‏«أسبوع الترميم الدولي» يجمع خبراء العالم في الرياض لتعزيز جهود إنقاذ التراث الإنساني

يستعرض أحدث التقنيات المستخدمة للحفاظ على المباني والمواقع التراثية

تناولت الجلسات موضوعات تتصل بتحديات قطاع ترميم التراث وآفاقه (الشرق الأوسط)
تناولت الجلسات موضوعات تتصل بتحديات قطاع ترميم التراث وآفاقه (الشرق الأوسط)
TT

‏«أسبوع الترميم الدولي» يجمع خبراء العالم في الرياض لتعزيز جهود إنقاذ التراث الإنساني

تناولت الجلسات موضوعات تتصل بتحديات قطاع ترميم التراث وآفاقه (الشرق الأوسط)
تناولت الجلسات موضوعات تتصل بتحديات قطاع ترميم التراث وآفاقه (الشرق الأوسط)

في تجمع دولي شهدته العاصمة السعودية، التقى خبراء واستشاريون، وشركات عالمية في «أسبوع الترميم الدولي»، لتبادل الخبرات، وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات في مجال الترميم، واستعراض أحدث الممارسات والتقنيات المستخدمة في الحفاظ على المباني والمواقع التراثية.

وكشف جاسر الحربش رئيس «هيئة التراث»، أن السعودية أدرجت أكثر من 40 ألف موقع تراث عمراني في السجل الوطني للتراث العمراني، وتستهدف الوصول إلى 50 ألف نهاية العام.

وأكد الحربش خلال كلمته في افتتاح فعاليات «أسبوع الترميم الدولي» بحي جاكس في الدرعية، أن أسبوع الترميم يحظى بتجمع دولي يضم خبراء واستشاريون وشركات عالمية من أجل تبادل المعرفة، وتحقيق الشراكة الفاعلة في الترميم، متجاوزاً حدود هذا المفهوم من البناء والعمارة، إلى ترميم كل ما يرتبط بالإنسان.

تناولت الجلسات موضوعات تتصل بتحديات قطاع ترميم التراث وآفاقه (الشرق الأوسط)

وبدأ «أسبوع الترميم الدولي» الذي تنظمه «هيئة التراث»، خلال الفترة من 1 إلى 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2025م، في حي جاكس بالدرعية، بمشاركة نخبة من الجهات المحلية والدولية المتخصصة في الترميم والحفاظ على التراث العمراني.

وشهد يومه الأول، جلسات حوارية، تناولت عدداً من المحاور والموضوعات المتعلقة بتحديات قطاع ترميم التراث وآفاقه، وتناول ضيوف الجلسات، موضوعات الجهود الدولية في معالم وأصول التراث العمراني ومنهجيات الترميم المستدام، والحلول التقنية المبتكرة في الترميم، ودعا المشاركون إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عملية وبشكل فعال لتسريع وتيرة التنمية للقطاع التراثي.

وعلى مدى 5 أيام، يستمر «أسبوع الترميم» في عقد ورش عمل تفاعلية عملية، وجلسات جانبية تتيح للمشاركين فرصة التعرف على أحدث تقنيات الترميم، والمسارات التي تحافظ على المكونات التراثية بالأساليب المبتكرة والحديثة، فيما فتح المعرض الخاص بالحدث، أبوابه بمشاركة دولية واسعة لأكثر من 12 دولة، بدءاً من الجهات والمنظمات والشركات المحلية والدولية وانتهاء بمشاركة القطاع الثالث المهتم بأعمال ومشاريع الترميم.

الجهود الدولية في التراث العمراني ومنهجيات الترميم المستدام على طاولة المحاورين (الشرق الأوسط)

حارسات الذاكرة

في أحد أروقة معرض «أسبوع الترميم الدولي»، سلّط جناح «النساء والتراث» الضوء على مجموعة من المساهمات القيمة التي قدمتها رائدات من نساء العالم، في حماية التراث الثقافي المهدد أو المتضرر من النزاعات، وتأثيرات التغيّر المناخي، والكوارث الطبيعية.

وتتنوع اهتمامات النساء في المعرض، بين معماريات، وعالمات آثار، وراعيات مواقع، وأمينات متاحف، وحرَفيات، ومؤرّخات فنّ، بالإضافة إلى أخصائيات ترميم، عملن خلال مسيرتهنّ في الخطوط الأمامية للحفاظ على الآثار والمواقع والمتاحف والمباني الدينية والمجموعات الفنية، وجميع أشكال التراث اللامادي.

