درنة الليبية... سباق لإعادة إعمار المدينة المنكوبة وشكاوى من «بطء العدالة»

اتهام لـ«الوحدة» في الذكرى الثانية لـ«الإعصار» بـ«عدم تعويض المضارين»

وحدات سكنية في مدينة درنة الليبية (جهاز تنمية وإعمار ليبيا)
وحدات سكنية في مدينة درنة الليبية (جهاز تنمية وإعمار ليبيا)
TT

درنة الليبية... سباق لإعادة إعمار المدينة المنكوبة وشكاوى من «بطء العدالة»

وحدات سكنية في مدينة درنة الليبية (جهاز تنمية وإعمار ليبيا)
وحدات سكنية في مدينة درنة الليبية (جهاز تنمية وإعمار ليبيا)

بعد عامين على إعصار «دانيال» الذي اجتاح درنة ومدناً في شرق ليبيا بفيضانات عارمة، مخلفاً آلاف الوفيات ودماراً هائلاً، تتسارع جهود إعادة إعمار المدينة، فيما لا يزال مواطنون يشتكون بقاءهم «بلا مأوى»، مؤكدين أنهم لم يحصلوا على تعويضات، في ظل وجود انتقادات لـ«تباطؤ العدالة» في محاسبة المسؤولين.

من بين أهالي ضحايا المدينة أنعام القاضي، التي لا تزال تلاحقها كوابيس صدمة فقدان أسرتها، وتدمير منزلها في درنة. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «فقد أسرتي جرح غائر لم يندمل»، معبّرة عن «استياء شديد من غياب العقوبة الرادعة للمسؤولين عن هذه الكارثة حتى اللحظة».

تشير القاضي إلى أنها تسلّمت بدل إيجار قدره 100 ألف دينار قبل عامين، غير أن المبلغ نفد سريعاً بسبب إنفاقه على إيجار شقق مفروشة للسكن المؤقت، حيث يصل الإيجار الشهري إلى نحو 2500 دينار. وتوضح أن هذا التعويض لا يتيح شراء منزل جديد، فيما تظل هي وأسرتها بانتظار تنفيذ وعود الحكومة.

وكان القضاء الليبي قد أعاد في يونيو (حزيران) الماضي محاكمة 12 مسؤولاً عن الدمار، الذي لحق بمدن ليبية من جراء الإعصار، وذلك بعد عام على صدور أحكام سابقة بحقهم بالسجن لمدد تراوحت بين 9 و27 عاماً، بتهم «الإهمال والقتل العمد وإهدار المال العام».

ويرى المحامي والناشط الحقوقي، محمد صالح جبريل، أن «المسار القضائي مستمر رغم نقض حكم الإدانة»، مشدداً على أن «العدالة هي السبيل لتهدئة غضب أهالي الضحايا». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مستمرون مع فريق من المحامين في الإجراءات القضائية لتعويض المواطنين مادياً».

رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

ووفق تحقيق أجراه النائب العام الليبي، فقد بلغ عدد الوفيات من جراء الفيضانات 4540 شخصاً في درنة، فيما تم التعرف حتى الآن على هوية 3297 ضحية، وفق ما أعلن كمال السيوي، رئيس هيئة البحث والتعرف على المفقودين، في أغسطس (آب) الماضي.

ويظل ملف تعويضات وجبر ضرر المتضررين في درنة مفتوحاً، وكانت حكومة أسامة حماد المكلّفة من البرلمان الليبي، خصصت 100 ألف دينار لكل من دُمِّر منزله بالكامل من جراء الفيضانات.

في غضون ذلك، لا تزال عائلات من درنة، وفق ما نقله حقوقيون، تشكو «من غياب مأوى دائم أو تعويض مادي، في وقت اضطر فيه كثير من النازحين إلى التنقل بين مدن عدة، بينما وجد آخرون أنفسهم مضطرين لاستئجار شقق مفروشة بأسعار باهظة، تراوحت بين 1500 و2000 دينار»، وهو ما يؤكده الناشط الحقوقي الليبي طارق لملوم لـ«الشرق الأوسط». (الدينار يساوي 5.41 بالسعر الرسمي، و7.58 بالسوق السوداء).

