أوروبا تناقش إقامة «جدار مضاد للمسيرات» وسط تصاعد انتهاكات لمجالها الجوي

«الناتو»: لا نستطيع تحمل تكلفة إسقاطها بصواريخ باهظة التكلفة... وإغلاق مطار في الدنمارك بعد إنذار

محيط مطار كوبنهاغن (إ.ب.أ)
محيط مطار كوبنهاغن (إ.ب.أ)
TT

أوروبا تناقش إقامة «جدار مضاد للمسيرات» وسط تصاعد انتهاكات لمجالها الجوي

محيط مطار كوبنهاغن (إ.ب.أ)
محيط مطار كوبنهاغن (إ.ب.أ)

يجري ممثلون من الدول الأوروبية محادثات الجمعة، بشأن إقامة «جدار مضاد للمسيرات» لسد الفجوات في أنظمة دفاعهم بعد كثير من الانتهاكات الجوية. وعملت فنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا على مشروع بناء جدار مضاد للطائرات المسيرة، ولكن في مارس (آذار)، رفضت المفوضية الأوروبية طلباً مشتركاً من إستونيا وليتوانيا للحصول على تمويل للمشروع.

وقال سكرتير عام حلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته، إن الجيوش الغربية لا يمكنها الاستمرار في إسقاط المسيرات باستخدام صواريخ باهظة التكلفة. وأضاف روته في مقابلة مع شبكة «تلفزيون بلومبرغ» أن الحلف يتعلم سريعاً من أوكرانيا كيفية مواجهة المسيرات الروسية، وسوف يستخدم تقنيات جديدة خلال الأسابيع المقبلة.

الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي في مقر الحلف ببروكسل (أ.ف.ب)

وتعرضت دول «الناتو» مؤخراً لسلسلة من الانتهاكات لمجالها الجوي بطائرات ومسيرات روسية، وشكلت هذه الحوادث اختباراً غير مسبوق لمصداقية التحالف العسكري، في الوقت الذي كثفت فيه موسكو هجماتها على منشآت البنية التحتية الأوكرانية كذلك.

ومنذ ذلك الحين، تتعرض الحدود الأوروبية لاختبارات على نحو مزداد، من قبل مسيرات مارقة. وجرى إلقاء اللائمة على روسيا في بعض الحوادث، ولكن موسكو نفت ارتكاب أي شيء بشكل متعمد، أو أن لها دوراً في ذلك.

وانطلقت طائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 10 سبتمبر (أيلول)، لإسقاط عدد من المسيرات الروسية التي اخترقت المجال الجوي البولندي في استجابة مكلفة على تهديد رخيص نسبياً. وأمرت السلطات في الدنمارك بإغلاق المطارات بشكل مؤقت الأسبوع الحالي بعدما حلقت مسيرات بالقرب منها.

المسافرون في مطار كوبنهاغن هذا الأسبوع (أ.ف.ب)

وقال روته: «لا يمكن استمرار إسقاط مسيرة تبلغ قيمتها ألفاً أو ألفي دولار باستخدام صاروخ تصل تكلفته إلى نحو نصف مليون أو مليون دولار». ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان «الناتو» يفتقد إلى المعدات اللازمة، أجاب روته: «على المدى القصير، نعم»، موضحاً أن الحلف يتعلم من الأوكرانيين ويطور سريعاً تقنيات سيتم نشرها خلال الأسابيع المقبلة. وذكر الأمين العام أن هذه الجهود تستهدف ضمان أن «تتوافر لدينا تقنيات اعتراض (المسيرات) إلى جانب الوسائل الأكثر تقليدية للتعامل معها».

ويرأس مفوض الدفاع بالاتحاد الأوروبي أندريوس كوبيليوس محادثات الجمعة. ويضم الاجتماع، الذي يجرى عبر رابط فيديو، هذه الدول، ومسؤولين من بلغاريا والدنمارك ورومانيا وسلوفاكيا، وأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

ويهدف الاجتماع إلى تحديد المعدات التي تمتلكها تلك الدول لمواجهة عمليات التوغل بالمسيرات وما الذي قد تحتاجه لسد أي فجوات على طول الجناح الشرقي لـ«الناتو»، وبالنسبة لمفوض الدفاع تحديد أين يمكن أن يكون تمويل الاتحاد الأوروبي مفيداً للجهود.

