نادراً ما تأخذ مباراة كرة قدم قراراً يُثير ردود فعل من رئيس الحكومة البريطانية ومن قادة من جميع الأطياف السياسية. ولكن الليلة الماضية، وبعدما كشفت شبكة «The Athletic» أن مشجعي نادي مكابي تل أبيب الإسرائيلي قد لا يُسمح لهم بحضور مباراة الدوري الأوروبي أمام أستون فيلا في 6 نوفمبر (تشرين الثاني)، أدان رئيس الوزراء كير ستارمر القرار بشدة.
وغرد ستارمر على منصة «إكس» قائلاً: «هذا قرار خاطئ. لن نسمح بمعاداة السامية في شوارعنا. دور الشرطة أن تضمن أن جميع مشجّعي كرة القدم يستطيعون متابعة المباراة من دون خوف من العنف أو الترهيب».
وفي يوم الجمعة، دعا مفوض الشرطة والجريمة في وستميدلاندز، سايمون فوستر، إلى «مراجعة فورية» للقرار، وأصدر أوامره بعقد اجتماع خاص لمجموعة استشارية السلامة في برمنغهام مع شرطة وستميدلاندز. الهدف: أن يُعقد هذا الاجتماع يوم الجمعة.
وأفاد عدة أشخاص مطلعون على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لعدم السماح بالتصريح، لـ«The Athletic»، بأنهم يعتقدون أن القرار سيُلغى، وأن مشجعي مكابي تل أبيب سيُسمح لهم بدخول استاد فيلا بارك. وقد طلبت وحدة شرطة كرة القدم البريطانية أن يُحترم هيكل اتخاذ القرارات الحالي.
وعقب صدور القرار، اتخذ فيلا إجراءات إضافية للتفتيش الأمني وتدابير حماية في مركز تدريبه يوم الجمعة.
وتُشير الأزمة بين إسرائيل وغزة إلى مخاوف بشأن سلامة الجماهير القادمين من إسرائيل. وثمة احتمال لاحتجاجات مؤيدة للفلسطينيين، ومواجهات مضادة من مؤيدي إسرائيل أو من جهات أخرى سياسية.
هناك أيضاً تساؤلات طويلة الأمد حول مشاركة الأندية الإسرائيلية في المسابقات الأوروبية. الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم طالب أكثر من مرة بمنع إسرائيل من المنافسة، وبدوره، يُواجه الاتحاد الأوروبي (يويفا) ضغوط للعمل.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تُصنّف جغرافياً في آسيا، فقد أُخرجت من الاتحاد الآسيوي عام 1974 انطلاقاً من رفض بعض الدول العربية مواجهتها، ثم انضمت إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في 1994.
التوتر في برمنغهام مرتفع؛ إذ تشهد المدينة منذ اندلاع الصراع مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، ويُعدّ قدوم فريق إسرائيلي إليها حدثاً يُمثّل مخاطرة أمنية كبيرة، خصوصاً أن عدد المسلمين يشكّل نحو 30 في المائة من سكان المدينة حسب إحصاء 2021، مما يجعل المباراة «خطيرة» في نظر السلطات الأمنية.
النائب أيّوب خان من دائرة بيري بار في برمنغهام، وقع على عريضة تطالب بإلغاء المباراة أو نقلها أو إقامتها من دون جمهور، قائلاً إن التوترات المحيطة بالمباراة لا تسمح بإقامتها في ظل الظروف الراهنة.
من اتخذ القرار؟ وما الطبقات المؤثرة؟
بحسب المصادر التي تحدثت لـ«The Athletic»، بادرت شرطة وستميدلاندز بطلب منع جماهير الزوار من شراء التذاكر، مستندة إلى تصنيف المباراة على أنها ذات «مخاطر عالية».
تحالف الأمن المحلي، المتمثل بمجموعة استشارية السلامة، التي تضم خدمات الطوارئ، والجهات البلدية، والمنظمين والشرطة، طلب رأياً من الجهات المختصة، واعتمد القرار جزئياً على توصية الشرطة. يُذكر أن اجتماع طارئ جرى صباح الخميس ضمّ ممثلين من مجلس برمنغهام، ونادي فيلا، وأجهزة الأمن، للنظر في الأمر.
نادي أستون فيلا أكّد أن الشرطة حذّرت من مشكلات محتملة خارج الملعب وصعوبة إدارة الاحتجاجات مساء المباراة، وأن النادي يجري محادثات مستمرة مع مكابي تل أبيب والسلطات المحلية.
موقف الاتحاد الأوروبي (يويفا): تنص قوانين «يويفا» على أن الأندية المضيفة يجب أن تُتيح على الأقل 5 في المائة من سعة الملعب لجماهير الزوار، لكن الاتحاد غالباً ما يتعاون مع الأندية والسلطات المحلية لتقييم المخاطر الأمنية.
