رصد تقرير الحالة الثقافية السعودية لعام 2024 تفاوتاً في مستويات الإنتاج الثقافي بين نمو واعد وانخفاض واضح، إذ استمر التراجع في أعداد الكتب الأدبية المنشورة، في مقابل توسُّع ملحوظ في دعم ترجمة الكتب من اللغة العربية وإليها. وقد بلغ عدد الكتب المترجمة 743 كتاباً ضمن مبادرة «ترجم»، وتجاوزت نسبة المُترجِمات الإناث فيها النصف.
واتّسم عام 2024 بملامح استقرار انعكست بشكل رئيسي على جانبين من جوانب المشهد الثقافي في السعودية: أولهما المُشاركة الثقافية، إذ سجّلت معدلات الحضور في الأنشطة الثقافية ثباتاً للعام الثاني على التوالي، والآخر الحركة التنظيمية للقطاع الثقافي، إذ شكَّل إصدار تنظيمات الهيئات الثقافية خلال هذا العام خطوة مهمّة نحو مرحلة أكثر نضجاً، بعد سنوات من الجهود التأسيسية المكثّفة.
وأصدرت وزارة الثقافة، الأربعاء، تقرير الحالة الثقافية في السعودية لعام 2024، بعنوان «الأثر الثقافي»، فأضاء على الحراك الثقافي السعودي، مع رصد لتطوراته ومنجزاته والتحدّيات التي واجهته خلال العام، وذلك في 6 فصول شملت: الإدارة والصون، والإبداع والإنتاج الثقافي، والمعارف والمهارات، والمشاركة الثقافية، والاقتصاد الإبداعي، والأثر الثقافي.
تفاوت مستويات الإنتاج الثقافي
عكست البيانات المتوفّرة للتقرير تفاوتاً في مستويات الإنتاج الثقافي بين نمو واعد وانخفاض، ومن ذلك استمرار التراجع في أعداد الكتب الأدبية المنشورة، في مقابل توسُّع ملحوظ في دعم ترجمة الكتب من العربية وإليها. كما شهدت البحوث المنشورة في المجالات الثقافية ارتفاعاً يُنبئ ببوادر واعدة لسدّ الفجوات البحثية التي رُصدت في النسخ السابقة، وقد تمثّل أبرزها في صدور أول بحثَيْن في مجال الأفلام.
ورغم التراجع المُسجَّل في الإنتاج المسرحي، لوحظ تنوّع في الجهات المقدّمة، شمل الفرق المسرحية وأندية الهواة والمسرح الجامعي.
وانخفض عدد الأفلام المنتجة هذا العام، وإنما الأفلام الطويلة حافظت على وتيرة نمو إيجابية خلال السنوات الثلاث الماضية (2022 - 2024)، بنسبة بلغت 41 في المائة. كما رُصد ارتفاع كبير في عدد طلبات وشهادات التسجيل الاختياري لمصنّفات حقّ المؤلف، مما يعكس تنامي الوعي بأهمية حماية الإنتاج الثقافي وفاعلية السياسات المُعتمدة لتنظيمه.

تعزيز دمج الثقافة والفنون في المناهج
أبرز فصل المعارف والمهارات في التقرير ملامح التعليم والتدريب الثقافي لعام 2024، الذي شهد تعزيز دمج الثقافة والفنون في المناهج وتوسُّع الأنشطة الصفية واللاصفية، إلى جانب برامج تدريبية لرفع كفاءة المعلمين، خصوصاً في المراحل المبكرة.
كما نُفذت مبادرات نوعية؛ مثل تدريب معلّمات رياض الأطفال على الفنون السمعية، وبرامج لتأهيل المعلمين للابتعاث في اللغة الصينية، ودورات صيفية في فنون الطهي، مما يعكس توجهاً مُتسارعاً نحو التعليم الفنّي والثقافي.
وفي التعليم العالي، واصل برنامج الابتعاث الثقافي رفد القطاع بكفاءات وطنية متخصّصة مع استقرار أعداد المبتعثين، مؤكداً استمرار بناء مسارات أكاديمية داعمة للقطاع الثقافي المحلّي.

ثبات في معدلات المشاركة الثقافية
وعن واقع المشاركة الثقافية في السعودية، من خلال بُعدَي المشاركة الفردية والجانب الاجتماعي للمشاركة الثقافية، عكست النتائج المقدّمة في التقرير ثباتاً في معدل المشاركة، إذ استقرَّت نسبة مَن شارك في نشاط ثقافي واحد على الأقل عند 69 في المائة من إجمالي عيّنة المسح، مما يشير إلى مرحلة من الاستقرار خلال العامين الماضيين بعد زخم النمو والتعافي الذي أعقب جائحة «كوفيد-19».
وكشفت النتائج عن استمرار في تقارب مستويات المشاركة بين الفئات المختلفة، خصوصاً التساوي بين الجنسين في معدل المُشاركة المتكرّرة.
كما واصلت منظّمات القطاع غير الربحي وأندية الهواة نموّها اللافت لجهة العدد وتنوّع مجالات النشاط، مع انتشار جغرافي أوسع مقارنةً بالأعوام السابقة، إذ بلغ إجمالي عددها هذا العام 140 منظمة غير ربحية و700 نادٍ للهواة.
وأشار التقرير إلى أنه رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا يزال الانتشار الجغرافي بحاجة إلى مزيد من المواكبة مع الكثافة السكانية لضمان عدالة الوصول وفرص المشاركة على مستوى مختلف المناطق.

قياس الأثر الثقافي
رغم ملامح الحيوية في القطاع الثقافي وبوادر النضج المؤسّسي فيه، أشار التقرير إلى عدد من التحدّيات التي تستوجب تكثيف الجهود لمعالجتها والتغلُّب عليها، مثل استمرار أنماط المركزية الجغرافية وتفاوت توزيع الأنشطة الثقافية، إلى جانب الفجوات بين الفئات الاجتماعية في فرص المشاركة والإنتاج، والتحدّيات القائمة في المرافق والبنى التحتية الداعمة للأنشطة الإبداعية.
ومثَّل شحّ البيانات المتوفرة التحدّي الأبرز الذي لم يُسلَّط عليه الضوء بشكل كافٍ، لا سيما عند طرح سؤال الأثر الثقافي، إذ لا تزال إشكالات عدم نضج البيانات، أو عدم تمركزها وشموليتها، أو عدم تحديثها المستمرّ، تعوق رصد المؤشرات الثقافية بدقّة وتتبع ملامح النمو واتجاهاته العامة. وتجلّى هذا التحدّي بوضوح في محاولة قياس الأثر الاقتصادي للثقافة، إذ لا تزال المؤشرات محدودة أو غير محدَّثة، رغم التقدّم الذي تحقّق في تطوير التصنيفات المرتبطة بالحساب الفرعي للثقافة.