وأُغلق مطار دنماركي لفترة وجيزة مجدداً ليل الخميس - الجمعة، إثر إنذار ثانٍ بوجود مسيرات، في ظل تصاعد القلق في كوبنهاغن التي تتحدث عن «هجوم هجين» مجهول المصدر يستهدف البلاد منذ مطلع الأسبوع. وأوضحت الشرطة الدنماركية أن المجال الجوي فوق مطار ألبورغ بشمال الدنمارك أُغلق مساء الخميس، إثر رصد طائرات مسيرة في المنطقة قبل أن يُعاد فتحه صباح الجمعة.

وصرحت رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريديريكسن، في رسالة فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي الخميس، بأن البلاد كانت «ضحية لهجمات هجينة»، مشيرة إلى شكل من أشكال الحروب غير التقليدية.

وبينما لم يتمكن المحققون حتى الآن من تحديد هوية الجهة التي تقف وراء تلك الحوادث، قالت فريدريكسن إن روسيا هي «الدولة الرئيسية التي تشكل تهديداً لأمن أوروبا». وعقب لقاء جمعه برئيسة الوزراء، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعداد بلاده «للمساهمة في حماية المجال الجوي الدنماركي».

ومن المقرر أن تبحث دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع عبر الفيديو الجمعة، اقتراحاً من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لإنشاء «جدار دفاعي» مضاد للمسيّرات. وأفادت الشرطة الدنماركية برصد مسيرات في مطارات ألبورغ (شمال) وإيسبيرغ (غرب) وسوندربورغ وقاعدة سكريدستروب الجوية في الجنوب، قبل أن تغادر هذه المواقع.

وتأتي هذه الحوادث بعد اختراق مسيّرات روسية المجالين الجويين البولندي والروماني منتصف سبتمبر، وكذلك دخول مقاتلات روسية الأجواء الإستونية في 19 من الشهر نفسه. ومع ذلك، لم تربط السلطات الدنماركية حتى الآن بين تلك الحوادث والتطورات الأخيرة في أجوائها. من جهتها، أعلنت موسكو أنها «ترفض بشدة» أي تلميح إلى ضلوعها في الأحداث بالدنمارك والتي وصفتها سفارتها في كوبنهاغن بأنها «استفزاز مدبر». وفي ضوء التهديدات المزدادة، أعلنت الحكومة الدنماركية عن عزمها شراء تجهيزات جديدة «لرصد المسيّرات وتحييدها».

وتستعد الدولة الإسكندنافية، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لاستضافة قادة الدول ورؤساء الحكومات في الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، في قمة ستُعقد بالعاصمة كوبنهاغن. كما أجرت رئيسة الوزراء الدنماركية محادثات مع الأمين العام لـ«الناتو» مارك روته، بشأن تعزيز أمن البلاد. وفي الحوادث السابقة، قرر الجيش عدم إسقاط المسيّرات، مبرراً ذلك باعتبارات تتعلق بسلامة المدنيين، وفق ما أوضحه رئيس هيئة الأركان مايكل هيلدغورد. وتأتي هذه التطورات بعد أسبوع من إعلان الدنمارك عن شراء أسلحة دقيقة بعيدة المدى لأول مرة، بهدف تعزيز قدرتها على ضرب أهداف بعيدة، في ظل تقديرات تعتبر أن روسيا ستظل تشكل تهديداً «لسنوات مقبلة».

أعلام الدول الأعضاء بـ«ناتو» أمام مقر الحلف في بروكسل (أ.ب)

وقال متحدث باسم الكرملين الجمعة، إن تصريحات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأن أعضاءه مستعدون لإسقاط الطائرات الروسية «غير مسؤولة». ونقلت قناة «آر تي» التلفزيونية عن المتحدث دميتري بيسكوف، قوله: «لا أريد حتى الحديث عن السيناريوهات التي يزعم فيها (الناتو) أن دوله مستعدة لإسقاط الطائرات الروسية، فهي تصريحات غير مسؤولة على الإطلاق». وأضاف: «اتهامات انتهاك المجال الجوي الأوروبي من قبل طائرات روسية لا تستند إلى أساس أو أدلة أو قرائن».