وكانت منظمة «رصد» الحقوقية قد أشارت إلى أن عائلات من درنة ما زالت بلا مأوى دائم أو تعويض مادي، فيما تنقّل كثير من النازحين بين مدن عدة، واضطر الكثير منهم لدفع إيجارات باهظة لشقق مفروشة.

أما أنعام القاضي، فتنقل قلقاً متزايداً بين الأسر المتضررة من «استمرار تأخر تسكين الأسر في منازل جديدة بدرنة، سبق أن وعدت بها السلطات»، ومخاوف أيضاً من «تحميلهم أقساط تلك المنازل المنتظرة، وهو ما يفوق قدراتهم المادية».

بلقاسم حفتر رئيس صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا (الصفحة الرسمية للصندوق)

وسبق أن أعلن «صندوق تنمية وإعمار ليبيا» عن استمرار الخطوات التنفيذية لمشروع ألفي وحدة سكنية في درنة. علماً أن هذا الصندوق يترأسه بلقاسم، نجل القائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر.

ويقول جبريل، وهو من أبناء مدينة درنة: «القيادة العامة لـ(الجيش الوطني) والصندوق بذلا أقصى ما في وسعهما، سواء من حيث الإعمار أو بناء المساكن أو التعويضات».

في المقابل، يُلقي جبريل باللائمة على السلطات في غرب البلاد، ويقول إنها «لم تقدم تعويضات للمضارين رغم هيمنتها على أوجه الإنفاق»، مؤكداً أن «التعويضات مسؤولية الدولة الليبية بأكملها، من بينها المصرف المركزي».

في مقابل ذلك، يرى مسؤولون ليبيون في شرق البلاد أن ما حدث في درنة ومدن أخرى كان نتيجة «عقود من الإهمال والتهميش». ووفق بلقاسم حفتر، فإن «السلطات حققت إنجازات عظيمة في البنية التحتية تمحو ذكريات الحزن والألم».

وخلال العام الماضي، شملت المشاريع المنجزة افتتاح جسر وادي الناقة، ومسجد الصحابة، ومقر مديرية الأمن. غير أن الأرقام الدقيقة لقيمة مشاريع إعادة الإعمار تبقى غائبة، إذ تخضع لإشراف «صندوق تنمية وإعمار ليبيا»، الذي يتمتع باستقلالية قانونية عن الأجهزة الرقابية.

ويبدي قطاع واسع من أهالي درنة امتناناً لجهود الإعمار، لكن إعادة الإعمار وحدها لن تكفي لإحياء درنة، في نظر قطاع من مواطنيها. فوفق رؤية جبريل فإن «الكثير من المواطنين لم يعودوا إلى مدينتهم بسبب محدودية فرص العمل والتنمية»، مؤكّداً أن المدينة «تحتاج إلى مشاريع زراعية وصناعية كفيلة بخلق وظائف وإعادة دوران عجلة الحياة الاقتصادية».

وسط هذه التحديات، يلجأ الليبيون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لاستعادة الذكريات. ومن أكثر القصص تأثيراً ما كتبه عبد الرحيم الطشاني، الذي فقد زوجته وابنتيه: «أخذهم الإعصار في لحظة، ولم أستطع وداعهم، وتركني أعيش أطيافهم في الذاكرة».

إجمالاً، تبدو «درنة اليوم مدينة بين صورتين: واجهة عمرانية جديدة، وواقع إنساني مثقل بالألم»، وفق الباحث السياسي الليبي محمد الأمين.


