باريس تستعيد رونق متحفها الفريد لفنون الملاهي

دواليب هواء تعود للقرن التاسع عشر وما زالت تعمل

داخل متحف الملاهي (موقع المتحف)
داخل متحف الملاهي (موقع المتحف)
TT

باريس تستعيد رونق متحفها الفريد لفنون الملاهي

داخل متحف الملاهي (موقع المتحف)
داخل متحف الملاهي (موقع المتحف)

في بلادنا، كان آباؤنا ينتظرون أيام العيدين الكبير والصغير لكي يذهبوا إلى موقع التسلية وينفقوا هناك قروش العيديات التي حصلوا عليها من الأهل والأقارب. ولم تكن تلك الأماكن سوى فضاءات ترابية في ساحات القرى، تنصب فيها أراجيح مربوطة بين جذعي نخلتين، أو قرص خشبي دوار وبدائي يحمل بضعة مقاعد ويسمى «دولاب الهوا». كان ذلك قبل أن تنتشر صالات الألعاب الإلكترونية في النوادي والمجمعات التجارية وتبقى متاحة طوال السنة.

وتتمتع فرنسا بتاريخ عريق مع مدن الملاهي، يعود إلى القرن التاسع عشر، وبالتحديد إلى عام 1897عند افتتاح أول ماكينة تسلية تدار بالقدمين مثل الدراجة الهوائية. وهذه القطعة الفردية ما زالت تعمل حتى اليوم، ويمكن مشاهدتها في المتحف الفرنسي الفريد من نوعه في باريس لألعاب الملاهي. وبلغ من اعتزاز الفرنسيين بخبراتهم في تصنيع الآلات الخاصة بالفضاءات الموسمية للتسلية أن وزارة الثقافة تقدمت، عام 2008، بملف لإدراج تلك الفنون في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي للبشرية. وتم قبول الطلب والانضمام إلى القائمة في 2017. ومع هذا الفوز تجدد الاهتمام بمتحف فنون الملاهي الذي استعاد رونقه.

ويشغل متحف الملاهي مساحة 11 ألفاً و400 متر مربع. ويقصده سنوياً أكثر من 300 ألف زائر من كل الأعمار، يتركون هموم العيش وراءهم ويقضون ساعات في أجواء شبيهة بتلك التي كانت عليها عاصمة النور في ثلاثينات القرن الماضي، أيام ما يسمى «العصر الجميل». لكن هذا المكان متحف وليس صالات للألعاب. فخط الزيارة مرسوم وفق نسق علمي يقود الزوار عبر تسلسل تاريخي وبحسب الأنواع المختلفة من آلات التسالي. فهناك الألعاب الطفولية البسيطة وصولاً إلى دواليب الهواء الشاهقة والسكك التي تسير عليها بسرعة فائقة كابينات مخصصة لشخصين، أو تلك التي تتقلب وتهبط في منحدرات مفاجئة فتهبط معها القلوب. ويعود الفضل في هذا التنسيق إلى جان بول فافان، المخرج المتخصص في تراث العروض الفنية في الهواء الطلق.

وفافان من أولئك الذين لم يدخلوا مدرسة لكنهم علموا أنفسهم بأنفسهم. بدأ حياته بائع خرداوات. ثم اشتغل حاوياً وجامعاً للقطع الباعثة على الدهشة قبل أن يصبح مديراً لمدن الملاهي الصغيرة. وطوال حقبة السبعينات كان يطوف في أسواق العاديات ويجمع كل ما له علاقة بمهنته، حتى تكونت لديه مقتنيات ضخمة تصلح لإنشاء متحف لها يروي تاريخها ويشرح فنون تجميعها وتفكيكها وصيانتها. وبلغ من شهرة مجموعة فافان أن المصور الشهير روبير دوانو خصص له تحقيقاً معززاً بالصور. كما أنه لفت انتباه الرسام سلفادور دالي الذي كان يعده من أصدقائه.

ومنذ أول عيد للملاهي أقيم في منطقة «لوار» جنوب باريس اتسعت الفسح المماثلة، لا سيما في الأعياد والفرص المدرسية وجمعت الآلاف من المشتغلين في فضائها فظهرت مهنة تسمى «الفورين» أي عامل مكائن التسلية. وكانت التسالي الأولى تعتمد على ألعاب الخفة والبهلوانات ونافخي النار وعازفي «الأكورديون» وأيضاً على استعراض ذوي الهيئات المختلفة من البشر، مثل أصحاب السمنة المفرطة، أو طوال القامة بشكل غير معهود، أو الأقزام، أو النساء الملتحيات. وفي حين كانت تلك الأمور تمر دون استهجان قبل 100 عام فإنها تعرضت للانتقاد والمنع فيما بعد.

