تعيش الأسواق اليابانية حالة من الترقب المشوب بالحذر مع اقتراب انتخابات الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، السبت، والتي ستُحدد رئيس الوزراء القادم وتوجهات السياسة المالية والنقدية، في وقت يشهد فيه الاقتصاد مشهداً مضطرباً، حيث يسجل مؤشر «نيكي» مستويات قياسية بدعم من أسهم الرقائق، بينما تقترب عوائد السندات الحكومية من ذروتها منذ عام 2008، في انعكاس لمخاوف المستثمرين بشأن مستقبل الاقتصاد وأسعار الفائدة.
السباق على قيادة الحزب الحاكم يتمحور حول كيفية الموازنة بين تخفيف أعباء الأسر والمحافظة على الانضباط المالي. ومع إعلان استقالة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا الشهر الماضي، تزايدت التكهنات بأن خليفته سيكون أكثر انفتاحاً على الإنفاق. لكن هوية الفائز ستحدد ملامح السياسة المقبلة.
• أجندات متباينة
ويأتي على رأس المرشحين شينجيرو كويزومي، وزير الزراعة ونجل رئيس الوزراء السابق، والذي يُنظر إليه على أنه مرشح الاستمرارية ويدعم رفع أسعار الفائدة تدريجياً. كما أن هناك يوشيماسا هاياشي، المتحدث باسم الحكومة والمرشح الأوفر حظاً، والذي يعارض التحفيز المالي الكبير، ويدعم خطط «بنك اليابان» لتشديد تدريجي للسياسة النقدية. وفي المقابل، فإن ساناي تاكايتشي، المتشددة مالياً، قد تدفع نحو تخفيضات ضريبية وتحفيز إنفاق واسع؛ وهو ما يثير قلق أسواق السندات والعملات.
ويرى المحللون أن فوز تاكايتشي سيؤدي إلى انحدار منحنى العائد وضعف الين، في حين أن فوز كويزومي أو هاياشي سيبقي على الاستقرار النسبي في الأسواق.
• «نيكي» يسجل قمة تاريخية
وفي آخر جلسات التداول قبل التصويت، قفز مؤشر «نيكي» بنسبة 1.9 في المائة ليغلق عند 45,769.50 نقطة، وهو أعلى مستوى إغلاق على الإطلاق. وجاء الارتفاع مدفوعاً بحماس المستثمرين تجاه تقنيات الذكاء الاصطناعي وقطاع الرقائق.
وارتفعت أسهم شركات كبرى مثل «هيتاشي» أكثر من 10 في المائة بعد تقرير عن شراكة مع شركة «أوبن إيه آي» الأميركية، بينما صعدت أسهم «أدفانتست» و«طوكيو إلكترون» و«سوفت بنك» بدعم من توقعات قوية للطلب على الرقائق وأدوات التصنيع. في حين زاد ضعف الين أمام الدولار من جاذبية أسهم الشركات المصدّرة.
لكن على الرغم من هذا الزخم، يرى المحللون أن أي مفاجأة في نتائج الانتخابات قد تُعيد رسم مشهد السوق سريعاً. وقال ماكي ساوادا، الخبير الاستراتيجي في «نومورا»: «إذا فازت تاكايتشي، فمن المرجح أن ترتفع الأسهم على المدى القصير، لكن عوائد السندات ستقفز والين سيتراجع».
• توتر في سوق السندات
أما سوق السندات الحكومية اليابانية، فتعيش تقلبات منذ مايو (أيار)، مع تراجع الطلب من المشترين التقليديين وتراجع تدخل «بنك اليابان». وفي سبتمبر (أيلول)، بلغ العائد على سندات الثلاثين عاماً مستوى قياسياً عند 3.285 في المائة، بعد إعلان استقالة إيشيبا.
ويوم الجمعة، ارتفع العائد على السندات لأجل عشر سنوات إلى 1.67 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ يوليو (تموز) 2008، في حين استقرت عوائد السندات لأجل خمس سنوات عند 1.235 في المائة. وحسب بيانات بورصة لندن، تتوقع الأسواق رفعاً للفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماع «بنك اليابان» يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) بنسبة 37 في المائة.