مقالات ذات صلة

اجتماع أمني وعسكري برئاسة المنفي حول الأوضاع في العاصمة الليبية

شمال افريقيا المنفي والدبيبة يتوسطان قيادات أمنية وعسكرية خلال اجتماع عُقد في طرابلس يوم 22 ديسمبر (المجلس الرئاسي الليبي)

اجتماع أمني وعسكري برئاسة المنفي حول الأوضاع في العاصمة الليبية

قال المجلس الرئاسي الليبي إن رئيسه محمد المنفي اطلع على إحاطة «شاملة ومفصلة» حول الأوضاع الأمنية الراهنة، وسير تنفيذ المهام الموكلة للوحدات العسكرية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة في اجتماع مع مسؤولي المؤسسة الوطنية للنفط - 14 ديسمبر (مكتب الدبيبة)

جدل في ليبيا يستبق تعديلاً وزارياً مرتقباً في «حكومة الوحدة»

تباينت الآراء عقب إعلان رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة عزمه إجراء تعديلات وزارية في حكومته، وسط تساؤلات عن مصير الوزراء الحاليين.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من ترحيل السلطات الليبية لمهاجرين من الجنسية الغانية (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ليبيا ترحّل دفعات جديدة من المهاجرين... براً وجواً

تعمل السلطات الأمنية المعنية بمكافحة الهجرة غير النظامية في ليبيا على إعادة دفعات جديدة من الموقوفين إلى دولهم، براً وجواً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)

ليبيا: «مفوضية الانتخابات» لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق البلديات

تنتظر المفوضية العليا للانتخابات الليبية أحكام المحاكم المختصة في 7 طعون بالبلديات التي أجريت بها عملية الاقتراع السبت الماضي؛ لإعلان النتائج الأولية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا حماد يتوسط قيادات عسكرية وشخصيات نيابية خلال افتتاح مشاريع في سبها الليبية (الحكومة المكلفة من البرلمان الليبي)

حمّاد لا يرى حلاً للأزمة الليبية عبر «تدخلات الخارج»

دعا أسامة حمّاد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب «أبناء الوطن كافة إلى الالتحاق بركب التنمية بعيداً عن أي تدخلات أو إملاءات خارجية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تباين مصري إزاء مقترح تشريعي جديد يُغلّظ عقوبة «سرقة الكهرباء»

تعديلات قانونية لمواجهة سرقة التيار الكهربائي في مصر (الشركة القابضة للكهرباء)
تعديلات قانونية لمواجهة سرقة التيار الكهربائي في مصر (الشركة القابضة للكهرباء)
TT

تباين مصري إزاء مقترح تشريعي جديد يُغلّظ عقوبة «سرقة الكهرباء»

تعديلات قانونية لمواجهة سرقة التيار الكهربائي في مصر (الشركة القابضة للكهرباء)
تعديلات قانونية لمواجهة سرقة التيار الكهربائي في مصر (الشركة القابضة للكهرباء)

تسبّب مقترح تشريعي لتغليظ عقوبة سرقة التيار الكهربائي في مصر، في حالة جدل واسعة، بين من يصف التعديل التشريعي الذي قدمته الحكومة وأقره مجلس الشيوخ بـ«الرادع»، وآخرين يرون العقوبات «غير مناسبة لكل الحالات».

وسرقة الكهرباء تعني الحصول على وصلات غير شرعية من المصدر الرئيسي للطاقة في الحي الذي يقطن فيه سارق التيار، أو باستهلاك الكهرباء دون عداد، أو أن يُركب المواطن عداداً ثم يتلاعب فيه بحيث لا يحسب قيمة استهلاكه الفعلي.

وكان مجلس الشيوخ (الغرفة البرلمانية الثانية) قد وافق، الأحد، على مشروع القانون الذي أحاله مجلس النواب إليه في وقت سابق. وينتظر المشروع مجلس النواب (البرلمان) الجديد، المفترض انعقاده في يناير (كانون الثاني) المقبل، للنظر فيه بعد مناقشته في مجلس الشيوخ، والأخير رأيه استشاري.