وعلى عادة خيام السيرك، راحت مدن الملاهي الصغيرة تطوف الريف قرية بعد قرية. وترافقت معها حفلات الموسيقى الشعبية وحلقات الرقص التقليدي المختلط. ثم جاء التلفزيون في الخمسينات ليسحب راغبي التسلية والترفيه إليه دون أن ينجح في إطفاء حمى مدن الملاهي. كانت الفرق تجمع عدتها وآلاتها وتنقلها على ظهور الخيل ثم ظهر البخار وتولت مقطورات الشحن تلك المهمة. واليوم لا تستغني مكائن التسلية عن الكهرباء. وحتى السينما كانت في بداياتها جوالة في المدن والأرياف، بين عامي 1895 و1914. فقد اشترى أصحاب مدن الملاهي حقوق عرض الشرائط المصورة ومنها أفلام المخرج الرائد جورج ميلييه (1861 ـ 1938) لكن الحرب العالمية الأولى قطعت تلك الفعاليات.

كان الزوار الأوائل يتمتعون بتذوق شرائح وحليب جوز الهند. وكانت تلك الفاكهة الاستوائية جديدة ومثيرة للشهية. وفي مرحلة تالية ظهرت حلوى غزل البنات في عام 1904 للمرة الأولى ثم أنواع المثلجات والذرة المشوية. واليوم صارت دخاخين المواقد الغازية وروائح سندويتشات النقانق العربية اللاذعة تجتذب الزوار من البعيد.


مقالات ذات صلة

ملتقى القاهرة للخط العربي... رحلة بصرية بين هيبة التراث وروح الحداثة

يوميات الشرق استعرضت بعض اللوحات أساليب مبتكرة في التكوين (الشرق الأوسط)

ملتقى القاهرة للخط العربي... رحلة بصرية بين هيبة التراث وروح الحداثة

احتفاءً بالخط العربي بوصفه فناً أصيلاً يحمل بين ثناياه دعوة للسلام، والانسجام الإنساني، أطلقت مصر الدورة العاشرة من «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق عبد الحليم رضوي... طاقات تعبيرية ودلالات مفاهيمية ذات طابع معاصر (الشرق الأوسط)

القاهرة تحتفي برائد الفن السعودي عبد الحليم رضوي

يُصاحب معرض رضوي تقديم أعمال نخبة من رواد وكبار التشكيليين المعاصرين في المملكة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)

السينما السعودية تمدّ جسورها إلى الأدب في معرض جدة للكتاب

لم يعد سؤال صنّاع السينما يدور حول عدد العناوين، بل حول أيّ الروايات تصلح لأن تُروى على الشاشة...

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق تحاول الفنانة التشكيلية في هذه المجموعة العبور من المحدود إلى المطلق (الغاليري)

معرض «تفتّحت الزهور من بين حجار الإسمنت المكسور»... عود على بدء

تستخدم ندى صحناوي الألوان الزاهية، بالإضافة إلى الأسود والأبيض. وفي قوالب الزهور الحمراء والبيضاء، يخال للناظر إليها أنها تُشبه كعكة عيد...

فيفيان حداد (بيروت)

انتحار الممثل الأميركي جيمس رانسون

أرشيفية للممثل الأميركي جيمس رانسون (ا.ب)
أرشيفية للممثل الأميركي جيمس رانسون (ا.ب)
TT

انتحار الممثل الأميركي جيمس رانسون

أرشيفية للممثل الأميركي جيمس رانسون (ا.ب)
أرشيفية للممثل الأميركي جيمس رانسون (ا.ب)

توفي الممثل الأميركي جيمس رانسون، الذي جسد شخصية «زيجي سوبوتكا» في مسلسل قناة «إتش بي أو» الشهير «ذا واير» وظهر في العديد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام الأخرى، عن 46 عاماً.

وذكر مكتب الطب الشرعي في مقاطعة لوس أنجليس في سجلاته المنشورة على الإنترنت أن رانسون توفي منتحراً يوم الجمعة.

وتشمل الأعمال السينمائية لرانسون أفلاما مثل «إت: الفصل الثاني»، و«الهاتف الأسود»، و«الهاتف الأسود 2»، كما ظهر في مسلسلات تلفزيونية من بينها دراما الشرطة «بوش» ومسلسل «بوكر فيس».


اعتقال موظف بقصر الإليزيه لاتهامه بسرقة أدوات مائدة قيّمة

أدوات مائدة وقائمة طعام في انتظار حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعشاء الكريسماس مع جنوده في أبوظبي (أ.ف.ب)
أدوات مائدة وقائمة طعام في انتظار حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعشاء الكريسماس مع جنوده في أبوظبي (أ.ف.ب)
TT

اعتقال موظف بقصر الإليزيه لاتهامه بسرقة أدوات مائدة قيّمة

أدوات مائدة وقائمة طعام في انتظار حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعشاء الكريسماس مع جنوده في أبوظبي (أ.ف.ب)
أدوات مائدة وقائمة طعام في انتظار حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعشاء الكريسماس مع جنوده في أبوظبي (أ.ف.ب)

أعلنت النيابة العامة في باريس أن 3 رجال سيمثلون أمام المحكمة، العام المقبل، بعد أن تمَّ اعتقال موظف فضيات يعمل في المقر الرسمي للرئيس الفرنسي، هذا الأسبوع، بتهمة سرقة أدوات فضية وأواني مائدة تقدر قيمتها بآلاف اليوروات.

