في ليلة ستبقى عالقة في ذاكرة جماهير العاصمة الإسبانية، دوّى اسم أتليتكو مدريد في أرجاء ملعبه بعدما أذاق غريمه التقليدي ريال مدريد هزيمة تاريخية بخماسية مقابل هدفين. لم تكن النتيجة مجرد فوز عادي في «الديربي»، بل شكّلت لحظة فارقة؛ فهي أول مرة منذ نحو 75 عاماً ينجح فيها «الروخيبلانكوس» في تمزيق شباك «الميرينغي» بهذا العدد من الأهداف. والأهم من ذلك أن الانتصار تحقق بأسلوب بسيط تقليدي: خطة 4 - 4 - 2؛ وكرات طولية في المساحات، وقراءة دقيقة للفراغات خلف الأظهرة.
دييغو سيميوني، الذي قضى 14 عاماً على مقاعد أتليتكو متنقلاً بين الصرامة الدفاعية والمرونة التكتيكية، عاد في هذه المواجهة الكبيرة إلى جذوره. قال بوضوح بعد المباراة: «كنا نعرف أين يمكن أن نؤذيهم، بالاختراقات على الأطراف عبر نيكولاس غونزاليس، وبابلو باريوس، وجوليان ألفاريز، وجوليانو سيميوني، بينما يبقى سورلوث في العمق لاستغلال الفراغات». وبالفعل، كان ذلك هو المفتاح. فكلما اندفع الظهيران، انكشفت الأطراف، وكلما خرج قلبا الدفاع من مركزيهما، ظهرت الفوضى.
على الجانب الآخر، دخل ريال مدريد اللقاء بخطة أقرب إلى 4 - 2 - 3 - 1 تحت قيادة تشابي ألونسو، لكن الاختلال ظهر سريعاً. أردا غولر تمركزاً ضيقاً من الجهة اليمنى، فيما ترك فينيسيوس جونيور زميله الشاب ألفارو كاريراس وحيداً دون مساندة دفاعية، فباتت الجبهة اليسرى مفتوحة على مصراعيها. أما داني كارفاخال، فقد اندفع كثيراً للأمام بحثاً عن العرضيات، تاركاً خلفه مساحات شاسعة لم يجد أتليتكو صعوبة في استغلالها بتمريرات بسيطة في العمق إلى سورلوث وألفاريز. النتيجة أن إيدير ميليتاو وهويسن جُرّا مراراً إلى مواقع غير مريحة، لتتسع الفجوات وتزداد الفوضى.
ثم جاءت الضربات المضاعفة: إصابة ميليتاو أربكت المنظومة، تلتها إصابة كارفاخال التي أجبرت راوول أسينسيو على شغل مركز الظهير الأيمن، فيما انتقل تشواميني إلى قلب الدفاع. كل ذلك جعل دفاع ريال مدريد هشاً إلى درجة لم يتردد معها أتليتكو في استغلالها. والأدهى أن أول 4 أهداف لـ«الروخيبلانكوس» لم تكن من لعب مفتوح، بل من كرات ثابتة: رأسية روبن لو نورمان بعد كرة حرة، ورأسية سورلوث من رمية تماس، وركلة جزاء لجوليان ألفاريز بعد تدخل غولر العالي في ركنية، وتسديدة مباشرة لألفاريز من ركلة حرة. أما الهدف الخامس فجاء ليؤكد الحكاية: مرتدة سريعة ختمها أنطوان غريزمان في الوقت بدل الضائع.
لكن خلف هذه الأهداف الخمسة، برزت الصورة الأوضح: ريال مدريد بدا هشاً على الأطراف، وضعيفاً في التمركز بين الخطوط، وفاقداً الانضباط الدفاعي. الإصابات عمّقت الجراح، فغياب ألكسندر آرنولد من قبل وإصابة كارفاخال لاحقاً جعلت الفريق دون حلول على مستوى الظهيرين. الكرات الثابتة كشفت عن قلة التركيز، والضغط العالي من أتليتكو أربك البناء وأغلق المساحات.
الدرس الذي خرجت به الجماهير أن سيميوني لم يحتج إلى أساليب معقدة أو خطط مبتكرة؛ فالبساطة كانت كافية لتدمير خصمه: 4 - 4 - 2 تقليدية، وجهد بدني منظم، وكرات في المساحات، واستغلال ثغرات واضحة... أمام كل ذلك، دفع ريال مدريد ثمن غياب الانضباط الدفاعي والإصابات، ليخرج من الديربي بواحدة من أثقل هزائمه في العصر الحديث، وليكتب أتليتكو مدريد فصلاً جديداً في ملحمة تفوقه النادر على جاره الملكي.