مجلس الشيوخ المصري يقر تعديلات لتغليظ عقوبة سرقة التيار الكهربائي في مصر (وزارة الشؤون النيابية)

وبموجب التعديلات المقترحة على القانون رقم 87 لسنة 2015، تُغلّظ عقوبة تسهيل سرقة التيار الكهربائي أو التستر عليها للعاملين في الكهرباء من «الحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر، وغرامة لا تزيد على 50 ألف جنيه (الدولار يساوي نحو 48 جنيهاً)، أو إحدى هاتَين العقوبتَين» إلى «الحبس مدة لا تقل عن عام، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، أو إحدى هاتَين العقوبتَين».

وتغلّظ التعديلات عقوبة سرقة التيار إلى «الحبس مدة لا تقل عن عام وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه أو إحدى هاتَين العقوبتَين»، بديلاً عن «الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على سنتَين، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه أو إحدى هاتَين العقوبتَين».

وانتقد عضو مجلس الشيوخ، رئيس حزب الجيل الديمقراطي، ناجي الشهابي، التعديلات الأخيرة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «التعديل يساوي بين من يصل التيار الكهربائي إليه مضطراً في منزله، لعدم وصول الخطوط الشرعية مثلاً إلى منطقته، ومن يستولي عليه في مصنع أو نشاط تجاري، وهو أمر يفتقر إلى العدالة العقابية».

وأضاف الشهابي أنه طالب خلال الجلسة بالتميز في العقوبة بين المخالفة وما إذا كانت تقع في نطاق سكني أم تجاري أم صناعي، لكن الأغلبية وافقت على التعديلات.

وسجل عدد من النواب الاعتراض ذاته خلال الجلسة، الأحد. وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب «المصري الديمقراطي» في مجلس الشيوخ، محمد طه عليوة، إن «المشروع قد يفتح الباب لفرض غرامات مالية مبالغ فيها، على مواطن بسيط في قرية أو عزبة لا يملك سوى مصباحين وثلاجة»، وفق بيان للحزب، الاثنين.

وأشار عليوة إلى أن «العدالة التشريعية تقتضي التفرقة بين سرقة التيار على نطاق واسع، وحالات الاستهلاك المحدود أو غير المقصود».

في المقابل، تدافع الحكومة عن التعديلات مع استحداث مادة خاصة بالتصالح مقابل دفع ضعفَي قيمة الاستهلاك إذا تم التصالح قبل رفع الدعوى القضائية، وثلاثة أضعافه بعد رفعها، و4 أضعاف بعد صدور الحكم.

واستناداً إلى هذه المادة أكد وزير الشؤون النيابية، محمود فوزي، أن هدف الحكومة ليس توقيع العقوبة على المخالفين، قائلاً خلال مداخلة مع برنامج «الصورة» مع الإعلامية لميس الحديدي، مساء الأحد: «لا نريد أن يذهب أحد إلى المحكمة ولا توقيع عقوبات، نريد التصالح فهو الأسرع والأفضل والأكثر تحقيقاً للعدالة».

وزير الشؤون النيابية خلال جلسة مناقشة تعديلات قانون الكهرباء في مجلس الشيوخ (وزارة الشؤون النيابية والتواصل السياسي)

الأمر نفسه كرره عضو مجلس الشيوخ عن حزب «مستقبل وطن»، عصام هلال عفيفي، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «التعديلات قُدمت بصورة ذهنية سلبية، في حين أنها تأتي في صالح المواطن الملتزم»، لافتاً إلى ما كان يحدث في السنوات الماضية من انقطاعات مستمرة في التيار، واستطاعت الحكومة التغلب عليه، فالقانون يهدف إلى «الحفاظ على هذا المرفق بدوامه واستدامته، خصوصاً أنه يرتبط بأي تنمية».

