تُعد الحرائق من أخطر الكوارث التي تهدد الأرواح والممتلكات حول العالم، إذ تتسبب سنوياً في آلاف الوفيات وخسائر بمليارات الدولارات. ورغم انتشار أجهزة إنذار الدخان، فإن مستشعراتها تفشل غالباً في التنبيه المبكر بسبب الأعطال أو حاجتها إلى تراكم كميات كبيرة من الدخان.
نظام استشعار مبتكر
في السياق، طوّر باحثون من «كلية تاندون للهندسة» بجامعة نيويورك الأميركية نظاماً مبتكراً يعتمد على الذكاء الاصطناعي، قادر على رصد الحرائق خلال 0.016 ثانية باستخدام كاميرات المراقبة العادية، ما يفتح الباب أمام نقلة نوعية في تقنيات الإنذار المبكر.
ويتميز النظام بسرعة فائقة تمنح شاغلي المباني دقائق إضافية للإخلاء وتُمكّن فرق الطوارئ من التدخل المبكر. وعلى عكس أجهزة الإنذار التقليدية، يكتشف الحريق منذ لحظاته الأولى عبر الفيديو فقط، وفق ما نُشر بعدد 15 سبتمبر (أيلول) 2025 من دورية «IEEE Internet of Things Journal».
ولتقليل الإنذارات الكاذبة، دمج الفريق عدة خوارزميات ذكاء اصطناعي مع قاعدة بيانات واسعة لأنواع مختلفة من الحرائق، مثل حرائق المواد القابلة للاحتراق، والحرائق الكهربائية، والحرائق الناتجة عن الطهي، وحقق دقة بلغت 80.6 في المائة ارتفعت إلى 92.6 في المائة بعد إضافة التحليل الزمني لتغير ألسنة اللهب.
ويعمل النظام عبر الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء دون الحاجة إلى معدات جديدة، إذ يمكن تشغيله على أنظمة المراقبة القائمة.
يقول الدكتور برابود بانيندري، الأستاذ المشارك في كلية تاندون للهندسة بجامعة نيويورك، إن أجهزة إنذار الدخان التقليدية تحتاج إلى صيانة دورية ولا تعمل إلا عند وصول تركيز معين من الدخان، ما قد يؤدي إلى فشلها في كشف الحرائق البعيدة أو بطيئة الانتشار.
ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ترصد العلامات البصرية المبكرة مثل اللهب أو أعمدة الدخان الأولى خلال ثوانٍ، وهو وقت حاسم يمنح فرصة أكبر للإخلاء والتدخل السريع. وتغطي الكاميرا الواحدة مساحة أوسع من جهاز إنذار دخان واحد، ما يقلل النقاط العمياء ويساعد على تحديد موقع الحريق بدقة، الأمر الذي يسهّل عمل فرق الإطفاء ويقلل المخاطر على الأرواح والممتلكات.
وأشار إلى أن الكشف المبكر يتيح إرسال إنذارات تلقائية للسكان وخدمات الطوارئ، وإيقاف المرافق الخطرة كالغاز والكهرباء بسرعة، مما يقلل احتمالية الإصابات أو انهيار المباني.

تقنيات متنوعة
مع تصاعد مخاطر الحرائق حول العالم، برزت مجموعة من التقنيات الحديثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لتسريع الكشف والاستجابة، من بينها نظام «Forest Protector» الذي طوره باحثون في جامعة «كوين ماري» بلندن، ويجمع بين أجهزة استشعار موزعة وتقنيات الرؤية الحاسوبية، حيث يوجّه الكاميرات بذكاء لرصد الدخان والحرارة، ما يتيح مراقبة مستمرة بتكلفة منخفضة ويقلل من الإنذارات الكاذبة.
كما قدمت شركة ألمانية طائرة مسيّرة باسم «Silvaguard» تعمل مع شبكة مستشعرات تُعرف بـ«Silvanet»، لكشف إشارات الحرائق مبكراً وإرسال صور حرارية دقيقة حتى في الظروف الصعبة، ما يدعم سرعة اتخاذ القرار. وفي الولايات المتحدة، طورت شركة ناشئة تُدعى «داتا بلانكيت» برمجيات خاصة للطائرات المسيرة تحدد محيط الحرائق وتوفر معلومات لحظية لفرق الإطفاء، مما يقلل المخاطر على الأفراد.
إلى جانب ذلك، يقود «المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا» (NIST) مشروعاً طموحاً لتطوير أنظمة ذكية توفر معلومات آنية لفرق الإطفاء تركز على السلامة وتحسين القرارات الميدانية. أما شركة «أورورا تيك» الألمانية فذهبت إلى الفضاء، إذ تعتمد على أقمار اصطناعية صغيرة (CubeSats) مزودة بكاميرات حرارية تعالج البيانات مباشرة على القمر، ما يتيح إرسال التنبيهات بسرعة أكبر وتغطية مساحات شاسعة.
ويرى الدكتور سونيال كومار، الأستاذ في كلية «تاندون للهندسة» بجامعة نيويورك، أن دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي في مكافحة الحرائق يسهم في إنقاذ الأرواح وتقليل الخسائر بفضل الاكتشاف المبكر والدقيق، ما يسرّع وصول فرق الإطفاء. وتمثل هذه الحلول خياراً اقتصادياً قابلاً للتطبيق، إذ يمكن تشغيلها عبر كاميرات المراقبة العادية لتطوير المباني القديمة والمجتمعات محدودة الموارد دون الحاجة إلى بنية تحتية مكلفة.
ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن دمج التقنية مع الطائرات المسيّرة يتيح رصد الحرائق في مساحات واسعة، فيما توفر الأنظمة المدمجة في سيارات الإطفاء وخوذ رجال الإطفاء والروبوتات صورة أوضح عن موقع النيران واتجاه انتشارها. كما تساعد البيانات المجمعة في تحسين الوقاية والتخطيط عبر رصد بؤر الخطر وتقليل المساحات المحترقة والانبعاثات.
لكنه شدد على ضرورة الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات من خلال دمجها مع أنظمة تحقق معتمدة، مع بقاء العنصر البشري للمراجعة، مؤكداً أن الجمع بين الذكاء الاصطناعي والوسائل التقليدية مثل أجهزة الإنذار والرشاشات وخطط الإخلاء يوفر أفضل حماية حالياً.