قال قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي إن الهجمات التي شنتها روسيا في فصلي الربيع والصيف من العام الحالي فشلت في تحقيق أهدافها، مضيفاً أن ذخيرة المدفعية التي تطلقها روسيا تعادل مثلي ما تطلقه أوكرانيا في ساحة المعركة، فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية الجمعة، أن قواتها سيطرت على قرية يوناكيفكا في منطقة سومي بشمال أوكرانيا. وأضاف سيرسكي أن روسيا فشلت في خططها لإنشاء «منطقة عازلة» بمنطقتي سومي وخاركيف والاستيلاء على مدينة بوكروفسك والسيطرة على منطقة دونيتسك بأكملها. والاستيلاء على دونيتسك بأكملها من أهم أهداف الحرب بالنسبة لروسيا التي تسيطر حالياً على أكثر من 70 في المائة من المنطقة وتتقدم فيها ببطء.

مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس ووزير خارجية الدنمارك لارس لوكه راسموسن في اجتماع بكوبنهاغن (إ.ب.أ)

واتّهمت موسكو الجمعة، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتوجيه تهديدات «غير مسؤولة» بعدما قال إن على كبار المسؤولين الروس البحث عن ملاجئ قرب الكرملين ما لم توقف بلادهم عمليتها العسكرية في أوكرانيا. وقال زيلينسكي لموقع «أكسيوس» الأميركي في مقابلة، إن على المسؤولين الروس «أن يعرفوا أماكن الملاجئ... يحتاجون إليها. ما لم يوقفوا الحرب، سيحتاجون إليها».

وذكرت السلطات الروسية الجمعة، أن أوكرانيا واصلت هجماتها الممنهجة بطائرات مسيرة على صناعة النفط الروسية، مستهدفة مصفاة في الجنوب. وقالت السلطات الروسية في منطقة كراسنودار، إن حريقاً صغيراً اندلع في مصفاة أفيبسكي، وإن أجزاء من طائرة مسيرة سقطت داخل المنشأة. وتابعت السلطات الروسية أنه لم تكن هناك أي خسائر بشرية.

من جانبها، ذكرت مصادر أوكرانية أن المصفاة، التي تنتج «بنزين وديزل»، تعرضت سابقاً لهجوم في 28 أغسطس (آب).

المشاركون في اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي بكوبنهاغن (أ.ف.ب)

وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن طائرات مسيرة هددت مرة أخرى سلامة محطة للطاقة النووية الأوكرانية. وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، في بيان: «مرة أخرى، تحلق مسيرات على مسافة قريبة جداً من محطات الطاقة النووية، مما يعرض السلامة النووية للخطر». وقالت الوكالة إنه تم إسقاط مسيرة وانفجرت على بعد نحو 800 متر من محطة جنوب أوكرانيا للطاقة النووية في منطقة ميكولايف الليلة الماضية. ولوحظ ما مجموعه 22 مركبة جوية غير مأهولة، بعضها مر على مسافة قريبة تصل إلى 500 متر من المنشأة. ولم يتم الإبلاغ عن أي أضرار في المحطة نفسها.

وكان هذا هو الحادث الثاني بالقرب من منشأة نووية أوكرانية هذا الأسبوع. وقد ظلت محطة زابوريجيا، التي تحتلها القوات الروسية منذ عام 2022، من دون إمدادات طاقة خارجية لعدة أيام بعد القصف. ولطالما اتهمت موسكو وكييف بعضهما البعض باستهداف الموقع.


مقالات ذات صلة

البيت الأبيض يعلن عقد محادثات أميركية - روسية بشأن أوكرانيا نهاية هذا الأسبوع

الولايات المتحدة​ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محاطاً بقادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين في برلين يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

البيت الأبيض يعلن عقد محادثات أميركية - روسية بشأن أوكرانيا نهاية هذا الأسبوع

يجتمع مسؤولون أميركيون وروس في ميامي نهاية هذا الأسبوع لإجراء محادثات جديدة حول خطة الرئيس دونالد ترمب لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صورة جوية التقطتها طائرة مسيّرة تُظهر الحدود بين إستونيا وروسيا... 15 سبتمبر 2025 (أ.ب)

إستونيا تعتزم بناء تحصينات وخندق مضاد للدبابات لتأمين حدودها مع روسيا

بدأت إستونيا أعمالاً تحضيرية لبناء 5 ملاجئ محصنة تهدف إلى تعزيز دفاعاتها الحدودية في مواجهة هجمات محتملة من جانب روسيا.

«الشرق الأوسط» (ريجا)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ) play-circle

زيلينسكي: موسكو تتهيّأ لـ«سنة حرب» جديدة

أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الأربعاء، إلى أن روسيا تتهيّأ لخوض «سنة حرب» جديدة في أوكرانيا في عام 2026.