وكثيراً ما ربطت الحكومة بين أزمة انقطاعات التيار الكهربي وسرقة التيار. وسبق أن علّق رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، على السرقات المضبوطة، قائلاً، في سبتمبر (أيلول) 2024: «لو نصف هذه السرقات لم تكن موجودة، فلن تكون هناك مشكلة في أي شيء، ولن نحتاج إلى تدبير موارد إضافية للكهرباء».

وأضاف عفيفي: «نتحدث عن العقوبة وننسى أنها مرحلة تالية، لا نريد لأحد أن يُعاقب وإنما أن يكون الكل ملتزماً، ومن يأتي بهذا الجرم توجد فرصة له أن يتصالح»، مشدداً على أهمية هذا القانون في ظل الفقد الكبير في الكهرباء نتيجة السرقة.

وتبلغ نسبة الفقد في الكهرباء «20 في المائة من إجمالي الإنتاج، وينقسم إلى جزء فني طبيعي، وآخر ناتج عن السرقات يتخطى تأثيره المالي حاجز 22 مليار جنيه»، وفق نائبة وزير الكهرباء، صباح مشالي، قائلة خلال جلسة «الشيوخ» الأحد، إن «مشروع القانون الجديد لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة متابعة دقيقة للممارسات الميدانية الضارة بالشبكة القومية»، لافتة إلى تحرير نحو 3.4 مليون محضر سرقة للتيار، وفق بيان لوزارة الشؤون النيابية.

ورغم ذلك، ينتقد عضو مجلس النواب (البرلمان) إيهاب منصور، توجه الحكومة إلى «تغليظ العقوبات دون العمل على التوعية»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «البعض لا يعلم أن ما يقوم به مخالف أو تقع بناء عليه هذه العقوبات، والحكومة لا يوجد في قاموسها فكرة التوعية وإنما تهدف إلى تحصيل الأموال».

وخلافه تؤيد عضوة مجلس النواب (البرلمان) فريدة الشوباشي، سياسة «الردع»، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إنه «من المُخجل أن نكون دولة تعمل على تنمية مواردها وما زلنا نتحدث عن سرقة الكهرباء... من يرتكب جُرم فعليه أن يُحاسب عليه».


حوادث التحرش في مصر... زيادة مقلقة أم وقائع فردية؟

وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية (وزارة التربية والتعليم)
TT

حوادث التحرش في مصر... زيادة مقلقة أم وقائع فردية؟

وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية (وزارة التربية والتعليم)

شغلت حوادث «تحرش مدرسي» الرأي العام في مصر خلال الفترة الماضية بعد ضبط «انتهاكات» في أكثر من مدرسة، وأحدثت صدمة لأولياء الأمور الذين تخوفوا على سلامة أبنائهم، في ظل فضاء تعليمي ضخم يضم 25 مليون طالب مسجلين بالمدارس على مختلف أنواعها، وفق إحصاءات رسمية.

وطرحت الحوادث التي جرى التركيز عليها بوسائل الإعلام تساؤلات حول ما إذا كانت تشكل «زيادة مقلقة» يمكن أن تصبح ظاهرة عامة، أم «وقائع فردية» مثلما ذكر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في تعليقه على الأمر، خلال مؤتمر صحافي قبل أيام، نافياً أن تكون قد تحولت إلى «ظاهرة عامة».

لكن مدبولي في الوقت نفسه أشار إلى أن توالي الوقائع يمثل «ناقوس خطر» يستوجب الاهتمام والأخذ في الحسبان، وأكد توجيه «الوزارات المعنية للعمل المشترك في هذا الملف، وتبني نظام استباقي يضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)

ومنذ بداية العام الدراسي الحالي، برزت إعلامياً نحو 15 واقعة تحرش بالمدارس أبرزها في أبريل (نيسان) الماضي، وكان ضحيتها طفل في محافظة البحيرة بدلتا مصر، إلى جانب واقعة مدرسة «سيدز» الدولية بالقاهرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والمتهم فيها 7 عاملين، وواقعة أخرى بإحدى المدارس الدولية بالإسكندرية متهم فيها عامل بالتعدي على 5 أطفال بمرحلة رياض الأطفال، وأصدر فيها القضاء حكماً بإحالة أوراق المتهم إلى المفتي لتنفيذ حكم الإعدام.