يمثّل المعرض تكريماً لحارسات الذاكرة وللنساء اللواتي عملن على حفظ التراث الثقافي (الشرق الأوسط)

ونفّذ المعرض بجهود من مندوبية الاتحاد الأوروبي لدى السعودية، والتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألف)، التي توّجت بإحدى الجوائز السعودية العام الماضي تقديراً لجهودها القيّمة في حماية التراث في مناطق النزاع أو الأزمات.

وأشاد المعرض بجهود المعمارية السعودية نورا عبد الرحمن غبرة، وبعملها الذي يجمع بين قضايا المناخ والتراث الثقافي والتصميم البيئي. وتعمل غبرة أستاذاً مساعداً في قسم العمارة بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، وأسهمت في مبادرات تراثية كبرى، من بينها توثيق وحفظ موقع التراث العالمي لـ«اليونيسكو» في جدة التاريخية.

كما أشار المعرض إلى جهود الفنانة السعودية، رزان طارق سجيني، وبأعمالها التي ركزت على تعزيز حالة صون مواقع التراث العالمي، وضمان إشراك المجتمعات المحلية في جميع مراحل عملية الحفاظ. ويمثّل المعرض تكريماً لحارسات الذاكرة المشتركة، وللنساء اللواتي، رغم كل الصعاب، عملن على الحفاظ على التراث الثقافي، وضمان نقله إلى الأجيال المقبلة، وتقدير وحفظ الروابط التي تجمع المجتمعات وتشكل مصيرها المشترك.

جناح «النساء والتراث» لمجموعة من المساهمات القيمة التي قدمتها رائدات من نساء العالم (الشرق الأوسط)

وأشاد المعرض بعالمات الآثار والمعماريات من أفغانستان، إذ تزخر أفغانستان بتراث أثري ومعماري متنوع يمتد لآلاف السنين، لكنّ عقوداً من الصراع، إلى جانب الاضطرابات الأمنية والتأثير الكبير لتغير المناخ، جعلت هذه المواقع مهددة بالخطر، ومنذ عام 2019، يقدّم برنامج «ألف» دعمه لمشاريع في أفغانستان بالتعاون مع شركاء محليين ومنظمات دولية لحماية هذه المواقع وترميمها، بما في ذلك المواقع الدينية والأثرية والمعالم التاريخية.

ونجح البرنامج حتى الآن، في دعم 23 مشروعاً بقيمة تقارب 10.5 مليون يورو، واستعرض المعرض صوراً لنساء معماريات وعالمات آثار أفغانيات يعملن على إعادة رسم مخططات المواقع، وذلك ضمن جهود التوثيق والحفظ.

معماريات وعالمات آثار أفغانيات يعملن على إعادة رسم مخططات المواقع ضمن جهود التوثيق والحفظ (الشرق الأوسط)

وتستمر أعمال «أسبوع الترميم الدولي» حتى الأحد المقبل، من خلال ورش العمل، واللقاءات المستمرة بين العاملين في القطاع، لتسليط الضوء على أهمية الترميم بصفته عملية متكاملة تسهم في الحفاظ على المواقع التراثية والهوية التاريخية، إلى جانب تنميتها بأسلوب مستدام يتوافق مع الاحتياجات المعاصرة.

من جانبها أكدت «هيئة التراث» أن «أسبوع الترميم الدولي» يُمثل منصة متخصصة لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين الجهات المعنية بترميم التراث العمراني، كما يعكس التزام السعودية بتطوير معايير الترميم بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، ويعزز من مكانتها في مجال الحفاظ على التراث الثقافي.

على مدى 5 أيام يستمر «أسبوع الترميم» في عقد ورش عمل تفاعلية عملية (الشرق الأوسط)


مقالات ذات صلة

«روتانا ساينز» تعزز حضورها بسوق الإعلانات الخارجية في جدة

عالم الاعمال «روتانا ساينز» تعزز حضورها بسوق الإعلانات الخارجية في جدة

«روتانا ساينز» تعزز حضورها بسوق الإعلانات الخارجية في جدة

تواصل شركة «روتانا ساينز» تعزيز حضورها في مدينة جدة عبر تنفيذ عقد «جسور جدة الرقمية»، بالتعاون مع أمانة جدة.