«الشرق الأوسط» (كييف )
الاقتصاد مشروع «سخالين 2» للغاز المسال (إكس)

أميركا تسمح بمبيعات النفط من مشروع «سخالين 2» الروسي حتى 18 يونيو

سمحت وزارة الخزانة الأميركية بمبيعات النفط من مشروع «سخالين 2» الروسي حتى 18 يونيو، في خطوة ستسمح باستمرار إنتاج الغاز الطبيعي المسال من المشروع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
رياضة عالمية رومان أبراموفيتش (أ.ب)

ستارمر يضغط على أبراموفيتش لتحويل أموال بيع تشيلسي إلى أوكرانيا

حذّر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، المالك السابق لنادي تشيلسي فيما يخص مبلغ (3.4 مليار دولار) المجمّد من عائدات بيع النادي الذي خصص لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

موسكو وطهران تُوقّعان «خريطة طريق للتنسيق»

 لافروف وعراقجي يوقعان خطة للتنسيق الدبلوماسي للسنوات الثلاث المقبلة (الخارجية الإيرانية)
لافروف وعراقجي يوقعان خطة للتنسيق الدبلوماسي للسنوات الثلاث المقبلة (الخارجية الإيرانية)
TT

موسكو وطهران تُوقّعان «خريطة طريق للتنسيق»

 لافروف وعراقجي يوقعان خطة للتنسيق الدبلوماسي للسنوات الثلاث المقبلة (الخارجية الإيرانية)
لافروف وعراقجي يوقعان خطة للتنسيق الدبلوماسي للسنوات الثلاث المقبلة (الخارجية الإيرانية)

وقّع وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والإيراني عباس عراقجي، في العاصمة الروسية موسكو أمس، «خريطة طريق» للتنسيق الدبلوماسي، في أول تحرك عملي ضمن معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.

وأجرى الوزيران محادثات وُصفت بـ«الشاملة والتفصيلية»، وتناولت العلاقات الثنائية، والملفات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الملف النووي الإيراني.

وأكد لافروف أن الخطة الدبلوماسية تُرسّخ «وضعاً خاصاً» للتعاون الثنائي، وتُحدّد أُطر التنسيق على مدى عقدين، مشيراً إلى أن خطة التشاور الجديدة تُعمّق آليات التنسيق السياسي المنتظم. كما أعلن دعم موسكو لإيران في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، عادّاً الإجراءات والعقوبات الغربية «غير قانونية»، الأمر الذي يُعرقل التسويات السياسية.

من جانبه، شدّد عراقجي على أن طهران ستواصل التخصيب رغم الأضرار التي لحقت بمنشآتها النووية، مؤكداً أن العلاقات مع روسيا «تزداد قُرباً وترابطاً». وأشار إلى أن الخطة الموقّعة «حدّدت أجندة عمل وزارتي الخارجية للفترة من 2026 إلى 2028، لتكون بمثابة خريطة طريق للتعاون خلال السنوات الثلاث المقبلة».


باريس وروما تعترضان على توقيع الاتحاد الأوروبي الاتفاق مع «ميركوسور»

داخل الاتحاد الأوروبي تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا ستسعى إلى إفشال اتفاقية ميركوسور (أ.ف.ب)
داخل الاتحاد الأوروبي تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا ستسعى إلى إفشال اتفاقية ميركوسور (أ.ف.ب)
TT

باريس وروما تعترضان على توقيع الاتحاد الأوروبي الاتفاق مع «ميركوسور»

داخل الاتحاد الأوروبي تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا ستسعى إلى إفشال اتفاقية ميركوسور (أ.ف.ب)
داخل الاتحاد الأوروبي تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا ستسعى إلى إفشال اتفاقية ميركوسور (أ.ف.ب)

انضمت إيطاليا، الأربعاء، إلى فرنسا في المطالبة بإرجاء توقيع الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة الأميركية الجنوبية (ميركوسور)، ما قد يمنع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، من إبرام هذه المعاهدة نهاية الأسبوع الحالي، ويثير حفيظة البرازيل.

فقد أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، عشية قمة أوروبية في بروكسل، أن التوقيع على الاتفاق في الأيام المقبلة سيكون «سابقاً لأوانه»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

تطالب ميلوني بضمانات «كافية» للقطاع الزراعي أولاً، مؤكدة أنها «واثقة من أن كل هذه الشروط ستُلبى بحلول بداية العام المقبل».