ولا توجد إحصاءات رسمية بمتوسط حوادث التحرش التي تقع سنوياً داخل المدارس أو حوادث التحرش التي تقع بوجه عام، غير أن «المجلس القومي للأمومة والطفولة في مصر» أصدر تقريراً عام 2020 أشار فيه إلى أن حوادث العنف الجنسي تشكل نسبة 6 في المائة من إجمالي حوادث العنف المرتكبة ضد الأطفال.

وبالنظر إلى ما تم نشره بوسائل الإعلام المحلية فإن وقائع التحرش التي تم الإبلاغ عنها، هذا العام، وصلت إلى 15 حالة، مقابل 7 حالات عام 2024؛ ما يشير لمضاعفة عدد الحالات التي كان أغلبها بحق طلاب في مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية ثم طالبات المرحلة الثانوية.

وبحسب متابعة ما تم نشره، فإن الجزء الأكبر من الوقائع كان الاتهام فيه لعمال ومعلمين من الذكور، كما أن غالبية الوقائع كانت في أماكن بعيدة عن أعين الرقابة داخل المدرسة سواء كان ذلك في دورات المياه أم غرف مغلقة أم بعيدة عن الفصول، وواقعة واحدة كانت من جانب معلم أحد الدروس الخصوصية؛ حيث اعتدى على طالبة داخل المنزل خارج جدران المدرسة، بينما تورطت معلمة واحدة في الاعتداء على طالب بالمرحلة الثانوية.

وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف في أثناء متابعته اليوم الدراسي في إحدى مدارس الإسكندرية (وزارة التربية والتعليم)

وقال مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد رصد رسمي بعدد حالات التحرش، هذا العام أو الأعوام السابقة، لكن المؤكد أن هذه الوقائع تبقى في طور الحالات الفردية، ولم تصل لأن تصبح ظاهرة جماعية مع وجود 25 مليون طالب في مراحل التعليم قبل الجامعي المختلفة، لكن يوجد تسليط إعلامي مكثف على الوقائع الأخيرة جعلها تتصدر اهتمامات الرأي العام».

وفي المقابل، تشير أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها، هالة منصور، إلى «أن قلة الدراسات الاجتماعية والأكاديمية التي تتناول التحرش كأسلوب عنف منفصل دون حصره مع باقي أنواع العنف تجعل هناك صعوبة في تحديد ما إذا كنا أمام وقائع فردية أم ظاهرة عامة، لكن المؤكد أن هناك زيادة عددية كبيرة في الوقائع المرتكبة داخل المدارس».

وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من الوضع في الحسبان أن المسكوت عنه يفوق كثيراً ما يتم الإبلاغ عنه، والأمر بحاجة لدراسات توضح حجم الحوادث حتى لا يقتصر الأمر على ما يحدث ضد الأطفال داخل المدرسة، ويطول أيضاً النوادي والتمارين ووسائل المواصلات، ويبقى الوضع الحالي في مصر بحاجة إلى ردع بشأن إعلان العقوبة وسرعتها».

وأشارت إلى أن «تعدد الوقائع المرتكبة من جانب معلمين أو أفراد أمن بحق الصغار في مراحل رياض الأطفال أو الابتدائية يجعلنا أمام ظاهرة عددية متكررة ما دامت قد وقعت بنفس الطريقة في توقيتات متقاربة وداخل أماكن واحدة وهي المدرسة، لكن إذا نظرنا إلى الحوادث بوجه عام فلا يمكن الجزم بأننا أمام ظاهرة ما دامت لا توجد دراسات توضح أعداد الحالات بشكل تفصيلي، وتحدد العوامل المحيطة بها».