وعندما طلب منه التعليق، قال الاتحاد: «يريد الاتحاد أن يُتاح للجماهير السفر ومؤازرة فرقهم في بيئة آمنة، ويشجع جميع الأطراف على العمل معاً لوضع التدابير المناسبة لتحقيق ذلك. في كل الأحوال، فإن السلطات المحلية هي المسؤولة عن قرارات السلامة بناءً على تقييمات دقيقة تختلف من مباراة لأخرى».
وقد أثار بعض المسؤولين مخاوف من أن حظر جماهير مكابي قد يضر بفرص فيلا لاستضافة مباريات بطولة أوروبا 2028، خصوصاً بعد أن اختير فيلا بارك أحد الملاعب المضيفة للبطولة.
هل مثل هذا الحظر شائع في المسابقات الأوروبية؟
ليس نادراً أن تُمنع جماهير الزوار في بعض مباريات أوروبا، لكن عادة يكون ذلك بسبب عقوبات «يويفا» على الأندية نتيجة أعمال الشغب أو المخالفات السابقة، وليس بقرار من السلطات المحلية فقط.
فعلى سبيل المثال، في نوفمبر 2023، مُنعت جماهير نادي ليغيا وارسو من دخول فيلا بارك بعد أحداث عنف، وتم تغريم النادي وحرمانه من السفر في مباريات أوروبية لاحقة.
لماذا دخل رئيس الوزراء على الخط؟
تدخّل ستارمر بهذا الحزم يُعدّ غير مسبوق تقريباً في مجال كرة القدم، لكن القرار خالف ما وصفه بأنه «مكافحة معاداة السامية» بإقصاء جماهير فريق إسرائيلي بالكامل. ختاماً، للحظة تحوّل هذا الشأن من ملف رياضي إلى ملف سياسي ووطني، ما أثار استغراب المراقبين.
المعارضة والسياسيون الآخرون دانوا القرار بشدة، ووصفوه بأنه «فضيحة وطنية» من قِبل الرئاسة والمحافظين، وطالبوا بإلغائه فوراً.
المجتمع اليهودي البريطاني رأى في الحظر أمراً «منحرفاً» ومجحفاً ضد جماهير بريئة إذا كانت الشرطة لا تضمن سلامتهم.
وفي إسرائيل، أدان وزير الخارجية غدعون ساعر القرار عبر «X»: «قرار مخزٍ! أدعو السلطات البريطانية إلى التراجع».
من بين المعلنين أيضاً إيميلي دمارِي، التي خُطفت في الماضي على يد «حماس»، وكتبت: «أنا صُدمت من هذا القرار البشع الذي يحرمني ومن عائلتي من دعم فريقنا في مباراة بالمملكة المتحدة».
هل من الممكن أن يُلغى الحظر؟ وكيف يمكن أن يتم ذلك؟
نعم، هناك فرصة لإلغاء القرار:
أولاً، مراجعة داخلية - مفوض الشرطة في وستميدلاندز طلب تحقيقاً من شرطة الولاية لتقييم ما إذا كان القرار عادلاً ومتناسباً، مع النظر في بدائل أخرى أقل تأثيراً من الحظر الكلي. ثانياً، ضغوط الحكومة - بتصريحات رئيس الوزراء وتدخل وزيرة الداخلية والمحافظين، يزداد الضغط على السلطات المحلية لإعادة النظر. ثالثاً، مراجعة مع الجهات المختصة - اجتماع مرتقب بين مسؤولي الثقافة والرياضة والحكومة المركزية مع السلطات المحلية للنظر في حلول أمنية تُمكِّن الجماهير من الحضور بأمان. رابعاً، ترتيبات أمن إضافية مكثفة - قد تُقترح إعادة فتح الحضور مع تقييد أمني مشدد، ومناطق خاصة للجماهير الزائرة، وانتداب أعداد كبيرة من الشرطة، ومراقبة الطرق المحيطة، وغيرها من تدابير التعزيز.
لكن ثمة معارضة لهذا المسار: بعض المسؤولين يرون أن السياسة أُدخلت في مجال عمليات أمنية حساسة، ويحمّلون الضغط السياسي مسؤولية تعطيل عمل الأجهزة الأمنية.
وحتى الآن، فإن القرار الرسمي القاضي بمنع الجماهير الزائرة لا يزال قائماً، لكن الجهود متواصلة لإعادة دراسته وربما التراجع عنه. الوقت القريب سيُبيّن ما إذا كانت الأصوات السياسية والمجتمعية قادرة على تغيير قرار أمني اتُخذ استناداً إلى تقييمات مخاطر، أم لا.