• موقف «بنك اليابان»
في خطاب ألقاه في أوساكا، حذّر محافظ «بنك اليابان» كازو أويدا من أن حالة عدم اليقين العالمية قد تدفع الشركات إلى التردد في رفع الأجور، رغم أن التضخم الأساسي يبدو في طريقه للاستقرار فوق هدف البنك البالغ 2 في المائة. وأكد أويدا أن البنك سيواصل تشديد السياسة إذا جاءت البيانات الاقتصادية والأسعار بما يتوافق مع التوقعات، لكنه شدد على ضرورة مراقبة المخاطر الخارجية، مثل تباطؤ سوق العمل الأميركي والرسوم الجمركية العالمية.
وكتب المحللون في «مورغان ستانلي» في مذكرة: «خطاب أويدا لم يُوحِ بزيادة مؤكدة للفائدة هذا الشهر، حيث ركز على ثلاثة عوامل هي التطورات الخارجية، وتأثير الرسوم الجمركية على الشركات اليابانية، واتجاهات أسعار المواد الغذائية».
• الخدمات تتفوق على التصنيع
وعلى صعيد النشاط الاقتصادي، أظهر مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات استمرار التوسع في سبتمبر، حيث ارتفع إلى 53.3 نقطة من 53.1 نقطة في أغسطس (آب)، بدعم من الطلب المحلي القوي. لكن مؤشر مديري المشتريات المركب تراجع إلى 51.3 نقطة بسبب انكماش قطاع التصنيع للشهر الثالث؛ ما يعكس اعتماد الاقتصاد الياباني على الإنفاق المحلي لتعويض ضعف التصدير.
وقالت أنابيل فيديس، المديرة المساعدة للاقتصاد في «ستاندرد آند بورز غلوبال»: «النمو الحالي مدفوع بشكل أساسي بالطلب المحلي، في حين تتراجع الطلبات الخارجية الجديدة على كل من السلع والخدمات».
• قراءة في السيناريوهات المقبلة
مع اقتراب يوم التصويت، يترقب المستثمرون ما إذا كان الفائز سيعطي الأولوية للإنفاق الاجتماعي أو الانضباط المالي. فوز كويزومي أو هاياشي سيُنظر إليه بوصفه خياراً «مطمئناً» للأسواق، بينما فوز تاكايتشي قد يُطلق موجة جديدة من تقلبات السندات وانخفاض الين.
ويقول كازواكي شيمادا، كبير الاستراتيجيين في «إيواي كوزمو للأوراق المالية»: «المتداولون سعّروا فوز كويزومي إلى حد كبير، وبالتالي لن يكون هناك رد فعل كبير. لكن فوز تاكايتشي قد يُنظر إليه على أنه مفاجأة إيجابية لأسواق الأسهم، رغم أنه يثير مخاوف حقيقية في سوق السندات».
كما يرى مراقبون أن سياسات تاكايتشي في مجال الطاقة النووية والدفاع ستنعكس على أسهم بعينها. على سبيل المثال، قفزت أسهم «دايوا موتور» بنحو 12 في المائة بدعم من توجهات كويزومي نحو تحرير قطاع النقل، بينما تراجعت أسهم «سوكيجاوا إلكتريك» بنسبة 1.1 في المائة مع تزايد الشكوك حول استثمارات الطاقة النووية.
وفي الخلاصة، فإن اليابان تدخل مرحلة سياسية واقتصادية دقيقة، حيث أسواق الأسهم مدفوعة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بينما سوق السندات تنذر بمخاطر على المالية العامة، والين يواجه ضغوطاً متزايدة. ومع سباق القيادة المرتقب، ستحدد هوية رئيس الوزراء المقبل ما إذا كانت اليابان ستشهد مزيداً من الاستقرار، أم موجة جديدة من التقلبات عبر الأسهم والعملات والسندات.