ويتفق خبراء الإعلام على أن بعض الحوادث تعالَج إعلامياَ بدرجة من الكثافة يفوق حجمها الطبيعي بما يُعطي انطباعاً بانتشارها كونها ظاهرة عامة، ويرجع ذلك إلى أسلوب التناول والتفاعل معها من جانب فئات عديدة دائماً ما تبدي اهتماماً بهذا النوع من حوادث العنف وبينها التحرش.

خبير الإعلام الرقمي، خالد برماوي، يرى أن المنصات الرقمية تسببت في زيادة التركيز على وقائع التحرش، سواء كان ذلك من خلال طبيعة استخدامها وسيلةً يمكن من خلالها إثبات «التحرش الإلكتروني» والإبلاغ عن تلك الوقائع أم من خلال التفاعل الواسع من جانب المواطنين عليها، وإبداء الآراء المختلفة، أم نشر وقائع جديدة عليها.

وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الإعلام التقليدي في المقابل لا يقوم بكل أدواره المطلوبة منه للمساعدة في توصيف الوقائع سواء كانت فردية أم ظاهرة؛ لأنه يتعامل مع ما يتم الإبلاغ عنه دون أن يلعب دوره في التحقيق مما يجري على أرض الواقع، أو إبراز ما هو مسكوت عنه».


اجتماع أمني وعسكري برئاسة المنفي حول الأوضاع في العاصمة الليبية

المنفي والدبيبة يتوسطان قيادات أمنية وعسكرية خلال اجتماع عُقد في طرابلس يوم 22 ديسمبر (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي والدبيبة يتوسطان قيادات أمنية وعسكرية خلال اجتماع عُقد في طرابلس يوم 22 ديسمبر (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

اجتماع أمني وعسكري برئاسة المنفي حول الأوضاع في العاصمة الليبية

المنفي والدبيبة يتوسطان قيادات أمنية وعسكرية خلال اجتماع عُقد في طرابلس يوم 22 ديسمبر (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي والدبيبة يتوسطان قيادات أمنية وعسكرية خلال اجتماع عُقد في طرابلس يوم 22 ديسمبر (المجلس الرئاسي الليبي)

بينما تستعد ليبيا للاحتفال بحلول الذكرى 74 لـ«عيد الاستقلال»، عقد محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي بصفته «القائد الأعلى للجيش»، اجتماعاً عسكرياً وأمنياً موسعاً، تناول استعراض الأوضاع في العاصمة الليبية.

تمرين تعبوي لقوات تابعة لحكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة (منطقة الساحل الغربي العسكرية)

وقال المجلس الرئاسي، الاثنين، إن الاجتماع ضم عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة وزير الدفاع، ورئيس الأركان العامة محمد الحداد، ووزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي، بالإضافة إلى قيادات أمنية وعسكرية عديدة، ومدير إدارة الاستخبارات العسكرية.

وأوضح المجلس الرئاسي أن الاجتماع ناقش «الجاهزية القتالية للوحدات العسكرية، ومستوى الانضباط والتنظيم، إضافة إلى تقييم الخطط العملياتية المعتمدة، وآليات تعزيز التنسيق بين مختلف الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية».

وأُطلع المنفي على إحاطة «شاملة ومفصلة» حول الأوضاع الأمنية الراهنة، وسير تنفيذ المهام الموكلة للوحدات العسكرية، والتحديات الميدانية القائمة، إلى جانب المقترحات الكفيلة برفع كفاءة الأداء العملياتي، وتعزيز الاستقرار، وضمان حماية السيادة الوطنية والحفاظ على الأمن العام.

في غضون ذلك، أعلنت قوات تابعة لحكومة «الوحدة» تنفيذ تمرينات تعبوية وطبية؛ بغرض تعزيز الجاهزية القتالية.