عالم الاعمال «غروب آي بي»: الدفاع التعاوني صمام الحماية للتحول الرقمي في السعودية

«غروب آي بي»: الدفاع التعاوني صمام الحماية للتحول الرقمي في السعودية

أكد ديمتري فولكوف، الرئيس التنفيذي لدى «غروب آي بي» أن مشهد الأمن السيبراني في السعودية يتسارع مع تسارع التحول الرقمي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق الكاتبة خيرية المغربي مع إصداراتها الأدبية (الشرق الأوسط)

«فلمّا أفَلَت»... حين تدخل الرواية السعودية إلى فضاء السؤال الفكري

في مشهد ثقافي سعودي يتسع للأسئلة بقدر ما يحتفي بالحكايات، تبرز أعمال روائية لم تعد تكتفي برصد التحولات الاجتماعية، بل تمضي أبعد من ذلك، نحو مساءلة الفكر.

أسماء الغابري (جدة)
الاقتصاد جانب من مشاركة «سيسكو» خلال فعالية «بلاك هات» التي عقدت مؤخراً في الرياض (الشرق الأوسط)

«سيسكو»: السعودية وجهة عالمية صاعدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي

أكدت «سيسكو» العالمية أن السعودية باتت إحدى أكثر الأسواق ديناميكية في تبني الذكاء الاصطناعي والتحول إلى الخدمات السحابية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
TT

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)

اختارت مبادرة «نوابغ العرب» البروفسور اللبناني بادي هاني للفوز بالجائزة عن فئة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية.

وهنّأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، البروفسور هاني، مؤكداً أن استدامة النمو الاقتصادي المرن والمتوازن تُعد ركناً أساسياً لتقدم المجتمعات وازدهار الحضارة الإنسانية. وقال في منشور على منصة «إكس» إن هاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيراكيوز، قدّم «إسهامات استثنائية» في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية، لافتاً إلى أنه نشر أكثر من 200 بحث علمي، وأن كتابه في تحليل نماذج البيانات الاقتصادية بات مرجعاً للباحثين حول العالم.

وأشار الشيخ محمد بن راشد إلى حاجة المجتمعات العربية إلى اقتصاديين محترفين، مؤكداً أن السياسات الفاعلة تُبنى على علم راسخ وبيانات دقيقة، وأن «اقتصاد الأمة يُصنع بعقولها»، معبّراً عن تطلعه إلى «فصل عربي جديد» في مسيرة استئناف الحضارة العربية.

وجاء منح جائزة الاقتصاد هذا العام للبروفسور بادي هاني تقديراً لإسهاماته في تطوير أدوات التحليل الاقتصادي، خصوصاً في مجال «تحليل لوحة البيانات الاقتصادية»، الذي يعزز دقة دراسة البيانات عبر دمج معلومات من فترات زمنية ومصادر متعددة. وأسهمت ابتكاراته، بحسب المبادرة، في تحسين تقييم آثار السياسات الاقتصادية على المدى البعيد وعبر مناطق مختلفة، ما دفع حكومات ومؤسسات إلى تبنّي أساليبه في قياس كفاءة السياسات والإنفاق العام والأطر التنظيمية.

كما قدّم هاني دورات تدريبية لمختصين اقتصاديين ضمن مؤسسات دولية، بينها البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبنوك مركزية عدة. ونشر أكثر من 200 بحث علمي، وله مؤلفات أكاديمية مؤثرة، أبرزها كتاب «تحليل نماذج البيانات الاقتصادية» المرجعي. وهو يحمل درجة البكالوريوس في الإحصاء من الجامعة الأميركية في بيروت، والماجستير من جامعة كارنيجي ميلون، والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا.

وفي إطار الإعلان عن الجائزة، أجرى محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالبروفسور بادي هاني أبلغه خلاله بفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الاقتصاد، مشيراً إلى أهمية الأبحاث والنظريات والأدوات التي طورها على مدى عقود، والتي أصبحت ركيزة أساسية في التحليل الاقتصادي الاستراتيجي القائم على المعطيات والبيانات الدقيقة لاستشراف مستقبل التنمية وتعظيم فرصها.

واعتبر القرقاوي أن فوز هاني يمنح «دافعاً قوياً» لجيل جديد من الباحثين والمحللين والاقتصاديين العرب للإسهام في رسم المرحلة المقبلة من التنمية الشاملة في المنطقة.


آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
TT

آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

احتشد آلاف الأشخاص ورقصوا حول «ستونهنج» في إنجلترا، بينما ارتفعت الشمس فوق الدائرة الحجرية ما قبل التاريخ، اليوم (الأحد)، في الانقلاب الشتوي.