يثير هذا التصريح صدمة لدى المفوضية الأوروبية، التي شددت مراراً في الأيام الأخيرة على ضرورة التوقيع على الاتفاق قبل نهاية العام حفاظاً على «مصداقية» الاتحاد الأوروبي، وتجنباً لإثارة استياء شركائه في أميركا اللاتينية.

ورغم حذرها، لا تزال المفوضية الأوروبية متفائلة بإمكانية التوصل إلى اتفاق.

وقال الناطق باسم المفوضية، أولوف غيل، لوكالة الصحافة الفرنسية: «سيناقش رؤساء الدول والحكومات هذا الأمر في القمة الأوروبية» الخميس.

وفي البرازيل، وجّه الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا تحذيراً إلى الأوروبيين، ودعا رئيسة الوزراء الإيطالية والرئيس الفرنسي إلى تحمل «مسؤولياتهما» حتى لا يعيقا التوصل إلى اتفاق.

وقال الرئيس البرازيلي، خلال اجتماع وزاري في برازيليا: «إذا لم نقم بذلك الآن، فإن البرازيل لن توقّع الاتفاق ما دمت رئيسها»، مشيراً: «إذا ما رفضوا، فسوف نتحلّى بالحزم معهم، لأننا أجرينا تنازلات عن كلّ ما يمكن التنازل عنه».

ويعدّ موقف روما من هذه القضية حاسماً.

إلى جانب فرنسا وبولندا والمجر، تمتلك إيطاليا القدرة على تشكيل أقلية معارضة ضمن الدول الأعضاء الـ27، ما يحول دون مناقشة الاتفاقية هذا الأسبوع.

وأقرّ دبلوماسي أوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته، بأن «الوضع قد يتأزم بشدة» نظراً لإصرار كل من ألمانيا وإسبانيا على الموافقة على اتفاقية التجارة الحرة هذه في أسرع وقت ممكن.

وتعهد المستشار الألماني فريدريش ميرتس بممارسة ضغط «مكثّف» على شركائه الأوروبيين، مساء الأربعاء وصباح الخميس، داعياً إلى عدم «الاندفاع في متاهات سخيفة» عندما يتعلّق الأمر باتفاقات تجارية كبرى.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فهو حذّر من جهته من أن «فرنسا ستعارض بشدة» أي مساعٍ من السلطات الأوروبية لفرض هذا الاتفاق، وفق ما أفادت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية مود بريجون، الأربعاء.

وأوضحت بريجون أن فرنسا لا تعتبر من المؤكد أن يؤجّل توقيع المعاهدة قبل قمة بروكسل، لكن تصريحات جورجيا ميلوني «دليل» على أن «فرنسا ليست وحيدة».

احتجاجات في بروكسل

تأمل فون دير لايين التوقيع على هذه المعاهدة في قمة ميركوسور، السبت، في مدينة فوز دو إيغواسو البرازيلية. لكنها تحتاج أولاً إلى موافقة أغلبية مؤهلة من الدول الأعضاء في بروكسل.

من شأن هذه الاتفاقية التجارية مع الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي أن تُنشئ أكبر منطقة تجارة حرة في العالم.

ستُمكّن هذه الاتفاقية الاتحاد الأوروبي من تصدير مزيد من المركبات والآلات والنبيذ والمشروبات الروحية إلى أميركا اللاتينية، كما ستُسهّل دخول لحوم الأبقار والسكر والأرز والعسل وفول الصويا من أميركا الجنوبية إلى أوروبا، ما يثير مخاوف القطاعات الزراعية.

ولا يخفي المزارعون الأوروبيون غضبهم، إذ أعلنوا تنظيم مظاهرة بمشاركة نحو 10 آلاف شخص، الخميس، في بروكسل احتجاجاً على هذه الاتفاقية. وجرت مظاهرة الأربعاء، في مطار لييج بمشاركة بضع مئات من الأشخاص.

كما تجمع نحو 100 مزارع في ستراسبورغ أمام البرلمان الأوروبي.

ولطمأنة القطاع الزراعي، أضاف الاتحاد الأوروبي إجراءات وقائية، منها مراقبة المنتجات الحساسة، مثل لحوم الأبقار والدواجن والسكر، والتعهد بالتدخل في حال حدوث اضطرابات في السوق.

ومساء الأربعاء، أمكن التوصّل إلى تسوية في هذا الصدد بين النواب الأوروبيين وممثلي البلدان الأعضاء، تنصّ على ضمانات للمزارعين أعلى مما أقرّته الدول السبع والعشرون في نوفمبر (تشرين الثاني)، لكن دون مستوى الموقف الذي اعتمده البرلمان الأوروبي، الثلاثاء.