وقالت منطقة الساحل الغربي العسكرية الاثنين إن آمرها، صلاح النمروش، حضر تنفيذ التمرين التعبوي لنهاية هذا العام على مستوى كتيبة مشاة، وانطلاق تنفيذ مشروع «البرق الخاطف»، الذي يهدف إلى رفع مستوى التنسيق والكفاءة العملياتية، وتعزيز الانضباط بمشاركة طلبة الدورات العسكرية، وتحت إشراف مباشر من آمر المنطقة.

وتضمنت فعاليات المشروع - وفق المنطقة العسكرية - تقديم شرح مفصّل للخرائط والخطط المعتمدة باستخدام الشاشات الذكية، إضافة إلى استعراض مراحل التنفيذ، وآليات العمل، والأهداف التكتيكية والعملياتية للمشروع، بما يضمن أعلى درجات التنظيم والانضباط العسكري.

النمروش يتابع تمريناً تعبوياً لوحدات الساحل الغربي (منطقة الساحل الغربي العسكرية)

وعقب الانتهاء من العرض التوضيحي، جرى أخذ الإذن الرسمي من آمر المنطقة العسكرية بالساحل الغربي للشروع في تنفيذ مشروع «البرق الخاطف» وفق الخطة الموضوعة والمعتمدة، بما يسهم في تنفيذ المهام الموكلة بكفاءة عالية وروح قتالية راسخة.

وفي سياق موازٍ، اعتبر مختار الجحاوي، آمر «شعبة الاحتياط بقوة مكافحة الإرهاب» التابعة لحكومة «الوحدة»، أن «وحدة البلاد وتخليصها من كافة العابثين بمستقبلها ـ لم يحددهم ـ أولوية وطنية تستوجب أن يجتمع كل الليبيين عليها».

وقال مساء الأحد خلال مراسم إحياء الذكرى التاسعة لانتصار عملية «البنيان المرصوص» على تنظيم «داعش»، إن «هذا الانتصار لم يكن مجرد معركة عسكرية، بل كان تجسيداً لإرادة الليبيين في استعادة أرضهم وبناء دولتهم بعيداً عن التطرف والظلام»، واصفاً «مستحقات جرحى العملية وجميع الجرحى» بأنها «استحقاق وطني لا يقبل التأخير».

وكانت حكومة «الوفاق» السابقة برئاسة فائز السراج قد أطلقت عملية «البنيان المرصوص» في مايو (أيار) عام 2016 لطرد تنظيم «داعش» من سرت، بمشاركة فصائل غربية رئيسية مدعومة جوياً من الولايات المتحدة، وانتهت بانتصار كامل نهاية العام نفسه رغم خسائر بشرية فادحة.

في غضون ذلك، أعلن الحداد مشاركته الأحد في حفل اختتام فعاليات المعسكر التدريبي الطبي الأول للإسعافات الحربية ورعاية ضحايا القتال التكتيكي بقاعدة الخمس البحرية، تحت إشراف جهاز الطب العسكري، وبحضور رئيس بعثة التدريب التركية، والسفير البريطاني، والملحقين العسكريين لكل من تونس والجزائر والسودان وروسيا وتركيا.

وتستعد ليبيا للاحتفال بـ«عيد الاستقلال»، وأصدر الدبيبة قراراً يقضي باعتبار الأربعاء 24 ديسمبر 2025 عطلة رسمية بهذه المناسبة، وذلك في جميع المؤسسات والهيئات العامة، مع مراعاة الجهات ذات الخدمات الإنسانية والأمنية، وحفظ حق العاملين بها في مقابل العمل وفقاً للتشريعات النافذة.

وبالمثل، أعلن أسامة حماد، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، أن الأربعاء سيكون عطلة رسمية في جميع الوزارات والهيئات العامة والمؤسسات الحكومية بمناسبة «عيد الاستقلال»، مع استثناء المرافق الصحية والأجهزة الأمنية التي تتطلب طبيعة عملها الاستمرار في أداء مهامها.