غداة تبلغه من الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بأنه لن يسمح بضم الضفة الغربية، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال خطابه، الجمعة، في الدورة السنوية الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إخراج نفسه وكذلك إسرائيل من العزلة الدولية المتزايدة، بسبب المواقف المتطرفة لحكومته من الجهود المكثفة عالمياً لتسوية النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، ووقف حرب غزة المتواصلة منذ نحو سنتين.
ومع صعود نتنياهو إلى منصة الجمعية العامة، خرج المئات من المسؤولين والدبلوماسيين العالميين من القاعة، فيما كان أعضاء الوفد الإسرائيلي يصفقون له باستمرار.
وبالتزامن مع خطاب نتنياهو الرافض لإنشاء دولة فلسطينية، عبر الرئيس ترمب عن اعتقاده بأنه جرى التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب غزة. وقال للصحافيين في البيت الأبيض: «أعتقد أن لدينا اتفاقاً... يبدو أن لدينا اتفاقاً بشأن غزة. أعتقد أنه اتفاق سيعيد الرهائن، سيكون اتفاقاً ينهي الحرب».

واستهل نتنياهو خطابه في نيويورك برفع خريطة كان رفعها خلال خطابه العام الماضي لإظهار ما سماه «لعنة محور الإرهاب الإيراني»، الذي «يهدد سلام العالم أجمع»، متهماً إيران بأنها «كانت تُطور بسرعة برنامجاً ضخماً للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية» بغية «تدمير ليس إسرائيل فحسب، بل أيضاً تهديد الولايات المتحدة».
وتحدث عن دعم طهران لـ«حماس» و«حزب الله» والحوثيين في اليمن وسوريا بقيادة الرئيس السابق بشار الأسد، مشيراً إلى الحروب التي تشنها إسرائيل على جبهات عدة في المنطقة. وإذ قال أيضاً إنه «يجب ألا نسمح لإيران بإعادة بناء قدراتها النووية العسكرية ومخزوناتها من اليورانيوم المخصب. يجب القضاء على هذه المخزونات، ويجب إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن»، أضاف: «لم ننتهِ بعد».
مستقبل غزة
وطالب نتنياهو «قادة (حماس) المتبقين وسجاني رهائننا: ألقوا أسلحتكم (...) أطلقوا الرهائن الآن، إن فعلتم فستعيشون. وإن لم تفعلوا فستطاردكم إسرائيل».
وأضاف: «إذا وافقت (حماس) على مطالبنا فقد تنتهي الحرب الآن. ستكون غزة منزوعة السلاح»، علماً بأن إسرائيل «ستحتفظ بالسيطرة الأمنية العليا، وستُقام سلطة مدنية سلمية من سكان غزة وغيرهم الملتزمين بالسلام مع إسرائيل».
واتهم إيران والمؤيدين لها بأنهم «يريدون جر العالم الحديث إلى الماضي، إلى عصر مظلم من العنف والتعصب والإرهاب»، فيما «أنتم تعلمون في أعماقكم أن إسرائيل تخوض معركة» دول العالم. وأكد أن «الرئيس ترمب يُدرك أكثر من أي زعيم آخر أن إسرائيل وأميركا تُواجهان تهديداً مشتركاً» من إيران وعملائها.

وعلى خلفية إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والإجراءات التي تتخذها محكمة العدل الدولية حيال تهمة ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، أسف نتنياهو لأن «العديد من القادة الممثلين في هذه القاعة، يوجهون رسالة مختلفة تماماً» بخوض «حرب قانونية ضدنا».
ورأى أن «هذه ليست لائحة اتهام لإسرائيل، بل لائحة اتهام لكم». وادعى أن «إسرائيل تطبق تدابير لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين أكثر من أي جيش في التاريخ»، مشيراً إلى إلقاء إسرائيل ملايين المنشورات وإرسال ملايين الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية من أجل «حض المدنيين على مغادرة مدينة غزة».
وتساءل: «هل ستتوسل دولة ترتكب إبادة جماعية للسكان المدنيين الذين يُفترض أنها تستهدفهم للخروج من مأزقهم؟ هل سنطلب منهم الخروج إذا أردنا ارتكاب إبادة جماعية؟». واتهم «حماس» بأنها هي من «ترتكب إبادة جماعية». واعتبر الكلام عن تجويع الفلسطينيين أنه مجرد «نكتة». وقال إن «أولئك الذين روّجوا لافتراءات الإبادة الجماعية والتجويع ضد إسرائيل ليسوا أفضل حالاً ممن روّجوا لافتراءات ضد اليهود في العصور الوسطى».
وحمل نتنياهو على الاعترافات التاريخية بفلسطين من أكثر من عشر دول، منها أستراليا وكندا وفرنسا والمملكة المتحدة، معتبراً أن «الرسالة التي وجهها القادة الذين اعترفوا بالدولة الفلسطينية (...) هي أن قتل اليهود يُؤتي ثماره». ورأى أن ذلك «سيكون وصمة عار عليكم جميعاً».
وقال: «نحن نؤمن بحل الدولتين، حيث تعيش دولة إسرائيل اليهودية جنباً إلى جنب بسلام مع الدولة الفلسطينية. هناك مشكلة واحدة فقط في ذلك: الفلسطينيون لا يؤمنون بهذا الحل». وقال إن «منح الفلسطينيين دولة على بعد ميل واحد من القدس بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 يشبه منح (القاعدة) دولة على بُعد ميل واحد من مدينة نيويورك بعد 11 سبتمبر (أيلول)» 2001.
وأضاف: «لن تسمح لكم إسرائيل بفرض دولة إرهابية علينا»، مضيفاً أنه جرى تصويت في الكنيست حول الدولة فلسطينية، وجاءت النتائج أنه «من 120 عضواً في برلماننا، صوت 99 ضد، وأيد تسعة فقط». وأوضح أن «هذه نسبة تزيد على 90 في المائة، وليست فئة هامشية. وليس رئيس الوزراء نفسه متطرفاً، أو أنه رهينة لدى أحزاب متطرفة. على يمينه، أكثر من 90 في المائة من الإسرائيليين. معارضتي للدولة الفلسطينية ليست مجرد سياساتي أو سياسة حكومتي، بل هي سياسة دولة وشعب دولة إسرائيل».

