توقَّفت سلسلة فريقه الخالية من الهزائم عند 19 مباراة بعد خسارة صعبة أمام إيفرتون، ما زال يُعَدُّ أحد أبرز المدربين تكتيكياً في إنجلترا، بحسب شبكة «The Athletic». وفي المقابل، فإن سلوت يحاول تثبيت مشروعه الجديد في ليفربول بعد تغييرات عدة، بينما يسعى أموريم مع يونايتد لتحقيق أول فوز متتالٍ له في الدوري منذ توليه المسؤولية قبل 34 مباراة.
رحلة إلى «آنفيلد»، هذا الأحد، قد تكون فرصة أموريم لكسر عقدة استمرَّت منذ عام 2016، إذ لم يفز مانشستر يونايتد هناك منذ 9 سنوات.
رغم تشابه الشكل التكتيكي بين مانشستر يونايتد وكريستال بالاس، فإن الفلسفة مختلفة تماماً.
غلاسنر لا يسعى لامتلاك الكرة (فريقه يملك معدل استحواذ 41.3 في المائة فقط - ثالث أقل نسبة في الدوري)، بل يعتمد على الصلابة الدفاعية والهجوم المرتد السريع عبر العمق. أما أموريم، فيتمسك بفلسفة الاستحواذ والسيطرة وبناء اللعب من الخلف، إذ يبلغ معدل استحواذ يونايتد 53 في المائة هذا الموسم.
يونايتد يحاول جذب الخصم للأمام قبل تمرير الكرة خلف الخطوط إلى الأجنحة أو المهاجمين في المواقف الفردية (1 ضد 1). في المقابل، يعتمد بالاس على اللعب المباشر والتمريرات الرأسية السريعة من العمق إلى الأطراف.
الفرق الأكبر، كما يشير التقرير، إلى أن غلاسنر يختار النظام بناءً على نوعية لاعبيه، لا العكس. قال المدرب النمساوي: «النظام ليس المهم، بل العادات والسلوك داخل الملعب. لقد لعبت بكل النُظم: 4 - 4 - 2، و4 - 2 - 3 - 1، و3 - 4 - 3... الأهم هو ما يناسب اللاعبين».
ولهذا، تبدو نسخة 3 - 4 - 3 في بالاس أكثر انسجاماً، بينما لا يزال يونايتد يبحث عن التوليفة المثالية. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، حين كان أموريم مدرباً لسبورتنغ لشبونة، هزم مانشستر سيتي 4 - 1 في دوري الأبطال بـ28 في المائة استحواذ فقط. لكن أموريم قال وقتها: «لا يمكن نقل الواقع من مكان إلى آخر. يونايتد لا يستطيع أن يلعب بهذه الطريقة الدفاعية، نحن نعيش في عالم مختلف».
الفارق أن أموريم مضطر للعب دور المسيطر في أغلب المباريات بحكم تاريخ النادي وتكلفة لاعبيه. ولذلك يعتمد على مدافعه الأوسط للتقدم إلى وسط الملعب وبناء اللعب بتمريرات قصيرة أو «تمريرات الارتداد» لفتح المساحات.
في المقابل، يفضّل غلاسنر التنظيم الدفاعي والضغط المتوسط، ما يمنح لاعبيه وضوحاً في الأدوار ومنعاً للارتباك في التحولات الدفاعية، وهي نقطة ضعف يونايتد المتكررة.
حين فاز بالاس على ليفربول 2 - 1 في سبتمبر (أيلول)، قدَّم نموذجاً دفاعياً ناجحاً يمكن أن يستفيد منه أموريم. اعتمد غلاسنر على بلوك متوسط عدواني، ضيَّق المساحات أمام رايان غرافنبرخ وقطع خطوط التمرير نحو وسط ليفربول.
هذا الضغط الذكي أجبر ليفربول على التراجع وتمرير الكرة للخلف بدلاً من التقدم السريع. كما استخدم بالاس أظهرة تتحرك بجرأة للضغط على الأطراف وإغلاق زوايا التمرير على صلاح ورفاقه.
يونايتد بدأ تطبيق فكرة مشابهة في فوزه الأخير على سندرلاند 2 - 0، إذ لعب ثلاثي الهجوم قريباً جداً من بنجامين سيسكو، لتقليص المسافات والدفاع بشكل مدمج كما يفعل بالاس.
قد يراهن أموريم أيضاً على الضغط العالي في مواقف محددة ضد الحارس جيورجي مامارداشفيلي، الذي يفضِّل اللعب بقدمه اليسرى رغم تلقي أغلب التمريرات على اليمنى، ما يمنح الخصم فرصة ضغط مباغتة. لذلك، يُتوقَّع أن يبدأ مايسون ماونت أساسياً لاستغلال تلك اللحظات.
أموريم سبق أن واجه سلوت في «آنفيلد» في يناير (كانون الثاني) الماضي، في مباراة انتهت 2 - 2 وشهدت تقدم ليساندرو مارتينيز كثيراً إلى الثلث الهجومي، لكنه سيغيب هذه المرة للإصابة.
مانشستر يونايتد ما زال في طور «تعلّم التفاصيل الصغيرة» داخل نظام 3 - 4 - 3، لكن روبن أموريم يُظهر وعياً متزايداً بالفروق بين فلسفته وفلسفة غلاسنر. فإذا تمكَّن من تطويع أفكاره للواقع الإنجليزي، فقد يصبح فريقه من أكثر التشكيلات مرونةً في «البريميرليغ».
أما مواجهة ليفربول المقبلة، فهي فرصة لأموريم ليحقِّق أول انتصار له في «آنفيلد»، ويُقدَّم ما يمكن اعتباره «انتصاراً تكتيكياً شخصياً» يعيد الثقة لجماهير يونايتد.