وتجمعت الحشود، العديد منهم مرتدون زي الدرويد والمشعوذين الوثنيين، قبل الفجر، منتظرين بصبر في الحقل البارد والمظلم في جنوب غربي إنجلترا. وغنى بعضهم، وضربوا الطبول، بينما أخذ آخرون وقتهم للتأمل بين الأعمدة الحجرية الضخمة.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

يقوم كثيرون بزيارة هذه الدائرة الحجرية كل صيف وشتاء، معتبرين ذلك تجربة روحية. ويعد النصب القديم، الذي بني بين 5000 و3500 سنة مضت، مصمماً ليتوافق مع حركة الشمس خلال الانقلابات، وهي تواريخ رئيسية في التقويم بالنسبة للمزارعين القدماء.

وقالت منظمة إنجلش هيريتاج، المسؤولة عن إدارة «ستونهنج»، إن نحو 8500 شخص احتفلوا يوم السبت بالموقع في سالزبوري بلين، على بعد نحو 75 ميلاً (120 كيلومتراً) جنوب غربي لندن. وأضافت أن البثّ المباشر للاحتفالات جذب أكثر من 242 ألف مشاهدة من جميع أنحاء العالم.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

واليوم (الأحد)، هو أقصر يوم في السنة شمال خط الاستواء، حيث يشير الانقلاب الشتوي إلى بداية الشتاء الفلكي. أما في نصف الكرة الجنوبي، فهو أطول يوم في السنة ويبدأ الصيف.

ويحدث الانقلاب الشتوي عندما تصنع الشمس أقصر وأدنى قوس لها، لكن العديد من الأشخاص يحتفلون به كوقت للتجديد، لأن الشمس بعد يوم الأحد ستبدأ بالارتفاع مجدداً، وستزداد مدة النهار يوماً بعد يوم حتى أواخر يونيو (حزيران).


«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
TT

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

يقدّم الفيلم العراقي «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل، مدينة الجراح المفتوحة، بعد سنوات من محاولته الابتعاد عن العراق وصراعاته، فبعد نجاح فيلمه السابق «لا مكان للاختباء» وما تركه من أثر عاطفي ثقيل عليه، كان المخرج يؤكد لنفسه أنه لن يصوّر في المنطقة مرة أخرى.

لكن المُوصل كما يقول لـ«الشرق الأوسط» أعادت جذبه ببطء حين رأى الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب مع تنظيم «داعش»، وواجه أسئلة لم يتمكن من تجاهلها حول كيفية سقوط مدينة بهذا التاريخ أمام 800 مقاتل فقط، وكيف يحاول سكانها اليوم النهوض من جديد.

الفيلم الذي حصد التانيت الفضي للفيلم الوثائقي الطويل ضمن فعاليات الدورة الـ36 من «أيام قرطاج السينمائية»، بتونس، بدأت رحلة مخرجه من فكرة مختلفة تماماً، إذ كان يبحث عن تحفة أثرية، تُعرف باسم «بطارية بغداد»، ظنّ أنها سُرقت بعد عام 2003، قبل أن يكتشف وجودها في قبو المتحف الوطني.

وثّق الفيلم جانباً من الأضرار التي لحقت بالموصل (الشركة المنتجة)

لكن زيارة إلى الموصل بدّلت مسار الفيلم، ففي أحد الأزقة الضيقة للمدينة القديمة، وقف أمام منزل دُمر بالكامل، ولم يبقَ منه سوى بوابة رخامية، يعلوها أسدان منحوتان، كأنهما الحارسان الأخيران لزمنٍ مضى، هذا المشهد كان كافياً ليقرر أنه أمام قصة أكبر من مجرد بحث أثري، بل أمام ذاكرة مدينة بأكملها.

تعرف أحمد خلال تلك الرحلات إلى بشّار، الصياد ابن الموصل وصاحب المنزل المدمر، 4 أجيال من عائلته عاشت في ذلك البيت، واليوم لم يبقَ لهم سوى هذين الأسدين، في نظر بشّار لم يكونا حجارة، بل كانا امتداداً لعائلته، لذكرياته، لروحه كلها، يذهب يومياً إلى الأطلال ليحرسهما، ويواجه محاولات سرقة متكررة، ويقاوم شعوراً لا ينتهي بأن الدولة تخلّت عنه، وأن مدينته فقدت القدرة على ضمّه، مأساته في الفيلم ليست فقدان منزل فقط، بل فقدان هوية، وفشل محاولات الإقناع بأن الوقت قد حان للبدء من جديد.