السلام الإسرائيلي
وقال نتنياهو إن انتصارات إسرائيل على محور الإرهاب الإيراني «فتحت إمكانات للسلام» مع سوريا، مضيفاً: «بدأنا مفاوضات جادة مع الحكومة السورية الجديدة، وأعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق يحترم سيادة سوريا ويحمي أمن إسرائيل وأمن الأقليات في المنطقة، بمن في ذلك الأقلية الدرزية».
وأكد أن «السلام بين إسرائيل ولبنان ممكن أيضاً»، داعياً الحكومة اللبنانية إلى «بدء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل». وأكد أنه «إذا اتخذ لبنان إجراءات حقيقية ومستدامة لنزع سلاح (حزب الله)، فأنا متأكد من قدرتنا على تحقيق سلام مستدام». وشدد على أن «النصر على (حماس) سيجعل السلام ممكناً مع دول العالمين العربي والإسلامي».
مع ترمب الاثنين
ويترقب المسؤولون الدوليون الاجتماع المقرر، الاثنين المقبل، بين ترمب ونتنياهو في البيت الأبيض؛ لمعرفة الحد الذي يمكن أن يذهب إليه الرئيس الأميركي في ضغوطه على رئيس الوزراء الإسرائيلي، من أجل الحصول على موافقته فيما يتعلق بالخطة المؤلفة من 21 نقطة، التي أشار إليها المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وكذلك فيما يتعلق برفض ترمب ضم أي أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، أو اقتطاع أي أجزاء من غزة. وقال ترمب للصحافيين، الخميس، في المكتب البيضاوي: «لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية. لا، لن أسمح بذلك. لن يحدث ذلك»، مؤكداً أنه تحدث مع نتنياهو في شأن ذلك. وأضاف: «كفى. حان الوقت للتوقف الآن».

وكشف دبلوماسيون عن أن ترمب عرض الخطة على عدد من المسؤولين العرب والمسلمين الكبار خلال اجتماعه معهم في الأمم المتحدة.
ورفض البيت الأبيض كشف أي تفاصيل عن الخطة التي نوقشت أيضاً مع المسؤولين الأوروبيين، وهي تتضمن إشارة واضحة إلى دولة فلسطينية وإدارة انتقالية لغزة بعد الحرب.
وأفاد أشخاص مطلعون بأن مؤتمراً كبيراً لإعادة الإعمار سيُعقد في مصر، وأن الرهائن ورفات الرهائن الإسرائيليين سيعادون في غضون 48 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ. وأضافوا أنه سيكون هناك دور للروابط بين المسؤولين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وهي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، فيما لا يزال مصير المتعاطفين مع «حماس» غير محسوم.
وأفادت صحيفة «الواشنطن بوست» بأنه خلال الاجتماع، أوضح عدد من المسؤولين العرب والمسلمين لترمب أن «التكامل الإقليمي مع إسرائيل سيتأثر إذا واصل نتنياهو ضم الضفة الغربية». ورد ترمب بأنه «لن يسمح لإسرائيل بضم الأراضي المحتلة بالفعل، فيما يُعدّ ممارسة نادرة للضغط الأميركي على نتنياهو».
وقال دبلوماسي إن ويتكوف ومسؤولين أميركيين كباراً آخرين يسعون إلى «التوصل إلى اتفاق بين الدول الإسلامية في شأن رؤيتهم لاتفاق حيال غزة قبل عرضه على نتنياهو».
ونقل عن الدبلوماسيين العرب والأوروبيين أن خطة ترمب «تمثل تحسيناً على الرؤى السابقة لإدارة ترمب. لكن لا يزال هناك انعدام ثقة عميق في أن إسرائيل ستلتزم بأي اتفاق، وأن ترمب سيظل ثابتاً في ضغطه الحالي على نتنياهو»، علماً بأنه «لا يزال الكثيرون يخشون أن السلام في غزة لا يزال احتمالاً بعيداً». وقال أحد كبار الدبلوماسيين: «تحليلنا هو أننا على بُعد خمس دقائق فقط من منتصف الليل. علينا الضغط الآن لإنهاء هذه الحرب، وإلا فستتفاقم الأمور أكثر مما نشهده».
وشدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على أن «الدول العربية والمسلمة نبهت الرئيس (ترمب) إلى مخاطر أي ضم في الضفة الغربية، وما يشكله ذلك من خطر ليس فقط على إمكانية تحقيق السلام في غزة، بل على أي سلام دائم» في المنطقة.
وقال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن هناك إجماعاً دولياً على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل، مؤكداً أن العائق الأساسي أمام تنفيذه هو حكومة نتنياهو.