ومع ذلك، لا يُتوقع أن تكون هذه الخطوات كافية لفرنسا. ويأتي هذا المأزق مع بروكسل في ظل حراك زراعي واسع النطاق في فرنسا احتجاجاً على إدارة وباء التهاب الجلد العقدي.

فبعد أسبوع من الاحتجاجات الأولى، استمرت التعبئة ضد إدارة هذا الوباء في النمو، الأربعاء، في فرنسا، مع إغلاق طريق رئيسي جديد يربط تولوز في جنوب غربي البلاد بمناطق المتوسط، وصولاً إلى إسبانيا، رغم وعود الحكومة بتسريع التطعيم.

وداخل الاتحاد الأوروبي، تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا لن تكتفي بتأجيل اتفاقية ميركوسور، بل ستسعى إلى إفشالها رغم المفاوضات المستمرة منذ أكثر من 25 عاماً.

وتعتمد ألمانيا وإسبانيا والدول الإسكندنافية، من جانبها، على هذه الاتفاقية لإنعاش الاقتصاد الأوروبي الذي يُعاني من المنافسة الصينية والتعريفات الجمركية الأميركية.


السجن لإيراني في ألمانيا لإدانته بالإعداد لـ«هجوم إرهابي» ودعم «داعش»

الشرطة تؤمّن سوقاً ميلادية في نورمبرغ بألمانيا 16 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
الشرطة تؤمّن سوقاً ميلادية في نورمبرغ بألمانيا 16 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
TT

السجن لإيراني في ألمانيا لإدانته بالإعداد لـ«هجوم إرهابي» ودعم «داعش»

الشرطة تؤمّن سوقاً ميلادية في نورمبرغ بألمانيا 16 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
الشرطة تؤمّن سوقاً ميلادية في نورمبرغ بألمانيا 16 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

قضت المحكمة الإقليمية العليا في دوسلدورف غربي ألمانيا بسجن شاب (26 عاماً) من مدينة بادربورن بولاية شمال الراين - ويستفاليا الألمانية لمدة ثلاثة أعوام وتسعة شهور لإدانته بالإعداد لتنفيذ «هجوم إرهابي»، ودعم تنظيم «داعش».

وقالت المحكمة إنها ثبت لديها أن الشاب الإيراني أقر في نهاية يناير (كانون الثاني) 2024، عبر محادثة على تطبيق «تلغرام»، أمام أحد أعضاء التنظيم، بأنه سيعمل على دعم التنظيم، وأبدى استعداده للانضمام إلى صفوفه في سوريا، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».

وأضافت المحكمة أنه كان قد بدأ بالفعل قبل ذلك في الحصول على إرشادات لصناعة القنابل، مشيرة إلى أنه بدءاً من مايو (أيار) 2024، قام بتحميل العديد من الإرشادات الأخرى، من بينها تعليمات لصناعة العبوات الناسفة، وإنتاج مواد سامة، واستخدام الأسلحة.

ووفقاً للائحة الاتهام، عثر في الهاتف المحمول الخاص بالمتهم على دليل يشرح كيفية إحداث انفجار نووي وصناعة السم الفائق «الريسين»، مرفقاً بتعليمات للاستخدام السري. كما وجدت تعليمات لتنفيذ هجوم قاتل بالسكاكين، محفوظة تحت عنوان «أفكار ونصائح جهادية».

وتابعت اللائحة أنه في يونيو (حزيران) 2024، فتح المتهم كذلك قناة اتصال مع أرملة أحد مقاتلي تنظيم «داعش»، كانت تعيش مع أطفالها في أحد المخيمات، وأنه حوّل لها من خلال ما يُعرف بنظام «الحوالة»، في 7 يونيو 2024 مبلغ 100 دولار أميركي.

وكان قد تم القبض على الإيراني، الحاصل على اعتراف من السلطات الألمانية بحقه في اللجوء، في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مطار هانوفر.

وذكرت المحكمة أن المتهم كان يخطط للسفر عبر تركيا، بمساعدة مهربين، إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم «داعش» هناك، والحصول على تدريب على استخدام الأسلحة والمتفجرات.

وأضافت المحكمة أن الهدف كان تنفيذ هجمات ضد نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وضد جماعات شيعية منافسة. وكانت محامية الدفاع طالبت ببراءته.

ولم يكتسب الحكم الصادر درجة القطعية بعد.