رصد الفيلم جوانب مختلفة من الحياة في الموصل (الشركة المنتجة)

وفي مقابل بشار، يظهر فخري، الشخصية التي تضيف بعداً مختلفاً للفيلم، رجلاً ستينياً، جمع على مدى سنوات أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية أنقذها من بيوت مهجورة وبقايا خراب الحرب، وحوّل منزله إلى متحف مفتوح للناس، باع سيارته، ومقتنيات زوجته، ومدخراته كلها ليحافظ على جزء من هوية الموصل. في البداية، كان يحلم بأن يضم باب منزل بشّار إلى مجموعته، معتقداً أنه يحمي تاريخ المدينة من الضياع.

لكن مع الوقت تبدأ تحولات داخلية عميقة تظهر في شخصيته، خصوصاً حين يواجهه صديقه الموسيقار فاضل بأن التاريخ ليس سلعة، وأن ما تبقى لبشّار ليس حجراً بل حياته نفسها، فيصبح هذا الصراع الإنساني بين رجلين يحبان مدينتهما على طريقتين مختلفتين محوراً أساسياً ينبني عليه الفيلم.

أما فاضل، الموسيقار الذي عاش 3 سنوات من الرعب تحت حكم «داعش»، فكان يخفي آلته الموسيقية خشية إعدامه. يخرج اليوم إلى الشارع، يعزف وسط الأنقاض، يعلّم جيلاً جديداً من الشباب ومعظمهم من الفتيات ويعيد الموسيقى إلى مدينة حاول التطرف أن يخنق صوتها، وجوده في الفيلم لا يقدّم بعداً موسيقياً جمالياً فقط، بل يعكس التغيّر الأعمق الذي عاشته الموصل بعد التحرير، انفتاحاً ثقافياً مفاجئاً وغير متوقع، وعودة للحياة المدنية من خلال الفن، لا السياسة.

التصوير كان رحلة محفوفة بالمخاطر كما يؤكد المخرج، فالكاميرا في العراق ليست موضع ترحيب، الناس يخشونها، السلطات تشك فيها، والمخابئ والممرات تحت الأرض كانت لا تزال مليئة بالألغام وبقايا العبوات، كثيراً ما أوقفته الشرطة أو اتهمه البعض بالتجسس، بينما كان يحاول الحفاظ على سلامة فريقه وسلامة الشخصيات التي ترافقه داخل أحياء مهدمة. ومع ذلك، كان الإحساس بأن الوقت ضيق والمدينة تتغير بسرعة دافعاً له للاستمرار، كما لو أنه يصوّر آخر فرصة لتوثيق ما تبقى من ذاكرة شفافة قبل أن تذوب.

خلال 5 سنوات من العمل، جمع المخرج أكثر من 600 ساعة تصوير، لم يكن يعتمد على سيناريو ثابت، بل على تطور القصة من قلب الواقع، وعلى اللحظة التي يلتقطها بعفوية، وعلى مشاهد تنشأ من الصمت أو من جملة يقولها بشّار أو فخري أو فاضل. ولهذا يبدو الفيلم حياً، غير مشكَّل مسبقاً، أقرب إلى تسجيل نبض مدينة تبحث عن روحها.

عودة الروح والموسيقى إلى الموصل بعد تحريرها من أيدي «داعش» (الشركة المنتجة)

يمتد أثر الفيلم إلى ما يتجاوز الشخصيات، فالموصل التي يظهرها أحمد ليست مجرد مدينة مدمرة، بل مدينة تحاول استعادة معمارها وروحها وذاكرتها، حيث نساء يخرجن إلى الساحات من جديد، فنانون يعيدون افتتاح المسرح، موسيقيون يدرّبون أطفالاً صغاراً، ومتحف وطني يُرمَّم بعد أن دمّره «داعش»، كل تفصيلة تتحرك داخل الفيلم باعتبارها جزءاً من سؤال أكبر؛ هل يمكن لمدينة فقدت كل شيء أن تستعيد هويتها؟ وهل يستطيع الإنسان أن يشفى من ذاكرة الحرب؟

ورغم أن الموصل اليوم أكثر أماناً، فإن المخرج يذكّر بأن الأفكار المتطرفة لا تختفي بسهولة، ويرى أن المدينة مثل مرآة للمنطقة كلها، وأن ما يحدث فيها يعكس ما يمكن أن يحدث في مدن أخرى إذا تُركت بلا دعم حقيقي أو دون إعادة بناء للثقة والوعي والانتماء.