وأفاد كبير موظفي الفضيات في قصر الإليزيه باختفاء هذه الأدوات، حيث قُدِّرت الخسائر بما بين 15 ألفاً و40 ألف يورو، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

وقد تمكَّن «مصنع سيفر»، الذي زوَّد القصر بمعظم الأثاث، من التعرُّف على عدد من القطع المفقودة بعد ظهورها على مواقع المزادات الإلكترونية. وأدت التحقيقات مع موظفي الإليزيه إلى الاشتباه بأحد موظفي الفضيات، إذ أظهرت سجلات الجرد الخاصة به أنه كان يخطط لعمليات سرقة مستقبلية.

قصر الإليزيه في باريس بفرنسا (رويترز)

وكشفت التحقيقات عن أن الرجل كان على علاقة بمديرة شركة متخصصة في بيع الأدوات المنزلية عبر الإنترنت، خصوصاً أدوات المائدة.

يأتي ذلك بعدما تمكَّن لصوص من الاستيلاء على 8 قطع مجوهرات «لا تُقدَّر بثمن» كانت مملوكة سابقاً لملكات وإمبراطورات فرنسيات، من بينها تيجان مرصعة بالأحجار الكريمة، وقلائد، وأقراط، وبروشات، قبل أن يضطروا إلى الفرار بعد تدخل موظفي المتحف.


«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
TT

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)

اختارت مبادرة «نوابغ العرب» البروفسور اللبناني بادي هاني للفوز بالجائزة عن فئة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية.

وهنّأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، البروفسور هاني، مؤكداً أن استدامة النمو الاقتصادي المرن والمتوازن تُعد ركناً أساسياً لتقدم المجتمعات وازدهار الحضارة الإنسانية. وقال في منشور على منصة «إكس» إن هاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيراكيوز، قدّم «إسهامات استثنائية» في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية، لافتاً إلى أنه نشر أكثر من 200 بحث علمي، وأن كتابه في تحليل نماذج البيانات الاقتصادية بات مرجعاً للباحثين حول العالم.

وأشار الشيخ محمد بن راشد إلى حاجة المجتمعات العربية إلى اقتصاديين محترفين، مؤكداً أن السياسات الفاعلة تُبنى على علم راسخ وبيانات دقيقة، وأن «اقتصاد الأمة يُصنع بعقولها»، معبّراً عن تطلعه إلى «فصل عربي جديد» في مسيرة استئناف الحضارة العربية.

وجاء منح جائزة الاقتصاد هذا العام للبروفسور بادي هاني تقديراً لإسهاماته في تطوير أدوات التحليل الاقتصادي، خصوصاً في مجال «تحليل لوحة البيانات الاقتصادية»، الذي يعزز دقة دراسة البيانات عبر دمج معلومات من فترات زمنية ومصادر متعددة. وأسهمت ابتكاراته، بحسب المبادرة، في تحسين تقييم آثار السياسات الاقتصادية على المدى البعيد وعبر مناطق مختلفة، ما دفع حكومات ومؤسسات إلى تبنّي أساليبه في قياس كفاءة السياسات والإنفاق العام والأطر التنظيمية.

كما قدّم هاني دورات تدريبية لمختصين اقتصاديين ضمن مؤسسات دولية، بينها البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبنوك مركزية عدة. ونشر أكثر من 200 بحث علمي، وله مؤلفات أكاديمية مؤثرة، أبرزها كتاب «تحليل نماذج البيانات الاقتصادية» المرجعي. وهو يحمل درجة البكالوريوس في الإحصاء من الجامعة الأميركية في بيروت، والماجستير من جامعة كارنيجي ميلون، والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا.

وفي إطار الإعلان عن الجائزة، أجرى محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالبروفسور بادي هاني أبلغه خلاله بفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الاقتصاد، مشيراً إلى أهمية الأبحاث والنظريات والأدوات التي طورها على مدى عقود، والتي أصبحت ركيزة أساسية في التحليل الاقتصادي الاستراتيجي القائم على المعطيات والبيانات الدقيقة لاستشراف مستقبل التنمية وتعظيم فرصها.

واعتبر القرقاوي أن فوز هاني يمنح «دافعاً قوياً» لجيل جديد من الباحثين والمحللين والاقتصاديين العرب للإسهام في رسم المرحلة المقبلة من التنمية الشاملة في المنطقة.